لماذا غاب شيخ الأزهر عن افتتاح "بيت العائلة الإبراهيمية" في الإمارات؟

إسماعيل يوسف | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

افتتح بالإمارات، في 16 فبراير/شباط 2023 ما يسمى "بيت العائلة الإبراهيمية"، الذي يضم مسجدا وكنيسة ومعبدا يهوديا، وتسعى من خلاله أبو ظبي إلى التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، تحت اسم "نشر التسامح والأخوة الإنسانية".

"البيت" عبارة عن ثلاثة دور عبادة سُميت بأسماء ذات مغزى، هي مسجد الإمام الأكبر أحمد الطيب (شيخ الأزهر)، وكنيسة قداسة البابا (فرنسيس)، ومعبد (موسى بن ميمون) اليهودي، وسيبدأ باستقبال زواره في الأول من مارس/آذار 2023.

ورغم أن البيت الابراهيمي يضم مسجدا باسم شيخ الأزهر أحمد الطيب، لم يحضر الإمام الأكبر حفل الافتتاح، بعدما اكتفى بحضور تدشين فكرته وتوقيع ما سُمي بـ"وثيقة الأخوة الإنسانية" في 4 فبراير 2019 مع بابا الفاتيكان فرنسيس.

أسباب الغياب

عدم مشاركة شيخ الأزهر، تردد أن وراءها سببين، الأول، رفضه ضغوطا إماراتية لحضور الافتتاح، خشية تورطه في التطبيع العلني ومصافحة إسرائيليين، حيث حضر الحفل "قيادات دينية إسرائيلية متطرفة"، وفق موقع "الإمارات" في 17 فبراير 2023.

والثاني، لـ"تحاشي هجوم كبير" يشنه عليه بعض الأزهريين والعلماء بسبب فكرة "البيت الإبراهيمي" التي تستهدف "تمييع الدين"، فضلا عن رفضه هو من قبل في تصريحات رسمية، فكرة "الدين الإبراهيمي".

واكتفى الطيب بحضور "اليوم الدولي للأخوة الإنسانية"، بأبو ظبي في 4 فبراير 2022 وإلقاء كلمة عامة عن "التفاهم بين أتباع الرسالات السماوية وغير السماوية، واحترامه لخصوصية الأديان والعقائد، بحثا عن عالم أفضل تسوده روح التسامح والإخاء".

مصادر بمشيخة الأزهر أكدت لـ"الاستقلال" أن الإمارات سبق أن أعدت العدة لحضور شيخ الأزهر حفل افتتاح "البيت الإبراهيمي" مع بابا الفاتيكان وحاخام إسرائيلي، لكن الطيب اعتذر مبكرا لعدم إحراجه بالتطبيع كأمر "سياسي".

وقالت إن أحمد الطيب حسم منذ عام 2022 مسألة عدم مشاركته في افتتاح "بيت العائلة الإبراهيمية"، حين ناقشته وفود إماراتية في ذلك، لذا فضلت الإمارات أن يقتصر حضور الحفل على شخصيات أقل وزنا.

وحضر الحفل نيابة عن الأزهر، رئيس جامعتها السابق، محمد حسين المحرصاوي، ورئيس المجلس البابوي للحوار بين الأديان بالفاتيكان، الكاردينال ميغيل أنخيل أيوسو جيكسوت، والحاخام الأكبر للتجمعات العبرية في بريطانيا والكومنولث، السير إفرايم ميرفيس.

كما شارك في حفل الافتتاح، المدير الدولي لشؤون الأديان بـ"الجمعية اليهودية الأميركية"، الحاخام ديفيد روزلين، بحسب صحيفة "هآرتس" العبرية في 16 فبراير 2023. 

مصدر أزهري آخر، وهو عميد سابق بالجامعة، أبلغ "الاستقلال" أن شيخ الأزهر علاقته جيدة بالإمارات، ويستقوي بها أحيانا حين يضغط عليه رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي بهجوم إعلامي أو فتح ملفات فساد داخل الأزهر.

لكن "الطيب" غاب لسبب آخر، هو رفض علماء بالأزهر سفره لافتتاح "البيت الإبراهيمي"، والهجوم عليه من جانب قطاعات أخرى من الأزهريين والإعلاميين، خشية تمييع دور الأزهر.

وأوضح المصدر ذاته أن الشيخ الطيب سبق أن ذهب للإمارات ووقع على "وثيقة الأخوة الإنسانية" مع بابا الفاتيكان، و"الديانة الإبراهيمية أساس الوثيقة الإنسانية".

واستدرك: "لكنه لم يذهب هذه المرة بسبب شدة الهجوم عليه من علماء الأزهر وصحفيين يتحدثون عن ملفات فساد داخل المشيخة".

وقال إن شيخ الأزهر "خائف" من اتهامات فساد توجهها أجهزة السيسي "لناس مقربين منه"، منهم مستشاره السابق محمد عبد السلام المقيم في الإمارات، والمحرصاوي الذي ذهب بديلا للشيخ لافتتاح "البيت الإبراهيمي".

صحفي مصري آخر متابع لقضايا الأزهر أبلغ "الاستقلال" أن هناك سببا إضافيا للغياب، وهو تخوفه مما جرى لسلفه الراحل الشيخ محمد سيد طنطاوي الذي شن عليه العلماء والصحفيون هجوما حادا حين استقبل السفير الإسرائيلي لدى القاهرة، تسفي مزائيل، بمقر مشيخة الأزهر، وقام بلقاءات تطبيعيه مع الحاخامات.

وسبق لطنطاوي أن التقى السفير مزائيل في 13 أكتوبر/ تشرين الأول 1997، بمقر مشيخة الأزهر، تسلم خلالها رسالة من الحاخام الأكبر إلياهو بكشي حينئذ، مما أثار غضبا وضجة كبرى. 

كما صافح طنطاوي الرئيس الإسرائيلي السابق، شمعون بيريز، أثناء فعاليات مؤتمر "حوار الأديان" الذي نظمته الأمم المتحدة والسعودية، بنيويورك في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2008، بحسب صحف عبرية.

وتهاجم صفحة على "فيسبوك" تُسمي "ريادة الأزهر"، وتقول إنها ناطقة باسم "جبهة إصلاح الأزهر"، شيخ الأزهر، وتزعم نشر الكثير من قضايا الفساد داخل المشيخة والجامعة مدعمة بالمستندات.

لكن الباحث محمد أبو العيون، الذي يقول إنه عمل بالأزهر سابقا، ويقود الحملة أيضا ضد قيادة الأزهر الحالية، قال عبر حسابه على "فيسبوك" في 8 فبراير 2023، إن "جبهة إصلاح الأزهر هدفها تطهير الأزهر من الفساد والإخوان والوهابية"، وفق زعمه.

من يهاجم شيخ الأزهر؟

وأكدت مصادر أن من يهاجم الشيخ وأتباعه خاصة محمد عبد السلام الموجود في أبو ظبي، عبر هذا الحساب "ريادة الأزهر" هم "أساتذة من جامعة الأزهر"، حسبما ذكر أحد هؤلاء الأساتذة لـ"الاستقلال".

وتخشى مصادر إعلامية أخرى، فضلت عدم الإشارة إليها، أن يكون الأمر له علاقة بسعي جهات تابعة للسيسي لإدارة هذا الهجوم ضمن صراعها مع الشيخ حول "الخطاب الديني"، لتحجيم نفوذه.

وكشفت صحف تابعة لإعلام المخابرات، منها صحيفة "الوطن" أن من أسس جبهة إصلاح الأزهر هو خريج الجامعة، عبد الغني هندي، بدعوى "محاربة الإخوان والسلفية".

وسبق لـ"هندي"، وفق صحيفة "الوطن" في 4 أبريل/ نيسان 2018، أن طالب السيسي بتعديل قانون الأزهر، خلال الفترة الرئاسية الثانية.

وتهاجم صفحة "ريادة الأزهر"، التي تضع على صفحتها رقم تليفون مصري وآخر إماراتي، شيخ الأزهر في صورة مستشاره السابق، محمد عبد السلام، وتصفه بأنه "المعول الهدّام للأزهر الشريف".

وقالت الصفحة عبر تعريفها أن "جبهة إصلاح الأزهر الشريف" دورها "كشف الفاسدين والمفسدين" وفي طليعتهم عبد السلام، الذي تتهمه بـ"نهب أموال الأزهر بمئات الملايين".

وزعم الباحث أبو العيون أن هناك "علاقات مشبوهة" يقوم بها بعض قيادات الأزهر مع أعضاء "منظمات صهيونية متطرفة" لغرض "التطبيع".

وقال في مقال نشره عبر حسابه على "فيسبوك" في 15 يونيو/حزيران 2022 إن "الشيخ الطيب أعلن رفض الأزهر لما يُسمى بالدين الإبراهيمي وقال إن الدعوة إلى دمج الأديان السماوية الثلاثة في دين واحد تُعد أضغاث أحلام، ومصادرة لحرية العقيدة".

وبالتالي يحظر على قيادات الأزهر المشاركة في أنشطة ما يُعرف بـ "البيت الإبراهيمي" الذي أقيمت أفرع له في 65 دولة، تمهيدا لإعلان الدين الجديد، والتبرؤ من وثيقة الأخوة الإنسانية التي صيغت خصيصا لهذا المخطط الجديد، ولكن هذا لم يحدث.

وأكد أبو العيون أن "قيادات الأزهر يشاركون في أنشطة ما يُعرف بـالبيت الإبراهيمي، ويقيمون علاقات مشبوهة مع منظمات صهيونية متطرفة"، وضرب ثلاثة أمثلة.

الأول، عقد المستشار محمد عبد السلام، (الهارب منذ 2019 خارج مصر بسبب قضايا فساد كما قالت مصادر لـ"الاستقلال")، لقاءات دورية مع منظمات صهيونية بصفته ممثلا لشيخ الأزهر.

واستغل في هذا أنه الأمين العام لـ"مجلس حكماء المسلمين" الذي يترأسه شيخ الأزهر، كما استغل موافقة شيخ الأزهر على هذا التمثيل.

ومن ذلك قيام عبد السلام، بلقاء أعضاء اللجنة اليهودية الأميركية وهي منظمة صهيونية تعرف بـ(AJC) اختصارا لـ(American Jewish committee)، وهي منظمة داعمة بقوة لإسرائيل.

الثاني، في أواخر العام 2021 قام وفد رسمي من الأزهر، برئاسة المحرصاوي، بزيارة معبد "بارك إيست" الصهيوني الأميركي، والذي يترأسه الصهيوني المتعصب، آرثر شناير، بترتيب وتنسيق من عبد السلام.

الثالث، شارك وفد أزهري رفيع المستوى، كان في مقدمته رئيس قطاع المعاهد الأزهرية، سلامة داود، والأمين المساعد لمجمع البحوث الإسلامية، محمود الهواري، في 19 أبريل/نيسان 2022 في أنشطة ما يُعرف بـ"خطط البيت الإبراهيمي" في أبو ظبي.

وتساءل أبو العيون: "لمصلحة من يتم الزج باسم الأزهر في لقاءات مع أعضاء منظمات صهيونية معروف عنهم دعمهم للكيان الصهيوني المحتل وسعيهم لتوفير كل الإمكانيات لإقامة ما يُعرف بـ دولة إسرائيل الكبرى؟".

وأضاف: "هل تتم هذه اللقاءات وتُقام تلك العلاقات بموافقة ومباركة شيخ الأزهر أم أن الأمر يتم دون علمه؟ وإلى متى يظل شيخ الأزهر صامتا (أو حتى موافقا ومباركا) على تمثيل محمد عبد السلام للأزهر رغم أنه ليست له أي علاقة بالمؤسسة سوى أنه متورط في قضايا فساد مالي وفكري وهارب خارج مصر؟".

وتابع أبو العيون: "هل حرص قيادات الأزهر على إقامة علاقات قوية مع منظمات صهيونية متطرفة يعني أن هذه القيادات تُبارك إقامة دولة كبرى للكيان المحتل.. أم ماذا؟".

البيت الإبراهيمي

في فبراير/شباط 2019، وقع شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان فرنسيس، في أبو ظبي ما سُمي "وثيقة الأخوة الإنسانية"، التي تعدها الإمارات وثيقة تدشين ما سُمي "الدين الإبراهيمي" أو "بيت العائلة الإبراهيمية".

وقيل في تعريفها إنها "تمثّل إعلانا مشتركا يحث على السلام بين الناس في العالم"، و"تهدف إلى أن تكون دليلا للأجيال القادمة لتعزيز ثقافة الاحترام المتبادل، اعترافا بأننا جميعا أفراد أسرة إنسانية واحدة".

وكان من المقرر افتتاح "بيت العائلة الإبراهيمية" رسميا عام 2022 كما أعلنت الإمارات، ولكنه تأجل إلى فبراير/شباط 2023 لأسباب غير معروفة.

وحرصت صحيفة "العين" الإماراتية في 15 يونيو/حزيران 2021، على تأكيد أن البيت "يحظى بمتابعة وثيقة من كل من فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان، وحصل التصميم على مصادقتهما"، وألمحت لافتتاحه له.

لكن شيخ الأزهر شن هجوما على فكرة "الديانة الإبراهيمية" وأكد في الاحتفال بالذكرى العاشرة لتأسيس "بيت العائلة المصرية"، في 8 نوفمبر 2021 أنها "أضغاث أحلام"، منتقدا فكرة التطبيع عبرها.

وقال إن الدعوة إلى توحيد الدين دعوة "أقرب لأضغاث الأحلام منها لإدراك حقائق الأمور وطبائعها"، لأن "اجتماع الخلق على دين واحد أمر مستحيل في العادة التي فطر الله الناس عليها".

وشدد الطيب على أن "احترام عقيدة الآخر شيء والإيمان بها شيء آخر".

ورأى أن الدعوة لـ"الإبراهيمية تبدو في ظاهر أمرها دعوة للاجتماع الإنساني والقضاء على أسباب النزاعات والصراعات، وهي في الحقيقة دعوة إلى مصادرة حرية الاعتقاد وحرية الإيمان والاختيار".

وعقب هجوم شيخ الأزهر علي فكرة "الإبراهيمية"، والذي بدا خلاله أنه يفرق بين "وثيقة الإخوة الإنسانية" بين الأزهر والفاتيكان فقط، وبين "البيت الإبراهيمي" الذي يضم اليهود والإسرائيليين أيضا، انبرى مستشاره السابق عبد السلام للدفاع عنها.

ورأى عبد السلام أن الربط بين ما يسمى "الدين الإبراهيمي"، ومبادرة "بيت العائلة الإبراهيمية" التي تشرف عليها "لجنة الأخوة الإنسانية" (هو أمينها العام حاليا)، "ما هو إلا محاولة مغرضة وزائفة لاستهداف هذا المشروع النبيل!".

وقال في مقاله "بيت العائلة الإبراهيمية.. حوار وتعايش لا اندماج وانصهار" المنشور على موقع "العربية نت" في 12 يناير/كانون الثاني 2022 إن "ما يجرى الترويج له على أن المبادرة هي محاولة لدمج جميع الديانات الإبراهيمية، أبعد ما يكون للحقيقة".

وزعم أن "بيت العائلة الإبراهيمية رمز لاحترام التنوع الديني وخصوصياته، وليس محاولة لإذابة الفوارق والاختلافات بين الأديان أو محو الهوية المتفردة لكل دِين".

وهو ما بدا أنه محاولة من عبد السلام، عبر منصبه في الإمارات، لتوريط شيخ الأزهر والتمهيد لتشجيعه على المشاركة في افتتاح "بيت العائلة"، وهو ما لم يحدث ولم يشارك الشيخ فيه.

من جهته، هاجم عضو مجلس نقابة الصحفيين المصريين، محمد عبد الحفيظ، مستشار شيخ الأزهر السابق وألمح إلى أنه "يسعى لتوريط الشيخ في التطبيع مع إسرائيل".

ووصف عبد الحفيظ، في مقال نشره بصحيفة "الشروق" المصرية في  30 يناير 2022 مقال "عبد السلام" بأن "محاولة لخلط الأوراق، والتشويش على الهدف المستتر من تأسيس ما يسمى البيت الإبراهيمي بالعاصمة أبو ظبي".

وحذر من أن "حضور الإمام الطيب حفل افتتاح البيت الإبراهيمي الذي من المتوقع أن يشارك فيه مسؤولون ورجال دين إسرائيليون، سيضعه في خانة المساهمين في خطة تسويق التطبيع مع دولة الاحتلال".

وقال عبد الحفيظ، إن "حضر الطيب تلك الفعالية، فخطؤه لا يقل فداحة عن خطيئة السماح بإقامة احتفالية لإحياء ذكرى الهولوكوست بأحد فنادق القاهرة"، في إشارة لاستضافة السفارة الأميركية بالقاهرة فعالية إحياء ذكرى ضحايا الهولوكوست في 24 يناير 2022.

وتوثقت علاقة شيخ الأزهر بحكام الإمارات مع ترأسه "مجلس حكماء المسلمين" الذي انطلق من أبو ظبي في 2014، كمؤسسة إسلامية أنشئت لـ"سحب البساط" من اتحاد علماء المسلمين الذي كان يرأسه الشيخ الراحل يوسف القرضاوي.