ماذا يحدث بعد رحيل محمود عباس عن السلطة؟.. هذه أبرز السيناريوهات

خالد كريزم | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

يرتبك المشهد السياسي الفلسطيني وتشوبه حالة من اللغط والتخوف مع كل حديث عن دخول رئيس السلطة محمود عباس "أبومازن" (87 عاما) إلى المستشفى لإجراء فحوصات طبية.

فعباس المدخن الشره الذي تنتشر أخبار وتكهنات بين فترة وأخرى حول تدهور صحته، قد يترك رحيله فوضى غير مسبوقة في الشارع الفلسطيني.

ووصل عباس إلى السلطة بعد وفاة الرئيس السابق ياسر عرفات عام 2004، ولم ينافسه سوى القيادي أحمد قريع الذي انسحب من السباق لاحقا، ليصبح انتخابه مضمونا في رئاسيات عام 2005.

وبعدما ضمن التسلسل الهرمي في منظمة التحرير الفلسطينية وحركة التحرير الوطني "فتح"، لعباس الوصول إلى رأس السلطة وبقاءه بها، تغير الوضع جذريا اليوم خاصة بعد أن حل أبو مازن المجلس التشريعي الذي يرتب انتقال السلطة في 2018.

ورغم أن مدة ولاية عباس الذي انتخب في يناير/ كانون الثاني 2005 أربع سنوات، لكنه اتخذ من الانقسام الفلسطيني الداخلي مع حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، ذريعة للاستمرار بالحكم طوال هذه السنوات.

وفي هذا الإطار، رصدت صحيفة "الاستقلال" أبرز السيناريوهات التي قد تتبع رحيل عباس فضلا عن المرشحين المحتملين لخلافته.

لا رئيس

ويعتقد كثير من القيادات الفلسطينية والمراقبين أن رحيل عباس قد يخلفه فوضى سياسية ستمنع تقلد أي شخص للرئاسة من بعده. ومن أبرز المؤمنين بهذه الفكرة القيادي في حركة "فتح" توفيق الطيراوي.

وقال الطيراوي قبل عدة سنوات: "لن يكون هناك رئيس بعد أبو مازن، ومن سيأتي بعده سيكون قائد ثورة أو رئيسا على روابط القرى وهذا الأخير لن يعيش ولن يدوم".

وروابط القرى هي عملية تنظيمية طبقتها الحكومة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة بالضفة الغربية عام 1978 في أعقاب اتفاقية كامب ديفيد بين مصر والكيان، تحت ما تسمى الإدارة المدنية الإسرائيلية.

وكانت الأهداف المعلنة لهذه الروابط القروية هي حل المنازعات والخلافات السكانية ومساعدة المزارعين في تحسين أوضاعهم الاقتصادية.

إلا أن الأهداف الحقيقية لتلك الروابط كان دعم سلطات الاحتلال لها بالمال والسلاح، في محاولة لخلق قيادة فلسطينية بديلة عن منظمة التحرير تكون مستعدة لتأييد كامب ديفيد والمشاركة في مفاوضات الحكم الذاتي وتنفيذ مخطط إسرائيل للإدارة المدنية وتولي المناصب أو المهام التي توكل إليها في هذا السياق.

وأضاف الطيراوي: "الرئيس الذي سيكون قائد ثورة في الزمن القادم، يجب أن يأتي في وضع تكون فيه الأوضاع مهيأة لذلك. هذا وضع صعب".

بدوره، يرى المحلل السياسي الفلسطيني إبراهيم المدهون، أن عباس "سيكون آخر رؤساء السلطة الأقوياء، وحتى اللحظة هناك غموض وسيناريوهات مختلفة فيما بعد أبو مازن".

وفي حديث لـ"الاستقلال"، يؤكد المدهون وجود فراغ قيادي داخل حركة فتح، فرموزها التاريخيين إما ضعفاء أو تقدموا بالعمر وفقدوا السيطرة أو رحلوا.

وبين أن نظرة الاحتلال إلى السلطة اختلفت، فهي بدأت بمشروع يدمج بين السياسة والأمن واليوم إسرائيل تتعامل معها من زاوية أمنية فقط، ولا تسمح أن يكون لها مشروع سياسي.

وأردف المدهون: "منصب الرئيس سيادي وله طابع سياسي لا تحبذه الحكومة الإسرائيلية، ومن هنا ينبع الخوف والارتباك بعد فترة عباس".

وتوقع أن تكون هناك محاولات إسرائيلية للذهاب إلى فكرة روابط القرى وخلط كانتونات (تقسيمات إدارية) أمنية تدار من قبل مجلس أمني.

فقد يُعين رئيس ليست له صلاحيات عباس وإنما يؤدي أدوارا أمنيا يكون سقفها التعاون مع "المنسق" في الجانب الإسرائيلي، بحسب تقدير المدهون.

معركة شرعيات

وتتجهز عدة شخصيات لمعركة خلافة عباس الذي ألغى نهاية أبريل/نيسان 2021، الانتخابات التشريعية والرئاسية التي كانت مقررة في الشهر التالي، بحجة عدم سماح إسرائيل بإجرائها في مدينة القدس.

ولا يزال محمد دحلان القيادي المفصول من حركة "فتح" المقيم في دولة الإمارات، يرى في نفسه خليفة عباس، رغم تعيين الأخير وترقيته أعضاء كبارا في الحركة ليتجهزوا لهذا المنصب.

ووضع عباس عينه على القيادي حسين الشيخ وعينّه خلال مايو/ أيار 2022 أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وهو منصب يمهد لصعوده إلى الرئاسة.

ويحاول عباس والشيخ ومدير المخابرات العامة ماجد فرج، خلق الانطباع بأن معركة الخلافة قد حسمت بالفعل وأن الشخصين الأخيرين سيقودان الحكم بعد نزول الأول عن الحلبة السياسية.

لكن الشارع الفلسطيني غير مستعد لقبول هذا الإملاء، ولا كبار المسؤولين في حركة فتح ولا المعارضة، وفق ما قال موقع "نيوز ون" العبري في أبريل 2022.

وحسب تقييم النظام السياسي، فإن مطلب إجراء انتخابات رئاسية سيكون فوريا في غضون 60 يوما على النحو المنصوص عليه في القانون الفلسطيني.

ولن يتمكن حسين الشيخ وماجد فرج من معارضة هذا المطلب، وسيكونان بالطبع قادرين على تقديم ترشحهما في الانتخابات الرئاسية. لكن هذا يعني إعادة حركة فتح إلى قواعد اللعبة والنضال على رئاسة السلطة، وفق الموقع.

وتشير التقديرات إلى أن الرئيس المؤقت سيكون متفتح الذهن. لذلك كل من نصب كبار أعضاء فتح، جبريل الرجوب أو الأسير مروان البرغوثي أو محمود العالول، سيتعين عليه تغيير موقفه.

وهؤلاء المرشحون للخلافة لن يستسلموا وسيقاتلون بكل الطرق لمنع حسين الشيخ أو ماجد فرج من الفوز بمنصب رئيس السلطة الجديد، وفق الموقع. 

ولفت إلى أن دحلان الذي طرده عباس عام 2011 من حركة فتح بتهمة الفساد الحكومي والقتل، من المتوقع أن يعود إلى الساحة بكل قوته ويترشح للانتخابات الرئاسية، كما يقول رفاقه في قطاع غزة.

ويقول إبراهيم المدهون لـ"الاستقلال"، "هناك صراع داخل الجيل الثالث والرابع في فتح وأبرز هؤلاء المتصارعين هم قيادات الأجهزة الأمنية أو بعض أعضاء المجلس الثوري القديم، الذين ربما ترقوا إلى اللجنة المركزية للحركة أو بعض الأسرى كمروان البرغوثي".

وأردف: "عباس ما زال يرفض مغادرة المشهد وتولية أحد مكانه، وهناك شخصيات قد تدخل حالة صراع مثل حسين الشيخ وماجد فرج مجتمعين، ومروان البرغوثي، وجبريل الرجوب. كل هؤلاء طامحون وطامعون بالسلطة لكن الاحتلال والولايات المتحدة لهم اليد الطولى في تشكيل المشهد".

تدخل إسرائيلي

ويتوقع الكاتب الفلسطيني وائل شديد أن يدب الخلاف والصراع الداخلي بين المتنافسين، وأن يندفع بعضهم نحو طلب الإسناد من المحتل لدعمه مقابل مزيد من الالتزامات الأمنية لصالح العدو.

ومن المتوقع أيضا أن يتبنى البعض الخطاب الوطني للمزايدة على منافسيه ولطلب التأييد الشعبي، وأن ينشب خلاف داخلي قوي تنتج عنه مواجهات مسلحة بين المتنافسين، وفق ما قال بمقال في 15 يونيو 2022.

وسيتعزز ذلك إذا انضمت كتائب الأقصى الجناح العسكري لحركة فتح التي حلّها عباس قبل سنوات إلى أحد تلك الأطراف، أو تفرقت فيما بينها وأصبح كل جزء يدعم أحد المتنافسين.

وحينها ستدب الفوضى في الضفة الغربية، ومن المتوقع في هذه الحالة إذا استمرت أن تتدخل قوات الاحتلال لترجح أحد المتنافسين على الآخرين، بحسب تقديره.

ويمكن لهذا السيناريو أن يكون مدمرا للفلسطينيين بشكل عام، إذ لا تستطيع السلطة تحمُّل وقوع أزمة قيادية حال ترك عباس منصبه.

فهي من الآن تجد نفسها منقسمة بين غزة والضفة الغربية، ومشلولة من جراء عملية السلام المحتضرة، ناهيك عن مواجهة الاستياء المتزايد في الشوارع وفي مخيمات اللاجئين، بحسب معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى في دراسة نشرها عام 2015.

ويستبعد المحلل السياسي إبراهيم المدهون أن يحدث اقتتال داخلي فلسطيني، وتتعزز هذه الرؤية بالنظر إلى تحكم قوات الاحتلال بالأوضاع الأمنية بالضفة الغربية.

بدورها، لن تقف "حماس" مكتوفة الأيدي، فهي فرصة سانحة لها لإضعاف حركة فتح نهائيا، كما يقول الكاتب الفلسطيني سمير الزبن.

وأوضح خلال مقال في 14 يونيو 2022 أنه "بالتالي، نحن مقدمون على فوضى سياسية وادعاءات شرعية متبادلة، ومخاطر لا نهاية لها من استقطابٍ داخلي سيتفاقم، كما تؤشر العقليات القائمة في الساحة الفلسطينية".

وإذا توفر توافق وطني داخلي في صفوف فتح حال حدوث شغور بمنصب الرئيس، فحينها يمكن اللجوء إلى منظمة التحرير بوصفها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني ومرجعيته السياسية ومنشئة السلطة لملء الفراغ، وفق ما قال الكاتب هاني المصري خلال مقال له على موقع "أوريان 21" في مارس 2018.

ومن المتوقع أيضا أن تقدم حركة المقاومة الإسلامية "حماس" مرشحا رئاسيا نيابة عنها، وفي غضون ذلك سيجرى تعيين زعيم مؤقت للسلطة حتى اتخاذ قرار بشأن الانتخابات.

وتابع المصري: "تستطيع (المنظمة) اختيار رئيس دائم أو مؤقت للسلطة/الدولة من أعضاء اللجنة التنفيذية (لحركة فتح) أو من خارجها إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية".

ويوجد احتمال آخر بأن تلجأ القيادة الفلسطينية إلى المحكمة الدستورية التي شكلت تحسبا لحدوث فراغ، وهي محل خلافات كبيرة، ما يجعل اللجوء إليها ليس أول ولا أفضل الحلول.

انتفاضة عارمة

حال رحيل عباس واشتداد التنافس السياسي على كرسيه، وأمام تراجع الاهتمام الأميركي والدولي بالقضية الفلسطينية، فإن خيار نشوب انتفاضة ثالثة أحد أبرز السيناريوهات المطروحة.

ويرجح المدهون لـ"الاستقلال" هذا السيناريو ويرى أنه "ستكون هناك حالة خلخلة في مرحلة ما بعد عباس وربما يعطي هذا الأمر مساحة أكبر للمقاومة لترتيب صفوف الشعب في الاشتباك مع الاحتلال".

وأردف: "من المرجح أن تفقد السلطة السيطرة على الأمور وتتدحرج نحو مواجهة شعبية مع الاحتلال وهذا ربما يؤدي إلى انتفاضة جديدة".

وفي أكثر من تصريح، أكد عباس أنه لن يسمح بحدوث انتفاضة ثالثة رغم إطلاق الكثير من التهديدات والتحذيرات بعد مضي الرئيس الأميركي دونالد ترامب في صفقة القرن التي أدت إلى اعترافه عام 2017 بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها.

ودائما ما يربط مراقبون الانتفاضة بحل السلطة الفلسطينية أو رحيل عباس وحدوث فراغ إداري يغير حياة الناس ويدفعهم إلى تصعيد المواجهة مع الاحتلال.

ويتعزز ذلك مع عودة مخيم جنين أخيرا إلى تنفيذ اشتباكات مسلحة مع قوات الاحتلال بالتنسيق بين كتائب شهداء الأقصى والجناحين العسكريين لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، وسط فقدان السلطة للسيطرة في المدينة.

ويتوقع الكاتب وائل شديد في مقاله، أن ترفض كتائب الأقصى والمخلصون الوطنيون التشرذم خلف المتنافسين، وتنخرط مع فصائل المقاومة الأخرى لتشكل حالة جهادية في الضفة، تنقل الوضع الفلسطيني إلى مرحلة مختلفة تماما.

وبالتالي تتحول مناطق فلسطين في الضفة وغزة لحالة مقاومة متناغمة تنقل المنطقة بأسرها لوضع الاشتباك مع المحتل، وفي حال انضمام شعبنا في مناطق 48 ستكتمل الحالة الجهادية لتضيق الخناق على المحتل وتضعه في الزاوية الحرجة، وفق تقديره.

ومنذ سنوات، يكبح عباس جماح ثورة شعبية في الضفة الغربية، أما بعده وفي غيابه فلن يكون باستطاعة أحد، أن يفعل ذلك "وستندلع الانتفاضة حتما"، بحسب ما قال الكاتب الأردني نزار راشد خلال مقال نشره "رأي اليوم" اللندني في يناير/كانون الثاني 2022.

يشاطره الرأي الكاتب سميح خلف في مقال نشره خلال مايو 2022 بالقول: "اليوم الأول لرحيل عباس سيتحول إلى فوضى عنيفة بالضفة الغربية وهجمات على إسرائيل ودخول القوى الفلسطينية ومحلياتها وعشائرها اقتتالا داخليا سيهدد أيضا حياة المستوطنين".

وبعد 4 معارك خاضتها المقاومة في غزة ضد إسرائيل، يثق الكثير من الفلسطينيين في الشارع بحركة حماس بدلا من السلطة وذلك عندما يتعلق الأمر بإطلاق سراح الأسرى وحماية المقدسات الإسلامية.

أيضا ينتقد الفلسطينيون السلوك الفاسد للسلطة التي ينظر إليها على أنها متعاون مع إسرائيل والمقاول التنفيذي للشاباك (جهاز الأمن العام) في الضفة الغربية، وهو ما يعزز سيناريو التحشيد الشعبي ضد فكرة الانتفاضة مع رحيل عباس.