مع كل انتخابات.. لماذا تراها المعارضة التركية نهاية لحكم "العدالة والتنمية"؟

منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002، لم يكن أحد يتوقع أن يظل الحزب في الحكم حتى عام 2028، أي لمدة 26 عاما كاملة، وفق تقدير الكاتب التركي "نبي ميش"، بمقاله الذي نشره مركز "سيتا" للأبحاث والدراسات. 

ورغم أنه من الطبيعي أن تكون التنبؤات السياسية صعبة، لكنّ المشكلة الحقيقية ـ وفق الكاتب ـ تكمن في إصرار المحللين والإعلاميين المعارضين على تكرار تحليلاتهم الخاطئة وأفكارهم الدائرية، دون مراجعة أو تعديل.

أوهام المعارضة

واستدرك الكاتب التركي: لقد اعتاد كل من المعارضة المؤسسية والصحفيين والسياسيين المعارضين لحزب العدالة والتنمية على تحديد "عمر" للحزب في كل انتخابات. فقبل كل استحقاق انتخابي، يرددون بثقة أن الحزب سيخسر هذه المرة بلا منازع. 

وعندما يستمر الحزب في السلطة، يوجه هؤلاء أصابع الاتهام إلى الناخبين، متهِمين إياهم بالجهل، مستخدمين عبارات مهينة وسخرية فظة، مثل "أغبياء"، و"رجال يحكّون بطونهم".

ولا تقتصر أخطاء هؤلاء على السخرية من الناخبين، بل تمتدّ إلى المحللين الذين يقدمون النصائح للمعارضة، ففي كل هزيمة انتخابية، كانوا يسبقون الأحزاب نفسها في البحث عن أعذار للهزيمة، متهمين السلطة بعدم ضمان نزاهة الانتخابات أو بالتحكم في وسائل الإعلام، بينما يهينون قبل الانتخابات السياسيين الذين كانوا قد مدحوهم مسبقاً.

ومع كل انتخابات جديدة، يعيدون تدوير نفس التحليلات الخاطئة، ويصرون على أن هذه ستكون آخر انتخابات لحزب العدالة والتنمية، لتستمر الدائرة نفسها بلا توقف.

إنّ الأكثر خطورة هو أن هؤلاء لم يعترفوا، ولو لمرة واحدة، بمسؤوليتهم عن الهزائم الانتخابية، ولم يعترفوا بخطأ توقعاتهم، ولم تكن لديهم الشجاعة الكافية للاعتراف بأنهم قد أضلوا المعارضة والجمهور المساند لها.

في الوقت الراهن، يكرر هؤلاء نفس الأخطاء مع حزب الشعب الجمهوري، حيث يصرون على تحميل السلطة مسؤولية الأزمة المعقدة داخله، مدعين أن الحكومة تحاول تعطيل المعارضة عبر القضاء، بينما يتجاهلون اتهامات الرشوة والفساد الموجهة ضد المنضمين الجدد إلى الحزب من قبل قيادييه القدامى، ويصفون هذه القضايا بأنها "سياسية".

هذا النهج يظهر بوضوح أن المعارضة التركية، أو على الأقل من يقدمون لها النصائح الإعلامية والسياسية، ما زالت تدور في دائرة من الأخطاء والتحليلات المكررة، فهي غير قادرة على تقديم رؤية واقعية أو إستراتيجية فعّالة لمستقبل البلاد.

تكرار الأخطاء

وأردف الكاتب التركي: في المشهد السياسي التركي الحالي، تبرز ظاهرة مقلقة تتمثل في استمرار المعارضة وبعض الإعلاميين والمحللين السياسيين في تكرار الأخطاء التحليلية نفسها منذ سنوات، وعدم القدرة على تقديم رؤية واضحة وموضوعية للوضع السياسي. 

ومن أبرز الأمثلة على ذلك، الادعاءات المتطرفة التي تصل إلى حد القول بمحاولة تصفية حزب الشعب الجمهوري، وهو الحزب الذي أسسه مصطفى كمال أتاتورك، وأن القضاء يُستَخدم لتحقيق أهداف سياسية مثل إقامة "نظام جديد" أو إلغاء العلمانية.

وهذه المزاعم، رغم شدتها، تعكس سوء فهم حقيقي للفصل بين القضايا الداخلية للحزب وإجراءات السلطة القانونية والتنظيمية.

في الواقع، يوضح أعضاء الحزب التقليديون أن التغييرات التي تُفرض على الحزب باستخدام الإمكانات اللوجستية للبلديات، والتي تستهدف إعادة تشكيل الهيكل التنظيمي، أدت إلى تحريك محور الحزب بعيدا عن مبادئه الأساسية.

بعبارة أخرى، فإن المسؤولين عما يُسمى بمحاولة "تصفية الحزب" هم في المقام الأول المنضمون الجدد إلى حزب الشعب الجمهوري، وليس أي تأثير خارجي مباشر من السلطة. ونظرا لتجاهل هذه الحقيقة في التحليلات الإعلامية، تتضخم الصورة وتُخلَق حالة من التضليل السياسي لدى الجمهور.

وأشار الكاتب التركي إلى أنه قبل الانتخابات، كان الإعلام والمحللون يصفون كمال كليتشدار أوغلو بأنه "خبير سياسي" قادر على قيادة تركيا نحو نقلة نوعية، ويمدحونه بصفته قوة قادرة على إحداث تغييرات إيجابية. 

لكنّ هذه الصورة انقلبت بعد الانتخابات، فأصبح محلا للسخرية والاستهزاء، وهذا يوضح مثالا صارخا على التناقض الكبير في تقييم الأداء السياسي داخل الإعلام المعارض.

كذلك، نجد أنّ الصحفيين والمحللين الذين يقدمون المشورة للمعارضة يمتنعون عن تقديم أي حلول عملية لإنهاء الصراعات الداخلية داخل الحزب، وذلك خوفاً من أن يؤدي النقاش الصريح والمفتوح عن جذور الأزمة وادعاءات إفساد إرادة المندوبين إلى كشف مسؤوليتهم الشخصية عن الأمر، أو تورطهم في فضح ممارسات غير سليمة داخل الحزب.

هذا التردد يسهم في استمرار الفوضى الداخلية وعدم الاستقرار التنظيمي، ما يعزز ضعف المعارضة أمام الحزب الحاكم.

في الوقت نفسه، تستمر دائرة التوقعات الخاطئة حول حكم حزب العدالة والتنمية، إذ يواصل بعض المحللين تكرار فكرة أن الحكومة تحاول تصفية المعارضة عبر القضاء، ويستندون في ذلك إلى استطلاعات غامضة وغير موثوقة كما كان يحدث في الانتخابات السابقة، ليؤكدوا مرة أخرى أن حزب العدالة والتنمية "سيخسر هذه المرة حتما". 

هذه الدائرة من التوقعات والتحليلات المكررة تعكس اعتماد المعارضة على تصورات مسبقة غير واقعية، دون الاستناد إلى معطيات حقيقية أو مراجعة أخطاء الماضي. 

من هنا، يتضح أن تحليلات المعارضة حول مستقبل السياسة التركية يجب أن تُقيم وفقا لدقة توقعاتها السابقة. وما يُقال اليوم ليس سوى تكرار دوري لنفس الأخطاء والتحليلات المكررة، التي لم تقدم حلولاً حقيقية ولا إستراتيجيات عملية، بل أعادت إنتاج حلقات التشاؤم والخوف من السلطة، على حساب تعزيز منطق الدولة الديمقراطية والشفافية السياسية.