عبر المساعدات.. لماذا تحاول أسماء الأسد كسب الحاضنة العلوية بسوريا؟

مصعب المجبل | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

"يجب ألا يفقد المحتاجون الأمل في شهر رمضان"، عبر مثل هذه الجمل الرنانة تحاول أسماء الأخرس، زوجة رأس النظام السوري بشار الأسد، خلق حاضنة شعبية عبر المساعدات الإنسانية المغلفة بأهداف سياسية.

وعبر إطلاق مبادرات خيرية وأنشطة اجتماعية تحاول أسماء الأسد التوغل أكثر في قطاع المساعدات الإنسانية الذي كان يسيطر عليه رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد ومدير منظومته المالية طوال سنوات، قبل أن يُنقلب عليه لاحقا.

لكن أسماء الأسد تركز جهودها في جذب أبناء الطائفة العلوية بالخصوص التي ينتمي لها زوجها، لكنها تمثل أيضا حاضنة مخلوف الأولى وتدعمه بشدة، نظرا لأن أفضاله عليها غير محدودة.

باب المساعدات

وخلال شهر رمضان المبارك، توجهت منظمات تتبع لأسماء الأسد لتقديم مساعدات في مناطق الطائفة العلوية في الساحل السوري.

إلا أن تلك المساعدات بدت شحيحة، ما دفع الأهالي لإجراء مقارنات بينها وبين مثيلاتها التي كان يقدمها مخلوف قبل الإطاحة به عام 2020، عبر جمعيته "البستان الخيرية" النشطة في مساعدة أبناء الطائفة.

وبدا واضحا أن عزل مخلوف عن المشهد الاقتصادي السوري، تبعه تحركات لابتلاع كل أدواره السابقة التي أنيطت له من قبل النظام السوري.

إذ ترنو زوجة الأسد البالغة من العمر 47 عاما، لسد الفراغ الذي أحدثه الإطاحة بـ مخلوف، في ظل الواقع المعيشي المتردي الذي يعيشه الأهالي في مناطق الأسد، ولا سيما أنها تجتهد في إبقاء الطائفة مرتبطة بالقصر الجمهوري عقب تقليم أظافر مخلوف الاقتصادية.

وكانت "البستان" التي أسسها مخلوف في محافظة اللاذقية منتصف عام 1999 لتقديم المساعدات الإنسانية للمحتاجين من فقراء ومرضى، ذات دور سياسي خفي انكشف عقب اندلاع الثورة السورية في 18 مارس/ آذار 2011.

إذ لعبت الجمعية بعد تسمين شباب الطائفة عبر المساعدات، في حشد وتجنيد مجموعات منهم مع قوات النظام السوري لقمع الثورة لحظة ولادتها.

وأسماء الأسد تسعى حاليا لتكرار التجربة عبر مؤسسة "الأمانة السورية للتنمية" التي أطلقتها عام 2001، وتنفذ أعمالها بالشراكة مع المجتمعات المحلية والمنظمات غير الحكومية والجمعيات الخيرية الأخرى والحكومة والقطاع الخاص.

وفي 18 ديسمبر/كانون الأول 2000، تزوجت أسماء الأخرس من بشار الذي ورث الحكم عن أبيه منذ 17 يوليو/ تموز من العام نفسه، وهي من مواليد لندن عام 1975، وتحمل الجنسية البريطانية، وتنحدر من عائلة سنية من مدينة حمص، لكن والدها فواز عاش في المملكة المتحدة ويحمل إجازة في الطب.

وحصلت أسماء على شهادة البكالوريوس في علوم الكمبيوتر من كلية "الملك" التابعة لجامعة لندن عام 1996، وتدربت على العمل المصرفي في نيويورك.

وبشكل مفاجئ أعلن نظام الأسد في 8 أغسطس/آب 2018 إصابتها بمرض سرطان الثدي، وشفيت منه بعد أقل من عام، ما خلق وقتها تعاطفا كبيرا معها من قبل الموالين للأسد.

تمدد بالطائفة

ويؤكد مدير موقع "اقتصادي"، الباحث السوري يونس الكريم، لـ"الاستقلال"، أن "أولى خطوات أسماء الأسد لاحتواء كل قرية أو مدينة ذات غالبية علوية على امتداد الجغرافية السورية وسحب البساط من يد رامي مخلوف وجمعيته البستان الخيرية تدريجيا، تمثلت في تغيير اسم الأخيرة لتصبح مؤسسة العرين".

ويرجع ذلك وفق الكريم "لغياب الحاضنة الشعبية لأسماء من قبل الطائفة العلوية، لذا تريد من وراء ذلك كسب قلوب أبناء تلك الحاضنة الذين يشكلون العمود الفقري لألوية وفرق عسكرية مهمة مثل الفرقة الرابعة مدرعات، والحرس الجمهوري والأجهزة الأمنية بفروعها (الأمن العسكري - المخابرات الجوية - الأمن السياسي - أمن الدولة).

وأضاف أن "أسماء الأسد تريد أن تقول إنها تستطيع احتواء جميع مكونات الشعب السوري بكل طوائفه من السنة وهي الغالبية العظمى والعلويين والدروز والمسيحيين، لكن مع ذلك هي تريد أن تصنع من الطائفة العلوية حاضنة شعبية جماعية لها".

وأشار الباحث السوري إلى أن "رامي مخلوف يستمد قوته من الطائفة العلوية كونه هو من شيوخها وله أياد بيضاء عليها وله حظوة لديهم لكونه عمل على تشغيل أكبر عدد ممكن من أبنائهم وبناتهم في شركاته واستثماراته ودعمهم حتى في الانخراط في الجيش سابقا، ما خلق تعاطفا معه كبيرا حينما جرى الإطاحة به من قبل أسماء، ولم ينكروا وده وإلى الآن يعترفون به".

وركز بشار الأسد خلال الأربع سنوات الأخيرة على اصطحاب كامل أفراد عائلته ابنيه حافظ وكريم وابنته زين، وزوجته أسماء على زيارة قرى الطائفة العلوية والدخول لبيوتهم والأكل معهم.

في المقابل، كانت أسماء منفردة تقوم بزيارات ذات طابع عملي وتطرح عليهم استثمار القروض التنموية لإحياء المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وكذلك استعادة الإنتاج الزراعي والحيواني، ودعم الورش والمشاريع المهنية، وتأهيل ما تضرر منها.

وأصبحت وسائل إعلام النظام السوري المحلية تتجول في شوارع المناطق ذات الغالبية العلوية وتستقرأ حال حياتهم المعيشية، إذ لا يتوانى المتسوقون من القول بصريح العبارة "الغلاء ذبحنا ذبح.. ومتنا من الجوع.. بتنا نأكل خبزا ناشفا وخبزا وبصلا وخاصة بعد رفع الدعم".

وسحب الأسد الدعم الحكومي لبعض السلع والمواد الغذائية في فبراير/شباط 2022 عن 598 ألف أسرة، كان يقدم لها الدعم عبر "البطاقة الذكية"، بحجة تعويض العجز في ميزانيتها، إذ كان المواطن بموجب البطاقة يحصل على بعض المواد والسلع بأسعار مخفضة مقارنة بالمطروحة بالسوق المحلي.

ومنذ سنوات تعاني مناطق سيطرة النظام السوري تدهورا معيشيا مع انهيار الليرة مقابل الدولار، إضافة إلى شح الوقود والغذاء.

وزاد الوضع سوءا مع جائحة كورونا، فيما يواصل النظام فساده وتقضي آلته القمعية على كل من يندد بالوضع الحالي، بتهمة التطرف والإرهاب.

بروبوغندا مدروسة

وأطلقت أسماء الأسد عام 2021 "مبادرة خبز وملح"، وخلال شهر رمضان لعام 2022، قامت بتوزيع سلات غذائية على مناطق سورية تحتوي على (زيت - سمنة - سكر - أرز - برغل - عدس - طحين - تمر).

لكن رغم ترويج منصات إعلامية لوصول شاحنات مساعدات إنسانية خلال شهر رمضان لأسر فقيرة مقدمة من أسماء الأسد، إلا أن الواقع بخلاف ذلك.

إذ تأتي التعليقات سلبية ومنتقدة لطريقة التوزيع، كونها توزع لفئات معينة وقليل جدا منها يذهب للفقراء، لا سيما أن هناك اقتراحات بتوزيعها عبر البطاقة الذكية.

وفي هذا السياق يؤكد الباحث الاجتماعي السوري حسام عبدالغني، أن "التوزيع غير عادل ومحدود ولا يتعدى كونه خطوة تنحصر في باب البروبوغندا التي تحاول أسماء الأسد رسمها لشخصيتها في الداخل، وبعث رسالة خارجية للغرب والمجتمع الدولي عبر تصوير نفسها كحاضنة لجميع قطاعات المجتمع المدني في سوريا".

وأضاف لـ"الاستقلال"، أن "أسماء الأسد تستفيد من هذا الترويج لإيهام وكالات تابعة للأمم المتحدة بأنها تشرف على مشاريع إنسانية بسوريا وبذلك تختطف جهود الإغاثة وتتلقى منها مساعدات ومبالغ مالية بالدولار مما يكسب خزينة النظام بالعملة الصعبة".

ولفت عبدالغني إلى أن "ما ترسله الأمم المتحدة من بطانيات عالية الحرارة وأغطية بلاستيكية إضافية وسترات وملابس شتوية ومواد غذائية وجدت داخل القطع العسكرية التابعة لقوات الأسد، فضلا عن تمويل جهود الحرب ودفع رواتب المسؤولين من الأموال الدولية".

وفي منتصف عام 2021، أطلقت أسماء الأسد مبادرة "سوق العيلة" عقب لقاء مع عدد من القائمين على الجمعيات الخيرية والمؤسسات الإنسانية ورؤساء غرف التجارة والصناعة من جميع المحافظات، وتهدف المبادرة لتنظيم "جهود العمل الخيري وإيصاله للشرائح الأكثر احتياجا وتلبية احتياجاتها وخصوصا المرتبطة بـ لوازم المدرسة".

واستولت أسماء الأسد، على قطاع الاتصالات الخلوية في سوريا بعد عام واحد لإقصاء رامي مخلوف، بعد قرار حكومة الأسد بالحجز احتياطيا على أمواله، وأموال زوجته، وأولاده، في مايو/أيار 2020، ونزع ملكيته لشركة الاتصالات "سيريتل" المشغل الخلوي الأول بالبلاد، التي تأسست عام 2001.

وكان البديل لمخلوف جاهزا وهو يسار إبراهيم، الشخص القادم من ردهات القصر الجمهوري، والذي استطاع أن يحظى بثقة أسماء، وأن يقود دفة المرحلة الجديدة، تحت عنوان "اقتصاد العائلة"، في وقت تحتاج فيه الأخيرة إلى رجل يعيد ضبط "اقتصاد الحرب" ويجعله يدار من غرفة واحدة.

يذكر أن وزارة الاتصالات والتقانة التابعة للنظام السوري، أعلنت في 21 فبراير 2022، إطلاق المشغل الخلوي الثالث في البلاد "وفا تيليكوم" والذي يعود لشركة "وفاتيليكوم" التي تأسست عام 2017، ويديرها مقربون من أسماء الأسد بينهم يسار إبراهيم.