تنافس إقليمي تخلله دعم ضد عدوان إسرائيل.. علاقات إيران وباكستان إلى أين؟

"امتنعت الهند عن إدانة الهجوم العسكري الإسرائيلي على إيران"
شهدت العلاقات بين إيران وباكستان تقاربا ملحوظا، خلال العدوان الإسرائيلي ضد طهران الذي استمر 12 يوما؛ إذ صدر عن إسلام آباد تعهدات بدعم إيران ضد الكيان الصهيوني.
وبحسب تحليل موقع "نادي فالداي الدولي" الروسي، فإن باكستان تسعى إلى تشكيل محور إقليمي يضم إيران والسعودية والصين لمواجهة الهند، الخصم التقليدي لها في جنوب آسيا.
إشادات وتناقضات
في الثاني من أغسطس/ آب 2025 قام الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بزيارة رسمية إلى إسلام أباد، أسفرت عن توقيع اثني عشر اتفاقية تعاون بين البلدين.
وجاءت هذه الزيارة في أعقاب العدوان الإسرائيلي؛ حيث كانت باكستان قد أدانت بشدة ما وصفته بالعدوان الإسرائيلي "غير المبرر وغير القانوني" على إيران.
علاوة على ذلك، وخلال جلسة في الجمعية الوطنية الباكستانية، تعهد وزير الدفاع خواجة آصف بدعم إيران، داعيا الأمة الإسلامية إلى الوحدة في مواجهة إسرائيل بعد هجماتها على إيران.
كما أصدر مجلس الشيوخ الباكستاني قرارا بالإجماع يدين الهجوم الإسرائيلي، واصفا إياه بأنه "جريمة حرب وانتهاك لميثاق الأمم المتحدة"، مما يعكس -بحسب الموقع- موقفا موحدا للمشرعين الباكستانيين ضد تصرفات إسرائيل.
على النقيض، امتنعت الهند، التي تربطها علاقات وثيقة مع إسرائيل والولايات المتحدة، عن إدانة الهجوم العسكري الإسرائيلي على إيران، كما عبرت عن رأي خاص وامتنعت عن دعم بيان منظمة شنغهاي للتعاون الذي أدان الهجوم.
وبناء عليه، ينظر الموقع إلى زيارة بزشكيان إلى باكستان على أنها "تعبير عن تقدير إيران لموقف إسلام آباد ورضاها عنه".
من جهته، قام رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف بجولة، شملت إيران وتركيا وأذربيجان وطاجيكستان، وذلك عقب الحرب الهندية الباكستانية القصيرة التي جرت بين 25 و30 مايو/ آذار 2025.

ورغم مظاهر التقارب، يعتقد الموقع أن "العلاقات الإيرانية الباكستانية لا تزال تعاني من تناقضات ومشكلات عديدة".
واستشهد على ذلك بالقول: "ففي ذروة الحرب بين إيران وإسرائيل، وبينما أعلن وزير الدفاع الباكستاني دعمه لطهران، قام قائد الجيش الباكستاني الجنرال عاصم منير بزيارة إلى البيت الأبيض في 19 يونيو/ حزيران 2025؛ حيث التقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب".
وتابع: "وفي 23 يونيو/ حزيران 2025، أوصت باكستان رسميا بترشيح ترامب لجائزة نوبل للسلام، مشيدة بـ (تدخله الدبلوماسي الحاسم) عقب المواجهة العسكرية بين الهند وباكستان مطلع عام 2025".
"في الوقت نفسه، سارعت باكستان إلى إدانة الغارات الجوية الأميركية على المنشآت النووية الإيرانية، واصفة تصاعد التوترات والعنف بأنه (مثير للقلق)"، وفق التقرير.
في حدث آخر، أفاد الموقع بأن "الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري، نهاية يونيو/ حزيران 2025، منح وسام شرف لقائد القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) الجنرال مايكل كوريلا، خلال مراسم أقيمت في مقر الرئاسة في إسلام أباد".
ورجّح الموقع عدم رضا إيران عن هذه الإجراءات، بالرغم من عدم تعليقها رسميا.
تهديد مشترك
في سياق متصل، يرى الموقع الروسي أن "الهجمات الإرهابية المتكررة تظهر هشاشة الحدود المشتركة بين إيران وباكستان".
وقال: "في 26 يونيو/ حزيران 2025، نفذت جماعة (جيش العدل) هجوما إرهابيا على مبنى محكمة في زاهدان، جنوب شرق إقليم سيستان وبلوشستان، أسفر عن مقتل 9 أشخاص، مما أبرز مرة أخرى هشاشة الحدود المشتركة بين إيران وباكستان التي يبلغ طولها 987 كيلومترا".
وتابع: "لطالما اتهمت إيران باكستان بعدم القدرة على كبح الجماعات الإرهابية والانفصالية داخل أراضيها، خصوصا في بلوشستان".
مضيفا أن "الدولتين تبادلتا إطلاق الصواريخ، في يناير/ كانون الثاني 2024، وهو تصعيد عسكري قصير لم يسبق له مثيل منذ تأسيس باكستان في أغسطس/ آب 1947، ورغم ذلك، لم توجه إيران انتقادات مباشرة لباكستان بعد هجوم جيش العدل".
في هذا السياق، يقدر التقرير أن الجماعات المسلحة في باكستان، مثل (داعش - خراسان)، و(جبهة تحرير بلوشستان)، و(جيش تحرير بلوشستان - جناح آزاد)، تعد تهديدا مشتركا للأمن القومي في البلدين".
وأردف: "منذ بداية عام 2025، كثف المتمردون البلوش في باكستان هجماتهم، بما في ذلك عمليات خطف للقطارات وهجمات على مواطنين صينيين في الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني".
ورجّح أن تمتد هذه التوترات إلى بلوشستان الإيرانية، ما قد يثير حراك المقاتلين البلوش المعارضين لإيران، بما في ذلك جيش العدل، كما يُشير هجوم زاهدان.
في ضوء ذلك، أوضح الموقع أنه "على مدى العقدين الماضيين، لم تنجح إسلام آباد وطهران في حل مشكلة الجماعات الإرهابية والانفصالية على جانبي الحدود، لكنها أيضا لم تخرج عن السيطرة".
وأضاف: "ورغم وجود تهديدات مشتركة واتفاقيات أمنية، لم يُبنَ حتى الآن تعاون شامل وطويل الأمد وفعال بين إيران وباكستان لمواجهة هذه التحديات".
واستطرد: "مع ذلك، شهدت زيارة الرئيس الإيراني الأخيرة لإسلام أباد اجتماعات بين وزير الدفاع الإيراني العميد عزيز نصير زاده ونظيره الباكستاني خواجة محمد آصف لتعزيز الروابط العسكرية".

وعلى الصعيد الاقتصادي، أشار الموقع إلى أنه "في ظل العقوبات المفروضة على طهران، تُعد باكستان سوقا حيوية للتجارة الخارجية الإيرانية".
فقد ارتفع حجم التبادل التجاري الثنائي بنسبة 13.6 بالمئة بين مارس/ آذار 2024 - مارس/ آذار 2025، مقارنة بمارس/ آذار 2023 - مارس/ آذار 2024، ليصل إلى 3.129 مليارات دولار أميركي.
مشيرا إلى أن "الميزان التجاري يميل لصالح إيران؛ إذ يفوق حجم صادراتها إلى باكستان وارداتها بثلاث مرات ونصف".
وفي هذا الصدد، نظمت الدولتان، خلال زيارة بزشكيان، منتدى أعمال رفيع المستوى لتعزيز العلاقات التجارية والتفاوض حول اتفاقية للتجارة الحرة.
حيث أكد الرئيس الإيراني أن "بإمكان البلدين رفع حجم التبادل التجاري من ثلاثة مليارات إلى عشرة مليارات دولار في فترة وجيزة".
إلا إن هناك عقبات أمام هذه الطموحات الإيرانية، فحسب الموقع، "تبقى المناطق الحدودية، خصوصا بلوشستان، التحدي الأكبر أمام توسع التجارة بين البلدين، فهي تعاني من ضعف التنمية والفقر والبطالة، وتُعد بؤرة لتهريب الوقود والمخدرات، إضافة إلى نشاط الجماعات المسلحة".
ولفت إلى أنه "لا يمكن تجاهل دور الولايات المتحدة كـ (طرف ثالث) في العلاقات الإيرانية الباكستانية؛ حيث تعرقل تنفيذ مشروع خط أنابيب الغاز بين البلدين منذ عام 2009".
وتابع: "فإيران أنجزت الجزء الخاص بها باستثمار بلغ ملياري دولار، بينما لم تبدأ باكستان بعد في تنفيذ الجزء الخاص بها".
ويعود ذلك -بحسب الموقع- إلى "العقوبات الأميركية المفروضة على إيران والتي تشمل هذا المشروع، ورفض واشنطن منح باكستان إعفاء منها، مما حال دون إتمام خط الأنابيب".
فرغم أن وزير النفط الباكستاني مصدق مالك كان قد أعلن في ديسمبر/ كانون الأول 2024 أن بلاده تعتزم طلب إعفاء من إدارة ترامب من العقوبات المتعلقة بالمشروع، إلا أن ترامب أعاد تفعيل (سياسة الضغط الأقصى) على إيران. وفق التقرير.
واستطرد: "بل وأُلغيت بعض الاستثناءات التي كانت قد مُنحت سابقا، بما في ذلك تلك المتعلقة بميناء تشابهار الإيراني".
وفي إشارة إلى ضبابية المشهد، قال التقرير: "يبدو أن مستقبل مشروع خط الغاز بين إيران وباكستان لا يزال غير واضح".
وتوقع أن "تتفاقم حالة عدم اليقين هذه في ظل غياب اتفاق نووي بين إيران والولايات المتحدة، واحتمال إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة بعد تفعيل آلية الزناد في الاتفاق النووي الإيراني من قبل الدول الأوروبية الثلاث، فرنسا وبريطانيا وألمانيا".
تنافس إقليمي
في الوقت ذاته، أشار الموقع الروسي إلى أن التنافس الإقليمي بين إيران وباكستان "يبزر بشكل متزايد".
ووفقا له، "يتجلى ذلك في الاستثمارات الصينية في ميناء جوادر الباكستاني، مقابل التعاون الثلاثي بين إيران والهند وأفغانستان في ميناء تشابهار الإيراني".
إلا أنه أوضح أن "العقوبات الأميركية الأحادية ضد إيران حدت من مشاركة الهند في مشروع تشابهار، ما دفع إيران إلى إشراك أطراف جديدة مثل إمارة أفغانستان الإسلامية، بقيادة طالبان، وأوزبكستان وروسيا وأرمينيا".
وعلى النقيض، أشار الموقع إلى أن "الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، وهو مشروع بنية تحتية ضخم، أدى إلى تطوير ميناء جوادر".
ويمثل هذا الممر جزءا من المبادرة الصينية الكبرى "الحزام والطريق"، ويهدف إلى ربط منطقة شينجيانغ الصينية بميناء جوادر عبر شبكة من الطرق البرية والسكك الحديدية وأنابيب الطاقة.
وتبرز أفغانستان كساحة للتنافس والتعاون بين إيران وباكستان؛ إذ أشار الموقع إلى أن "كلتا الدولتين تحافظ على علاقات مع إمارة أفغانستان الإسلامية التي تسيطر عليها حركة طالبان، وتتبعان نهجا متقاربا في ترحيل أعداد كبيرة من اللاجئين الأفغان".
ولفت إلى أنه "مع تصاعد التوتر بين أفغانستان وحليفتها التقليدية باكستان، بدأت طالبان تولي اهتماما أكبر لمشروع ميناء تشابهار".
في المقابل، يعتقد التقرير أن "إيران تعمل، من خلال زيادة اعتماد أفغانستان على التجارة والعبور عبر الميناء، على دفع كابول إلى مزيد من المرونة في مسائل استخدام موارد نهر هلمند، وتأمين الحدود، والتعامل مع ملايين المهاجرين الأفغان في إيران".

وانتقل الموقع إلى لحديث عن التنافس بين البلدين في جنوب القوقاز.
فقال: "بعد الحرب الثانية في كاراباخ عام 2020، كان لتوسع التنافس الإستراتيجي بين الهند وباكستان في جنوب القوقاز آثار مهمة على صفقات بيع الأسلحة والمعدات العسكرية ونقل التكنولوجيا العسكرية إلى أرمينيا وأذربيجان".
مشيرا إلى أن "العلاقات الدفاعية بين أذربيجان وباكستان وتركيا تطورت بشكل ملحوظ، بينما عززت أرمينيا تعاونها العسكري مع الهند".
وفي هذا السياق، يرى التقرير أن إيران تسعى إلى انتهاج سياسة توازن في جنوب القوقاز، بشكل مشابه لنهجها في شبه القارة الهندية.
ومع ذلك، يشير الموقع إلى أن "هناك تعاونا ثلاثيا بين أرمينيا وإيران والهند، يركز على المجالات (الناعمة) مثل الاقتصاد والنقل، وليس على المجالات (الصلبة) مثل الدفاع والأمن، مقارنة بالعلاقات الثلاثية بين أذربيجان وتركيا وباكستان".
وذكر أنه من بين الخيارات المطروحة لتحقيق التوازن الإقليمي، إعادة إحياء التعاون الثلاثي بين إيران وباكستان وتركيا.
في هذا الصدد، صرح الرئيس الإيراني بزشكيان خلال زيارته الأخيرة إلى إسلام آباد قائلا: "الاتفاقيات الثلاثية بين إيران وباكستان وتركيا لم تُنفذ بالكامل حتى الآن، رغم أهميتها الإستراتيجية".
في المحصلة، يصف الموقع العلاقات بين إيران وباكستان بأنها "مزيج من التعاون والتنافس".
وتابع: "فعلى الرغم من التنافس في مجالات الترانزيت وأفغانستان وجنوب القوقاز، إلا أن البلدين يتشاركان مواقف موحدة تجاه الحروب الإسرائيلية في المنطقة، ويعملان على مواجهة الجماعات المسلحة على حدودهما المشتركة، والحفاظ على الروابط الاقتصادية".
واختتم قائلا: "وفي ظل تجدد العقوبات الأميركية، والهدنة الهشة مع إسرائيل، تواصل إيران تعزيز علاقاتها مع باكستان، رغم التنافس الواضح بينهما على عدة جبهات، سعيا لتوسيع هامش المناورة في سياستها الخارجية".