"نتغدى به قبل أن يتعشى بنا".. كيف فتح تويتر شهية أغنى رجل بالعالم لشرائه؟

علي صباحي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"إن لم تستطع هزيمتهم، فاشترهم"، حكمة شهيرة تتداول بكثرة في عالم السياسية والأعمال منذ مطلع القرن العشرين، لكنها عادت للظهور بقوة من جديد مع تقديم رجل الأعمال الأميركي، الأغنى في العالم، إيلون ماسك، عرضا دراماتيكيا لشراء منصة "تويتر".

وبين الانتهازية والرغبة في حماية النفوذ من جهة، والدفاع عن قيم الديمقراطية وحرية التعبير من جهة أخرى، تنوعت التكهنات وراء الأسباب الحقيقية التي دفعت ماسك، صاحب المشاريع الاستثنائية على كوكب الأرض وبالفضاء، لخوض غمار هذه المعركة مع المنصة ذات التأثير الأكبر بالعالم.

استحواذ بهدوء

في 4 أبريل/ نيسان 2022، استيقظ مستخدمو "تويتر" ليجدوا اسم "إيلون ماسك" الأكثر تداولا على المنصة، لا بسبب ضجة جديدة من خلال شركتيه "سبيس أكس" لإطلاق الصواريخ والأقمار الصناعية و"تيسلا" للسيارات الكهربائية؛ لكن لأنه كشف عن امتلاكه حصة كبيرة تقدر بـ9.2 بالمئة في شركة تويتر.

وأعلنت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية، أن ماسك الذي يعد مغردا مستمرا على تويتر، ويتابعه ما يربو على 82 مليون مستخدم، اشترى نحو 73.5 مليون سهم بهذه المنصة في 14 مارس/ آذار 2022.

وجعلت هذه الحصة ماسك البالغ من العمر 50 عاما، أكبر مساهم في الشركة، بنسبة تفوق أربعة أضعاف حصة مؤسس تويتر، جاك دورسي، التي تبلغ نسبتها 2.25 بالمئة، وفق هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".

ولتفسير كيف استطاع الاستحواذ على هذه الحصة الضخمة دون صخب إعلامي، ذكرت وكالة "بلومبرغ" الأميركية في 15 أبريل، أن ماسك شرع بطريقة هادئة في شراء أسهم تويتر في 31 يناير/ كانون الثاني 2022.

ومع حلول 14 مارس 2022، كان ماسك قد جمع ما يزيد على 5 بالمئة من الأسهم، وهي النقطة التي كان من المفترض بعدها أن يفصح عن عمليات البيع والشراء لهيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية.

وتجاوز ماسك الموعد النهائي لإبلاغ اللجنة بـ10 أيام. ومع الأخذ في الاعتبار أن سعر سهم شركة تويتر صعد 30 بالمئة عندما أفصح ماسك عن العملية، فقد كانت لديه القدرة على جمع مزيد من الأسهم بسعر رخيص من خلال عدم الإفصاح.

وهي خطوة خاطئة من شأنها أن تسفر في وقت لاحق عن رفع المساهمين دعوى قضائية ضده، لكن أكثر ما سيحصل عليه ماسك هو صفعة تأنيب في شكل غرامة لن تصل إلى مليون دولار، وهو مبلغ أقل بكثير من المبلغ الذي ربحه المقدر بـ156 مليون دولار.

وبالتزامن مع ذلك، شرع ماسك في إستراتيجية أخرى للوصول إلى هدفه الذي كشف عنه لاحقا، وذلك بتوجيه انتقادات لسياسات الشركة.

إذ قال في تغريدة بتاريخ 24 مارس: "أشعر بالقلق من التحيز الفعلي في خوارزمية عمل تويتر التي تؤثر بطريقة كبيرة في الجمهور، لذا، يتعين أن تكون الخوارزمية مفتوحة المصدر".

وفي استطلاع للرأي في 25 مارس، وجه ماسك سؤالا لمتابعيه على تويتر، جاء فيه: "تعد حرية التعبير مسألة ضرورية لتحقيق ديمقراطية فاعلة. هل تعتقد أن تويتر يلتزم بطريقة صارمة بهذا المبدأ؟".

وسأل ماسك في تغريدة أخرى كتبها في 26 مارس: "هل توجد حاجة إلى منصة جديدة؟". وأضاف قائلا: "إنني أفكر بجدية في هذه المسألة".

وأوصى مستخدمون كثيرون علقوا على تغريدة ماسك بأن يدرس شراء شركة تويتر عوضا عن ذلك، وسرعان ما تبين لهم أنه كان يشتري بالفعل أسهما في الشركة.

مخطط مدروس

وعقب ذلك، شرع ماسك في كتابة تغريدات تشمل توصيات لعمل شركة تويتر، إذ نشر استطلاعا آخر للرأي في 5 أبريل، يطلب فيه من المستخدمين التصويت فيما إذا كانوا يريدون من الشركة إضافة زر تعديل يسمح للأشخاص بتعديل التغريدات بعد نشرها.

وحث الرئيس التنفيذي لشركة تويتر "باراغ أغراوال" المستخدمين على "التصويت بكل عناية" على الاستطلاع، مؤكدا أن "النتائج المترتبة عليه ستكون ذات أهمية".

ومع حلول نهاية اليوم؛ وجهت شركة تويتر الدعوة إلى ماسك للانضمام إلى مجلس الإدارة، ما يعني توقيعه على اتفاقية تنص على أنه لن يكون في مقدوره امتلاك حصة تزيد على 14.9 بالمئة من أسهم الشركة، وفق القوانين المالية المتبعة بها.

وكتب أغراوال في تغريدة في 5 أبريل: "يسعدني أن أشارككم بأننا قمنا بتعيين ماسك في مجلس إدارتنا! من خلال المحادثات مع إيلون على مدى الأسابيع الأخيرة؛ أصبح جليا بالنسبة إلينا أنه سيجلب قيمة كبيرة لمجلس إدارتنا".

وفي 9 أبريل، وهو اليوم الذي كان قد قرر فيه انضمام ماسك رسميا إلى مجلس إدارة تويتر، أبلغ ماسك الشركة بأنه سيرفض عرضها، وبدأ كتابة تغريدات عديدة توجه انتقادات، وتقدم اقتراحات مبطنة للشركة. ووجه في أحدها سؤالا لمتابعيه: "هل تويتر في حالة احتضار؟".

وفي 11 أبريل، قدم ماسك ملفا معدلا للإفصاح إلى لجنة الأوراق المالية والبورصات، يوفر إمكانية شراء أي عدد يريده من الأسهم، من دون مقعد عضوية في مجلس إدارة الشركة، التي لا يوجد لديها أي عضو يتمتع بأغلبية مسيطرة على غرار عمالقة التكنولوجيا الآخرين.

وفي 14 أبريل، كتب ماسك في تغريدة، أنه سيستحوذ على حصص المساهمين في صفقة نقدية تصل قيمتها إلى 43 مليار دولار، وسيحول "تويتر" إلى شركة خاصة، بواقع 54.20 دولار لكل سهم، أي 54 بالمئة أزيد من سعر التداول عندما بدأ في بناء حصة ملكيته في يناير 2022.

ووصف ماسك عرضه بأنه "الأفضل والنهائي". وادعى أنه يهدف من وراء هذه الخطوة إلى إطلاق إمكانات تويتر ليصبح "منصة لحرية التعبير في أنحاء العالم كافة".

وأكد أنه سيزيل القيود التي تفرضها المنصة على المحتوى، لأن "حرية التعبير ضرورة مجتمعية لديمقراطية فاعلة".

معضلة المحتوى

في المقابل، يرى خبراء أن غياب الإشراف على المحتوى في منصة تواصل اجتماعي مثل تويتر، سيصبح مصدر قلق للمعلنين المهتمين بالعلامة التجارية الخاصة بهم، والذين لا يرغبون في ظهور إعلاناتهم إلى جانب مشاركات مثيرة للجدل.

كما ستتوقف النخب المؤثرة وكذلك الأشخاص العاديون عن استخدام تويتر، إذا ما تفشى فيه أصحاب ومروجي الأفكار والمحتويات الضارة.

ونقلت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية في 15 أبريل عن "جوشوا لوكوك"، كبير مسؤولي التسويق في وكالة "يو إم وورلد وايد" (UM Worldwide) الإعلامية العالمية، قوله: "يتمثل مصدر القلق الأساسي، في احتمال أن يصبح تويتر مكانا سيئا ومجتمعا ساما".

وكبقية منصات التواصل الاجتماعي، يعتمد تويتر بشكل كبير على الإعلانات، التي تمثل نحو 90 بالمئة من إيرادات الشركة، التي بلغت 5.1 مليارات دولار في 2021.

وتعاني الشركة مثل أقرانها أيضا، وخصوصا "ميتا بلاتفورمز" (فيسبوك سابقا)، من أجل تحقيق التوازن في إدارتها لمحتوى المنصة.

ولا يعد تويتر منصة رابحة بشكل كبير مقارنة بفيسبوك وتيك توك، لكنه في المقابل المنصة الأكثر مصداقية فيما يتعلق بالأخبار والمحتويات الجادة، والأكثر استخداما من قبل الساسة، والصحفيين، ورجال المال والأعمال.

وأوضح لوكوك، أن"الرئيس التنفيذي السابق لـ(تويتر) جاك دورسي، أعطى الأولوية للبيئة الصحية التي توفرها المنصة، الأمر الذي نال تقدير مجتمع الإعلانات، كما زادت الثقة فيها، ولا يبدو واضحا ما إذا كان ماسك سيستمر في اتباع النهج ذاته، أم سيبتعد عنه تماما".

وبرغم تنوع الأنشطة التجارية التي يعمل فيها ماسك، لكنه لم يتول إدارة شركة تعتمد بشكل أساسي على عائدات الإعلانات. واقترح قبل إعلانه نيته الاستحواذ على تويتر، التخلص من الإعلانات، ومكافأة المستخدمين الذين يدفعون اشتراكات مقابل الخدمة، بعلامات التحقق.

من جهة أخرى، ينتقد كثيرون حول العالم ما يعدونه تحيزا ليبراليا في تويتر، إذ يسمح بنشر ما يعدونه مقبولا وفق رؤية المنصة الأيدولوجية، ويحظر محتويات أخرى تحت ذريعة مكافحة خطاب العنف والكراهية.

وانتقد ماسك رقابة تويتر على المحتوى أكثر من مرة، وأبدى تعاطفه مع المستخدمين الذين طردتهم إدارة المنصة، كما حصل مع حساب "Babylon Bee"، بسبب منشور ساخر عن مسؤول حكومي أميركي متحول جنسيا، إذ عد المنشور انتهاكا لقواعد الموقع.

لكن العديد من "لكمات وصرخات" ماسك، لم تحظرها إدارة تويتر، بما في ذلك التعليقات والميمات التي تنتقد المتحولين جنسيا، فضلا عن منشور يقارن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو بالزعيم النازي أدلوف هتلر.

ولا تقتصر الدعوة إلى المزيد من حرية التعبير على منصات التواصل الاجتماعي على ماسك فقط؛ إذ انتقد "الاتحاد الأميركي للحريات المدنية" مرارا فرض قيود على محتويات وسائل التواصل الاجتماعي.

ونقلت بلومبيرغ عن "نادين ستروسن"، الرئيسة السابقة للاتحاد قولها، إن حل تلك المشكلات لا ينبغي أن يقع على عاتق شخص واحد.

وأضافت: "بغض النظر عن مدى إيجابية نوايا ماسك اليوم؛ يمكن أن تتغير نواياه غدا، وحتى إذا ظلت جيدة؛ فإن عملية تنفيذ تلك النوايا قد تعتريها العيوب".

حماية النفوذ

وفي قراءة أخرى للمشهد، قالت الخبيرة الإعلامية الأميركية فيفيان شيلر، إنه من الضروي الحذر عند تحليل أفعال رجل أعمال ناجح مثل إيلون ماسك، لكنه من الواضح يستمتع بإلقاء القنابل على تويتر، كونه المنصة الإلكترونية المفضلة لديه التي تجعله مركز اهتمام العالم، ويغير عبرها الرأي العام حول أمور كثيرة.

وهذه الأمور أثارت سابقا إدارة تويتر، لهذا قررت التدقيق في المعلومات التي ينشرها ماسك. وهو ما يثير غضب الملياردير، ويزيد مخاوفه أن يلحق يوما ما بالرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي حذفت المنصة حسابه نهائيا عقب أحداث الكابيتول مطلع 2021.

وأضافت شيلر في مداخلة مرئية مع "بي بي سي" في 15 أبريل، أن ماسك مميز جدا في استخدام تويتر وحتى لو لم يستحوذ عليه لكنه نجح في أن يظل مثار العالم.

 لكن يبدو أنه لا يملك أي مخطط عن كيفية إدارة الشركة أو تمويل أنشطتها، وما يروج له عن إدارة المحتوى غير قابل للتطبيق.

ويبدو أن ماسك استفاد من درس ترامب الذي كان لديه أكثر من 88 مليون متابع على تويتر قبل حظره، وفشل في العودة إلى نفوذه الإعلامي حتى عبر تأسيس منصة إلكترونية جديدة حملت اسم "تروث سوشيال".

وبعدما أصبح المساهم الأكبر في تويتر، قد يكون ماسك حمى نفسه من مصير ترامب، وتنازله عن عضوية مجلس الإدارة يرجح هذه المقاربة، نظرا لأن قوانين الشركة تمنع أعضاء مجلس الإدارة من التغريد بشأن سياسات المنصة وتوجيه انتقادات لها.

ومع ذلك لم تستبعد شيلر التي ترأست سابقا الشراكات الإخبارية والصحفية في تويتر، عودة ترامب إلى المنصة، حال نجح ماسك في الاستحواذ على الشركة.

وفي أول رد على خطوة ماسك، رفض الأمير السعودي الوليد بن طلال، الذي يمتلك 5.2 بالمئة من أسهم الشركة، في تغريدة عبر تويتر، عرض ماسك شراء المنصة.

وقال في 14 أبريل: "لا أعتقد أن العرض المقترح من إيلون ماسك لشراء تويتر مقابل 54.20 دولارا للسهم يقترب من القيمة الجوهرية للسعر بالنظر إلى آفاق نموه.. كوني أحد أكبر المساهمين في تويتر، أرفض هذا العرض".

ليرد عليه ماسك قائلا: "مثير للاهتمام. (لدي) سؤالان فقط، إذا جاز لي ذلك. كم من تويتر تمتلكه المملكة بشكل مباشر وغير مباشر؟ ما هي وجهة نظر المملكة في حرية التعبير الصحفي؟".

من جانبه، كشف مجلس إدارة تويتر، في بيان بتاريخ 16 أبريل، تدابير دفاعية لمواجهة رغبة ماسك في الاستحواذ على الشركة، معتبرا العرض "عدائيا"، لأنه على خلاف رغبة إدارة المنصة.

وأوضح المجلس أنه تبنى ما يعرف بـ"خطة محدودة المدة لحقوق حاملي الأسهم" التي تعرف أيضا بـ"حبة السم"، والتي تحظر شراء مالك واحد أكثر من 15 بالمئة من أسهم الشركة، وهو ما يتحقق من خلال توفير فرص أمام المستثمرين لشراء أسهم إضافية بسعر مخفض.

وأكد أنه شرح خطة الشركة الدفاعية ضد عرض ماسك غير الملزم لهيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية.