لماذا علق نتنياهو اتفاقية الغاز مع نظام السيسي رغم أنها لصالح إسرائيل؟

إسماعيل يوسف | منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

بينما كانت صحف ولجان النظام في مصر مستمرة في الدفاع عن مزايا صفقة الغاز الضخمة مع إسرائيل بـ35 مليار دولار، أوقف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الاتفاقية، مهددا بإلغائها ما لم تسحب القاهرة قواتها التي نشرتها في سيناء عقب العدوان على قطاع غزة.

جاء الرفض هذه المرة من إسرائيل نفسها لا المعارضين المصريين، حين قرر نتنياهو عدم المضي قدما في الصفقة بزعم نشر مصر قوات عسكرية في سيناء بالمخالفة لـ"اتفاقية السلام". وفق صحيفة "يسرائيل هيوم" في 2 سبتمبر/ أيلول 2025.

وهذه أول مرة تستخدم فيها إسرائيل الاقتصاد والطاقة للضغط على القاهرة، مستغلة حاجة النظام المصري الماسة إلى الغاز، لحد تصديره جهاز المخابرات لشرائه من تل أبيب عبر شركات تابعة له (بلو أوشن ودولفينوس).

والسبب أن الأمر متعلق بأمن النظام وخشيته من “انتفاضة جديدة” على غرار عام 2011، لو تكرر انقطاع التيار الكهربائي.

ويستخدم نتنياهو صحيفة "إسرائيل هيوم"، اليمينية وقناة المستوطنين رقم "14"، الداعمتين له، عادة لتسريب معلومات لقياس رد فعل الجهة أو الجهات التي يستهدفها، أو ممارسة ضغوط سياسية عليها.

وسبق هذا تسريب أخبار ومعلومات لصحف الاحتلال تزعم خرق مصر “اتفاقية السلام” بنشر قوات قرب الحدود رغم أن ذلك كان ردا على الخروقات الإسرائيلية.

ثلاث أوراق

وأظهرت "الصفعة" التي وجهها نتنياهو لنظام السيسي، بعدم المضي قدما في صفقة الغاز، استخدام إسرائيل للاتفاقية كورقة ضغط ثلاثية "اقتصادية وعسكرية وسياسية". بحسب تقديرات سياسية.

ورقة الضغط العسكرية، تتمثل في الإعلان أن سبب تعليق اتفاقية الغاز هو نشر مصر قوات عسكرية بما يخالف اتفاقية كامب ديفيد في سيناء، وذلك ردا على الانتشار العسكري الإسرائيلي (المخالف أيضا للاتفاقية) على الحدود.

وقبل تعليق اتفاقية الغاز، ظلت صحف الاحتلال ومسؤولوه يتحدثون عن "خروقات مصرية لاتفاقية السلام"، بينها بناء أنفاق في سيناء لتخزين الأسلحة، وتمديد مدارج المطارات.

وكذلك إدخال قوات مدرعة ومشاة بأعداد تتجاوز ما نص عليه الملحق الأمني لاتفاقية كامب ديفيد، دون تنسيق مع إسرائيل، رغم إعلان صحف أن هذا تم بتنسيق مع إسرائيل.

وزعمت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في 26 أغسطس/آب 2025، أن هناك تعزيزات عسكرية مصرية في سيناء، وبطول الحدود مع الأراضي المحتلة، تُقدر بـ40 ألف جندي، يمثلون ضعف عدد القوات المنصوص عليها ضمن اتفاقية السلام الموقعة عام 1979.

أما ورقة الضغط الاقتصادية، فهي استخدام إسرائيل الاقتصاد والطاقة -لأول مرة- للضغط على نظام السيسي مستغلة حاجته إلى الطاقة لحماية نظامه من الغضب الشعبي حال انقطاع التيار الكهربائي أو عدم توافر الغاز للإنتاج والصناعة.

ووفقا لـ"نص الاتفاقية"، يجري الاعتماد على صيغة "Take or Pay"، وهو بند شائع في عقود الطاقة، يُلزم المستورد بدفع قيمة كميات الغاز المتفق عليها سنويا، سواء تسلّمها بالفعل أو لم يُفعل لانخفاض الحاجة أو الأسعار.

وهو ما يضمن دخلا ثابتا ومستقرا لإسرائيل على حساب مصر، بغضّ النظر عن التغيرات في السوق أو مدى حاجة القاهرة لما ستستورده من غاز.

ورقة الضغط السياسية، هي استغلال الاتفاقية كورقة ضغط اقتصادية طاقوية وعسكرية ضد مصر سياسيا في صورة تهديدها بالتزام الصمت قبل غزو الاحتلال لمدينة غزة, وقبول ما هو آتٍ، وتكدس الفلسطينيين على حدود مصر، وربما اقتحامهم الحدود بالضغط عليهم، وتنفيذ خطة التهجير.

بعبارة أخرى، أوضح اعتراض نتنياهو على تمرير الصفقة نية الاحتلال في استغلال أزمة الطاقة في مصر لإسكات معارضة الإبادة الجماعية في غزة، وتحويل الغاز الطبيعي إلى أداة أخرى للإكراه في الصراع الإقليمي الأوسع. وفق مراقبين.

وقال الصحفي المتخصص في الشؤون الاقتصادية، مصطفى عبد السلام: إن توقيت إعلان إسرائيل تعليق صفقة الغاز عبر تسريبات للصحف "يثير التساؤلات".

وشدد عبر حسابه على فيسبوك في 3 سبتمبر، على أنه  "يجب ألا نقف عند تلك التسريبات على أنها فقط مجرد ورقة ضغط جديدة من الحكومة المتطرفة في تل أبيب على القاهرة، أو أنها تتعلق بخلاف آني بين القاهرة وتل أبيب بخصوص تطورات الحرب على غزة وقضية التهجير والمفاوضات الجارية والخلافات حول احتلال محور صلاح الدين (فيلادلفيا).

واستدرك: "لكن يجب أن ننظر لما هو أبعد وهو أن إسرائيل بتلويحها بتلك التسريبات أو إقدامها على وقف تدفق الغاز إلى مصر، كما حدث في فترات سابقة، يمكن أن تعبث بملف الطاقة المصري في أي وقت".

واستطرد: "وأنها يمكن أن تقطع تدفق الغاز عن الاقتصاد المصري وفق أجندتها التوسعية وربما بلا غرامات أو عقوبات، خاصة أن نص الاتفاقية الأخيرة أقرب إلى عقد إذعان".

وأشار عبد السلام إلى “حجم المخاطر التي تحيط بالأمن القومي المصري وقطاعاته الاقتصادية بما فيه قطاع الطاقة والصناعة مع ربط الأسواق المصرية وأنشطتها الحيوية المختلفة بتلك الصفقة المريبة ولمدة تصل إلى عام 2040”.

مغزى التسريبات

كانت صياغة التسريبات التي نشرتها صحيفة "يسرائيل هيوم" في 2 سبتمبر، بشأن قرار نتنياهو تجميد صفقة الغاز الضخمة مع مصر التي تم توقيعها في 7 أغسطس 2025، بقيمة 35 مليار دولار، تحمل قدرا من التعالي.

ونقلت الصحيفة عن مصادر سياسية أن "القاهرة بحاجة ماسة إلى الغاز الإسرائيلي ومستعدة لدفع سعر أعلى بكثير مما يدفعه المستهلك الإسرائيلي"، لذا قرر نتنياهو ووزير الطاقة إيلي كوهين استغلال ذلك والضغط كي تسحب قوات حشدتها على الحدود بالمخالفة لاتفاقية السلام.

وذكرت أن نتنياهو "استخدم لأول مرة الغاز كورقة ضغط اقتصادية/طاقوية ضد مصر" وأن تل أبيب قررت الربط للمرة الأولى التزام مصر بالملحق الأمني في اتفاقية السلام، بمصير إمدادات الغاز الحيوية بالنسبة للقاهرة.

وتابعت: "أوعز نتنياهو بعدم المضي في اتفاق الغاز الضخم مع مصر دون موافقته الشخصية"، بحجة "وجود تقارير عن خروقات مصرية لاتفاقية السلام" عبر التعزيزات العسكرية في سيناء.

وزعمت الصحيفة أن إسرائيل كانت تعتزم "المصادقة على الصفقة كما هي"، إلا أن "نشر تقارير حول تعزيزات عسكرية مصرية في سيناء دفع المستويات السياسية العليا لإعادة النظر"، حتى أصدر نتنياهو أوامر بطرح القضية أمامه شخصيا.

وسبق هذه التسريبات تأكيد صحيفة "إسرائيل هيوم" أيضا في 22 أغسطس، أن "إسرائيل لديها نفوذ قوي على مصر وينبغي لها أن تستخدمه".

وقالت: "رغم معاهدة السلام الرسمية، تُحافظ مصر على موقفها العسكري العدائي، معتمدة على إمدادات الطاقة الإسرائيلية التي تمنع انهيار شبكة الكهرباء الوطنية".

وأوضحت الصحيفة أنه "رسميا، توجد اتفاقية سلام بين مصر وإسرائيل، لكن عمليا، تعدّ الجارة الجنوبية الغربية عدوا حقيقيا".

وعلى الصعيد السياسي تزعم صحيفة "إسرائيل هيوم" أن "مصر تتحدى إسرائيل باستمرار، فقد رفضت استقبال الغزيين - ولو مؤقتا - أو منحهم أراضي في سيناء".

وتابعت: “يضاف إلى ذلك كراهية النخب المصرية لإسرائيل، والطبقات الشعبية، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وفي وسائل الإعلام المصرية، بالإضافة إلى العراقيل التي تضعها أمامنا في المؤسسات الدولية، فيما يُشبه الحرب الباردة”.

اللافت أيضا أنه رغم أنها اتفاقية إذعان؛ إذ حذّر خبراء اقتصاد ومعارضون مصريون من أنها قد تجعل القاهرة رهينة لـ"محبس الغاز" في تل أبيب، وتحقق مكاسب جمة لإسرائيل، جاءت التسريبات لتزعم أن إسرائيل قد تضحي بهذه المكاسب؛ لأن مصر تحشد قوات في سيناء، ما يثير القلق من نوايا.

فقد ذكرت "إسرائيل هيوم" في تقريرها أنه “يجب على إسرائيل ألا تتخلى عن مكاسبها الملموسة مقابل وعود سياسية جوفاء من جانب مصر”.

وقالت وسائل إعلام إسرائيلية وأجنبية: إن صفقة الغاز “تمنح إسرائيل مكاسب اقتصادية هائلة، وتجعلها لاعبا رئيسا في سوق الطاقة، بينما تحول مصر إلى رهينة للغاز الإسرائيلي وبوابة مرور تخدم مصالح الغير”.

ووصف الرئيس التنفيذي لشركة “نيوميد” الإسرائيلية، يوسي أبو، لصحيفة "غلوبس" الإسرائيلية، في 8 أغسطس 2025، الاتفاقية بأنها منجم أموال للإسرائيليين؛ حيث ستدفع مصر 35 مليار دولار على مدار 14 عاما لإسرائيل.

أيضا أكدت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في 7 أغسطس، أن الصفقة مُربحة بصورة كبيرة لإسرائيل؛ حيث سينتج عنها "تحويل مئات الملايين من الشواكل من عائدات الغاز والضرائب إلى خزائن الدولة".

ووصفها وزير الطاقة كوهين، بأنها “خبر سار للاقتصاد الإسرائيلي، سيُدرّ مليارات الدولارات على خزينة الدولة، ويخلق فرص عمل، ويعزز الاقتصاد”.

وأفاد في منشور عبر “إكس” في 7 أغسطس، بأنها "أكبر صفقة غاز في التاريخ"، وعدّها “خبرا مهما أمنيا وسياسيا واقتصاديا”.

وادعى كوهين أن “هذا يرسخ مكانتنا كقوة إقليمية رائدة في مجال الطاقة، والتي يعتمد عليها جيراننا ويحتاجون إلينا”.

خيارات مصر

رغم أن نتنياهو قدّم خدمة لنظام السيسي ومبررا حتى ينسحب بكرامة من هذه الاتفاقية، ويرضي المصريين المعارضين لوضع أمن مصر الطاقوي والقومي تحت رحمة وهيمنة الاحتلال، وجعلها رهينة محبس الغاز، إلا أن السيسي لا يريد ذلك؛ إذ إن المشكلة هي أن للنظام مصالح في عدم إلغاء الاتفاقية والإبقاء عليها، تتعلق بأمنه هو الذاتي، عكس مصالح الشعب المصري.

وشرح ذلك موقع "ريسبونسبل ستيت كرافت" الأميركي في 14 أغسطس 2025، مؤكدا أن هناك رابطا بين اتفاقية الغاز الإسرائيلي الضخمة وأمن نظام السيسي الذاتي.

وأوضح أن الصفقة "تمت لخشية السيسي من العواقب الوخيمة وتأثير انقطاع محتمل للكهرباء بفعل نقص الغاز، شعبيا وتصنيعيا"، بعدما أدى انقطاع التيار والإظلام صيف 2023، لشلل كامل في مصر وتأجيج السخط العام، وأقلق السيسي من انتفاضة مشابهة لعام 2011.

وذكر الموقع أن "النظام المصري يدرك أن انقطاع الكهرباء سيؤدي إلى اضطرابات داخلية قد تطيح به، ولهذا يحتل الغاز أولوية لديه".

وشدد على أن "حكومة السيسي تُدرك أن الاستقرار السياسي مرتبط ارتباطا مباشرا بشبكة الكهرباء، واتفاقية الغاز الإسرائيلية تمنع الاضطرابات الداخلية".

لكن صفقة الغاز القياسية التي أبرمتها مصر مع إسرائيل كشفت مع هذا عن "ثغرة إستراتيجية هي تخلي القاهرة عن استقلالها السياسي مقابل أمن الطاقة". بحسب "ريسبونسبل ستيت كرافت".

وباتت مصر "لا تستطيع انتقاد إسرائيل لمدة عقدين آخرين على الأقل بسبب هذه الصفقة حتى ينتهي أجلها عام 2040"، ما سيجعل النظام بأسره مرهونا بإسرائيل، لا يخالف لها أمرا".

"فتل أبيب يمكنها في أي وقت إيقاف تدفق الغاز، وهو ما لا يمكن للنظام تحمله لأيام معدودة". وفق الموقع الأميركي.

مواجهة التحديات

ووفقا لتقرير سابق لـ"الاستقلال"، تعدّ إسرائيل هي الرابح الأكبر من الصفقة، رغم سعيها لتعطيلها حاليا، وذلك من ثلاث زاويا، بعضها يقلل من خيارات مصر في التعامل مع الاتفاقية.

الأولى، تنص الاتفاقية على إلغاء بند رئيس كان يمنح مصر الحق في تقليل الكميات المستوردة من إسرائيل إذا انخفض سعر خام برنت عن 50 دولارا للبرمي".

ويعني هذا البند أن مصر ستظل ملزمة بدفع كامل قيمة الصفقة وفقا للأسعار المحددة حاليا، حتى إذا تراجعت الأسعار مستقبلا أو انخفضت حاجة البلاد إلى الغاز. وفق صحيفة "جيروزاليم بوست" في 7 أغسطس 2025. 

والثانية، نجاح إسرائيل في رفع سعر الغاز على مصر بنسبة 14.8 بالمئة في الصفقة الجديدة المعدلة، ورؤية مصر أن هذا يحقق لها، مع ذلك، أرباحا اقتصادية بتوفير إمدادات أقرب جغرافيا وأقل تكلفة، واستغلال البنية التحتية القائمة في البلاد في مجال تسييل الغاز.

والثالثة، أنه ووفقا لنص الاتفاقية، سيجري الاعتماد على صيغة Take or Pay، وهو بند شائع في عقود الطاقة، يُلزم المستورد بدفع قيمة كميات الغاز المتفق عليها سنويا، سواء تسلمها بالفعل أو لم يفعل لانخفاض الحاجة أو الأسعار.

وهو ما يضمن دخلا ثابتا ومستقرا لإسرائيل على حساب مصر، بغض النظر عن التغيرات في السوق أو مدى حاجة القاهرة لما ستستورده من غاز.

والمفارقة هنا أن مصر ستكون مُجبرة على زيادة وارداتها من الغاز الطبيعي الإسرائيلي بنسبة 25 بالمئة بداية من يناير 2026، لتصل إلى 1.250 مليار قدم مكعب يوميا.

وذلك مقارنة مع مليار قدم مكعب يوميا بالوقت الراهن، بحسب مسؤولين حكوميين تحدثا لموقع "الشرق" السعودي في 3 سبتمبر 2025.

وقال المسؤولان: إن زيادة واردات الغاز الإسرائيلي بداية من يناير 2026 "تُعد التزاما بالاتفاقية الموقعة، على أن تُرفع الكميات تدريجيا إلى قرابة 1.8 مليار قدم مكعب يوميا بحلول 2030، وهذا بخلاف شروط الإذعان في الاتفاقية.

لذا اكتفى السيسي في خطابه بمناسبة المولد النبوي، في 3 سبتمبر 2025، بالقول: "ندرك ما يُحاك ضدنا، ونواجه التحديات بإجراءات مدروسة، معتمدين على قدراتنا وصلابة شعبنا"، دون أن يحدد أي إجراء ضد الضغوط الإسرائيلية أو حتى يندد بها لفظيا.

فيما قال ضياء رشوان، رئيس هيئة الاستعلامات (تتبع رئاسة النظام): إن نتنياهو لا يستطيع أن يلغي اتفاقية الغاز مع مصر، معللا ذلك بأنه "لا يستطيع تحمل النتائج الاقتصادية وليست السياسية فقط".

وفي تصريحاته عبر قناة "المشهد" الخاصة في 4 سبتمبر، أضاف رشوان "نتنياهو إن كان يعتقد أن لمصر مسارا وحيدا للطاقة والغاز فهو واهم”.