راشد الغنوشي في فرنسا.. ماذا عن دلالات الزيارة قبيل الانتخابات؟

زياد المزغني | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

أشهر معدودات تفصل التونسيين عن التوجّه لصناديق الاقتراع لاختيار برلمان جديد ورئيس للجمهورية خلفا للباجي قائد السبسي في ثاني انتخابات عامة في البلاد بعد سنّ دستور الجمهورية الثانية في 25 يناير/كانون الثاني 2014.

وفي هذا الوقت الدقيق الذي تكثر فيه الاتصالات واللقاءات من أجل رسم الخارطة السياسية قبل وبعد الانتخابات، وأمام ما تظهره استطلاعات الرأي من تفوق لحزب حركة النهضة على منافسيه الذين يعيشون أزمات تنظيمية متتالية، جاءت زيارة زعيم الحركة راشد الغنوشي إلى فرنسا لتحمل معها دلالات واسعة قد تتجاوز الشأن التونسي.

فرنسا والإسلاميين

في مؤتمر صحفي عقده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال أبريل/نيسان الماضي للتعليق على نتائج الحوار الوطني الذي أجري في مارس /آذار 2019، أطلق ماكرون تصريحات متشددّة إزاء الإسلام السياسي، واعتبر أن الإسلام السياسي تهديد للجمهورية الفرنسية ويسعى للانعزال عنها، وقال إنه طلب من حكومته ألا تظهر هوادة مع الحركات الإسلامية، وأن تحول بينها وبين الحصول على أي تمويل من الخارج.

بعد ثورات الربيع التي انطلقت من تونس نهاية العام 2010، وأطاحت بنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي أحد أهم حلفاء فرنسا في المنطقة، وقفت باريس وساندت كلّ المحاولات التي أرادت أو أطاحت بالإسلاميين الذين نجحوا في الوصول إلى سدّة الحكم في المنطقة عبر انتخابات ديمقراطية وشفافة.

وبرز الدعم الفرنسي الجلي للواء المتقاعد خليفة حفتر في ليبيا، والذي يرفع لواء الحرب على الحركات الإسلامية وفي مقدّمتها جماعة الإخوان المسلمين والتي يتهمها بالإرهاب والسيطرة على حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا.

وفي 27 يناير/كانون الثاني 2019 أجرى ماكرون أول زيارة رسمية إلى القاهرة منذ انتخابه رئيسا منتصف العام 2017، سبقها استقبال عبد الفتاح السيسي في الإليزيه في أكتوبر/تشرين الأول 2017، رغم الانتقادات لهذا التقارب بسبب السجل الحقوقي السيء لنظام السيسي بعد الانقلاب على الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي في 3 يوليو/تموز 2013.

وفي تونس أثار السفير الفرنسي جدلا واسعا بتحركاته غير المسبوقة مقارنة بباقي السفراء، حيث لا يفوت أي مناسبة دون أن يظهر عبر الشبكات الاجتماعية في اجتماعات حزبية ومناسبات وطنية وأعياد ولقاءات مع السياسيين ونجوم الفن والرياضة والإعلام، وسبق لنواب في الجبهة الشعبية والحزب الجمهوري أن طالبوا رئيس الحكومة بوضع حد لتحركات السفير الفرنسي واصفين إياه بـ"المقيم العام الجديد والحاكم الفعلي لتونس".

كما انتقد الأمين العام للاتحاد العام التونسي الشغل تحركات السفير الفرنسي وتدخله السافر في السيادة الوطنية، ومحاولة باريس التأثير على المناخ السياسي في البلاد من خلال دعم شخصيات بعينها.

دبلوماسية شعبية

بدعوة من مسؤولين فرنسيين أجرى رئيس الحركة راشد الغنوشي زيارة لفرنسا خلال الفترة من 14 إلى 20 مايو/آيار 2019  برفقة وفد مكون من رفيق عبد السلام المكلف بالعلاقات الخارجية في الحزب، وعضوي مجلس نواب الشعب عن فرنسا الشمالية حسين الجزيري وكريمة التقاز، وعضو المكتب التنفيذي رضا إدريس، وكريم عزوز مسؤول الحركة بفرنسا الشمالية.

الغنوشي التقى خلال الزيارة عددا من المسؤولين الساميين في الدولة الفرنسية في مقدمتهم رئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشار ومستشار رئيس الحكومة للعلاقات الخارجية إيمانويل لينان.

الزيارة أظهرت أن "النهضة" تواصل سياستها في اختراق الساحات الأوروبية والأمريكية تحت عنوان "الدبلوماسية الشعبية" ومن أجل "تعزيز جهود الدبلوماسية الرسمية ضمن السياسات الخارجية الكبرى للدولة ومصالحها العليا" حسب وصف بيان الحركة إثر الزيارة واجتماع مكتبها التنفيذي صبيحة 22 مايو/آيار 2019.

الزيارة من حيث توقيتها وقيمة الشخصيات التي التقت الغنوشي وقيادات حزبه، وكذلك الوضع السياسي في تونس أثبتت أن حركة النهضة هي الحزب الأكثر استقرارا وقدرة على الحفاظ على وحدته بعد أن تشظى حزب الرئيس الباجي قائد السبسي وتشتت قياداته بين الأحزاب، كما تسجّل جميع استطلاعات الرأي تفوّق النهضة على منافسيها في نوايا التصويت، ما يثبت أن رصيد النهضة في صعود داخليا وخارجيا.

عبّرت حركة النهضة في بيان لها عن المكانة التي تحظى بها التجربة الديمقراطية التونسيّة وحركة النهضة لدى كل الأطراف التي أمكن لرئيس الحركة مقابلتها والاجتماع بها خلال الزيارة، كما وجّهت الحركة في بيانها  "التحية لجمهورية فرنسا الصديقة على حرصها الشديد والمتواصل لدعم التجربة الديمقراطية التونسية وتطوير العلاقات الثنائية في مختلف المجالات".

وأكّد عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة وأحد أفراد وفد حركة النهضة رضا إدريس أنّ هذه الزيارة تمّ الترتيب لها منذ 3 أشهر وبرغبة مشتركة بين الجهات الرسمية الفرنسية وحركة النهضة.

وأضاف إدريس في حديث لـ"الاستقلال" أنّ "هنالك رغبة لدى حركة النهضة بالتعريف بخياراتها السياسية ومبادئها خاصّة بعد مؤتمرها العاشر فيما يخصّ التوجه نحو أن تكون حزبا وطنيا منفتحا بخلفيّة إسلامية وفق ما وصفته لوائحها بالإسلام الديمقراطي، كما أكّد أنّ وفد الحركة  تطرّق إلى جملة من الملفات الاقتصادية والتجارية باعتبار فرنسا أحد أهم أبرز الشركاء الاقتصاديين لتونس.

يذكر أنّ الغنوشي سبق له زيارة باريس، برفقة وفد من الحركة في  21 يونيو / حزيران 2016، حيث استضافته رئيسة لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الفرنسي إيليزابيت قيقو، والتقى الوفد بأعضاء اللجنة، وألقى الغنوشي كلمة حول الانتقال الديمقراطي في تونس والتحديات التي تواجهها بلاده في تلك المرحلة، وشدد على عمق العلاقات التونسية ـ الفرنسية، وأهمية العمل على تقويتها على الأصعدة المختلفة.

تفوق سياسي

الحراك الدبلوماسي الذي تقوم به حركة النهضة ممثلة في رئيسها، يعد تفوقا ملحوظا مقارنة بمنافسيها السياسيين في تونس رغم الانتقادات التي تتعرّض الحركة بسبب هذه الزيارات والتحركات الدبلوماسية.

عدد من خصوم النهضة تعتبر ذلك تجاوزا لصلاحيات المؤسسات الرسمية للدّولة وسطو على مهامها إلاّ أنّ حركة النهضة تعتبر أنّ الجهد الذي تقوم به هو في إطار معاضدة المساعي الدبلوماسية الرسمية، خاصة أنه يتم "إطلاع رئيس الدولة على كل التحركات الخارجية للحزب"، حسب بيان الحركة الأخير.

هذا التفوق السياسي أكّده الجانب الفرنسي في حديثه مع وفد النهضة، حيث قال إدريس لـ "الاستقلال": "الفرنسيون أكّدوا في أكثر من مناسبة أنهم يعتبرون حركة النهضة الحزب المسؤول ويتمتع بحكمة سياسية وواقعية وانفتاح على جميع الأطراف وباعتدال في تعامله مع الصعوبات السياسية والأزمات، واعتبارهم أنّ النهضة ركن أساسي في الحياة السياسية التونسية ساهمت في الاستقرار، وهو اعتراف ورد على لسان جميع الأطراف السياسيين".

عضو المكتب التنفيذي للنهضة نفى ما يتم تداوله من حديث حول التطرق خلال الزيارة لمواضيع داخلية تتعلّق بتحالفات ما بعد الانتخابات أو اختيار اسم لرئاسة الجمهورية قائلا: "ما يقال أنّ النهضة تستقوي بفرنسا على حساب بقية الأطراف السياسية غير صحيح، والفرنسيون قدّروا أنّ النهضة حزب مسؤول وكبير يمكن التحاور والتشاور معه فيما يهم شأن البلدين، والنهضة حزب وطني يحترم السيادة الوطنية".

وأضاف إدريس أنّ علاقات النهضة واسعة وليست حكرا على فرنسا موضحا: "قبل فترة كان الشيخ راشد في ألمانيا واستقبل من قبل رئاسة الدولة الألمانية وقبلها كان في إيطاليا وقبلها ذهب للجزائر لأكثر من 4 أو 5 مرات واستقبل من قبل رئاسة الجمهورية، كما كانت له زيارات خارجية في الصين والهند".

خلال حديثه مع إذاعة "كاب إف إم" علق القيادي في حركة نداء تونس برهان بسيس على مشاركة الغنوشي في أشغال منتدى دافوس بقوله: "الرجل يعمل ويتحرك في دبلوماسية وعلاقات تعكس موقع حزبه على الخارطة الداخلية والخارجية".

وأضاف بسيس: "من منع الآخرين أن يذهبوا إلى دافوس أو إلى ليبيا أو إلى الجزائر مثل النهضة؟ العالم اليوم لا ينتظر الكسالى ومن ينتقد في النهضة لأن الغنوشي ذهب لدافوس أو التقى ببوتفليقة، كان عليهم العمل مثله بالجديّة والانضباط وتطوير شبكة العلاقات أفضل من النقد وهم قاعدون على الكراسي".

بسيس شدد على أن الذين يتصيدون لحركة النهضة إنما يخدمون مصلحتها ويمنحونها كسبا ثمينا من حيث لا يعلمون.