تهدد باجتياح بري.. لماذا تحاول إيران إجهاض تجربة إقليم كردستان العراق؟

يوسف العلي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

تثار تساؤلات عن أهداف طهران الحقيقية من مواصلة شن هجمات عسكرية على إقليم كردستان العراق، في ظل اشتعال الجبهة الداخلية الإيرانية باحتجاجات شعبية واسعة مستمرة منذ 16 سبتمبر/ أيلول 2022.

وتشن إيران هجمات صاروخية وأخرى بطائرات مسيرة على إقليم كردستان العراق منذ 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أودت بحياة شخص وإصابة عشرة آخرين، بعد أن أصابت صواريخ مقر حزب "كومله" الكردي الإيراني المعارض في منطقة كويا، بالقرب من أربيل عاصمة الإقليم.

ويوجد على أراضي إقليم كردستان العراق، 5 أحزاب كردية إيرانية معارضة، هي: كادحي كردستان، ومنظمة خبات الثورية بكردستان إيران، والحياة الحرة (البيجاك)، لكن الأبرز هما: الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني "حدك"، وحزب عصبة الكادحين الثوريين الإيراني "كومله".

"اجتياح بري"

لم تقف إيران عند القصف، بل هددت باجتياح بري لأراضي الإقليم في رسالة مباشرة أوصلها قائد فيلق القدس الإيراني، إسماعيل قاآني إلى المسؤولين العراقيين خلال زيارة إلى بغداد في 16 نوفمبر، التقى خلالها الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد، ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني.

وأفاد تقرير لوكالة "أسوشييتد برس" الأميركية في 17 نوفمبر بأن "قاآني هدد العراق بعملية عسكرية برية في شمال البلاد إذا لم يحصن الجيش العراقي الحدود المشتركة بين البلدين ضد جماعات المعارضة الكردية، مشيرة إلى أنه "سلم التحذير هذا إلى المسؤولين العراقيين والأكراد في بغداد".

وتزعم إيران أن جماعات المعارضة الكردية المنفية منذ فترة طويلة في شمال العراق تحرض على الاحتجاجات المناهضة للحكومة في إيران وتهريب الأسلحة إلى البلاد، لكن لم تقدم السلطات الإيرانية أدلة على هذه المزاعم التي نفتها الجماعات الكردية.

واندلعت الاحتجاجات المطالبة بالإطاحة بالنظام الإيراني بعد مقتل الشابة الكردية مهسا أميني على يد "شرطة الآداب"، ورغم إلقاء القبض على الآلاف وقتل المئات من المحتجين باستخدام السلطات الإيرانية للذخيرة الحية، لكن المظاهرات مستمرة منذ منتصف سبتمبر 2022.

وألقت إيران باللوم على التدخل الأجنبي في التحريض على الاحتجاجات، ووجهت أصابع الاتهام إلى جماعات المعارضة الكردية في شمال العراق، متهمة إياها بالتورط المباشر، وشنت عليها مرارا هجمات صاروخية استهدفت قواعد هذه الجماعات داخل العراق.

وحسب الوكالة الأميركية، فإن مطالب قاآني حملت شقين: نزع سلاح قواعد الجماعات الكردية الإيرانية المعارضة في شمال العراق، وتحصين الحدود المليئة بالثغرات مع القوات العراقية لمنع التسلل.

ونقلت عن شخصيات عراقية سياسية، أن "قاآني قال لنظرائه العراقيين، إنه إذا لم تلب بغداد المطالب، فإن إيران ستشن حملة عسكرية مع القوات البرية وتواصل قصف قواعد المعارضة، لكن المسؤولين العراقيين أكدوا في جلسات خاصة أنهم لا يرون أي دليل يدعم مزاعم إيران ضد الجماعات الكردية.

وأشارت إلى أن "أحزاب المعارضة الكردية، مع اعترافها بعلاقاتها العميقة مع المناطق الكردية في طهران، تنفي أيضا تهريبها أسلحة لتسليح المحتجين، وأن مشاركتها لا تتجاوز تقديم الدعم المعنوي، وزيادة الوعي، والمساعدة في توفير الرعاية الطبية للمتظاهرين المصابين القادمين من إيران".

وقال سوران نوري، العضو البارز في الحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران، إنه كان على علم بمطالب طهران، "لم نهرب أسلحة من وإلى أي بلد"، ونأمل ألا تستسلم (المنطقة الكردية العراقية) لهذه التهديدات"، حسبما ذكرت الوكالة.

وأكدت "أسوشييتد برس" نقلا عن مسؤول كردي كبير (لم تكشف هويته) أنه حاول المسؤولون الأمنيون العراقيون مرارا إقناع طهران بعدم وجود تهريب أسلحة، لكن "إيران تتجاهل ذلك".

"إجهاض التجربة"

وعن السبب الأساسي وراء القلق الإيراني من إقليم كردستان واستهدافه بشكل متكرر، قال الباحث في الشأن العراقي، لطيف المهداوي إن "إيران تقلقها تجربة إقليم كردستان العراق، والتنمية والاستقرار المتصاعدة فيه".

لأن هذا يشكل عامل تحفيز للأكراد على أراضيها- الذين يشكلون مساحة واسعة كبيرة من جغرافيتها ونسبة كبيرة من سكانها- للمطالبة بحكم ذاتي شبيه، وفق ما أوضح لـ"الاستقلال".

وأضاف: "لذلك تسعى إيران إلى إدامة القصف سواء بنفسها أو عبر أذرعها في العراق المتمثلة بالمليشيات الشيعية، لإرباك المشهد في إقليم كردستان، تحت حجج واهية مرة يقولون إن الموساد (الاستخبارات الإسرائيلية) وإسرائيل توجد هناك، ومرة أخرى يرونه منطلقا للجماعات الكردية المعارضة لمهاجمة أراضيها".

ولفت إلى أن "إيران ترى إقليم كردستان أرضا خصبة لقوى المعارضة الإيرانية الكردية لترتيب أوراقها وإدارة الاحتجاجات في المنطقة الكردية داخل إيران، خصوصا في ظل الأوضاع التي تشهدها إيران منذ مقتل الشابة الكردية مهسا أميني واندلاع المظاهرات هناك".

ونوه الباحث إلى أن "موقف الولايات المتحدة مثير للشكوك بسبب سكوتها عن الهجمات الإيرانية على أراضي كردستان العراق وعدم تزويد سلطات الإقليم بمنظومات دفاعية سواء صواريخ (الباتريوت) أو (سي رام) للتصدي للهجمات الإيرانية، كنها تعد حليفة لأكراد العراق".

ورأى المهداوي أن "الصمت الأميركي والاكتفاء بالإدانات يدل على أنها لا تريد الوقوف بوجه هجمات إيران حاليا، وترك الأكراد دائما بحاجة إلى الولايات المتحدة، فالأخيرة مستفيدة من بقاء النظام الإيراني كما الحال مع بقاء نظام بشار الأسد في سوريا وعدم إسقاطه".

ولفت إلى أن "إيران تستغل ضعف العراق وتفكك جبهته الداخلية، وكذلك تولي حلفائها رئاسة الحكومة، إضافة إلى الصمت الغربي عن هجماتها، لذلك هي قادرة على تنفيذ تهديداتها سواء باستمرار القصف أو الاجتياح البري إلى حد لا يحرج الولايات المتحدة ويدفعها للتدخل والوقوف مع حلفائها الأكراد".

وفي 14 نوفمبر، أصدر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس بيانا أدان فيه "بشدة الهجمات الإيرانية المستمرة بالصواريخ والطائرات المسيرة على إقليم كردستان العراق".

ودعا برايس "إيران- التي انتهكت سيادة العراق بشكل متكرر وفاضح- إلى التوقف عن هذه الهجمات والامتناع عن المزيد من التهديدات لوحدة أراضي البلاد.

وأكد أن "الولايات المتحدة تقف مع شركائها في بغداد وأربيل وتشارك الحكومة العراقية هدفها في الحفاظ على أمن البلاد واستقراره وسيادته".

"مصدر للحرج"

من جهته، رأى الكاتب العراقي الكردي شاهو القره داغي، أن "تجربة كردستان العراق تقض مضجع إيران، لأنها تجربة فريدة ومميزة على المستوى المحلي والإقليمي، حيث نجح الإقليم في تحقيق الكثير من الإنجازات الأمنية والسياسية والاقتصادية والتي ساهمت في بناء تجربة مختلفة قادرة على احتواء الجميع".

وأضاف، القره داغي خلال مقال نشره موقع "أخبار الآن" في 18 نوفمبر 2022 أن "نموذج إقليم كردستان يبدو أنه يُعرقل المشاريع الإيرانية للهيمنة الأمنية والسياسية الكاملة على العراق".

إذ فشلت طهران في نقل تجربتها في السيطرة والنفوذ إلى مدن الإقليم من خلال تأسيس المليشيات والمراكز والمدارس والمؤسسات التي تسوق للمشروع الإيراني وفكرة ولاية الفقيه، وفق تقديره

وتابع: "إضافة إلى ذلك، تعمل كردستان بالتعاون مع الشركاء والأطراف الدولية على تطوير قطاع الطاقة وخفض الاعتماد على الاستيراد من الخارج. وقد طورت حقول الغاز ووضع مشاريع لمد أنابيب نقل الطاقة لربط مدن الإقليم كافة ببعضها البعض ثم ربطها بالخارج تمهيدا لتصدير الطاقة مستقبلا بعد تلبية الاحتياجات الداخلية".

وأكد الكاتب أن "طهران عبرت عن انزعاجها من هذا المشروع الذي يُشكل خطرا على المصالح الإيرانية داخل العراق، وقررت إرسال رسالة مباشرة وواضحة عن طريق قصف منزل صاحب شركة (كار) في أربيل والمعني بتطوير مشاريع الطاقة وخاصة الغاز الطبيعي لعرقلة هذا المشروع وتقويض المشاريع الوطنية حتى تبقي العراق بحاجة إلى الغاز الإيراني".

وأردف: "تشكل تجربة إقليم كردستان مصدر حرج كبير للأحزاب السياسية والفصائل الموالية لإيران بالعراق، حيث نجح الإقليم في بناء مئات المشاريع وتطوير البنى التحتية وتحقيق العديد من الإنجازات بالاعتماد على 17 بالمئة من الموازنة العامة للبلاد".

بينما فشلت الأحزاب السياسية في توفير الخدمات والبنى التحتية للمحافظات العراقية الأخرى، رغم امتلاكهم 83 بالمئة من الموازنة إضافة إلى المساعدات الدولية المستمرة التي ذهبت في صفقات الفساد، وفق ما قال.

وأشار إلى أن "حلفاء إيران داخل العراق يشعرون بحرج كبير من استمرار تجربة إقليم كردستان، ويتساءل أنصار وجمهور هذه الأحزاب عن سر نجاح الإقليم في تحقيق التطور والازدهار على الرغم من الإمكانيات المتواضعة مقارنة بإمكانيات الحكومة المركزية التي فشلت في توفير أبسط الخدمات للمواطنين".

وخلص الكاتب إلى أنه "نظرا لهذه الأسباب تعمل إيران على تحويل كردستان العراق إلى ساحة للصراعات والأزمات، وتستغل اليوم الاضطرابات الداخلية الإيرانية لتحقيق العديد من الأهداف من ضمنها تصدير الأزمة الداخلية إلى الخارج، وإضعاف تجربة الإقليم من خلال عمليات القصف المستمرة".

وشهدت إيران في 24 يناير/كانون الثاني 1946 تأسيس جمهورية مهاباد الكردية في أقصى شمال غرب البلاد، بقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني وأصبح قاضي محمد زعيم الحزب رئيسا لها، بينما أصبح مصطفى والد الزعيم الكردي الحالي في إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني، قائدا عاما.

وجرى إعلان دولة الأكراد في ظل الوجود السوفيتي بإيران- الذين كانوا بدعوى تعاطف شاه إيران رضا بهلوي مع الزعيم النازي أدولف هتلر في الحرب العالمية الثانية- لكن في مايو من العام نفسه انسحبت القوات السوفييتية لتترك الجمهورية الوليدة عرضة لهجوم القوات الحكومية الإيرانية.

وفي ديسمبر/كانون الأول 1946، دخلت القوات الإيرانية مهاباد لتقضي نهائيا على الحكم الكردي في المنطقة الشمالية من البلاد، وفي 30 مارس/آذار 1947، شنق الجيش الإيراني قاضي محمد مع شقيقه بينما هرب مصطفى البارزاني مع عدد من رجاله إلى الاتحاد السوفيتي.