دماء كيرك على منصة "ماغا".. لهذا وجهت أصابع الاتهام إلى الموساد

كيرك أخبر أحد المقربين منه باعتقاده أن إسرائيل قد تقدم على قتله
في العاشر من سبتمبر/ أيلول 2025 تحولت ساحة جامعة وادي يوتا (UVU) بمدينة أوريم في ولاية يوتا الأميركية، إلى مسرح لواحدة من أكثر الحوادث صدمة في التاريخ السياسي الأميركي الحديث.
فبينما كان الناشط اليميني المتطرف تشارلي كيرك (31 عاما)، أحد أهم داعمي الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يلقي كلمة في فعالية نظمتها منظمة "Turning Point USA" التي شارك في تأسيسها، دوى صوت رصاصة اخترقت رقبته وأردته قتيلا أمام ثلاثة آلاف من أنصاره.
لم يستغرق الخبر سوى دقائق ليتحول إلى عاصفة سياسية وإعلامية، مشهد الفوضى، الدماء، والصراخ بين الحشود، كان إيذانا بمرحلة جديدة تنذر بعنف سياسي في الولايات المتحدة.
بعدها أعلنت السلطات في 12 سبتمبر أن القاتل يدعى تايلور روبنسون، وهو شاب لم يسبق أن تصدر العناوين من قبل، وقد سلمه أقاربه طواعية إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي).
أشارت التحقيقات الأولية إلى أن روبنسون خط شعارات على أغلفة الطلقات التي استخدمها، في مشهد أثار الشبهات بأن الجريمة لم تكن عشوائية.
الصور التي نشرتها الشرطة أظهرت القاتل مرتديا قميصا أسود يحمل العلم الأميركي، ونقشا لنسر، وعبارة "أرض الأحرار، موطن الشجعان".
فيما كشف حاكم ولاية يوتا الأميركية، سبنسر كوكس، أن القاتل كان متأثرا بشدة بأيديولوجيا اليسار.
لكن الأكثر أهمية من شخصية القاتل، كان الجدل الصاخب الذي انفجر على وسائل التواصل الاجتماعي بعد دقائق من الحادثة، حيث وجهت اتهامات غير متوقعة: “الموساد (جهاز الاستخبارات الإسرائيلي) فعلها”، وهو اتهام خارج صندوق الاتهامات المعلبة المصاحبة لمثل هذه الجرائم.
فبينما توقع كثيرون أن تتجه أصابع الاتهام إلى اليسار الأميركي، ظهرت رواية بديلة ومفاجئة على حسابات عديدة تابعة لتيار اليمين نفسه.
وكان لافتا أن متبني نظرية استهداف من قبل الموساد، يمينيون أميركيون محسوبون على قاعدة ترامب، بينهم شخصيات مؤثرة على "إكس".
وحجتهم أن كيرك، رغم دفاعه المعروف عن إسرائيل ودعمه للحرب على غزة، بدأ في الآونة الأخيرة يظهر ميولا لفتح الباب أمام أصوات داخل حركة "ماغا" الداعمة لترامب تنتقد النفوذ الإسرائيلي في الولايات المتحدة.
وضرب الحادث قلب حركة "ماغا"، التي تمثل اليوم أحد التيارات الأكثر زخما في الحزب الجمهوري، وأعاد إلى الواجهة سؤالا أعمق: هل بدأ اليمين الأميركي يراجع علاقة واشنطن بإسرائيل؟ وهل يمكن أن يقود ذلك إلى صدام غير مسبوق؟

خائف من إسرائيل
وفي مفارقة لافتة، وجد اسم إسرائيل نفسه في صدارة الاتهامات بعد مقتل تشارلي كيرك، رغم أنه كان طوال السنوات الماضية من أشد المدافعين عنها داخل التيار المحافظ الأميركي.
المؤثر الأميركي هاريسون سميث أعاد نشر تدوينة عبر حسابه على منصة "إكس"، ذكر فيها أن أحد المقربين من كيرك أخبره بأن الأخير كان يعتقد أن إسرائيل قد تقدم على قتله إذا "انقلب عليها".
حساب آخر يحمل اسما مثيرا للجدل: "Jeffrey Epstein Worked For Israel"، كتب بدوره: “خلال الأسبوعين الماضيين، رأيت منشورا يفيد بأن تشارلي كيرك كان خائفا من أن تقتله إسرائيل إذا خالف أوامرها المؤيدة للصهيونية”.
وأردف: “فكرت حينها: إذا قتل في أي وقت قريب، فستكون إسرائيل هي الفاعلة”، وأضاف الحساب أن "مطلق النار بدا وكأنه مختار بعناية"، في إشارة إلى أن العملية لم تكن عشوائية".
المفارقة أن كيرك نفسه لم يكن خصما لإسرائيل، بل حليفا ثابتا لسنوات طويلة، لكن في الأشهر الأخيرة بدأ يعبر عن مسافة ما تجاه بعض سياساتها، خاصة بعد أن لاحظ تراجع الدعم لها بين الجيل الجديد من الجمهوريين.
وفي أغسطس/ آب 2025، استضاف كيرك مناظرة مع طلاب من جيل Z (ما بعد جيل الألفية)، ضمن أنشطة منظمة "Turning Point USA"، ناقش معهم تنامي التشكيك في جدوى التحالف الأميركي – الإسرائيلي.
وكتب على "إكس": "كما سترون، فهم لا يكرهون إسرائيل أو الشعب اليهودي، لكنهم متشككون في العلاقة الحالية، ويريدون أن يتأكدوا من أن قادة أميركا يضعون بلدهم أولا".
كيرك أوضح أنه عمل بجهد لإقناع المانحين والسياسيين المحافظين وأصدقاء إسرائيل بضرورة فهم هذا التحول بين الشباب.
كما استعاد مراقبون واقعة تعود إلى عام 2023، عندما طالب كيرك إسرائيل بتقديم إجابات واضحة بعد قصفها كنيسة القديس برفيريوس الأرثوذكسية التاريخية في غزة.
وهو ما أسفر عن مقتل مدنيين مسيحيين وتدمير جزء من المبنى الذي يعود عمره إلى 1700 عام. وقد أحدثت تصريحات كيرك حينها جدلا داخل الدوائر اليمينية.
أما الباحث المتخصص في الشأن الأميركي عبد الرحمن يوسف فقد كتب عبر حسابه في "فيسبوك" أن تفسير بعض الأميركيين لاتهام إسرائيل يقوم على أن كيرك بدأ يتأثر بجناح داخل حركة ماغا يتساءل عن حجم النفوذ الإسرائيلي في الولايات المتحدة.
هذا التيار الذي تقوده شخصيات مثل النائبة الجمهورية ماري تايلور جرين المقربة من ترامب، يشهد تناميا داخل القاعدة اليمينية الشعبية.
وبحسب عشرات "الثريدات" على إكس، فإن كيرك كان يستعد لمنح منصته لوجوه معروفة بمناهضتها لإسرائيل، ما عُدّ من جانب أنصاره "خطوة خطيرة" ربما دفعت تل أبيب إلى التخلص منه.

“ماغا” وإسرائيل
وتعرف حركة "ماغا" (MAGA)، وهي اختصار لعبارة Make America Great Again، بأنها أبرز المنظمات السياسية التي ارتبطت بالرئيس دونالد ترامب منذ حملته الرئاسية (خلال الفترة الأولى) عام 2016.
الحركة التي تضم ملايين الأنصار، وتأثر بها كيرك، تقدم في الخطاب الديمقراطي بصفتها “تيارا متطرفا يتبنى عقيدة شبه فاشية”.
لكنها في نظر أعضائها تمثل محاولة لاستعادة مكانة الولايات المتحدة التي فقدتها – حسب تصورهم – بسبب الهجرة، والتعددية الثقافية والعرقية، والعولمة.
وعلى مدى سنوات، ظلت إسرائيل تحظى بدعم غير مشروط من القاعدة المؤيدة لترامب. فقد كان المسيحيون الإنجيليون البيض، الذين يشكلون العمود الفقري لماغا، ومنهم تشارلي كيرك، من أبرز حلفاء تل أبيب داخل السياسة الأميركية.
لكن منذ عام 2023 بدأت ملامح تغير عميق تلوح في الأفق، بعد أن شرعت أصوات من داخل ماغا نفسها في تحدي هذا التحالف، وفتح نقاش علني حول حجم النفوذ الإسرائيلي على القرار الأميركي.
مقال تحليلي نشره موقع The New Arab في 13 أغسطس 2025 للباحث الأميركي جورجيو كافييرو، الرئيس التنفيذي لشركة “تحليلات دول الخليج” Gulf State Analytics، أضاء على هذه الظاهرة.
وعد كافييرو أن ما يحدث هو "تحول متسارع وغير مسبوق"؛ حيث لم تعد الانتقادات لإسرائيل تأتي من يسار الحزب الديمقراطي، بل من قلب اليمين الشعبوي الذي ارتبط بترامب.
حتى إن النائبة الجمهورية مارجوري جرين أصبحت رمزا لهذا التحول، فقد وجهت هجوما لاذعا إلى جماعة الضغط الإسرائيلية الأكثر نفوذا في واشنطن – أيباك.
وقالت: "بإمكانكم أن تتدخلوا، أنا مستعدة تماما لهذا، وهذه معركة سأخوضها، وسأبذل قصارى جهدي، لكني أضمن لكم أنكم ستخسرون؛ لأن أميركا قد سئمت".
لم تتوقف جرين عند ذلك، بل اتهمت إسرائيل بشكل مباشر بارتكاب إبادة جماعية في غزة، وطالبت بتسجيل "أيباك" كـ"جمعية ضغط أجنبية"، في خطوة تكشف عن حجم النقمة داخل قاعدة ترامب على النفوذ الإسرائيلي.
ووسط هذا المشهد المعقد، برز اسم تشارلي كيرك كأحد أكثر الأصوات تأثرا وتأثيرا في حركة ماغا أيضا، خصوصا بين جيل الشباب الجامعي والإنجيليين المحافظين.

انقلاب الموازين
يرى الناشط المقيم في الولايات المتحدة كريم رزق أن "الإشارة إلى إسرائيل والموساد في حادثة اغتيال تشارلي كيرك من قبل اليمينيين والمحافظين تمثل انقلابا حقيقيا في الموازين، إذ من المعتاد أن يوجه هؤلاء أصابع الاتهام إلى اليسار أو المسلمين أو المهاجرين والأجانب".
وأضاف لـ "الاستقلال": "حتى حاكم ولاية يوتا نفسه صرح تصريحا شهيرا مفاده أنه قضى 33 ساعة يصلي ألا يكون القاتل أميركيا أبيض، هذه طبيعة التفكير العنصري المتجذر في أوساط اليمين الأميركي".
وأوضح رزق أن بعض التحليلات ذهبت إلى عدّ ما جرى مؤامرة متكاملة، حيث يعتقد أن القاتل قد يكون عميلا صهيونيا، وأن الهدف من العملية هو إلقاء التهمة على اليساريين والأقليات، بما يؤدي إلى إثارة غضب المجتمع الأميركي ضدهم، وبالتالي تعزيز التأييد لترامب ولسياساته المتطرفة.
كما لفت إلى أن أطرافا أخرى رأت أن "الاغتيال جرى فعلا بأيد صهيونية؛ لأن كيرك بدأ أخيرا في الاستماع إلى الأصوات المناهضة لإسرائيل، وهو ما قد ينذر بتحوله عن مساره المؤيد للكيان، خاصة مع حجم شعبيته الكبيرة في أوساط الشباب الإنجيلي المحافظ".
وأكد رزق أن هذا "الجنون" السياسي والاجتماعي الذي يجتاح الولايات المتحدة مرتبط بشخصية دونالد ترامب وسياساته السيكوباتية.
وذكر أن ترامب نشر قوات الجيش في بعض الولايات خوفا من انقلابات ضده، واعتقل معارضين، وطرد آلاف المهاجرين، وقطع المساعدات عن جامعات ومؤسسات لا تتماشى مع توجهاته.
كما تبنى سياسات خارجية أثارت غضب حلفاء أميركا التقليديين، إلى جانب دعمه المطلق لإسرائيل في حروبها وإبادتها للفلسطينيين في غزة والضفة.
وأضاف: “أميركا اليوم تعيش حالة غير مسبوقة من الانقسام المجتمعي والفكري والسياسي منذ الحرب الأهلية في القرن التاسع عشر أو فترة المكارثية في الخمسينيات”.
وذكر أن "بعض المحللين يرون أن هذا الانقسام قد يقود بالفعل إلى حرب أهلية جديدة". ويعتقد رزق أن أول المتسببين في اغتيال كيرك هو ترامب نفسه، بسياساته وأفعاله الحمقاء.
وأردف: “هؤلاء هم أنفسهم الذين قد يدفعون الولايات المتحدة نحو حرب أهلية. فكما أقول دائما: الناس على دين ملوكهم، وإذا كان الحاكم مجنونا، فلا بد أن يسود الجنون والتطرف بين الشعب، وسقوط الأمم يبدأ دائما من الداخل عندما يتولى الحكم طغاة غير أكفاء”.