رغم الحملة الشرسة.. قطر تنجح في إطلاق صافرة المونديال دون فقد هويتها

الدوحة - الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

نجحت قطر في إطلاق صافرة انطلاق بطولة كأس العالم لكرة القدم، التي تنظم للمرة الأولى على أرض عربية إسلامية، والتي تستمر بين 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 و18 ديسمبر/ كانون الأول من العام نفسه.

البطولة العالمية التي تجرى كل 4 سنوات، والتي كانت حكرا لعقود طويلة على دول الغرب وقيمها الخاصة، ترى النور هذه المرة من قطر التي كتب عليها أن تخوض معركة كبيرة للحفاظ على الثقافة العربية والهوية الإسلامية

وتواجه قطر منذ شهور حملات ضغط شرسة من حكومات غربية ومنظمات داعمة للشواذ جنسيا زادت حدتها أخيرا، حتى تغير من قيمها المجتمعية، وتسهل من وجود وقبول مظاهر انحلال مختلفة في كأس العالم.

صبغة عربية إسلامية

منذ اللحظات  الأولى عملت قطر على صبغ المونديال بالهوية العربية عبر استخدام "الشالات" داخل شعار البطولة، وكذلك طباعة العلامة النصية للشعار "الكشيدة"، وهي إطالة أجزاء معينة من الحروف في النص العربي.

وأيضا جعلت تميمة البطولة "لعيب"، وهي عبارة عن مجسم لشخصية بزي عربي، يتكون من شماغ أبيض مرتديا العقال الخليجي.

وفي 13 نوفمبر 2022، وقبل أيام قليلة من انطلاق كأس العالم، وضعت بعض فنادق الدوحة "باركود" في غرفها للتعريف بالإسلام بلغات عديدة.

ويحمل الباركود شعار مركز "عبد الله بن زيد آل محمود" الثقافي الإسلامي، التابع لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية القطرية.

وهو صاحب المبادرة الهادفة إلى تعريف جماهير كأس العالم 2022 بالإسلام، من خلال مواد دينية مترجمة.

وفي 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، كشفت اللجنة القطرية المنظمة لبطولة كأس العالم 2022 عن جداريات عديدة نشرتها في شوارع العاصمة الدوحة.

وتتضمن هذه الجداريات أحاديث نبوية مترجمة إلى اللغة الإنجليزية، منها "كل معروف صدقة"، و"من لا يرحم لا يُرحم".

وكذلك: "اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجد فبكلمة طيبة"، و"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه".

منع الخمور 

لم يقف الأمر عند التعريف بالإسلام فقط، بل إلى الحد من ممارسات مخالفة لعادات وثقافة قطر والشعوب الإسلامية. 

ظهر ذلك جليا يوم 17 نوفمبر 2022، عندما أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" أنه لن يتم السماح ببيع المشروبات الكحولية للمشجعين في محيط الملاعب التي ستستضيف كأس العالم.

وذكر "الفيفا" في بيان، أثار جدلا غربيا كبيرا، أن القرار جاء بعد مناقشات مع الدوحة، دون الكشف عن الأسباب وراء الحظر.

وقال الاتحاد الدولي: إن بيع المشروبات الكحولية سيكون محصورا فقط بمناطق المشجعين مع إزالة مراكز بيع الخمور من محيط الملاعب القطرية". 

والمشروبات الكحولية غير قانونية في قطر، لكنها متاحة بشكل عام للبيع في حانات الفنادق الراقية المخصصة للسياح الأجانب. 

وكان قد طلب مسؤولون قطريون في أكثر من مناسبة من الجميع احترام العادات والتقاليد المحلية لاستهلاك وبيع الكحول خلال مونديال 2022، على أراضيهم. 

ومع تصاعد الجدل الغربي، قال رئيس الفيفا جياني إنفانتينو في مؤتمر صحفي بالدوحة، إن دولا عديدة مثل فرنسا وإسبانيا والبرتغال وأسكتلندا تمنع الكحول في الملاعب، مستنكرا "الضجة التي تحدث اليوم بسبب أن قطر دولة مسلمة".

حملات شرسة 

ومع اقتراب المونديال تعرضت قطر لحملة انتقادات شرسة بسبب موقفها المناهض للشذوذ الجنسي، وتمسكها بالهوية الإسلامية والثقافة العربية المستنكرة لهذه الممارسات. 

وسبق أن أعلن أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في 20 مايو/ أيار 2022، ترحيب بلاده بالزوار من مختلف أقطار الدنيا.

وقال إن بلاده لن تمنع أحدا من الحضور لمشاهدة كأس العالم، والتمتع باستضافة كريمة في الدوحة.

لكنه طالب في مؤتمر صحفي مشترك مع المستشار الألماني أولاف شلوتس "جميع القادمين باحترام ثقافة الشعب القطري وتقاليده".

ومن أبرز الذين هاجموا قطر اللاعب الألماني توني كروس، والمدرب الهولندي لويس فان خال، والمدرب الإنجليزي غاريث ساوثغيت.

وسبق أن أعلن اللاعب الأسترالي جوش كافالو الذي يعد شاذا جنسيا خشيته على سلامته خلال مشاركته في المونديال القطري. 

وهو ما دعا الرئيس التنفيذي لمونديال 2022، ناصر الخاطر للتصريح قائلا: "قطر دولة مضيافة، لكن لدينا عاداتنا وتقاليدنا".

لكن الموقف الأشرس جاء من جماهير هولندا التي أعلنت مقاطعة كأس العالم، ولن يحضر منها إلا 3 آلاف مشجع فقط، على خلفية تضامنهم مع حملات الشذوذ التي ترفضها قطر. 

أصوات متضامنة 

ومع ذلك كانت هناك العديد من الأصوات العالمية المتضامنة مع الدوحة، منهم حارس نادي "توتنهام هوتسبير" الإنجليزي ومنتخب فرنسا هوغو لوريس، الذي كشف أن "هناك ضغطا كبيرا على اللاعبين للتحدث ضد قطر". 

وصرح لموقع "يورو سبورت" في 15 نوفمبر 2022، بأنه "إذا كان عليك ممارسة الضغط، فيجب أن يكون ذلك قبل 10 سنوات، الآن قد فات الأوان". 

ومضى يقول: "يجب إظهار الاحترام للدولة المضيفة للمونديال"، واستطرد: "عندما نرحب بالأجانب في فرنسا، غالبا ما نريدهم أن يلتزموا بقواعدنا، واحترام ثقافتنا". 

وأضاف: "سأفعل الشيء نفسه وأنا في قطر". 

وفي 16 نوفمبر 2022، نشر الكاتب الرياضي البريطاني بصحيفة "التايمز" هنري وينتر على حسابه الشخصي بموقع تويتر، مقطعا مصورا من تدريبات المنتخب الإنجليزي بملعب الوكرة في قطر، مع صوت الأذان، الذي عم أرجاء المكان بشكل واضح.

وكتب وينتر على الفيديو: "تدريب المنتخب الإنجليزي في الدوحة وسط صوت أذان الصلاة".

وحظي المقطع بانتشار واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، ورد ونتر على تعليق أحد المعجبين عندما كتب "صوت جميل"، فقال: "جماله لا يصدق".

ودون أحد المغردين معلقا على الفيديو: "هذا الهدف من أن كأس العالم يلعب في مكان مختلف كل 4 أعوام، لترى ثقافات أخرى، وعادات وتقاليد شعوب مختلفة".

ازدواجية معايير

وفي رؤيته للمشهد، قال الناقد الرياضي حسام زيد، إن "هناك ازدواجية معايير واضحة في التعامل مع قطر وفي الهجوم السياسي والإعلامي والرياضي الغربي عليها، فقطر أمام حملة ممنهجة غير مسبوقة لأي دولة استضافت كأس العالم من قبل". 

وأضاف لـ"الاستقلال": "روسيا لها نفس موقف قطر من رفض الشواذ جنسيا وتزيد عليها بانتهاكات حقوقية جسيمة، وحملات تصفية للمعارضين، واعتداء على أراضي دول أخرى، حتى قبل حرب أوكرانيا، ومع ذلك استضافت كأس العالم 2018 في سلام تام، ودون إزعاج أو اعتراضات". 

وأكمل: "كأس العالم الذي أقيم في البرازيل عام 2014، لمن لا يعلم فقد أزالت الدولة أحياء الفقراء بالكامل من أجل إقامة الملاعب وتجديد المدن، وكان ذلك دون تعويضات مناسبة أو مراعاة لحقوق إنسانية واجتماعية، ولم يتكلم أحد". 

وأوضح زيد أنه "تاريخيا هناك كؤوس عالم تشوبها كوارث حقوقية مروعة، أهمها كأس العالم في الأرجنتين 1978 عندما أقيم على مقربة من سجون ومعتقلات الديكتاتور الجنرال خورخي فيديلا، وكان سبب البطولة تلميع نظام حكمه، ولم تعترض الفيفا، ولا معظم اللاعبين والمدربين، وجماهير الدول الأخرى". 

واستدرك الناقد الرياضي قائلا: "لكن جاء الأمر إلى قطر التي تتمسك بهويتها وثقافتها، وقامت الدنيا ولم تقعد، فهذه ازدواجية غير مقبولة في المعايير، وعليهم أن يحترموا قطر التي تمثل اليوم الشعوب العربية والإسلامية، وتقدم الثقافة الشرق أوسطية في أبهى حللها".