المغرب على خط صفقة القرن.. هل يغيّر كوشنر موقف الرباط؟

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

شهدت المملكة المغربية في 28 مايو/أيار الماضي، زيارة هي الأولى لمستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصهره، جاريد كوشنر، في سياق جولة شملت أيضا الأردن وإسرائيل، لمناقشة "صفقة القرن" التي سبق أن تعهد بالإعلان عنها عقب انتهاء شهر رمضان.

وكان البيت الأبيض، قد أعلن أن كوشنر سيزور الرباط وعمان والقدس من أجل مناقشة "خطة السلام الإسرائيلية الفلسطينية" (صفقة القرن)، بصفته مكلفا بهذا الملف داخل البيت الأبيض، إلاّ أن البعض يتساءل عن أسباب اختيار كوشنر للمغرب في بداية جولته، على الرغم من ابتعاد المملكة منذ سنوات عن القضايا الاقليمية.

إلاّ أن الحراك الحاصل في هذه الفترة في المنطقة بين صراعات إقليمية وترويج لما بات يعرف بصفقة القرن، قد لا يستثني أحدا من دول المنطقة.

حشد الدعم للصفقة  

يتزايد الحديث في المنطقة العربية عما بات يعرف بصفقة القرن، التي تعدّ لها الولايات المتحدة الأمريكية من أجل تصفية القضية الفلسطينية، وإيجاد حلّ نهائي للصراع العربي الإسرائيلي وفق رؤية إدارة دونالد ترامب.

وتأتي هذه الزيارة في إطار  حشد الدعم لمؤتمر من المقرر أن يعقد يومي 25 و26 يونيو/حزيران في البحرين والذي يحمل اسم "من السلام إلى الازدهار"، وسيكشف خلاله كوشنر عن الجزء الأول من خطة ترامب، كما سيتم الجمع الدعم المادّي من دول المنطقة لتمويل الخطّة، لمحاولة الحصول على تأييد قسم من الفلسطينيين عبر وعده بتنمية اقتصادية فعلية، على الرغم من قرار السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير رفض المشاركة في المؤتمر.

لم يصدر بيان رسمي، ولا رشح تصريح عن فحوى الزيارة، سوى ما ورد في قصاصة وكالة الأنباء الرسمية من أن اللقاء يأتي في إطار الشراكة الإستراتيجية التي تربط المغرب والولايات المتحدة، وعلى ضوء التطورات التي تعرفها منطقة الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا.

إلا أن وسائل الإعلام الرسمية تناقلت حلول كوشنر على مائدة إفطار الملك محمد السادس، برفقة ولي العهد، مثلما نقلت زيارة كوشنر لمقبرة يهودية بالدار البيضاء للترحم على واحد من كبار الأحبار أو الحاخامات حاييم بنتو؛ كلها جوانب ذات رمزية، الجمع بين طقوس رمضان، وزيارة مقبرة يهودية، لإبراز التعايش بين اليهود والمسلمين بالمغرب.

وتعليقا على الموضوع، قال أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط محمد تاج الدين: إن "زيارة كوشنر والوفد المرافق له للمغرب تأتي في إطار عرف في تاريخ الإدارة الأميركية التي عادة ما تلجأ إلى العاهل المغربي من أجل إبداء وجهة نظره فيما يتعلق بملفات الشرق الأوسط وهو ما يمنح المغرب صورة أكثر حكمة وحيادا".

وأضاف تاج الدين الحسيني لصحيفة "العرب" أن "وجهة النظر المغربية في ما يتعلق بالتطورات التي تعرفها المنطقة كانت واضحة في الرسالة التي بعثها العاهل المغربي إلى الرئيس دونالد ترامب عند نقل السفارة الأمريكية للقدس، وهي ضرورة الالتزام بالحفاظ على الحق الفلسطيني وبناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية".

يذكر أنّ العاهل المغربي محمد السادس، أعلن رفض بلاده لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، حيث قال حينها إن هذا الأمر "من شأنه أن ينسف جهود تسوية القضية الفلسطينية العادلة، فضلا عن تداعياته الوخيمة على الأمن والسلم في منطقة الشرق الأوسط والعالم بأسره".

استثناء الرباط وعمّان  

لا يبدو من الغريب أن يختار المستشار الأمريكي المغرب والأردن في زيارة خاصّة قبيل لقائه بالمسؤولين الإسرائيليين في إطار مهامه من أجل دعم الخطة الأمريكية وتمهيد الأرضيّة لتطبيقها، حيث شهدت الرباط خلال شهر مارس/آذار  2019، قمّة جمعت بين العاهلين المغربي والأردني محمد السادس وعبدالله الثاني.

ويعد الموقف الرسمي المغربي والأردني متطابقا في رفض "صفقة القرن"، واستدعيا سفيريهما للتشاور، كما قاما بشكل منفرد بتحريك مبادرات لرفض القرار الأمريكي. ويذكر أن العاهل المغربي يرأس لجنة القدس المنضوية تحت لواء منظمة التعاون الإسلامي، فيما تشرف الأردن على الأوقاف الإسلامية والمسيحية بمدينة القدس.

وعن موقف الأردن، قال نائب رئيس الوزراء الأردني السابق ممدوح العبادي في مقابلة مع القناة الألمانية الناطقة بالعربية: إن "موقف المملكة الرافض للصفقة ينطلق من واقع موضوعي وواجب وطني تجاه القضية، خاصة وأن الصفقة تنسف كل معاهدات السلام العربية -الإسرائيلية وترفض تماما وجود دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، بالتالي فإن موضوع إنشاء دولة فلسطينية لا خيار فيه إلا التشدد والإصرار، سواء رضي كوشنر ومن معه أم لم يرضوا" .

وكان العاهل الأردني عبد الله الثاني، قد أعلن قبل أيام أن بلاده وهو شخصيا يتعرض لضغوط كبيرة من أجل تغيير موقفه من صفقة القرن ومن القدس وفلسطين، وأكد رفضه الاستجابة لهذه الضغوط، وسط خشية من  أي حلول على حساب خيارات عمّان، في ظل تقارير وشواهد على تقارب خفي بين إسرائيل ودول خليجية ظلت تاريخيا متحالفة مع المملكة الأردنية، لكنها قررت في هذه الفترة قطع المساعدات عنها.

في الوقت نفسه، لا تبدو العلاقات المغربية الخليجية في أحسن أحوالها، خاصة بعد التوتر الدبلوماسي بين الرياض والرباط، وكذلك بين الرباط وأبو ظبي التي تحمل تحفظات على مسائل داخلية في المغرب من بينها مشاركة الإسلاميين في الحكومة.

هل يتغيّر الموقف المغربي؟

من الواضح جدّا، أن الهدف من زيارة كوشنر للرباط هو رفع التحفظ المغربي، ثم بعده الأردني عن الانخراط في هذه الصفقة والمشاركة في لقاء المنامة، والذي من المفترض أن يعرض الشق الاقتصادي منها، من أجل تغيير موقف المملكة الرافض والمندد بكل الإجراءات الإسرائيلية المدعومة أمريكيا.

وهنا أكّد الناطق السابق باسم القصر الملكي، حسن أوريد في مقال على موقع القناة التركية أنّه، لم يصدر موقفا رسميا عن الأمر، ومن المستبعد أن يغير المغرب موقفه المبدئي من مقترح "صفقة القرن"، أو يأتي موقفا لا ترضاه السلطة الفلسطينية، بخاصة وأن الملك محمد السادس يرأس لجنة القدس.

وأضاف أوريد: "الجوانب الإيجابية للزيارة بالنسبة للرباط، هو العودة إلى ملف النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. فللمغرب رصيد تاريخي، وهو طرف يحظى بالقبول من الطرفين".

من جهته، قال رئيس المركز الأطلسي للدراسات الإستراتيجية والتحليل الأمني، عبد الرحيم المنار السليمي لصحيفة "عربي 21" إن "مستشار الرئيس الأمريكي تجاوز دول السعودية والإمارات ومصر واختار فتح مفاوضات مع محور المغرب وقطر والأردن وتركيا حول قضايا الشرق الأوسط والصراع العربي الإسرائيلي، لهذا يجب فهم الزيارة بكونها بحثا عن دور مغربي للعب دور الوساطة وتقريب وجهات النظر وتقديم أفكار حول الصراع العربي الإسرائيلي وقضية السلام في الشرق الأوسط، فالزيارة هي تعبير عن إدراك الأمريكيين للدور المغربي في القضية الفلسطينية".

في الوقت نفسه، شارك مئات الناشطين المغاربة، في وقفة احتجاجية أمام مقر البرلمان بالعاصمة الرباط، بالتزامن مع إحياء يوم القدس العالمي رفضا لما اسموه ضغطا أمريكيا على المغرب، و"محاولات لتصفية القضية الفلسطينية عن طريق صفقة القرن"، تزامنا مع زيارة كوشنر للمغرب.

ودعا المشاركون خلال الوقفة إلى رفض صفقة القرن، ونددوا بزيارة صهر الرئيس الأمريكي، حيث رددوا "كوشنر اطلع برا والمغرب أرض حرة" ، و"مغاربة ضد صفقة القرن". وشجب الناشطون، التخاذل الرسمي العربي تجاه صفقة القرن، ودعوا الأنظمة إلى مزيد من الممانعة، والتصدي لهذه الخطة الأمريكية، وعدم الدخول في هذا النفق المسدود.