لاحتواء إيران.. هل تصبح أذربيجان وكازاخستان وجهة جديدة للتطبيع مع إسرائيل؟

منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

بينما يتكهّن المحللون السياسيون بشأن موعد تطبيع السعودية لعلاقاتها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، برز مرشحان آخران كشريكين محتملين لإقامة مثل هذه العلاقات وهما أذربيجان وكازاخستان.

ويتمتع البلدان حاليا بعلاقات دبلوماسية وتعاون مع دولة الاحتلال، مما يميزهما عن الدول الأخرى الموقعة على الاتفاقيات، بحسب مقال نشره "المجلس الأطلسي" الأميركي.

وقال جوزيف إبستاين، مدير مركز توران للأبحاث وزميل أول في معهد يوركتاون، إن "أذربيجان وكازاخستان تمثلان الوجهة الجديدة لاتفاقيات أبراهام".

وزعم الباحث أن الانضمام إلى الاتفاقات سيعود بفوائد ملموسة على جميع الأطراف؛ إذ سيمنح أذربيجان وكازاخستان فرصة الانخراط في شبكة تقوم على تعزيز الاستثمارات، إلى جانب تعزيز دور إسرائيل والولايات المتحدة في العالم التركي والعالم الإسلامي الأوسع.

وأضاف أنه "رغم أن اتفاقيات أبراهام بدأت كاتفاقات للتطبيع بين إسرائيل ودول عربية، فإنها تجاوزت لاحقا الحدود العربية لتتحول إلى منصة بارزة يمكن أن تضمّ دولا مسلمة أخرى".

بالنسبة لأذربيجان، قد تفتح اتفاقيات التطبيع طريقا لتعزيز التعاون الأمني في مواجهة التهديدات الإيرانية، وتمهد -إن جرى التنسيق مع كازاخستان- لتحقيق هدفها في أن تصبح جسرا نحو آسيا الوسطى.

أما كازاخستان، فقد تسهم الاتفاقيات في تقليص اعتمادها الاقتصادي على روسيا والصين، في وقت بات فيه هذا الاعتماد عبئا. بحسب الباحث.

أسس متينة

وتتمتع كل من أذربيجان وكازاخستان بعلاقات دبلوماسية واقتصادية متينة مع إسرائيل، حيث تُعدّ الدولتان أكبر موردَين للنفط إلى دولة الاحتلال.

وتتمتع كازاخستان بعلاقات وطيدة مع إسرائيل والشتات اليهودي، كما تستفيد أستانا بالفعل من التكنولوجيا الإسرائيلية المتقدمة في الزراعة والطب والمياه والأمن.

وأكد الباحث إبستاين أن اتفاقيات التطبيع تتيح فرصةً لتعزيز التعاون الأمني ​​والاقتصادي وتوسيع نطاقه ليتجاوز الطابع الثنائي للعلاقات مع إسرائيل.

في غضون ذلك، اتخذت أذربيجان بالفعل خطوات لتوسيع نطاق اتفاقيات التطبيع، فبحسب دبلوماسيين مطلعين على المحادثات، ناقش "حكمت حاجييف" كبير مستشاري الرئيس الأذربيجاني "إلهام علييف"، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إمكانية انضمام باكو إلى الاتفاقيات.

لاحقا، التقى سفير أذربيجان لدى إسرائيل "مختار محمدوف"، برئيسي التكتل البرلماني لاتفاقيات أبراهام في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي).

 وخلال جلسة برلمانية، دعا نواب إسرائيليون إلى توسيع الاتفاقيات لتشمل أذربيجان، والمساهمة في تعزيز تقاربها مع الولايات المتحدة.

وتقع جمهورية أذربيجان في جبال القوقاز الوعرة، وتُعد واحدة من قلائل الدول ذات الغالبية الشيعية في العالم. 

وقد ضمّت اتفاقيات التطبيع لعام 2020 دولا ذات غالبية سنية، مثل الإمارات والمغرب والسودان وكوسوفو.

وإذا انضمت أذربيجان إلى الاتفاقيات، فستُصبح ثاني دولة ذات غالبية شيعية تنضم، بعد البحرين.

وبحسب الباحث، فإن انضمام أذربيجان إلى اتفاقيات التطبيع قد يسهّل مشاركة كازاخستان، ويوسّع الفوائد التي يجنيها البلدان معا.

إذ تُعدّ مسألة تعزيز تكامل العالم التركي ركيزة أساسية في سياسة باكو الخارجية.

وقد وصف الرئيس علييف هذا التكامل بأنه أولوية قصوى، في ظل تعزيز علاقاته مع أستانا ودول آسيا الوسطى الأخرى.

ويقول مدير "مركز توبتشوباشوف" في باكو روسيف حسينوف: إن أذربيجان تسعى إلى أن تصبح "جسرا نحو آسيا الوسطى" من خلال التعاون التركي. 

ويُعدّ انضمامها إلى اتفاقيات أبراهام، وسعيها لإدماج كازاخستان خطوة فعّالة في هذا الاتجاه.

وفي عام 2022، منح رئيس جمهورية كازاخستان "قاسم جومارت توكاييف" الرئيس علييف وسام النسر الذهبي، الذي يعد الأعلى في كازاخستان ويُمنح تقديرا للخدمة الوطنية.

وفي عام 2023، أنشأ الرئيسان مجلسا بين الدولتين لتعزيز التعاون المتعدد الأوجه، وخلال الاجتماع ذاته، وقّع الوزراء وكبار المسؤولين من البلدين مذكرات تفاهم للتعاون في مجالات متنوعة، من بينها الإعلام والعلوم والثقافة والأعمال.

وتنظر أذربيجان إلى كازاخستان على أنها تمثّل أهمية إستراتيجية بالغة كونها الدولة الأكبر والأغنى والأكثر استقرارا في المنطقة.

مصالح كازاخستان

من جانبها، تتطلع كازاخستان إلى التعاون مع أذربيجان لإنشاء مسارات بديلة لصادرات الطاقة والتنويع الاقتصادي.

هذا التعاون يضع أذربيجان في موقع محوري يمكّنها من المساهمة في إدخال كازاخستان ضمن اتفاقيات التطبيع، وفق تقييم الباحث.

وكما أشار الخبيران الإسرائيليان زئيف خانين وأليكس غرينبرغ، من "مركز بيغن-السادات" بجامعة بار إيلان، فإنه “يمكن الاستفادة من الخبرة المفاهيمية والعملية الفريدة التي تتمتع بها أذربيجان في التعاون الإسلامي اليهودي”.

وذلك "لتوسيع نطاق اتفاقيات أبراهام، لتشمل دولا إسلامية في الشرق الأوسط وآسيا وإفريقيا".

وأوضح الباحث في المجلس الأطلسي أنه "إذا صادقت أذربيجان رسميا على اتفاقيات أبراهام، فقد تشكّل بذلك نقطة انطلاق لحراك أوسع في العالم التركي لتعميق العلاقات العلنية مع إسرائيل، ومن خلالها مع الولايات المتحدة".

"فباكو تُعدّ بوابة الدول التركية ما بعد الاتحاد السوفيتي، وهي دول مسلمة مؤيدة للولايات المتحدة ومؤمنة بقيم التسامح والسلام، وتؤدي دورا مهما ضمن المصالح الإستراتيجية الأميركية"، وفق وصفه.

وشدد على أنه "إذا سارت كازاخستان على خطى أذربيجان، فقد يسهم ذلك في تعزيز النفوذ الأميركي والإسرائيلي في المنطقة بشكل ملموس".

وزعم الباحث أن "الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام من شأنه أن يوفّر مكاسب إضافية لكل من أذربيجان وكازاخستان، في الوقت الذي سيساعد فيه إسرائيل والولايات المتحدة على تعزيز انخراطهما مع العالم التركي".

وأوضح أن آسيا الوسطى تقع بين روسيا والصين وإيران، وهي منطقة صعبة للغاية. 

ويفترض أنه "للنجاة، يجب على دول آسيا الوسطى تبني إستراتيجية تعددية التوجهات"، وهو مصطلح سياسي معقد يعني إقامة علاقات متوازنة مع القوى الكبرى المحيطة دون أن تصبح مرتهنة لمصالح جهة واحدة.

وقال: إن "التعاون مع لاعب عالمي كبير مثل الولايات المتحدة يعد أداة قيمة لهذه الإستراتيجية، وتوفر اتفاقيات أبراهام مسارا محتملا نحو التعاون ذلك".

وتابع: "تولي أذربيجان أهمية كبيرة لتعزيز التعاون الأمني مع القوى الكبرى، فهي الدولة الوحيدة التي تشترك في الحدود مع إيران وروسيا، وهما من أبرز الدول العدوانية في المنطقة".

علاوة على ذلك، ظلت باكو لمدة تزيد عن ثلاثين عاما في صراع مع أرمينيا حول إقليم "قره باغ"؛ حيث استغلت كل من روسيا وإيران هذا الصراع للضغط على أذربيجان.

وأردف الباحث: "مع توسيع نطاق التعاون الأمني ​​بين دول اتفاقيات أبراهام الحالية، يُمكن أن يُشكّل هذا التعاون أداةً قيّمةً للغاية لأذربيجان".

وتتشارك أذربيجان بعض القلق مع إسرائيل بشأن إيران، فقد هددت طهران باكو مرارا، بما في ذلك دعمها جماعة "إرهابية" من أصل أذري، ودعمها لأرمينيا في النزاع حول قره باغ.

وفي السنوات الماضية، تعاونت أذربيجان مع كل من إسرائيل وتركيا لردع إيران من خلال إجراء تدريبات مضادة واستيراد أسلحة متطورة.

احتواء إيران

وعلى هذا، يدعي الباحث أن "تأكيد التزام أذربيجان باتفاقيات أبراهام بشكل علني من شأنه أن يعزز تكاملها في تحالف أكبر تقوده الولايات المتحدة لحماية مصالحها ضد إيران".

وفي الوقت ذاته، سيكسب واشنطن وشركاءها العرب حليفا قويا على حدود إيران، التي تمتلك علاقات ناعمة ونفوذا كبيرا على أقلية أذربيجانية تضم 30 مليون شخص داخل إيران.

من ناحية أخرى، تعطي كازاخستان الأولوية لتوسيع التعاون الاقتصادي، حيث تسعى الدولة غير الساحلية إلى تنويع اقتصادها وتقليل اعتمادها على جيرانها الأقوى.

وبحسب الباحث في المجلس الأطلسي الأميركي، يمكن لكازاخستان الاستفادة من الانضمام إلى اتفاقيات التطبيع لتعزيز التعاون مع كل من إسرائيل والولايات المتحدة، خاصة فيما يتعلق بتحسين الوصول إلى التكنولوجيا الإسرائيلية والأميركية.

ومن خلال الاتفاقيات، ستكون إسرائيل القناة الأمثل -بحسب وصف الباحث- لتوثيق العلاقات بين الاقتصاد العالمي وأكبر اقتصاد يشهد نموا مستمرا في آسيا الوسطى.

ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي لأستانا 262 مليار دولار، ولديها القدرة على تحقيق نمو مزدوج الرقم في السنوات القادمة.

وقال الباحث: "إذا انضمت كازاخستان إلى اتفاقيات أبراهام، فقد يؤدي ذلك إلى تعزيز التعاون مع الولايات المتحدة في تصدير طاقتها والمعادن الأساسية عبر الممر الأوسط، وهو طريق عبور يمتد غربا عبر أذربيجان متجاوزا كلا من روسيا وإيران".

وإذا حصلت على استثمارات كبيرة من داعمين مثل الولايات المتحدة وأوروبا، فإن الممر الأوسط يمكن أن يوفر لكازاخستان بديلا آمنا لصادراتها النفطية.

أما بالنسبة لأوروبا، ستوفر صادرات الطاقة والمعادن بديلا لتدفقات الطاقة الروسية، وقد يوفر الاستثمار الأميركي في الممر الأوسط والمشروعات ذات الصلة فوائد إستراتيجية للولايات المتحدة أيضا.

فأستانا تمتلك مفاتيح أكبر الاحتياطيات العالمية من المعادن الأساسية والنادرة، ويشمل ذلك اليورانيوم، والليثيوم، والنحاس، والمنغنيز، والتنتالوم، وما إلى ذلك.

ومع سعي الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لتقليل الاعتماد على المعادن النادرة الصينية، قد تصبح كازاخستان مصدرا مثاليا للإنتاج للأسواق العالمية التي يمكن دمجها بشكل منهجي في سلاسل التوريد الناشئة لمصافي المعادن وعملية التخصيب، وفق الباحث.