الإفراج عن الناشط السياسي علاء عبد الفتاح.. عفو رئاسي أم ضغط خارجي؟

شدوى الصلاح | منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

تنسَّم الناشط السياسي المصري علاء عبدالفتاح، الحرية أخيرا بعدما تعرض لصنوف شتى من الاضطهاد والتنكيل ومر بأوضاع غير إنسانية داخل سجون النظام بأمر من رئيسه عبد الفتاح السيسي.

فعلى مدار سنوات، قابل النظام قضيته المثارة في الأروقة الدولية وكل مناشدات الإفراج عنه بصلف شديد حتى أصدر السيسي في 22 سبتمبر/أيلول 2025،  ما أطلق عليه “قرار بالعفو”، والذي رأى كثيرون أنه جاء بضغط خارجي.

وعبدالفتاح، البالغ من العمر 42 عاما، يحمل الجنسيتين المصرية والبريطانية؛ وكان لا يزال في السجن رغم انتهاء مدة عقوبته عام 2024 -وفقا لعائلته-.

وتضمن القرار الرئاسي العفو عن "سعيد مجلى الضو عليوة، كرم عبد السميع إسماعيل السعدني، ولاء جمال سعد محمد، علاء أحمد سيف الإسلام عبد الفتاح حمد، محمد عبد الخالق عبد العزيز عبد اللطيف، منصور عبد الجابر علي عبد الرازق".

ونص على العفو عن باقي مدة العقوبة المقضي بها على عدد من المحكوم عليهم بعد اتخاذ الإجراءات الدستورية والقانونية في هذا الشأن، استجابة لمناشدة المجلس القومي لحقوق الإنسان.

وكان المجلس المذكور قد ناشد السيسي بإصدار عفو رئاسي عن بعض المحكوم عليهم بعد تلقيه مناشدات من أسرهم للإفراج عن ذويهم.

وعقب إعلان القرار، رحَّب المجلس بالخطوة، مؤكدًا أنها جاءت تجسيدا عمليا لإعمال الصلاحيات الدستورية المخولة لرئيس الجمهورية، وخطوة تعكس اتجاها متناميا لتعزيز مقوّمات العدالة الناجزة واحترام الحقوق والحريات الأساسية. وفق زعمه.

وكانت أسرة عبدالفتاح قد ناشدت رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر للمساعدة في تأمين إطلاق سراح ابنهم. وتفاعلت أسرة علاء عبد الفتاح مع النبأ قبل أن تنشر صور له بين أحضان عائلته.

 وكان أول ما كتبته شقيقته منى في حسابها عبر منصة إكس: "قلبي هيقف". وأضافت: "ماما وسناء بيحاولوا يفهموا امتى القرار هيتنفذ وباب السجن يتفتح وعلاء يخرج.. مش مصدقة أصلا إني كتبت الكام سطر اللي فوق دول".

من جانبها، كتبت سناء، شقيقة علاء الصغرى: "معلش مش عارفة أرد على التليفون احنا زينا زيكم عرفنا من الأخبار معندناش فكرة هيخرج منين ورايحين السجن نسأل.. الحمد لله! مش مصدقة نفسي".

واعتقل علاء عدة مرات على مدار العقد الماضي، ولم تدم حريته طويلا عندما أطلق سراحه من السجن في 2011؛ إذ اعتقل مرة أخرى عام 2013 وحُكم عليه بالسجن لأكثر من خمس سنوات  إثر إدانته بتنظيم احتجاج بدون تصريح رسمي.

وأفرج عنه في 2019 مع وضعه تحت المراقبة، ثم احتجزته السلطات مرة أخرى في سبتمبر من العام ذاته، وصدر بحقه عام 2021 حكم نهائي بالسجن 5 سنوات بتهم بينها "نشر أخبار كاذبة".

وأصبح عبد الفتاح أبرز سجين سياسي في مصر بعد أن أمضى جزءا كبيرا من حياته رهن الاحتجاز بسبب نشاطه وأصبح رمز نادرا لحقوق الإنسان ولمعارضة حملة القمع في عهد السيسي.

وعلى الرغم من الحملات المحلية والدولية الكثيرة التي طالبت بالإفراج عنه، وأبرزها حملات خلال قمة المناخ كوب 27 التي استضافتها مصر في 2022، لم يكن هناك احتمال لحدوث ذلك إلا عندما أمر السيسي السلطات المعنية في وقت سابق هذا الشهر بدراسة العفو عنه. 

وكان اسم عبد الفتاح والذي يعد من أبرز رموز ثورة 25 يناير 2011، قد رفع من قائمة "الإرهاب" المصرية في يوليو/تموز 2025، في خطوة أزالت عنه عددا من القيود القانونية منها تجميد الأصول ومنع السفر، ويبدو أنها مهدت للإفراج عنه بعد سنوات من الاعتقال.

وكانت ليلى سويف أستاذة الرياضيات بجامعة القاهرة ووالدة عبدالفتاح نقلت قضية ابنها إلى الأروقة الدولية وقادت مظاهرات ودخلت في إضرابات عن الطعام للمطالبة بالإفراج عن ابنها، وفقدت وزنها وتدهورت حالتها الصحية.

ونتيجة تدهور مؤشراتها حيوية عدة نتيجة الإضراب الطويل عن الطعام، الذي بدأته منذ انتهاء المدة القانونية لحبس نجلها دون أن تُحتسب مدة حبسه الاحتياطي من العقوبة المفروضة عليه، نقلت إلى مستشفى سانت لويس بلندن، تحت المراقبة الطبية الدقيقة.

وأطلقت منى وسناء شقيقتا عبدالفتاح مناشدات متكررة، لرئيس النظام المصري بإصدار عفو يراعي الوضع الإنساني المتأزم داخل الأسرة، خاصة في ظل معاناة نجل عبد الفتاح من اضطراب طيف التوحد، وتدهور الحالة الصحية لجدته سويف.

وتباينت ردود فعل الناشطين على منصات التواصل على خبر “العفو الرئاسي” عن عبدالفتاح وآخرين، بين مَن عدّها خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح تبشر باحتمالية أن يتبعها المزيد، فيما أرجعها آخرون إلى ضغوط خارجية مورست على النظام دفعته لاتخاذها دون نية للإصلاح.

واحتفوا عبر تغريداتهم وتدويناتهم على منصتي “إكس” "فيسبوك"، ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #علاء_عبدالفتاح، #ليلى_سويف، #السيسي_عميل، وغيرها بالإفراج عن الناشط السياسي، متداولين صورا ومقاطع فيديو توثق وتنقل فرحته وذويه بقرار العفو.

وأثنى ناشطون على دور والدة عبدالفتاح ونضالها من أجل الإفراج عن نجلها، وأعربوا عن سعادتهم بتكلل جهودها بإطلاق سراحه، رافضين توصيف حريته بأنها عفو رئاسي ومصرين على تسميتها بأنها حق مكتسب وليست منحة السلطة، وتمنوا العقبى لباقي المعتقلين السياسيين.

خطوة إيجابية

وتفاعلا مع الإفراج، أعرب نقيب الصحفيين خالد البلشي، عن أمله أن تتبع هذه الخطوة خطوات متعاقبة لمراجعة أوضاع والإفراج عن جميع الزملاء الصحفيين المقيدة حريتهم، وعن كل المحبوسين على ذمة قضايا الرأي.

وناشد البلشي الرئيس بالعفو عن الزميل الصحفي "محمد أكسجين" الذي صدر ضده حكم بالحبس على ذمة نفس قضية علاء عبد الفتاح، متمنيا أن تكون القرارات الرئاسية الأخيرة مقدمةً لإنهاء ملف المحبوسين.

كما تمنى أن تكون القرار مقدمةً لخطوات أخرى قادمة على طريق الإصلاح السياسي والديمقراطي، وإصلاح أوضاع الصحافة والإعلام وكذلك تحسين الأوضاع الاقتصادية للصحفيين.

وهنأ الحقوقي بهي الدين حسن، عبد الفتاح، وتمنى العقبى لألوف الأسري المصريين الآخرين، موضحا أن علاء - مثل آلاف آخرين- لم يرتكب جرما يستحق عليه الاحتجاز يوما واحدا.

وأكد أن ليس هناك شيء في الدنيا يمكن أن يعوض عبدالفتاح (وآخرين) عن يوم واحد من 10 سنوات قضاها في سجنه، معربا عن أمله أن نودع أيديولوجية تنظر للمصريين كعبيد مستباحين.

وعرض الناشط السياسي هيثم أبو خليل، صورتين لعبدالفتاح، من داخل منزله يحتضن والدته، قائلا: "علاء في بيته وبين أهله.. فرحة وحرية بعد ظلم أسود طويل لا تعادلها فرحة.. اللهم فرح في كل بيوت مصر بتحرّر أكثر من 100 ألف أسير في المعتقلات".

وتمنى شحاتة، لو أن العفو شمل كل سجناء الرأي، قائلا: "الغريب أن بعض من يُفترض أنهم أبناء مهنة الصحافة استقبلوا الإفراج عن عبدالفتاح وكأنه مصيبة، ينوحون ويلطمون الخدود.. سلوك شاذ من بشر لا يهتز لهم جفن، بينما يقبع أكثر من عشرين صحفيًا خلف القضبان".

وأكدت المغردة سما، أن العفو عن علاء عبدالفتاح خطوة ، لكنها ليست كافية، مشيرة إلى أنّ خلف القضبان قلوب تقهر، وأرواح تئنّ في الظلام، وأهالي بالخارج يبكون كل ليله، ولابد من خروج جميع المعتقلين، حان الوقت بالإفراج عنهم جميعا ، فمن حق كل مصري أن يتنفس حرية.

نظام فاسد

وهجوما على النظام الحاكم، أشار إبراهيم خليفة إلى أن العفو عن عبدالفتاح خبر كويس لأهله وأصحابه وكل من كان ينتظر هذه اللحظة، مطالبا بالواقعية ومعرفة أن ما حدث مجرد لحظة مؤقتة، وليس تغيرا في السيستم كله. 

وذكر بأن علاء عفي عنه، ولكن لا يزال هناك مئات –ويمكن آلاف– محبوسين في قضايا رأي وسياسة.

وقال: "لو في نية حقيقية لإصلاح، كان العفو هيبقى بداية سلسلة خطوات واضحة: إفراجات واسعة عن باقي سجناء الرأي، تعديل القوانين التي تفتح باب الحبس على الكلمة، ومنح مساحة أوسع لحرية التعبير".

وأكد خليفة أن غير ذلك سيظل القرار مجرد رسالة سياسية مؤقتة، اتعملت لتهدئة الضغوط الداخلية أو الخارجية وليس أكثر.

وأكّدت أسماء زيدان، أن خروج عبدالفتاح ليس إشارة إلى أن النظام الحاكم منه رجا، قائلة: "هو مضروب على قفاه 17 قفا خارجيا فبيحلق علينا داخليا".

وأضافت: "بكل الأحوال خروج علاء وكل المعتقلين حقهم لأن أصلا كان يجب عدم سجنهم بالأساس.. والعفو دا تقوله للي يملكه احنا مش ملك يمين حد عشان يبيع ويشتري فينا".

وأشار عبدالرحمن محمد محمود، إلى أن كل أهالي المعتقلين ينتظرون نفس المعاملة التي تعامل بها عبدالفتاح لهم ولذويهم، قائلا: إن بالرغم أننا نتمنى ذلك إلا أنه لن يحدث، وهذا ما سيزيد الفجوة المجتمعية في وقت أحوج ما تكون فيه الدولة للوحدة. 

وأضاف أن ذلك إن دل على شيء فإنما يدل على أن رأس النظام يطالب عموم الشعب بتقديم مصلحة الوطن على أي مصالح أخرى في وقت هو لا ينظر فيه إلا إلى مصلحته الشخصية.

وعلق محمد الصغير، على صورة احتضان عبدالفتاح لأمه، قائلا: إن فرحة د. ليلى سويف بخروج ابنها علاء عبدالفتاح من السجن لحظة تنتظرها أكثر من ستين ألف أم، لهن أبناء وأزواج في سجون مصر.. ونسأل الله للجميع الفرج القريب.

وقال عبدالرحمن عياش: إن العفو الرئاسي عن علاء عبدالفتاح تذكير لنا كلنا إن فيه شخص واحد بس مسؤول عن معاناة عشرات الآلاف في السجون والمنافي والملايين من أسرهم وحبايبهم؛ لأن بإيده ينهي المعاناة دي بتوقيع من على مكتبه بس مش عاوز عشان شايف في خروجهم تهديد لسلطته.

وتساءل الإعلامي أيمن عزام: “وماذا سيضر مصر لو خرج المعتقلون السياسيون كلهم بعد عقد من مكثهم في غياهب السجون دون جريرة إلا أنهم جاهروا بآرائهم السياسية المعارضة للقيادة السياسية؟!، أي وجهٍ لمصر يكون أجمل و أرقى و أكثر أملا في مستقبل أفضل؟”

وأوضح محمد إسماعيل، أن علاء عبدالفتاح اعتقل ظلما وبهتانا مثل شباب كتير ضاعت أحلى أيام شبابهم في معتقلات السيسي ومنهم مَن تمّ قتله بدم بارد ومنهم من تم إعدامه في ريعان شبابه ومنهم من تم اغتصابه سواء من الشباب والشابات وحتي الأطفال.

وأشار إلى أن كل ذلك حدث لأن هؤلاء الشباب يحبون مصر بجد ورفضوا حكم عميل ونظام خائن فرط في كل ثروات مصر وأمنها القومي وباع الأرض والعرض وفرط في نهر النيل، وأهم جزر إستراتيجية مصرية على مدار التاريخ تيران وصنافير (منحها للسعودية).

حق لا منة

وتسليطا للضوء على مشاعر الفرحة والسعادة وإشادة بجهود والدة عبدالفتاح، نشرت أم إليز الفارسي، مقطع فيديو يوثق فرحة عبدالفتاح وأسرته بالإفراج وحفاوتهم في أجواء عائلية، قائلة: إن هذه مشاعر وأحاسيس لا يعرفها ألا من عاشها.

وأضافت: "الحمدلله على سلامة عبدالفتاح؛ فلم يكن غير عصفور يغرد، وما كانت الدكتورة غير أم، اعتقدت أن وحيدها لن يكفنها، ولن يدرجها للقبر فأثرت أن تستعجل ملاكه".

وبارك مينا مجدي، خروج عبدالفتاح، معربا عن سعادته بأن جهد ليلى سويف تكلل بالنجاح.

وعرضت شذى المهدي صورة لليلى سويف مركبة مع صورة أخرى لنجلها عبدالفتاح مع ابنه، قائلة: "الأم ممكن تعمل أي حاجة عشان ابنها.. شكرا الدكتورة ليلى على الدرس البليغ ومبروك الحرية المستحقة لعلاء".

وتأكيدا على أن إطلاق سراح نجلها حق وليس منه أو تفضل من أحد، قالت نها رضوان: "إحقاقا للحق.. علاء عبدالفتاح من وجهة نظري لم يشمله العفو الرئاسي هو فقط تم الموافقة على تنفيذ الإفراج عنه لأنه خلص مدته أصلًا وفوقها ما يقرب من السنة".

وأوضحت أن العفو يكون عن محكوم عليهم ومازال عندهم فترة في عقوبتهم.

وأكد السياسي عمرو عبدالهادي أن خروج عبدالفتاح ليس منة ولا فضل من السيسي وإنما حقه الذي سلب منه منذ سنوات، متمنيا الإفراج عن باقي المعتقلين.