حذفت "إسرائيل" من خريطة المونديال.. هكذا سجلت قطر هدفا في مرمى الاحتلال

أحمد يحيى | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

شعر كثير من العرب والمسلمين بمشاعر مختلطة لم تراودهم منذ زمن بعيد إزاء قضيتهم الأولى "فلسطين"، مع رؤيتهم حذف اسم الكيان الصهيوني "إسرائيل" من الموقع المخصص لشراء تذاكر كأس العالم 2022 المقام في قطر. 

ولن يستطيع الإسرائيليون إيجاد اسم كيانهم، عند محاولتهم الحصول على تذكرة كأس العالم الذي سينطلق بقطر في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وسيجدون محله "الأراضي الفلسطينية المحتلة". 

هذه اللفتة ذات المغزى القوي أثارت عاصفة غضب في مواقع التواصل الاجتماعي وصحف الكيان الإسرائيلي، احتجاجا على هذه السياسة القطرية. 

ومنذ اللحظات الأولى، عملت قطر على صبغ البطولة العالمية بالهوية العربية، عبر استخدام "الشالات" داخل شعار البطولة، وطباعة العلامة النصية للشعار "الكشيدة"، وهي ممارسة إطالة أجزاء معينة من الحروف في النص العربي.

كما جعلت قطر تميمة البطولة "لعيب"، وهي عبارة عن مجسم لشخصية كرتونية بزي عربي، يتكون من شماغ أبيض مرتديا العقال الخليجي.

ثم جاء الكشف عن حذف اسم "إسرائيل" من موقع تذاكر البطولة ليؤكد أن الدوحة حريصة على دعم قضية فلسطين بشكل ضمني خلال تنظيم كأس العالم على أرض عربية لأول مرة في التاريخ.

اسم محظور

وفي 10 أغسطس/ آب 2022، تناقلت عدد من المنصات الإعلامية العبرية، مثل صحيفتي "يديعوت أحرونوت"، و"جيروزاليم بوست"، أن اسم إسرائيل غير مذكور في صفحة موقع الاتحاد العالمي لكرة القدم "فيفا". 

وأكدت أن المواطن الإسرائيلي لن يجد اسم دولته مطروحا في موقع تذاكر بيع بطولة كأس العالم 2022، التي ستنطلق في قطر بعد عدة أشهر. 

وأوضحت أن الخيار الوحيد لمشجعي كرة القدم في إسرائيل، إذا ما أرادوا الذهاب إلى كأس العالم هو الدخول إلى القائمة واختيار منطقة آسيا والشرق الأوسط، حيث تستعرض كافة الدول، مع استثناء "إسرائيل"، ومن ثم اختيار الأراضي الفلسطينية المحتلة، هنا فقط يمكن إتمام الحجز. 

ونقلت الصحف عن سياسيين ورجال أعمال إسرائيليين شعورهم بالاستياء العارم جراء الاستعاضة عن اسم إسرائيل بالأراضي الفلسطينية المحتلة.

وزعمت وسائل الإعلام العبرية أن ذلك الوضع "وصمة عار كبيرة"، دون تعليق رسمي على الموضوع.

وكان الكيان الإسرائيلي يأمل في الحصول على وضع مميز، خاصة وأنه أبرم صفقة مع الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" في يونيو/ حزيران 2022 من شأنها أن تسمح للإسرائيليين بالسفر إلى قطر لحضور كأس العالم.

وقطر  من الدول العربية التي لا تسمح بمنح تأشيرات لجوازات سفر إسرائيلية. 

لكن لظروف كأس العالم، سيجري قبول الإسرائيليين في قطر دون استخدام جواز سفر، حيث سيتمكنون من التقدم بطلب للحصول على بطاقة هوية المشجعين عبر الإنترنت بعد شراء التذاكر. 

وستكون بطاقة الهوية بمثابة تأشيرة دخول وتسمح بحجز الرحلات الجوية والإقامة بقطر.

لكن يبدو أن قطر عوضت هذا التنازل دون إعلان رسمي، بحذف اسم "إسرائيل" من موقع التذاكر ووضع "الأراضي الفلسطينية المحتلة" بدلا منه لتثير عاصفة غضب هناك.

حائط صد

وتعليقا على هذا التطور غرد الناشط القطري ناصر بن راشد النعيمي، عبر "تويتر" قائلا:  "تذاكر الفيفا لمباريات كأس العالم 2022، لا تذكر اسم إسرائيل بل الأراضي الفلسطينية المحتلة.. في الواقع تلك هي الحقيقة، والحقائق لا يبدلها تقادم الوقت".

وعلى الأراضي القطرية تنشط بقوة فعاليات متنوعة تندد بممارسات الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته بحق الشعب الفلسطيني الأعزل.

كما توجد حركة "شباب قطر ضد التطبيع"، وهي مجموعة شبابية غير رسمية تسعى للتواصل مع الشباب القطري المعارض لأي تطبيع مع الكيان الصهيوني من قبل أي مؤسسات أو أفراد قطريين.

كما تعمل المجموعة ضمن أهداف حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها المعروفة دوليا  بـ (B.D.S).

وفي 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، طالبت هذه الحركة مجلس الشورى القطري المنتخب بـ"دعم الموقف الشعبي القطري الثابت في رفض التطبيع، وتفعيل القانون القطري الصادر عام 1963، والذي يجرم التعامل التجاري مع الشركات الصهيونية أو تلك المدعومة منها والعمل على تشديد أحكامه".

وفي 5 أبريل/ نيسان 2022، أطلقت حركة مقاطعة إسرائيل حملة لمعارضة التطبيع الرياضي مع دولة الاحتلال، ورفعت شعار "الرياضة ليست فوق السياسة، بل ساحة لمقاومة التطبيع". 

واستشهدت الحركة في بيان نشرته على موقعها الإلكتروني بكلمة بطل الإسكواش المصري علي فرج عن الحرب الروسية بأوكرانيا مع انقلاب الاتحادات الرياضية الدولية على ادعاءاتها السابقة بعدم خلط السياسة بالرياضة.

وقال فرج في منتصف مارس 2022 إثر تتويجه بإحدى البطولات في لندن: "لم يكن مسموحا لنا من قبل الحديث عن السياسة في الرياضة ولكن فجأة الآن أصبح مسموحا".

وأضاف: "طالما أصبح مسموحا فلعل الناس تنظر للاضطهاد الذي يحدث في كل مكان في العالم، أعني أن الفلسطينيين يمرون بهذا الاضطهاد منذ 74 عاما الماضية.. طالما نستطيع الحديث الآن عن أوكرانيا فبالتالي يمكننا الحديث عن فلسطين أيضا".

تطبيع مرفوض

ومع دخول قطر إلى مرحلة الأيام الأخيرة والختامية استعدادا لاستقبال كأس العالم، أعلن أميرها تميم بن حمد آل ثاني في 20 مايو/أيار 2022 ترحيب بلاده بالزوار من مختلف أقطار الدنيا، وأن بلاده لن تمنع أحدا من الحضور لمشاهدة كأس العالم، والتمتع باستضافة كريمة في الدوحة.

لكنه طالب "جميع القادمين باحترام ثقافة الشعب القطري وتقاليده"، وذلك في مؤتمر صحفي مشترك مع المستشار الألماني أولاف شلوتس، قال فيه: "نتوقع من الجميع احترام تقاليدنا".

ورفضت قطر حتى اليوم الانخراط في التطبيع الخليجي مع إسرائيل، أو ما يعرف بـ "اتفاقات إبراهام" التي وقعت في 13 أغسطس/ آب 2020، بين دولة الاحتلال من جهة، والإمارات والبحرين من جهة أخرى. 

وكانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية القطرية لولو الخاطر، قد أعلنت في 15 سبتمبر/ أيلول 2020 أن بلادها تعرضت لضغوط كبيرة من إدارة الرئيس الأميركي (آنذاك) دونالد ترامب للانخراط في محور التطبيع. 

وفي 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 أعلن نائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، "أن اتفاقية أبراهام لا تتلاءم مع سياسة الدوحة لأنها لا تقدم أي أفق لإنهاء الاحتلال". 

وأضاف في تصريحات صحفية أنه "لا يمكن الاعتماد على التطبيع الاقتصادي مع إسرائيل ما دام الاحتلال قائما". 

وذلك رغم أن قطر من أولى الدول العربية التي فتحت اتصالات مباشرة مع الجانب الإسرائيلي لتعزيز العلاقات، وتكللت بزيارات سرية وعلنية، بينها زيارة الرئيس الإسرائيلي السابق شيمون بيريز في عام 1996، ليطلق المكتب التجاري الإسرائيلي بالدوحة، وهو ما جرى تجميده لاحقا.

وفي منتصف فبراير/ شباط 2022، جدد وزير الخارجية القطري في مقابلة مع موقع أكسيوس الأميركي رفض بلاده تطبيع علاقاتها مع إسرائيل في "غياب التزام حقيقي بحل الدولتين".

وقال إن قطر حافظت في السابق على علاقات "عندما كانت هناك احتمالات للسلام" مع الفلسطينيين، لكن بلاده "فقدت الأمل" بعد حرب غزة 2008-2009، وتكتفي حاليا بـ(علاقة العمل) لمساعدة الشعب الفلسطيني، في إشارة إلى الاتصالات مع الكيان الإسرائيلي.

من جانبه، رأى الصحفي الرياضي محمد العباسي أن "قطر ضربت مثالا يحتذى به في التمسك بالهوية العربية والوطنية، فنحن أمام عالم لا يعترف بحق 5 ملايين فلسطيني في الداخل، ومثلهم في الخارج، في أراضيهم أو يكون لهم دولة، ثم يريد من العالم العربي والإسلامي الاعتراف بالكيان الذي اغتصب أراضيهم وسلب حقوقهم". 

وأضاف لـ"الاستقلال"، إن "مونديال 2022 هو مونديال العرب، وأول كأس عالم يقام في دولة عربية وإسلامية، فمن حق العرب أن يعلنوا عن هويتهم وحقوقهم، ويرفضوا كل ما يمس الهوية والدين، سواء قضية فلسطين، أو رفض الترويج للشذوذ، كما يراد". 

ومضى العباسي يقول: "مع اقتراب انعقاد كأس العالم تزايدت الأزمات من هذا النوع ضد قطر، وكأنه اختبار يراد لها، بل قام بعض اللاعبين والمدربين ورؤساء الاتحادات بالهجوم عليها". 

وأكمل: "كما فعل مؤخرا لاعب كرة القدم الألماني فيليب لام، الذي أعلن عدم حضوره للمونديال بدعوى أن قطر ليس بها حقوق إنسان، وتعتقل المعارضين".

رغم أن لام نفسه شارك في كأس العالم في روسيا عام 2018، وهي من أكثر دول العالم انتهاكا لحقوق الإنسان واعتقال للصحفيين، لكن لام لم يتكلم وقتها، وهذا يمثل لغزا كبيرا، يستدرك المحلل الرياضي. 

وتابع: "أظهر الكيان الإسرائيلي حالة من التذمر بإلغاء اسم إسرائيل من خريطة الدول، والاستعاضة بعبارة الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهذا في توقيت قصفوا فيه غزة وقتلوا عشرات الأطفال والمدنيين، فكيف يقبل من دولة عربية وإسلامية أن تعترف بكيان مثل هذا، تحت دعوى الرياضة وكأس العالم".