"قنبلة موقوتة".. ماذا وراء زيادة مخاوف الإيرانيين من ظاهرة الانخساف الأرضي؟

يوسف العلي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

تمرّ القشرة الأرضية في إيران بحالة حرجة، تنذر بوقوع كارثة كبيرة تعرّض حياة أكثر من 39 مليون شخص إلى الخطر، أي 49 بالمئة من سكان البالغ تعداده نحو 88 مليون نسمة حتى عام 2021.

وهذه الحالة الحرجة تُعرف بـ"الهبوط" أو "الانخساف" الأرضي وتهدد عدة مدن إيرانية تصل إلى 11 بالمئة من إجمالي مساحة البلاد، لا سيما العاصمة طهران، أكثر المدن اكتظاظا بالسكان بواقع أكثر من 9 ملايين نسمة.

ويمكن تلخيص ظاهرة الانخساف بأنها هبوط تدريجي لسطح الأرض أو انهيار مفاجئ له، وتتميز بحدوث انشقاقات أرضية على مساحات تتفاوت في عمقها وامتدادها تؤدي لابتلاع الأشياء الموجودة على السطح.

قنبلة موقوتة

وتفيد تحليلات ودراسات جيولوجية عديدة في إيران، بأن ثمة "قنبلة موقوتة" تهدد نصف سكان البلاد مع وصول مساحة "الهبوط الأرضي" إلى نحو 18 مليون هكتار أو ما يعادل 11 بالمئة من مساحة البلاد.

وكشف علي لبيت اللهي عضو اللجنة العلمية في مركز "أبحاث الطرق وبناء المدن" الحكومي، في 11 مارس/ آذار 2023، أن "القشرة الأرضية الإيرانية تمر حاليا بحالة حرجة والهبوط الأرضي يعرض حياة الملايين للخطر".

ونقل موقع "إيران إنترناشيونال" المعارض عن بيت اللهي، أن المساحة التقريبية لمناطق الهبوط، بناءً على أحدث التقييمات، تصل إلى نحو "18 مليونا و500 ألف هكتار، أي ما يعادل تقريبا 11 بالمئة من إجمالي مساحة إيران".

وأشار الخبير الإيراني إلى أن عدد الأشخاص المعرضين لخطر الهبوط الأرضي في البلاد يصل إلى نحو 39 مليون شخص، أي ما يعادل 49 بالمئة من سكان البلاد، مؤكدا أن "هناك 380 مدينة و9200 قرية معرضة لخطر الانخساف المحتمل".

ولفت بيت اللهي إلى أن "مدن طهران وأصفهان وخراسان الرضوية باعتبارها المحافظات الأكثر تعرضا لخطر هبوط الأرض بسكانها، فيما تحتل الأخيرة المرتبة الأولى من حيث مساحة المناطق المعرضة للخطر".

من جهته، قال كامران داوري، عضو هيئة التدريس لقسم العلوم وهندسة المياه بجامعة "فردوسي" الإيرانية، إن "هناك العديد من التقارير حول حالات هبوط أرضي واسعة تحدث في بعض مناطق سهل مشهد، شمال شرقي البلاد".

ونقلت وكالة "إيسنا" الإيرانية في 11 مارس 2023 عن داوري قوله إن الهبوط الذي تم تسجيله في سهل مشهد يتراوح بين 3 سنتيمترات على الأقل و17.5 سم (شمال غربي المدينة) في حين أن الهبوط الذي يتم التحكم فيه في دول مثل اليابان والولايات المتحدة والصين يصل إلى "سنتيمتر واحد في السنة".

وشدد الخبير الإيراني على أن "الهبوط الأرضي الذي يحدث أقل من هذا الرقم يعتبر أيضا أزمة في العالم، لكن الذي نشهده في البلاد يفوق ذلك".

أسباب الانخساف

ومن العوامل التي أدت لوصول الهبوط الأرضي إلى مرحلة متأزمة للغاية في إيران، "الجفاف الدائم والاستخدام المفرط للمياه الجوفية، فضلا عن فقدان الإدارة الصحيحة والمسؤول للأزمة"، وفق مراقبين.

واستهلاك المياه الجوفية يشكل بحسب الأبحاث الإيرانية نحو 60 بالمئة من العوامل الإنسانية التي تؤدي إلى الانخساف.

ويؤدي استخراج المياه الجوفية وطبيعة المياه الجوفية الحمضية إلى تآكل الأحجار الجبرية والصخور الكربونية، الأمر الذي يؤدي إلى فراغات في الطوابق الأرضية التحتية، وانهيارات فجائية أحيانا أو متباطئة بالتدرج. 

وكان قد أكد محمد درويش، رئيس لجنة البيئة التابعة لليونسكو، أن العديد من الأبنية التي تم بناؤها في طهران على أراضٍ فيها مخزونات مياه جوفية فارغة قد تنهار على إثر زلزال بقوة 5 درجات بمقياس ريختر بدلًا من زلزال بقوة 7 درجات.

وقال درويش لوكالة "إرنا" الحكومية في يوليو/ تموز 2021، إننا "استنفذنا خلال العقود الـ5 الماضية احتياطي الموارد المائية في البلاد الذي يبلغ عمره 1000 عام".

وتابع: نتوقع أن يتسرب ربع كل متر من مياه الأمطار في الأرض بشكل عادي إذا كان لدينا غطاء عشبي مناسب كما ينبغي أن يكون بشرط أن يتم تنفيذ خطط إدارة مستجمعات المياه ومخزونات المياه الجوفية بشكل صحيح.

وفي هذه الحالة، يضيف درويش، ستزداد نسبة تسريب مياه الأمطار في الأرض لتصل إلى نصف المتر أو أكثر بدلًا من ربع المتر، وفي حالة عدم حدوث ذلك وكانت الأرض جرداء، فإن الغطاء العشبي سيُفقد من الغابات والنباتات الطبيعية، حتى أن تسريب ربع المتر من مياه الأمطار لن يتحقق أيضا.

ولفت الخبير الإيراني إلى أن "ظاهرة انهيار الأرض في إيران حرجة للغاية لأن معدل الاستهلاك من مخزونات المياه الجوفية أكبر من كمية المياه الواردة لها".

ووفق تقرير نشرته منظمة "مجاهدي خلق" الإيرانية المعارضة في 2021، فإنه جرى استهلاك 74 مليار متر مكعب من المياه الجوفية خلال الـ14 عاما الماضية.

وهو ما يزيد على نسبة المياه الواردة في مخزونات المياه الجوفية في البلاد. وبناءً عليه، فإن ما حدث أمر في غاية الخطورة.

وكذلك يسهم ارتفاع درجات الحرارة بسبب الاحتباس الحراري ووجود شبكات الصرف الصحي والمياه الراكدة والجارية في الانخساف الأرضي.

وما يجعل الظاهرة أكثر خطورة، هو احتمال وقوعها في المناطق السكنية والمنشآت الحيوية مثل خطوط سكك الحديد ومحطات الوقود والطاقة الكهربائية. 

وتصنف مناطق إيران بكونها جافة وشبه جافة، ويهدد الجفاف البلاد منذ عقود، جراء تعرضها لتغيرات مناخية وعوامل بيئية وبشرية تسببت في تراجع هطول الأمطار إلى نحو 300 ميليمتر سنويا، بينما يصل المعدل العالمي إلى 830 ميليمترا سنويا.

"غرق طهران"

وفي ديسمبر/ كانون الأول 2018، توصلت دراسة أجرتها المجلة العلمية البيئية "الاستشعار عن بُعد" الألمانية، إلى "غرق طهران"، بعدما وجدت أن بعض أراض المدينة تهبط بمعدل يصل إلى ربع متر في السنة.

وذكرت الدراسة التي أجراها عالمان من مركز "جي إف زد" الألماني للأبحاث الجيولوجية في بوتسدام، أن مناطق الهبوط تتمدد، ويمكن أن تصل إلى مطار طهران الدولي.

واستخدم الباحثان بيانات جمعتها أقمار صناعية من عام 2003 إلى 2017، لتتبع معدل هبوط الأرض في العاصمة الإيرانية.

ووفقا للدراسة، فإن أرض غرب طهران، التي تضم مناطق حضرية وأراضي زراعية وبعض الضواحي، تهبط بمعدل 25 سنتيمترا في السنة، كما تهبط منطقة "فرمن" الزراعية، الواقعة جنوب شرقي المدينة، بوتيرة مماثلة.

أما المطار الدولي جنوب غربي العاصمة، فهو يهبط أيضا، لكن بمعدل أبطأ من 5 سنتيمترات في السنة. وبشكل عام، يقدر الباحثون أن نحو 10 بالمئة من المناطق الحضرية في طهران تتأثر بالهبوط الأرضي.

وفي محاولة لإبطاء عملية الهبوط، تحاول السلطات الحد من استنزاف المياه الجوفية. وتشير التقديرات إلى إغلاق حوالي 100 ألف بئر غير قانوني في أنحاء إيران، في السنوات الأخيرة.

لكن الدراسة البحثية تقول إن الهبوط قد يكون غير قابل للمقاومة، حيث تظهر قياسات المياه الجوفية أن الأرض لا ترتفع مرة أخرى عندما يرتفع منسوب المياه الجوفية، بعد هطول الأمطار الغزيرة على سبيل المثال.

وتظهر النتائج التي توصلت إليها الدراسة أن هذا الهبوط يمكن أن يؤدي إلى ظاهرة مقلقة أخرى، متمثلة في المزيد من الفيضانات الشديدة لأن مياه الأمطار لا تتسرب إلى الأرض.