تقرير الحالة العربية: أكتوبر/تشرين الأول 2021

قسم البحوث | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

المحتويات

مقدمة

المحور الأول: جائحة كورونا في الوطن العربي

  • العراق 

  • الأردن

المحور الثاني: الحالة السياسية

  • الحالة المصرية (القمة الثلاثية بين مصر واليونان وقبرص)

  • الحالة السودانية (الانقلاب على المكون المدني وحل مجلسي السيادة والوزراء، دلالات الإجراءات الأخيرة وأثرها على الفترة الانتقالية) 

  • الحالة التونسية (تشكيل الحكومة الجديدة وأثرها على الأزمة) 

  • الحالة القطرية (الانعقاد الأول لمجلس الشورى عقب الانتخابات)

  • الحالة العراقية (الانتخابات التشريعية، صعود التيار الصدري وتراجع نفوذ إيران)

  • الحالة الليبية (صعود شعبية الدبيبة بعد فشل قرار سحب الثقة، الخلاف حول الانتخابات الرئاسية والبرلمانية)

المحور الثالث: الاقتصاد العربي

  • التداعيات الاقتصادية لانقلاب السودان

  • تطورات الأزمة الاقتصادية في تونس

المحور الرابع: الحالة الفكرية

  • أولا، بمناسبة اليوم العالمي للمعلم: المناهج التعليمية في العالم العربي بين مطالب الغرب والمحافظة على ثوابتنا

  • ثانيا، بداية الاستقلال اللغوي في الجزائر.. إلغاء استعمال اللغة الفرنسية في بعض الوزارات


مقدمة

على أعتاب نقل السلطة إلى المكون المدني في السودان، وقبيل استكمال التجربة الديمقراطية، كان للجيش رأي آخر، وهو نقض العهود، والانقلاب على الشركاء، ليلقي العسكر بالبلاد إلى مصير مجهول، ويعرضوا الدولة لكارثة الانزلاق في فوضى عارمة، هي أهون عليهم من أن يسلموا السلطة لمدنيين ويتخلوا عن مصالح وامتيازات توارثوها عبر عقود.

كان هذا هو أبرز أحداث أكتوبر/تشرين الأول 2021، والتي رصدها تقرير الحالة العربية ضمن المحور السياسي الذي تناول أيضا أبرز الأحداث في مصر، وهي القمة الثلاثية مع اليونان وقبرص، ضمن التحالف المناوئ لتركيا، وتشكيل الحكومة الجديدة في تونس لاستكمال الشكل الديمقراطي بعد الانقلاب.

وأيضا الانعقاد الأول لمجلس الشورى في قطر، والانتخابات التشريعية العراقية التي برز فيها التيار الصدري على حساب التيار الموالي لإيران، والخلافات بين البرلمان وحكومة الوحدة الوطنية في ليبيا.

أما على الصعيد الاقتصادي، فقد تناول التقرير التداعيات الاقتصادية لانقلاب السودان، وتطورات الأزمة الاقتصادية في تونس، وذلك في ضوء الأجواء السلبية المخيمة على الاقتصادات العربية بشكل عام.

وإذا انتقلنا إلى الحالة الفكرية، فسنجد قضيتين على قدر كبير من الأهمية، تدور أولاهما حول المناهج التعليمية في العالم العربي بين مطالب الغرب والمحافظة على ثوابتنا، وتدور الثانية حول إلغاء استعمال اللغة الفرنسية في بعض الوزارات الجزائرية، كخطوة على طريق الاستقلال اللغوي.

وقبل كل هذا، جاء المحور الأول ليطلعنا على أهم تطورات أزمة جائحة كورونا في العالم العربي، مع التركيز على الدول الأولى في ترتيب الحالات المصابة.


المحور الأول: كورونا في الوطن العربي

 

بمرور نحو ما يزيد عن 22 شهرا منذ ظهور فيروس (COVID-19) المعروف باسم فيروس كورونا، ضربت الجائحة معظم دول العالم، وبلغ عدد الإصابات المكتشفة ما يقترب من 246 مليون حالة حول العالم منذ بداية الأزمة في ديسمبر/كانون الأول 2019، كما قاربت حالات الوفاة نحو خمسة ملايين، بنهاية أكتوبر/تشرين الأول 2021.

ولا شك أن السباق الذي يجري حاليا حول العالم هو سباق التلقيح، خاصة بعد تصاعد موجات ثالثة ورابعة من الفيروس وسلالات جديدة في بلاد عديدة وإعادة صورة الخطر الذي بدأ مع بداية الجائحة.

تأتي الدول العربية في حالة متوسطة من حيث الأخطار وعدد الحالات مقارنة مع باقي دول العالم، حيث يعد العراق، وهو الدولة الأكثر من حيث عدد الإصابات في الوطن العربي، في المرتبة الـ22 عالميا، حسب إحصائية موقع "worldometer" العالمي، يليه الأردن في المرتبة الـ43، إلا أنه بلا شك تختلف كفاءة الدول في مواجهة الوباء والتعاطي مع المستجدات.

نرصد خلال أكتوبر/تشرين الأول 2021، الدول العربية الأكثر إصابة بفيروس كورونا، وهي العراق، والأردن.

  • العراق:

يحتل العراق المرتبة الأولى عربيا من حيث عدد الإصابات بفيروس كورونا، وذلك بعد أن تجاوز حاجز المليوني حالة مؤخرا، وقد شهد أكتوبر/تشرين الأول 2021، زيادة في أعداد الإصابات بما يزيد عن 50 ألف حالة جديدة.

بلغ العدد الإجمالي للإصابات في العراق بنهاية أكتوبر/تشرين الأول 2021، 2 مليون و53 ألفا و520 حالة، وهو ما يشير إلى تصاعد مستمر في منحنى الإصابات، لكن بنسبة زيادة تقل عما كانت عليه في سبتمبر/أيلول 2021. 

في حين تعتبر حالات الوفاة ضئيلة مقارنة بهذا العدد من الإصابات، فقد بلغت الوفيات إجمالا 23 ألفا و111 حالة، ما يعني أن عدد الوفيات زاد بما يقرب من 1000 حالة، وهو ما يشير كذلك إلى انخفاض في نسبة الوفيات ما يقرب من النصف عما كان عليه الحال في سبتمبر/أيلول

وقالت وزارة الصحة العراقية إن الموجة الحالية هي "الأخطر والأشد" من الموجات السابقة، والتي امتازت بـ"سرعة الانتشار وإصابة جميع الفئات العمرية".

وحول تسجيل انخفاض ملحوظ في أعداد الإصابات والوفيات خلال أكتوبر، مقارنة بالشهور السابقة، كشفت وزراة الصحة والبيئة العراقية عن عوامل أسهمت في تراجع عدد الإصابات، وأكدت أن الإجراءات الحكومية دفعت لزيادة عدد متلقي اللقاح المضاد لفيروس كورونا خلال الفترة الماضية.

وقال المتحدث باسم الوزارة، سيف البدر، إن الوزارة تحذر من وجود موجات وبائية أخرى، وهذه حقيقة علمية واقعية رغم الانخفاض النسبي الملحوظ بالحالات المسجلة، ولكن خطر حدوث موجات وبائية جديدة ما زال قائما.

وأوضح أن طبيعة الانتشار الوبائي لفيروس كورونا من خلال موجات وبائية متعددة تكون شدتها مقرونة بنسبة الملتزمين بالإجراءات الوقائية من اللقاح، وأن الفيروس لديه قدرة على الانتشار في شكل سلالات جديدة وهو ما عاشه العراق خلال العامين الماضيين.

وكشفت وزارة الصحة العراقية، في سبتمبر/أيلول 2021، عن تطعيم 4 ملايين شخص في عموم المحافظات ضد فيروس كورونا، مؤكدة أن نسب التطعيم تسير وفق ما حددته منظمة الصحة العالمية في سياق جهود السيطرة على الجائحة.

وقال مدير برنامج التحصين في الوزارة، فراس الموسوي، إن "العراق تجاوز خطة منظمة الصحة العالمية لكل البلدان، التي تقضي بتلقيح 10 بالمئة من السكان بحلول نهاية سبتمبر/أيلول 2021"، مبينا في تصريح لوكالة الأنباء العراقية الرسمية، أن "العراق تمكن من الوصول إلى هذا الهدف، ومستمرون في العمل للوصول إلى السيطرة على الجائحة".

كما ذكرت وزارة الصحة في بيان 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، عدم استبعاد حدوث موجة رابعة نتيجة تلك التحورات الجينية في الفيروس، إضافة إلى وجود العوامل المساعدة لتدهور الوضع الوبائي في العراق نتيجة لعدم التزام المواطنين بالإجراءات الوقائية وكثرة التجمعات البشرية بشتى أنواعها، إضافة الى عدم تحقيق نسب عالية من تلقيح المواطنين.

كل ذلك ينبئ بحدوث ارتفاع بالإصابات، والتي قد تكون قاسية وتهدد النظام الصحي العراقي.

ويعد العراق في المرتبة الـ12 بين الدول العربية من حيث أعداد متلقي اللقاحات المضادة لفيروس كورونا، وهي مرتبة متأخرة كثيرا نظرا لأنها الدولة الأولى عربيا من حيث أعداد الإصابات وبفارق كبير.

  • الأردن:

يحتل الأردن المرتبة الثانية عربيا من حيث عدد الإصابات بفيروس كورونا، حيث بلغ العدد الإجمالي للإصابات بنهاية أكتوبر/تشرين الأول 2021 ما يعادل 858.342 حالة، وفقا للإحصائيات الرسمية.

ما يعني زيادة أعداد الإصابات خلال أكتوبر/تشرين الأول، بما يقرب من 36 ألف حالة جديدة، وهي نسبة أعلى من مثيلتها في سبتمبر/أيلول 2021، وهذا يدل على ارتفاع منحنى الإصابات مؤخرا.

وبلغ العدد الإجمالي للمتعافين 827.523 حالة، ما يعني زيادة أعداد المتعافين بما يعادل 27 ألف حالة في أكتوبر/تشرين الأول 2021، وهي نسبة أكثر استقرارا.

بينما بلغت أعداد الحالات المستقرة، 19.819، فيما بلغت أعداد الوفيات بنهاية أكتوبر/تشرين الأول 11 ألف حالة.

ويذكر أن الأردن بدأ في 13 يناير/كانون الثاني 2021، حملة التطعيم، ومنح "تراخيص طارئة" لخمسة لقاحات هي، "سينوفارم" و"فايزر/بيونتيك" و"أسترازينيكا" و"جونسون آند جونسون" و"سبوتنيك-في". 

وتسلم الأردن في يوليو/تموز 2021، نصف مليون جرعة من لقاح فايزر تبرعت بها واشنطن للمملكة مباشرة خارج الآلية العالمية لتأمين لقاحات للدول الفقيرة "كوفاكس".

كما قدم الاتحاد الأوروبي ما مجموعه 8 ملايين يورو، لدعم شراء وزارة الصحة للقاحات كورونا من خلال مرفق كوفاكس و"برنامج الصحة الأردني للاجئين السوريين والأردنيين الأكثر ضعفا"، والذي تنفذه منظمة الصحة العالمية.

كما وقعت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، في 3 أكتوبر/تشرين الأول، اتفاقية بقيمة 1.9 مليون دولار لدعم اللاجئين السوريين في الأردن.

جرت مراسم التوقيع في مقر الصندوق الكويتي للتنمية في مدينة الكويت، بحضور كل من مدير عام الصندوق مروان الغانم، وممثلة مفوضية اللاجئين لدى الكويت، نسرين ربيعان.

وتهدف الاتفاقية إلى تعزيز قطاع الخدمات الصحية للاجئين السوريين في مخيمي "الأزرق" و"الزعتري" بالأردن، كما وستساهم الاتفاقية في تعزيز قدرة المفوضية على التصدي لجائحة كوفيد-19، عبر تنفيذ حملات توعوية حول الإجراءات الوقائية وتقديم العلاج المطلوب، وبالتنسيق مع وزارة الصحة الأردنية.

ويذكر أن الأردن، بدأ في 1 سبتمبر/أيلول 2021، إلغاء كافة أشكال الحظر المفروضة منذ 18 شهرا، بسبب جائحة كورونا، وفق وزير الدولة لشؤون الإعلام، صخر دودين.

وقد عادت الدراسة في الأردن منذ بداية سبتمبر/أيلول لتكون وجها لوجه، وذلك بعد ابتعاد قسري لما يقارب العام والنصف جراء كورونا. ومع حلول بدء الفصل الأول، هناك ترتيبات للعودة الوجاهية لطلبة المدارس بهدف المحافظة على استمرار التعليم في ظروف صحية آمنة.


المحور الثاني: الحالة السياسية

 

يتناول المحور السياسي خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول 2021، أبرز مستجدات الساحة السياسية في الوطن العربي. 

ففي مصر انعقدت القمة التاسعة بين مصر واليونان وقبرص اليونانية، وتم الاتفاق على مشاريع تخص قطاع الطاقة في شرق المتوسط، بينها نقل وتصدير الكهرباء من خلال خطوط بحرية، في الوقت الذي استاءت فيه تركيا من هذا التحالف، وخاصة في ظل السعي للتقارب مع مصر، والتي دعتها تركيا إلى إعادة النظر في شأن أحلافها في شرق المتوسط.

وقد تطورت الأحداث في السودان خلال أكتوبر/تشرين الأول 2021، حيث قام الجيش متمثلا في قائده عبد الفتاح البرهان، القائد العام للجيش ورئيس المجلس السيادي، بإعلان قرارات في 25 أكتوبر/تشرين الأول.

ومثلت هذه القرارات انقلابا على المكون المدني بإعلانه حل مجلس السيادة ومجلس الوزراء وتعطيل المواد الخاصة بهم في الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية، ما أعاد السودان إلى مربع الصفر، وأحاط مستقبل المرحلة الانتقالية بهالة من الغموض، ودفع المراقبين إلى التكهن بسيناريوهات مختلفة، تتراوح بين سيطرة الجيش على المشهد وتسليم السلطة.

وفي تونس، نتناول قيام الرئيس قيس سعيد بتشكيل الحكومة الجديدة من المستقلين برئاسة نجلاء بودن، في ظل تصاعد لغة الخطاب بين الرئيس والجبهات المعارضة له. 

وفي قطر، تم عقد أولى جلسات مجلس الشورى عقب الانتخابات التي أجريت في 2 أكتوبر/تشرين الأول، للمرة الأولى في تاريخ البلاد، في خطوة تشكل دلالة على تطور الفكر السياسي لدى القطريين، وإن كانت في بدايتها.

وفي العراق، نتناول الانتخابات التشريعية التي جرت في أكتوبر/تشرين الأول 2021، بعد سنوات من انقسام العراق بين الأطراف الداخلية والخارجية المتصارعة عليه، وعقب احتجاجات 2019، والتي حاز الأغلبية فيها التيار الصدري، في حين تراجع تحالف "الفتح" الموالي لإيران في ظل اعتماد اقتصادي كبير للعراق على إيران، وتوغل طهران كذلك في معادلة القوى السياسية العراقية.

وفي ليبيا، رصد التقرير تداعيات سحب مجلس النواب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية، والتي تمثلت في الرفض الشعبي والدولي لهذا القرار، كما تناول التقرير الخلافات التي أثارها البرلمان بقراره تأجيل الانتخابات البرلمانية إلى ما بعد اعتماد نتائج الانتخابات الرئاسية.

الحالة المصرية 

  • القمة الثلاثية بين مصر واليونان وقبرص

عقدت القمة الثلاثية بين مصر وقبرص واليونان في جولتها التاسعة، بالعاصمة أثينا، في 19 أكتوبر/تشرين الأول، وذلك في إطار آلية التعاون الثلاثي بين الثلاث دول التي انطلقت عام 2014.

القمة الثلاثية بين مصر وقبرص واليونان، هدفت منذ إعلانها إلى تعزيز التشاور السياسي بشأن بعض القضايا الإقليمية، وعلى رأسها قضايا الشرق الأوسط وشرق المتوسط، وبعض الموضوعات مثل الهجرة غير القانونية ومواجهة الإرهاب.

وكان في تشكيل ذلك التحالف هدف آخر، وهو مجابهة قوى أخرى إقليمية ذات اعتبار في الشرق الأوسط، وعلى رأس هذه الدول تركيا التي تشابكت مع الدول الثلاث في قضايا شرق المتوسط على وجه التحديد.

حكومات الدول الثلاث في السنوات الماضية كانت تعاني من أزمات اقتصادية طاحنة، إلا أن التعاون فيما بينها كان بمثابة طوق النجاة، فمصر كانت تعاني من تداعيات الأزمات بعد سنوات الربيع العربي والثورات المضادة

بينما كان الوضع الاقتصادي في اليونان يعاني من انهيار حاد، في حين أن قبرص كانت تعاني من تداعيات الأزمة المالية التي ضربتها فى عام 2013، وهو ما أدى إلى اتخاذ إجراءات تقشفية إصلاحية في الدول الثلاث تزامنت مع تدشين آلية التعاون الثلاثي، والتي ساهمت بصورة كبيرة في استكشاف الثروات الطبيعية بعد اتفاقية إعادة ترسيم الحدود.

وفي قمتها الأخيرة، وقعت الدول الثلاث في أثينا اتفاقا حول نقل الكهرباء في إطار تعزيز التعاون في مجال الطاقة بين الدول الواقعة شرق المتوسط، وأشار رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، بعد توقيع مذكرة التفاهم مع رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، والرئيس القبرصي، نيكوس أناستاسيادس، إلى أن الاتفاق "يتعلق بإقامة ربط بين بلداننا لنقل الكهرباء".

وأشار بعض الخبراء في العلاقات الدولية إلى كون مشروع الربط الكهربائي هو العنوان العريض للقمة الحالية، تأسيسا على الاتفاقيات وثيقة الصلة في هذا المجال بين مصر وقبرص واليونان، والتي من شأنها مد أوروبا بالكهرباء ومساعدتها على مواجهة أزمة الطاقة النظيفة والمتجددة، وهي الأزمة المرشحة للتفاقم في الفترة المقبلة بالقارة العجوز.

وفي العام نفسه، وخلال مارس/آذار 2021، وقعت كل من قبرص واليونان مذكرة تفاهم مع إسرائيل، لتنفيذ مشروع ربط شبكات الكهرباء للدول الثلاث، عبر كوابل بحرية.

يطلق على المشروع اسم "EuroAsia Interconnector"، ويمتد من مدينة الخضيرة في إسرائيل، عن طريق البحر، إلى قبرص الرومية، ومنها أيضا عبر البحر، إلى جزيرة كريت باليونان.

وفي حديث لوزير الطاقة الإسرائيلي عن هذا المشروع، أشار إلى كونه "فرصة رائعة من أجل إسرائيل"، حيث ذكر أن كابل الطاقة البحري سيتيح لإسرائيل تلقي دعم كهربائي من شبكة الكهرباء الأوروبية في أوقات الطوارئ، وسيزيد اعتمادها بشكل كبير على توليد الطاقة الشمسية".

هاتان الاتفاقيتان إذن بين قبرص واليونان ومصر من جانب، وإسرائيل من جانب آخر شديدتا الصلة، حيث اعتبر رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، أنه في زمن تنويع مصادر الطاقة، يمكن أن تصبح مصر مصدرا للتيار الكهربائي الذي سيتم إنتاجه أساسا بواسطة الشمس. 

فيما ستصبح اليونان محطة توزيع نحو أوروبا. وهو يتعلق بتصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي حول استفادة إسرائيل المباشرة من هذه الاتفاقية.

وقد أعربت الدول الأربع في تصريحات سابقة من خلال "منتدى شرق المتوسط"، الذي يضم في عضويته مصر واليونان وقبرص وإسرائيل مع دول أخرى، نيتها تعزيز تعاونها في استكشاف ونقل الغاز الطبيعي، وهو عامل مساعد في استقرار المنطقة.

هذا التحالف الإقليمي، من ناحية أخرى، أثار حفيظة تركيا، وهي دولة محورية كذلك في الإقليم، وتتشابك مع مصر وقبرص واليونان في قضية شرق المتوسط وملفات الطاقة وترسيم الحدود المتعلقة به.

واستغلال احتياطيات النفط والغاز الطبيعي في شرق المتوسط، أثار مسائل خلافية بين تركيا وهذا التحالف، خاصة وأن علاقات تركيا الخارجية متوترة مع الدول الثلاث على مدار سنوات سابقة.

فالعلاقات متوترة بين قبرص وأنقرة، خصوصا على خلفية التدخل التركي في الجزء الشمالي من الجزيرة منذ عام 1974. كما أن التوتر بين تركيا واليونان قائم منذ فترات، وقد بلغ ذروته صيف 2020 بسبب الخلاف حول حقول الغاز في شرق المتوسط.

وحول الخلاف بين أنقرة والقاهرة، فقد بدأ منذ وقوع انقلاب 2013 في مصر، إلا أنه شهد في العام الأخير تطورات إيجابية، وبداية لتطبيع العلاقات من جديد، وهو ما يضع القاهرة في مأزق التوازن بين هذه التحالفات.

وفي تعليقها على القمة الأخيرة، قالت أنقرة إنه "لا يمكن أن يكتب النجاح لأي مبادرة بمعزل عن تركيا وجمهورية شمال قبرص التركية في شرقي المتوسط، وإنها أظهرت ذلك للصديق والعدو".

وقد انتقدت تركيا كذلك البيان الختامي للقمة، والذي أشار إلى إنشاء خطوط الكهرباء بين الدول الثلاث، والتعاون الثلاثي في استكشاف الغاز ونقله، كما ادعى أن "تركيا تقوم بأعمال استفزازية مخالفة للقانون الدولي، وأن على أنقرة التوقف عن مثل هذه الإجراءات".

وأكدت الخارجية التركية في تعقيبها على البيان، أنه يعد مثالا جديدا على السياسات العدائية التي ينتهجها الثنائي اليوناني - الرومي، ضد تركيا وقبرص التركية.

ولفتت إلى أن "انضمام مصر لهذا البيان، مؤشر على أن الإدارة المصرية لم تدرك بعد العنوان الحقيقي الذي يمكنها أن تتعاون معه شرقي المتوسط".

ولفتت الخارجية في بيان إلى اتفاقات التعاون في مجال الطاقة شرق المتوسط، التي أبرمتها الدول الثلاث، باعتبارها تمثل تحديا لتركيا لأنها تهمل المصالح التركية والاتفاقيات القانونية التي وقعتها أنقرة من قبل مع الحكومة الليبية الشرعية فيما يتعلق بشرق المتوسط. 

وأشارت إلى أن هذه الدول ساهمت في انجرار ليبيا إلى عدم الاستقرار من خلال دعمها لمجموعات غير شرعية، وأن قيامها حاليا باستهداف مذكرات التفاهم التي أبرمتها مع الحكومة الليبية الشرعية، ينم عن عدم احترام مصالح وسيادة ليبيا في المقام الأول.

ومن المتوقع أن يكون عامل استقرار الدولة الليبية خلال المرحلة القادمة، ومدى تجاوز كل من مصر وتركيا لعقبات التطبيع بين البلدين، مؤشرات حال الحديث عن موقع تركيا من هذه التحالفات ومدى الفاعلية التي تتمتع بها مقابل الدول الثلاث.

الحالة السودانية

  • الانقلاب على المكون المدني وحل مجلسي السيادة والوزراء 

أعلن قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان خلال مؤتمر صحفي، في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، عن حل مجلس السيادة الانتقالي ومجلس الوزراء وفرض حالة الطوارئ في البلاد، وإقالة حكام الولايات، لافتا إلى أن مديري العموم في الوزارات والولايات سيتولون تسيير الأعمال.

وتابع البرهان، أن الذي دعا الجيش للإقبال على هذه الخطوة هو "مدى الصراع بين السياسيين" على حد قوله، ما يهدد الأمن والسلام داخل السودان.

 في حين أن الجيش كان على موعد لتسليم السلطة للمكون المدني وفق ما تنص عليه وثيقة "تقاسم السلطة" التي وقعها الجيش مع المعارضة فور تنحية عمر البشير، في أغسطس/آب 2019، بغرض تشارك إدارة المرحلة الانتقالية.

اتفاق تقاسم السلطة، كان ينص على تكوين مجلس حاكم انتقالي من المدنيين والعسكريين، ويمهد الطريق نحو انتخاب حكومة مدنية. وصرح نائب البرهان، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في حينه، بأن الجيش يتعهد بالالتزام بهذا الاتفاق بحذافيره.

نص الاتفاق على أن يتكون مجلس السيادة من 11 عضوا، هم خمسة من المدنيين الذين ترشحهم قوى الحرية والتغيير، وخمسة من العسكريين الذين يرشحهم المجلس العسكري، إضافة إلى عضو مدني يتفق عليه الطرفان. 

واتفق الطرفان على جدول زمني لمرحلة انتقالية من 39 شهرا يتقاسمان خلالها السلطة، وتنتهي بإجراء انتخابات.

وخلال الشهرين السابقين، تتابعت مجموعة من الأحداث التي دلت على وجود حالة من التوتر، قبل إنهاء الأمر من قبل الجيش بإعلانه حل المجلس وإعلان حالة الطوارئ، من خلال إجراءاته الأخيرة التي تمهد للحكم الفردي من قبل القوات المسلحة. 

وبدأت الملاسنات بين مكونات السلطة في السودان، قوى "الحرية والتغيير" والمكون العسكري، خلال الآونة الأخيرة، ما هدد مسيرة الفترة الانتقالية التي تشهدها البلاد وتنتهي في يناير/كانون الثاني 2024، حيث الموعد المقرر لإجراء الانتخابات وتسليم السلطة. 

أعلن المكون العسكري في السودان تعليق اجتماعاته مع المكون المدني، في 26 سبتمبر/أيلول 2021، وفقا لمصدر حكومي، وهو الأمر الذي حدث للمرة الأولى في إشارة إلى حجم التوتر بينهما. 

وتجلى هذا  التوتر، عقب إعلان الجيش في 22 سبتمبر/أيلول 2021، إحباط محاولة انقلاب فاشلة قال إنها "تقف خلفها عناصر عسكرية".

المحاولة الانقلابية المذكورة، من ضمن العوامل التي استندت إليها المؤسسة العسكرية لتمرير الإجراءات الأخيرة بادعاء أن بعض القوى حاولت تقليب بعض عناصر الجيش على بعضه البعض، في حين صرح وزير الإعلام في حينها أن "الانقلاب كان محاولة من أنصار النظام السابق للانقضاض على الثورة"

وأثارت محاولة الانقلاب المزعومة في سبتمبر/أيلول، العديد من التساؤلات، حيث تم الإعلان عنها كمحاولة "فاشلة"، وسرعان ما تبادلت الأطراف داخل مجلس السيادة الاتهامات بعدها، وذلك مع اقتراب موعد تسليم السلطة من المكون العسكري إلى المكون المدني داخل مجلس السيادة، وفقا لاتفاق تقاسم السلطة المعقود في يوليو/تموز 2019. 

وينص اتفاق "تقاسم السلطة" على أن يترأس مجلس السيادة لـ21 شهرا ابتداء من تاريخ التوقيع على هذا الاتفاق، في 17 يوليو/تموز 2019، أحد الأعضاء العسكريين في المجلس.

على أن يترأس مجلس السيادة لـ18 شهرا المتبقية من مدة الفترة الانتقالية أحد الأعضاء المدنيين في المجلس، وهو ما لن يتم حال وقوع الانقلاب الأخير وحل مجلسي السيادة والوزراء.

وقد تابع الكثير من النشطاء هذه المحاولة الانقلابية المزعومة في سبتمبر/أيلول، بنوع من الشك والرفض، نظرا لأنها تعتبر جس نبض للشارع من قبل الجيش، واعتبرها الكثير من المغردين تمهيدا لفرض حكم عسكري طويل الأمد على خلاف الاتفاق المنعقد، وهو ما صدق عليه الجيش بوقوع هذه الإجراءات في 25 أكتوبر/تشرين الأول، وحل مجلسي السيادة والوزراء وإعلان الطوارئ في البلاد. 

ونظم المتظاهرون من أنصار الحكم المدني في السودان قبيل أيام من إعلان هذه الإجراءات الأخيرة، موكبا للخروج إلى الشارع في 21 أكتوبر/تشرين الأول، وذلك للرد على محاولات العسكر للانقضاض على الثورة وتحولها الديمقراطي، خصوصا بعد تحركات الأيام الأخيرة، بما في ذلك تنظيم اعتصام في الخرطوم لإسقاط حكومة عبد الله حمدوك.

ومن شواهد التوتر كذلك التي مهدت للإجراءات الأخيرة، تبادل الاتهامات خلال الأيام السالفة بين المكونين المدني والعسكري حول أسباب الأزمة الراهنة. 

واعتبر نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، حميدتي، في تصريح له أن "أسباب الانقلابات العسكرية هم السياسيون الذين أهملوا خدمات المواطن وانشغلوا بالكراسي وتقسيم السلطة". في حين أن الانقلابات لا تتم إلا من خلال القوى الخشنة التي يمتلكها الجيش، كما أشار بعض الأعضاء المدنيين في مجلس السيادة. 

وفي تصريح له، قال عضو المكون المدني في المجلس السيادي، محمد الفكي سليمان، إن "الانقلاب الحقيقي هو الذي ينتوي فعله المكون العسكري بمحاولته تغيير المعادلة السياسية"، معتبرا أن ذلك "إخلال بعملية الشراكة ومناقض لاتفاقية تقاسم السلطة"

وقد استمر المكون العسكري في توجيه انتقادات شديدة اللهجة إلى المكون المدني في الآونة الماضية، زاعما أنه سبب التدهور الذي آلت إليه الأوضاع في البلاد، حتى جاءت الخطوة الأخيرة لتعلن نهاية أمد المكون المدني في السلطة، لينفرد الجيش وحده بقيادة البلاد.

  • دلالات الإجراءات الأخيرة وأثرها على الفترة الانتقالية في السودان

الإجراءات التي أعلن عنها البرهان، لا شك ستؤثر على مسار الفترة الانتقالية خلال الفترة المقبلة، على غير ما كان متفقا عليه في الوثيقة الدستورية التي تم تعطيل العمل بها وتعليق بعض موادها.

ووصفت الوثيقة الدستورية، جمهورية السودان بأنها "دولة مستقلة ذات سيادة، ديمقراطية، برلمانية، تعددية، لا مركزية تقوم فيها الحقوق والواجبات على أساس المواطنة، دون تمييز بسبب العرق أو الدين أو الثقافة أو الجنس أو اللون أو النوع أو الوضع الاجتماعي أو الاقتصادي أو الرأي السياسي أو الإعاقة أو الانتماء الجهوي أو غيرها من الأسباب". 

وقد ألغى البرهان عددا من المواد الواردة في الوثيقة كالتالي:

  1. المادة 11 التي تنص على أن مجلس السيادة هو رأس الدولة ورمز سيادتها ووحدتها. 

  2. المادة 12 وتتعلق باختصاصات المجلس السيادي بشأن تعيين رئيس الوزراء واعتماد تعيين الوزراء والولاة.

  3. المادة 15 المتعلقة بمجلس الوزراء ودوره وانتماء أعضائه لقوى الحرية والتغيير، باستثناء وزيري الدفاع والداخلية.

  4. البند الثالث من المادة 24 الخاص بالمجلس التشريعي وتكوينه والحصص الخاصة بانتماءات أعضائه، والذي ينص على منح قوى الحرية والتغيير الحق في تكوين 67 بالمئة من المجلس التشريعي إضافة إلى حق التشاور فيما يتعلق بـ33 بالمئة المتبقية.

  5. المادة 71 المتعلقة بهياكل الحكم في الفترة الانتقالية والتي تم الاتفاق عليها بين المكونين المدني والعسكري. 

البنود المذكورة أعلاه تقضي بحل مجلس الوزراء ومجلس السيادة، وعودة المجلس العسكري مرة أخرى، وهو ما مثل "انقلابا" كاملا على المكون المدني، والوثيقة الدستورية الموقعة في أغسطس/آب 2019، والتي كانت بمثابة خارطة طريق للسودان منذ تنحية البشير وحتى تسليم السلطة في انتخابات حرة عام 2023. 

وقال القيادي في قوى الحرية والتغيير والناطق باسم التجمع الاتحادي، عمار حمودة، إن البرهان يستهدف بشكل واضح المكون المدني، وذلك لأنه يلغي المواد التي تمنح صلاحيات لقوى الحرية والتغيير ولجنة إزالة التمكين المعنية بشكل رئيس بتفكيك دولة الحزب الواحد وإحلال دولة المواطنة والمدنية.

ويرى حمودة أن خطوة البرهان كانت متوقعة، خاصة بعد "فشله في إيجاد طريقة لإدخال عناصر جديدة لتغيير المشهد السياسي ليتمكن من السيطرة والتحكم بشكل كامل، لم يستطع تحقيق ذلك من خلال المفاوضات مع العناصر المدنية فلم يكن منه إلا أن لجأ إلى الانقلاب".

ولفت إلى أن "البرهان ألغى كافة المواد المتعلقة بالمشاركة واستأثر بكل شيء لنفسه، وتغول على الحكومة وجميع المؤسسات بما فيها القضائية، إذ يريد أن يكون المسؤول الوحيد عن تعيينها لكي تكون خاضعة له بحيث إنه هو، وهو فقط من يعطيها الشرعية".

وفي تصريحه الأول بعد الإجراءات الأخيرة، قال رئيس الوزراء المقال عبد الله حمدوك إن "أي تراجع عن المسار الديمقراطي يشكل تهديدا لاستقرار السودان وأمنه"، محذرا من استخدام العنف ضد المحتجين"، بحسب ما نقلت عنه وكالة "رويترز"، في أول تصريح له بعد الأزمة الأخيرة.

في المقابل، أعلن البرهان، في أول تصريح له بعد هذه الإجراءات، في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أن "ما قام به الجيش ليس انقلابا، وإنما محاولة لتصحيح المسار السياسي"، حسب تعبيره.

واتهم البرهان السياسيين بالتحريض على القوات المسلحة، كما أكد أن "حكومة مستقلة ستحكم السودان حتى موعد الانتخابات"، موضحا أن "الانتخابات ستجري في  يوليو/تموز 2023".

وهنا، يأتي التساؤل الذي طرحه المحتجون في السودان والعديد من القوى السياسية والمدنية، عن الضمان الذي يجبر المجلس العسكري على تسليم السلطة عبر انتخابات حرة في موعدها، إذ كانت الوثيقة الدستورية وتشكيلة مجلس السيادة المنحل هي الضامن لعدم استحواذ أي طرف على السلطة.

موقف المجتمع الدولي تجاه الإجراءات الأخيرة التي أعلن عنها البرهان، كان قويا في رفضه وانتقاده لها باعتبارها تعطيلا لسير المسار الديمقراطي في السودان، في حين كان موقف الدول العربية متسما بالغموض وعدم الإسراع في إصدار بيانات دعم أو رفض. 

وفي رد فعله الأولي على أنباء الانقلاب، كان البيت الأبيض قد أعلن أنه يشعر بالقلق جراء تلك الأنباء، وقالت المتحدثة باسمه، كارين جان بيير، للصحفيين على متن طائرة الرئاسة الأميركية، إن "هذه الإجراءات تتعارض بشدة مع إرادة الشعب السوداني".

 وفي تطور لاحق، أعلن وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، رفض بلاده صراحة لما أسماه "إجراءات الجيش السوداني ضد الحكومة الانتقالية التي يقودها مدنيون".

وقال بلينكن إن الولايات المتحدة "تدين بشدة استيلاء الجيش على السلطة في السودان"، مشيرا إلى "قلق واشنطن البالغ، إزاء تقارير حول استخدام قوات الأمن الذخيرة الحية ضد المتظاهرين السلميين".

ولفت إلى أن واشنطن أمرت "على الفور"، وفي ضوء التطورات الأخيرة بـ"إيقاف تسليم 700 مليون دولار من صناديق الدعم الاقتصادي الطارئة إلى السودان، وكانت تهدف إلى دعم التحول الديمقراطي في البلاد".

من جانبها، اعتبرت الحكومة البريطانية أن "الانقلاب" في السودان "خيانة غير مقبولة للشعب وانتقاله الديمقراطي".

أما فرنسا فقد أكد الرئيس إيمانويل ماكرون، عبر حسابه على تويتر، أن باريس تدين "بأشد العبارات" الانقلاب في السودان، وقال "أعبر عن دعمي للحكومة الانتقالية وأدعو إلى الإفراج الفوري واحترام نزاهة رئيس الوزراء والقادة المدنيين".

وحول مدى قدرة هذه الإدانات على التأثير في المشهد الذي فرضه الجيش في السودان، فإن هناك شكوكا كثيرة حول إمكانية أن تدفع تلك الردود، القادة العسكريين في الخرطوم للتراجع عما قاموا به، وإعادة الحكومة المدنية للعمل، إذ يعتبر مراقبون أن كل ذلك "أصبح من الماضي"، وأن الجيش فرض الأمر الواقع في البلاد مدعوما من دول الجوار.

ويعتبر المراقبون، أن ما يثير الشكوك في فعالية أي تأثير أميركي، هو تنفيذ المكون العسكري في السودان للانقلاب، بعد ساعات فقط من لقاءات مكوكية في الخرطوم، جمعت المبعوث الأميركي للقرن الإفريقي، جيفري فيلتمان، بقادة الجيش والحكومة السودانية، حتى أن تقارير تحدثت عن أن الأوامر بالانقلاب، صدرت متزامنة مع مغادرة فيلتمان للخرطوم مباشرة.

وفي تصريح للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2021، جدد إدانته القوية لـ"استحواذ العسكر بالقوة على السلطة في السودان"، ودعا القوى الكبرى في مجلس الأمن الدولي إلى اتخاذ موقف "موحد رادع".

وناشد غوتيريش، القوى الكبرى في مجلس الأمن "اتخاذ موقف موحد لضمان وجود رادع فعال يمنع بعض القادة العسكريين في بعض الدول من التحرك على أساس أنه لن تكون هناك عواقب مترتبة على أفعالهم".

وذكر أن عواقب الانقلابات عادة ما تكون في غير صالح البلاد واستقرارها، مشيرا إلى غياب مثل هذا الرادع إزاء ما حدث في ميانمار قبل شهور (شهدت انقلابا عسكريا في فبراير/شباط 2021)، وأيضا رأيناه في أماكن عدة بالقارة الإفريقية.

في المقابل، تدل المؤشرات على أن الموقف الإقليمي وخاصة العربي، مخالف لما هو عليه المجتمع الدولي، بل على النقيض منه، وذلك لكون بعض أقطاب الدول العربية مثل مصر ودول الخليج وتونس مؤخرا تسير في الاتجاه الذي فرضه البرهان في السودان، ولذلك فإنه يحظى بمباركة هذه الدول.

وذكر الكاتب إيشان ثارور في مقاله عبر صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، أن الانقلابين اللذين جريا في السودان وتونس تقف وراءهما مصر ودول خليجية، داعيا الولايات المتحدة والأطراف الأخرى في الغرب إلى الضغط على هذه الدول. 

وذكر كاتب المقال، أن مصر والإمارات والسعودية لعبت عام 2013 دورا محوريا في المساعدة على دعم نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وقد تحاول أيضا دعم البرهان، الذي أصبح، مثل تونس، في بعض الأحيان ساحة لـ"لعبة كبرى" إقليمية أوسع.

ورغم إعلان واشنطن مؤخرا تجميد 700 مليون دولار من المساعدات المباشرة للسودان، والتي وعدت بها كجزء من خطة أميركية لمساعدة التحول الديمقراطي في البلاد، إلا أن البرهان الذي يحظى بدعم ضمني من عدد من الدول العربية، "في وضع قوي"، كما أشارت صحيفة "واشنطن بوست"

ونسب إلى مجدي الجزولي، المحلل السوداني في معهد ريفت فالي (Rift Valley Institute) القول إن البرهان قد يتمكن من الحصول على الدعم من الحلفاء الآخرين، وهم مصر والسعودية والإمارات، مضيفا أنه ليس "منبوذا" مثلما كان البشير، ولا هو إسلامي، وسيجد وجها مدنيا جديدا أكثر مرونة، وسيحافظ على الشكليات، وسينتهي الأمر بالغرب بالتعامل معه.

الحالة التونسية

  • تشكيل الحكومة الجديدة وأثرها على الأزمة في تونس 

بعد مرور ثلاثة أشهر منذ إعلان الرئيس قيس سعيد قرارات 25 يوليو/تموز 2021، تجميد عمل واختصاصات البرلمان وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، ومنذ ذلك الوقت شهدت تونس تطورات عديدة على مستوى التفاعل السياسي "تأييدا ورفضا".

وفي 24 أغسطس/آب 2021، قرر سعيد، تمديد العمل بالإجراءات الاستثنائية التي أعلنها في 25 يوليو/تموز، "حتى إشعار آخر".

وسلكت القوى السياسية المناهضة لقرارات سعيد مسارا دستوريا سلميا منذ أول الأمر، حتى لا تصير الأمور نحو سيناريوهات الفوضى أو مسارات غير قانونية، وشكلت عددا من التحالفات المعارضة لهذه الإجراءات، رغم استقرار الأمر في تونس لصالح سعيد. 

وفي 20 سبتمبر/أيلول 2021، قرر الرئيس قيس سعيد للمرة الثانية، تمديد تعليق العمل بالدستور وكافة الإجراءات الاستثنائية المتعلقة بالبرلمان، وفرض إجراءات استثنائية جديدة تسمح له بالاضطلاع بالسلطات التشريعية والتنفيذية.

وقال سعيد، في خطاب من محافظة سيدي بوزيد، مهد ثورة 2011، إن هذه التدابير الاستثنائية ستتواصل، وقد تم وضع أحكام انتقالية، وسيتم تكليف رئيس حكومة ضمن أحكام انتقالية تستجيب لإرادة الشعب، مع وضع مشروع انتخابي جديد.

وقد كلف في 29 سبتمبر/أيلول 2021، نجلاء بودن بتشكيل الحكومة، وذلك "عملا بأحكام الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021 المؤرخ في 22 سبتمبر/أيلول 2021 المتعلق بتدابير استثنائية".

وشكلت هذه الخطوة من جانب سعيد، إصرارا على المضي في المسار الذي رسمته إجراءات "25 يوليو"، والتي تجاوزت فيها فعليا أي مطالبات لعودة الوضع إلى الشرعية السابقة لهذه القرارات. 

وقد تم تشكيل الحكومة المكونة من 25 عضوا من المستقلين، وأدت اليمين الدستورية في 11 أكتوبر/تشرين الأول، في مراسم أذيعت على الهواء مباشرة من قصر قرطاج، بحضور رئيس الجمهورية. 

وتولى توفيق شرف الدين حقيبة الداخلية بعد إقالته من المنصب نفسه من قبل المشيشي في يناير/كانون الثاني 2021، وعماد مميش حقيبة الدفاع، في حين أبقى على عثمان الجرندي وزيرا للخارجية.

وقد أبدى الاتحاد العام التونسي للشغل ترحيبا بتشكيل الحكومة الجديدة، معربا أنهم في انتظار أداء الحكومة خلال الفترة القادمة، مضيفا في بيان له: "الاتحاد ينتظر أن تمر الحكومة من المصافحة الأولية للملفات إلى الشروع الفعلي في الإنجاز، خاصة في هذا الوقت الصعب جدا الذي تعيشه تونس".

كما أعربت واشنطن عن ترحيبها بحكومة بودن، معبرة عن تطلعها "لإرساء مسار يشمل الجميع من أجل عودة سريعة إلى النظام الدستوري"، وفق تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس.

كما رحبت خمس دول عربية، بتشكيل الحكومة التونسية الجديدة، في حين لم تبد دول أخرى موقفها إلى حد اللحظة.

والدول العربية الخمس التي بادرت بتهنئة تونس على حكومتها الجديدة هي، الجزائر ومصر والإمارات والسعودية والكويت.

في المقابل، اعتبر حزب "حركة النهضة" ذو المرجعية الإسلامية، والذي يملك أكبر كتلة نيابية في البرلمان المجمدة أعماله منذ أكثر من شهرين أن تكليف بودن بتشكيل الحكومة "قرار غير دستوري وسيعمق الأزمات الاقتصادية والاجتماعية" في البلاد.

كما طالب الحزب بـ"استئناف المسار الديمقراطي من خلال التراجع عن الأمر الرئاسي عدد 117 وعبر إكساء الحكومة المقبلة الشرعية الدستورية بعرضها على البرلمان لنيل ثقته كما ينص عليه الدستور في كل الحالات".

وبرز كذلك خلال الأسبوع الأخير من أكتوبر/تشرين الأول، الرئيس الأسبق، منصف المرزوقي، بتصريحاته الحادة ضد سعيد، والتي وصلت إلى المطالبة بوجوب عزله ومحاكمته بتهمة الانقلاب على الدستور وهدم المسار الديمقراطي، مطالبا الشعب بالنضال السلمي من أجل تحقيق ذلك.

جاء ذلك بعد تصعيد الخطاب الرئاسي من قبل سعيد تجاه المعارضين له في إجراءاته الأخيرة، حيث وصف معارضيه بأنهم "شياطين"، يتآمرون على البلاد ويطالبون بالتدخل الأجنبي، مشككا بنجاح التظاهرات المعارضة التي تنظم ضده، كما هاجم المرزوقي - دون أن يسمه - والذي اتهمه بطلب التدخل الخارجي في بلاده.

وأضاف "يعلمون جيدا ماذا فعلوا وما يفعلون وما زالوا إلى الآن وفي هذه اللحظة يقفون ويطلبون العون من الخارج، نحن نتعاون مع الدول والمؤسسات الدولية، ولكن لا بد أن تحترمنا الدول والمؤسسات وتحترم إرادة الشعب التونسي الذي له السيادة في الداخل، والدولة ذات سيادة".

ومع تمادي سعيد في مساره الذي أقصى فيه العديد من القوى السياسية، يثور التساؤل حول تجاوز مرحلة ما قبل 25 يوليو/تموز، من قبل سعيد، وهل سيتمكن من ذلك أم ستواجهه تحديات ممن يعارضون إجراءاته ويتمسكون بشرعية المؤسسات المنتخبة. 

الحالة القطرية

  • الانعقاد الأول لمجلس الشورى في قطر عقب الانتخابات  

أجرى القطريون، للمرة الأولى في تاريخ الدولة، في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أول انتخابات لمجلس الشورى، في خطوة رمزية من غير المرجح أن تغير ميزان القوى في الإمارة الخليجية الثرية، وأجريت الانتخابات لاختيار 30 عضوا في مجلس الشورى من أصل 45.

ويمثل مجلس الشورى في قطر أحد جناحي السلطة، فالقوانين لا تصدر إلا بعد عرض مشروعاتها على المجلس، ودراستها وإبداء رأيه فيها وتوصياته بشأنها، أما الجناح الآخر للسلطة فهو مجلس الوزراء الذي يتولى اقتراح القوانين وإعداد مشروعاتها وإحالتها إلى مجلس الشورى.

ومهمة مجلس الشورى تقديم المشورة لأمير قطر في شأن مشاريع القوانين، لكنه لا يضع تشريعات خاصة به

ويشير الدستور القطري إلى أن المجلس يختص بمناقشة واقتراح عدة مسائل منها مشاريع القوانين والميزانيات، ومناقشة السياسة العامة للدولة، واستجواب الوزراء، وللأمير حق نقض قرارات المجلس.

ووفقا للقانون، يتمتع "بحق انتخاب أعضاء مجلس الشورى كل من كانت جنسيته الأصلية قطرية، وأتم 18 سنة ميلادية، ويستثنى من شرط الجنسية الأصلية كل من "اكتسب" الجنسية القطرية بشرط أن يكون جده قطريا ومن مواليد دولة قطر".

أما المرشحون فيتعين أن يكون المرشح جنسيته الأصلية قطرية ولا يقل عمره عند قفل باب الترشح عن 30 سنة ميلادية، ويمنع أفراد أسرة آل ثاني من الترشيح، ويمكنهم التصويت فقط.

وأعلنت لجنة الإشراف على الانتخابات في وزارة الداخلية، أن نسبة المشاركة في أول انتخابات لمجلس الشورى بلغت 63,5 بالمئة، وأفادت وكالة الأنباء القطرية في وقت لاحق بأن ما مجموعه 233 مرشحا خاضوا المنافسة.

ويذكر أن مجلس الشورى القطري بدأت مسيرته قبل 49 عاما بقرار من أمير البلاد الأسبق، خليفة بن حمد آل ثاني بتشكيل المجلس الذي كان يضم حينها 20 عضوا تم اختيارهم بالكامل. وبعد 3 أعوام من أول تشكيل، طرأ تغيير على المجلس بإضافة 10 أعضاء جدد ليتكون من 30 عضوا.

وحمل عام 1996 زيادة جديدة في أعضاء مجلس الشورى، بزيادة عدد أعضائه إلى 35 عضوا، وبعدها بـ8 سنوات أدخل تغيير جديد تم بموجبه التجديد لـ21 عضوا وتعيين 14 عضوا جديدا. 

أما عام 2017 فشهد أكبر تغيير في المجلس بالتجديد لـ17 عضوا وتعيين 28 عضوا جديدا، ليصبح عدد الأعضاء 41، وشهد هذا التغيير اختيار 4 سيدات عضوات في مجلس الشورى في سابقة هي الأولى من نوعها في البلاد.

أما النقطة المفصلية في تاريخ المجلس فجاءت في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، بإعلان أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني عن أول انتخابات مباشرة لاختيار أعضاء المجلس، في إطار سياسة طموحة تنتهجها الدولة لتطوير آلياتها التشريعية عبر توسيع نطاق المشاركة الشعبية بشكل يعكس قيم الدستور ورؤية قطر الوطنية 2030.

ويتألف مجلس الشورى القطري المنتخب من 45 عضوا، يتم انتخاب 30 عضوا منهم عن طريق الاقتراع العام السري المباشر، ويعين الأمير الأعضاء الـ15 الآخرين. وتكون اختصاصاته تولي سلطة التشريع، وإقرار الموازنة العامة للدولة، وممارسة الرقابة على السلطة التنفيذية.

وبموجب القانون، تكون مدة المجلس المنتخب الجديد 4 سنوات، تبدأ من تاريخ أول اجتماع له، وتنتهي العضوية في المجلس في حال الوفاة أو العجز الكلي، أو انتهاء مدة العضوية، أو الاستقالة، أو إسقاط العضوية، أو حل المجلس.

وخلال 49 دورة انعقاد للمجلس، تولى رئاسة مجلس الشورى القطري 4 رؤساء، كان أولهم عبد العزيز بن خالد الغانم الذي تولى الرئاسة منذ بدء جلسات المجلس عام 1972 وحتى 1990، في حين تولى علي بن خليفة الهتمي الرئاسة من 1990 وحتى 1995، ومن بعده محمد بن مبارك الخليفي الذي مكث في المنصب حتى عام 2017، ثم جاء لمجلس الشورى أحمد بن عبد الله بن زيد آل محمود.

وخلال انعقاده في جلسة أكتوبر/تشرين الأول 2021 بعد إجراء الانتخابات، فاز النائب حسن عبدالله الغانم، برئاسة أول برلمان منتخب في قطر، في جلسة هي الأولى التي يعقدها المجلس وحضرها أمير البلاد.

وخلال الجلسة تم انتخاب "حمدة بنت حسن السليطي" نائبا لرئيس مجلس الشورى، بحسب وكالة الأنباء القطرية.

ونصت كلمة أمير قطر خلال افتتاح أعمال مجلس الشورى الجديد، تعهد آل ثاني بتحقيق "المواطنة المتساوية" بعدما تم استبعاد أفراد من التصويت والترشح في أول انتخابات برلمانية، الأمر الذي أثار سجالا نادرا في الدولة الخليجية.

وكان اعتبار شرط أن يكون الجد من أصل قطري مانعا دون حق بعض القطريين في الترشح، وهو الأمر الذي أشار إليه الأمير في كلمته باعتباره يحتاج إلى المعالجة السياسية في الاستحقاقات القادمة.

وقال نائب مدير قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، آدم كوغل، في بيان للمنظمة: "كان يمكن لمحاولة قطر إشراك المواطنين في الحكم أن تكون لحظة يحتفى بها.

وذكرت المنظمة أن "القطريين الذين لم تقبل طلباتهم بالتسجيل في الانتخابات، عبروا عن استيائهم على الإنترنت، وكان بينهم كثيرون من قبيلة آل مرة، الذين طالما انتقدوا حرمانهم من حقوق المواطنة الكاملة".

وقال أمير قطر: "من منطلق حرصنا على تعزيز المواطنة القطرية المتساوية وترجمتها عمليا، فقد أصدرت تعليماتي لمجلس الوزراء للعمل على إعداد التعديلات القانونية اللازمة التي تضمن تحقيق هذه الغاية".

وأشار إلى الظروف التي مرت بقطر في الآونة الأخيرة، قائلا: "لقد مرت قطر في تاريخها الحديث بتجارب وتحديات صعبة، وكانت وحدتنا الوطنية مصدر قوتنا، ولن نسمح بتهديدها مستقبلا".

ويعد إجراء عملية الانتخابات التشريعية بقطر هو الثاني من نوعه في دول الخليج بعد تجربة الكويت في إجراء انتخابات مجلس الأمة على مدار العقود السابقة. 

الحالة العراقية 

  • الانتخابات التشريعية العراقية 

جرت في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021، انتخابات وصفها مراقبون بأنها "الأهم في جميع الدورات الانتخابية السابقة"؛ لأنها الأولى التي جاءت بعد الاحتجاجات الشعبية التي شهدها العراق في أكتوبر/تشرين الأول 2019، وأدت إلى إسقاط حكومة عادل عبد المهدي والتي كان يؤمل أن تشكل منطلقا جديدا لهذا البلد نحو الاستقرار والتغيير السياسي.

وشهد العراق أربع دورات انتخابية منذ العام 2005، أتت بعد تحولات سياسية وعسكرية كبيرة على مستوى الخريطة العراقية.

وكانت الدورة الانتخابية الأولى التي شهدتها البلاد بعد سقوط نظام الرئيس صدام حسين (1979 - 2003)، وفي هذه الدورة تم اعتبار البلاد دائرة انتخابية واحدة، وفي عام 2010 تم إجراء هذه الدورة بعد تعديل القانون المعتمد في 2005، ولعل أبرز التعديلات تمثلت في اعتماد الدائرة المفتوحة للمرة الأولى.

وخلال العام 2014، خاض العراق حينها الدورة الانتخابية الأولى منذ انسحاب الجيش الأميركي عام 2011، ولعل أبرز التغييرات في قانون الانتخاب حينها تمثل في إلغاء قانون عام 2005 وتعديلاته كافة، على أن يتألف المجلس النيابي من 320 نائبا يتوزعون على المحافظات، إضافة إلى 8 مقاعد للأقليات.

ثم جاءت دورة 2018، وكانت الدورة الانتخابية الأولى في البلاد بعد إعلان هزيمة "تنظيم الدولة" في 2017، وفي هذه الدورة تم اعتماد القانون الانتخابي المعدل عام 2017، والذي يقسم البلاد باعتبار كل محافظة دائرة انتخابية، واستخدام نظام "سانت ليغو" المعدل الذي يهدف إلى ضمان حق الأقليات، وتم إقرار 8 مقاعد "كوتا" للأقليات.

وخلال الدورة الأخيرة في أكتوبر/تشرين الأول 2021، تم اعتماد القانون الانتخابي الذي جرى تعديله عام 2019، وينص على تقسيم البلاد إلى 83 دائرة انتخابية، دون الاعتماد على المحافظات، إضافة إلى اعتماد نظام الترشح الفردي ونظام الصوت الواحد، كما تم إلغاء المواد المتعلقة بفائض الأصوات.

  • صعود التيار الصدري وتراجع نفوذ إيران 

أعلنت المفوضية العليا للانتخابات في 16 أكتوبر/تشرين الأول، النتائج النهائية للانتخابات التي أجريت الأحد 11 أكتوبر/تشرين الأول، وسط إجراءات أمنية غير مسبوقة شهدتها بغداد. وأشارت إلى أن نسبة المشاركة بلغت 43 بالمئة.

ووفقا للنتائج، فقد حل التيار الصدري في المرتبة الأولى، بواقع 73 مقعدا برلمانيا من أصل 329، أعقبه تحالف "تقدم" بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، بـ37 مقعدا، وحل تحالف "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي ثالثا، بـ34 مقعدا، كما حل في المرتبة الرابعة "الحزب الديمقراطي الكردستاني" الحاكم في إقليم كردستان العراق بزعامة مسعود البارزاني، بـ32 مقعدا، وتمثل نحو ثلثي مقاعد الإقليم المخصصة له في البرلمان.

وارتفع عدد مقاعد تحالف "الفتح"، من 14 إلى 17 مقعدا، وجاء سادسا "تحالف كردستان"، الذي يضم "الاتحاد الوطني الكردستاني" وقوى كردية أخرى بواقع 16 مقعدا.

بينما تراجعت حركة "امتداد" المدنية من 10 مقاعد إلى 9، وكذلك تحالف "عزم"، بواقع 12 مقعدا، ثم "إشراقة كانون" عند 6 مقاعد.

فيما فاز مجموع المرشحين المستقلين الذين قدموا أنفسهم خارج إطار الأحزاب والكيانات السياسية في هذه الانتخابات بـ40 مقعدا.

القوى السياسية الحليفة لإيران، والتي تمثلت في تحالف "فتح"، وهو الجناح السياسي للحشد الشعبي، أبدت احتجاجا قويا على نتائج هذه الانتخابات، التي لم تجن فيها سوى 17 مقعدا، لتأتي في مرتبة متدنية مقارنة بباقي التيارات السياسية في العراق، وهو ما يؤكد حالة السخط في الشارع ضد إيران ونفوذها في العراق. 

وقال الإطار التنسيقي لقوى تضم تحالف الفتح وائتلاف رئيس الوزراء الأسبق، حيدر العبادي، في بيان "نعلن طعننا بما أعلن من نتائج وعدم قبولنا بها، وسنتخذ جميع الإجراءات المتاحة لمنع التلاعب بأصوات الناخبين".

وتعد إيران لاعبا إستراتيجيا رئيسا في العراق على جميع المحاور، ويتجسد الدور الحساس الذي تلعبه في تحالفاتها مع كيانات سياسية رئيسة ودعمها لقوات "الحشد الشعبي" التي تضم فصائل موالية لها وباتت جزءا من القوات الأمنية الحكومية

ويعتمد العراق اقتصاديا، بشكل كبير على استيراد الطاقة من إيران الخاضعة لضغط عقوبات اقتصادية أميركية، كما أنه ثاني مستورد للبضائع الإيرانية، حيث تملأ السيارات إيرانية الصنع والزهيدة الثمن شوارع بغداد وغالبية المدن العراقية، فيما تنتشر المنتجات الإيرانية في معظم المراكز التجارية.

وفي ظل هذا النفوذ الإيراني الممتد في العراق، تمثل نتائج الانتخابات تحديا لطهران، من أجل استعادة ثقة الشعب العراقي، وهذا أمر جديد يجب على إيران أن تتعامل معه.

ويعتقد الباحث ريناد منصور من مركز "تشاتام هاوس" للأبحاث، في حديث لفرانس برس، بأن "إيران خسرت جزءا كبيرا من قاعدتها الشيعية وسط وجنوب (العراق)، بعدما كانت تعتقد ولمدة طويلة بأنها ستحتفظ بقاعدة موالية لها هناك".

ووفقا لصحيفة "رأي اليوم" اللبنانية، فإن تنديد الكتل الشيعية الرئيسة الموالية لإيران بنتائج الانتخابات ورفضها الكامل لها، لحدوث تلاعب واحتيال على حد قول قياداتها، إنذار باحتمال حدوث صدامات سياسية وربما عسكرية، وانقسامات حادة عقائدية وطائفية في الأسابيع والأشهر المقبلة، خاصة وأن هذه الكتل هي التي تملك السلاح والمعدات العسكرية الثقيلة، وتشكل جيشا موازيا".

في المقابل، احتفل أنصار التيار الصدري بظهور تقدمه في نتائج الانتخابات، وجابت مسيرات شوارع العاصمة بغداد رافعة الأعلام العراقية وصورا لمقتدى الصدر.

ويعزز من فرص التيار الصدري بإحداث التغيير، تلك الخسارة التي منيت بها مجموعة الأحزاب الموالية لإيران، داخل البرلمان العراقي في الانتخابات الأخيرة.

وبعد وقت قصير من إعلان النتائج، وصف مقتدى الصدر الانتخابات بأنها "يوم النصر على المليشيات"، قائلا "إن الأوان قد آن لحل المليشيات وحصر السلاح في يد الدولة".

والتيار الصدري هو تيار سياسي وديني يتبع للزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر، وقد أظهرت نتائج الانتخابات التشريعية المبكرة، تنامي قوة التيار وقدرته على كسب الشارع، حيث حصد أكبر عدد من المقاعد بفارق كبير عن أقرب منافسيه.

وعن أسباب فوز الكتلة الصدرية، يرى مراقبون أنه يعود إلى تعهد الصدر بإنهاء المليشيات، وحصر السلاح في يد الدولة، وكذلك لبرنامجه الإصلاحي الذي تضمن محاربة الفساد ومنع الأحزاب من السيطرة على مقدرات العراق، وهو ما دفع بالكثيرين إلى اختيار التيار ومعاقبة منافسيه، خاصة بعد الأحداث التي شهدتها احتجاجات البلاد التي انطلقت في أكتوبر/تشرين الأول 2019.

وأكد النائب عن تحالف "سائرون" التابع للصدريين، رياض المسعودي، أن "الخط البياني للتمثيل السياسي للتيار الصدري متصاعد بشكل واضح، وهناك قاعدة شعبية عريضة ومهمة وقوية وأماكن انتخابية محترفة".

فيما قالت المراسلة المهتمة بشؤون الشرق الأوسط، كلوي كورنيش، إن "مقتدى الصدر لم يعد يشبه اليوم الرجل الأصغر سنا الذي قاد عام 2004 تمردا ضد القوات البريطانية والأميركية المحتلة وما تبع ذلك من إراقة دماء طائفية".

وأشارت إلى أنه رغم أنه ما يزال يقود "سرايا السلام"، وهي جماعة شبه عسكرية يصر أنصارها على أنها تابعة للدولة، فقد قال: "حان الوقت الآن للعيش بسلام دون احتلال أو إرهاب أو مليشيات تختطف وترهب وتنتقص من دور الدولة".

وبحلول عام 2004، قرر الصدر المقاومة، لكن التمرد المناهض للولايات المتحدة سرعان ما تحول إلى صراع أهلي دموي.

وأشارت المراسلة إلى أن الصدر حل "جيش المهدي" عام 2008 بعد أن شنت الحكومة العراقية، بدعم من الولايات المتحدة، هجوما كبيرا ضده، ومنذ ذلك الحين، "أقام علاقة غامضة مع طهران، حيث نصب نفسه على أنه قومي معارض لكل النفوذ الأجنبي، بينما كان يدرس بشكل دوري ويلجأ إلى قم، المدينة الشيعية المقدسة في إيران".

وأضافت المراسلة أنه مع خيبة أمل العراقيين من السياسيين، استعرض الصدر "عضلاته في الشارع" خلال الاحتجاجات المناهضة للفساد. ففي عام 2016، اقتحم أنصاره المنطقة الخضراء ببغداد، التي تضم السفارات والبرلمان، وقاموا بمضايقة النواب.

وذكرت الصحفية أنه في انتخابات 2018، فاز بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية، مما منح حزبه السيطرة على الوزارات ومناصب الخدمة المدنية العليا، و"سمح له بتوزيع الوظائف والمزايا على مؤيديه"، وأصبح أنصار الصدر جزءا من الدولة العراقية.

وتابعت: "رغم السيطرة على الكتلة الأكبر في البرلمان، يتعين على الصدر أن يساوم من أجل تشكيل حكومة جديدة مع فصائل أخرى بعضها مسلح وترفض نتائج الانتخابات".

الحالة الليبية 

  • صعود شعبية الدبيبة بعد فشل قرار سحب الثقة 

شهدت الأزمة الليبية تطورات مهمة فيما يتعلق بالاستحقاق الانتخابي نهاية العام 2021، كان آخرها محاولة البرلمان بقيادة عقيلة صالح، سحب الثقة من حكومة عبد الحميد الدبيبة لقطع الطريق على المؤسسات المنتخبة في التمهيد الصحيح للانتخابات.

المعسكر الشرقي بقيادة الجنرال الانقلابي خليفة حفتر وعقيلة صالح، حاول التلاعب بمستقبل الانتخابات وضمان سلامتها من خلال محاولة سحب الثقة من الحكومة الشرعية في البلاد مرة، ومحاولة تمرير قانون انتخابي يحتوي بعض المواد التي أثارت خلافا مرة أخرى، وذلك تمهيدا لترشيح حفتر أو ضمان عودته على رأس الجيش. 

إعلان المتحدث باسم مجلس النواب الليبي، عبد الله بليحق، في 21 سبتمبر/أيلول 2021، حجب الثقة عن حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها الدبيبة، مؤكدا أن 89 نائبا من أصل 113، قد حضروا في طبرق شرق البلاد، وصوتوا على سحب الثقة، "كان خطوة استباقية للتخلص من الدبيبة".

محاولة سحب الثقة من الحكومة، والتي لم تمرر من قبل الشارع الليبي، كانت في إطار مناورة سياسية، لا اختصاص قانوني يمارسه المجلس التشريعي، فقد أثيرت حولها العديد من المخالفات القانونية في صحة الانعقاد والتصويت، ومدى الصلاحية في سحب الثقة من الحكومة التي أقرها الحوار الوطني برعاية الأمم المتحدة منذ أشهر قليلة. 

قرار سحب الثقة من الحكومة الشرعية في البلاد، واجه رفضا قويا من جانب الشارع الليبي، وعالميا على مستوى الدول، ومنظمة الأمم المتحدة التي رعت تشكيل هذه الحكومة، ما جعل التيار المؤيد للحكومة يصعد ضد البرلمان في طبرق، وهو ما أدى إلى إبطال القرار، واضطر البرلمان إلى الاستجابة والاعتراف بالحكومة مرة أخرى. 

ولم يسبق أن تمكن زعيم سياسي ليبي منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011، أن حشد في العاصمة طرابلس مثل تلك التي الأعداد التي جمعها رئيس حكومة الوحدة في ميدان الشهداء، ردا على سحب البرلمان الثقة من حكومته "بشكل لا يخلو من التدليس".

وتمكن الدبيبة، من قلب الطاولة على مجلس النواب برئاسة عقيلة، من خلال تمكنه من حشد أنصاره في طرابلس ومدن مختلفة، بما فيها الخاضعة لمليشيات حفتر.

كما نظمت تجمعات ووقفات في مدينة مصراتة والجبل الغربي (غرب) وحتى في طبرق (شرق) مقر مجلس النواب، وفي بلدة سلوق (شرق)، وفي سبها (جنوب)، رفضا لقرار سحب الثقة من الحكومة.

وعندما حاول أنصار عقيلة وحفتر، تنظيم تجمع مؤيد لقرار مجلس النواب سحب الثقة من الحكومة، لم يلب نداءهم سوى العشرات، ما يعكس شعبية جارفة للدبيبة مقابل تأييد ضعيف لقرار البرلمان.

أمام هذا الضغط الشعبي والرفض الأممي والدولي لقرار سحب الثقة، وارتفاع عدة مطالبات شعبية برحيل البرلمان وتحميله مسؤولية تعطيل الانتخابات، تراجع عقيلة، خطوة إلى الوراء.

حيث أبلغ عقيلة، المبعوث الأممي إلى ليبيا يان كوبيش، أن حكومة الوحدة الوطنية مستمرة في عملها، وأنه لن يكون هناك فراغ في السلطة.

وأضاف في حوار مع قناة محلية، أنه "لا قيود على عمل حكومة الوحدة الوطنية في الداخل، وأنها تستطيع ممارسة مهامها وصولا إلى الانتخابات".

  • الخلاف حول الانتخابات الرئاسية والبرلمانية

أقر مجلس النواب الليبي في 4 أكتوبر/تشرين الأول 2021، قانون الانتخاب البرلمانية المقبلة، والمقررة في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021 .

أثار إصدار مجلس النواب قانون الانتخابات البرلمانية، جملة من الانتقادات، تجاوزت تلك التي خلفها إصدار قانون انتخابات الرئيس قبل أقل من شهر، ما يؤشر إلى إمكانية إجراء انتخابات معيبة ومطعون فيها تشبه تلك التي نظمت في 2014.

ووفقا للمحلل السياسي عبد السلام الراجحي، فإن الجلسة "لم يحضرها سوى 34 نائبا"، وهذا العدد أقل بكثير من النصاب القانوني، ما قد يجعل الطعن في القانون أو حتى في الانتخابات بعد إجرائها أمرا محتملا مثلما حدث في انتخابات مجلس النواب عام 2014، والتي أبطلتها المحكمة العليا، ورفض المجلس الاعتراف بحكمها.

كما أن إحدى النقاط الخلافية التي أثارت استياء ورفض أطراف ليبية، قرار مجلس النواب تأجيل الانتخابات البرلمانية بعد شهر من اعتماد نتائج الانتخابات الرئاسية، بحسب ما أعلنه المتحدث باسم مجلس النواب.

ورغم أن الأطراف الليبية اتفقت أن تكون الانتخابات الرئاسية والبرلمانية متزامنة، بل فيهم من كان يطالب بإجراء الانتخابات البرلمانية أولا وتأجيل الرئاسية، نظرا للخلافات العميقة بشأن الأخيرة، خاصة ما يتعلق بترشح شخصيات جدلية مثل، حفتر، وسيف الإسلام، نجل معمر القذافي، زعيم ليبيا الراحل.

واعتبرت الأطراف الحريصة على إجراء الانتخابات بالتزامن، أن إقدام عقيلة صالح على تأجيل انتخاب البرلمان، قد يؤدي إلى خلاف أكبر حول الانتخابات الرئاسية باعتبار أن الرئيس القادم من المفترض أن يؤدي اليمين أمام البرلمان الجديد بالتزامن. 

كما أنها خطوة تؤدي إلى إطالة أمد هذا المجلس الحالي الذي يترأسه عقيلة، الأمر الذي يتنافى مع الالتزامات المتفق عليها، بموجب اتفاق الحوار الوطني.

وفي 8 سبتمبر/أيلول 2021، أحال مجلس النواب، قانون انتخابات الرئاسة إلى مبعوث الأمم المتحدة الخاص بليبيا، كوبيتش، بعد إقراره من قبل المجلس، ويتضمن 77 مادة توضح اختصاصات الرئيس وشروط وإجراءات الترشح والاقتراع.

الأمر الذي لاقى رفضا من المجلس الأعلى للدولة وأحزاب وشخصيات سياسية أغلبها في غرب البلاد، بسبب خلاف يخص إجراءات التصويت والمصادقة.

وتشترط قوانين المجلس الأعلى للدولة على المترشح للرئاسة أو لعضوية مجلس الأمة ألا يكون من أفراد المؤسسة العسكرية، وأن يمضي عامان على الأقل على انتهاء خدمته.

واعتبر المجلس الأعلى للدولة في ليبيا الذي تأسس بموجب اتفاق عام 2015، أن "صالح دفع بالقانون قدما مستخدما سلطات لا يملكها بغرض عرقلة الانتخابات القادمة، كما عد القانون الصادر قانونا معيبا لتجاوزه الاتفاق السياسي".

وأثارت المادة 12 من القانون جدلا واسعا؛ لأنها تمنح الراغب بالترشح، سواء كان مدنيا أو عسكريا، حق الترشح دون أن يستقيل من عمله، وتسمح له بالعودة إلى منصبه إن خسر، وهو ما اعتبره منتقدون تمهيدا لترشح حفتر.

اعتبر المجلس الأعلى للدولة إقدام مجلس النواب على إصدار قانوني الانتخابات التشريعية والرئاسية، هو عبارة عن تصرف أحادي غير قانوني، بالمخالفة للنظام الداخلي لمجلس النواب واتفاق "الصخيرات" المضمن بالإعلان الدستوري.

كما تنص المادة 23 من الاتفاق السياسي على أن مهمة إصدار قانون الانتخابات التشريعية والرئاسية تتم من خلال لجنة مشتركة من المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب، ولذلك عد المجلس الأعلى للدولة هذه الإجراءات غير صحيحة وحمل نتيجتها لمجلس النواب

وختاما، فإن الخلاف التشريعي القائم بين مجلس النواب ومجلس الدولة ما زال يهدد العملية الانتخابية، كما أن الخلاف السياسي بين الحكومة الشرعية من جهة، وحفتر والبرلمان من جهة أخرى، يشكل خطرا كذلك، إلا أن فرصة التخلص من الحكومة "أصبحت غير ممكنة" في ظل الوعي الداخلي ودعم الليبيين للحكومة الشرعية. 

كما أن المجتمع الدولي أكد مؤخرا على تأييده للمسار السياسي وإجراء الانتخابات، من خلال نتائج البيان الختامي لمؤتمر "دعم استقرار ليبيا"، والذي شارك فيه ممثلون عن حوالي 30 دولة وعن منظمات دولية، وهو المؤتمر الذي استضافته طرابلس في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2021 .


المحور الثالث: الاقتصاد العربي

يحمل شهر أكتوبر/تشرين الأول 2021 جملة من الموضوعات الاقتصادية السلبية، باستثناء ما يتعلق بارتفاع أسعار النفط في السوق الدولية، وحتى هذا الموضوع الإيجابي حول ارتفاع أسعار النفط، فسيكون إيجابيا للدول العربية النفطية فقط، أما الدول العربية المستوردة للنفط، فسيكون لديها فاتورة تضخمية جديدة نتيجة ارتفاع أسعار النفط. 

وتطل أزمة الديون العربية برأسها من جديد خلال عام 2021، لتمثل المزيد من الأعباء الاقتصادية والاجتماعية على الموازنات العربية، ولكن للأسف لا تمتلك الحكومات العربية إستراتيجيات للتعامل مع هذه الأزمة لتخرج منها.

وفي ظل هذه الأجواء الاقتصادية السلبية، وقع انقلاب عسكري في السودان، بما يحمله هذا الأمر من تداعيات اقتصادية سلبية على بلد فقير يعاني من أزمات منذ عقود، كما لا تزال تونس تمضي في ضبابية اقتصادية، بسبب غياب الحكومة المنتخبة، والسلطة الرقابية.

كما أن الوضع في لبنان، يزداد سوءا، بسبب الخلاف الذي نشب مع دول الخليج؛ نتيجة تصريحات وزير الإعلام، جورج قرداحي، حول حرب السعودية والإمارات في اليمن، مما ترتب عليه أزمة سياسية، وكذلك اتخاذ بعض الخطوات تجاه تأزم الوضع في العلاقات الاقتصادية البينية، حيث صدرت أوامر في بعض الدول الخليجية لوقف الواردات اللبنانية للخليج.

وفي المحور الاقتصادي، نكتفي بالوضع الخاص بالتداعيات الاقتصادية للانقلاب العسكري في السودان، وكذلك الوضع المأزوم اقتصاديا في تونس.

التداعيات الاقتصادية لانقلاب السودان

في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، وقع انقلاب عسكري في السودان على السلطة المشتركة بين المدنيين والعسكريين، وثمة تداعيات سياسية واقتصادية لهذا الانقلاب على البلاد.

ونتناول في هذه السطور، الجوانب الاقتصادية لهذه التداعيات، وبخاصة أن السودان يعاني اقتصاديا، وما يزال يصنف ضمن الاقتصادات الأشد فقرا أو الأقل نموا، كما يصنف ضمن الدول "الأعلى فسادا" على مستوى العالم.

وإن كان النظام المدني العسكري، الذي تشكل في السودان بعد الإطاحة بالبشير في أبريل/نيسان 2019، قد نجح في الحصول على دعم المؤسسات الدولية، وتم تخفيض الديون الخارجية بنحو 28 مليار دولار، إلا أن ذلك لم يكن منحة مجانية، ولكن كان له ثمنه السياسي والذي تمثل بشكل واضح في تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وكذلك تسوية العديد من الملفات الداخلية والخارجية.

وثمة مجموعة من البرامج الاقتصادية والاجتماعية تم الشروع فيها، واتخاذ قرارات اتسمت بالتداعيات السلبية على الفقراء، وعموم الشعب، مثل تخفيض قيمة الجنيه السوداني، وكذلك رفع الدعم عن العديد من السلع والخدمات، مما أدى إلى ارتفاع التضخم لما يزيد عن 400 بالمئة.

ولكن مع الانقلاب العسكري الأخير في 25 أكتوبر/تشرين الأول، سارعت جهات عدة بتجميد مساعداتها للسودان، مثل البنك الدولي، الذي قدم خلال الفترة الماضية مساعدات بنحو 3 مليارات في مجالات الزراعة والرعاية الصحية والتعليم ومجالات أخرى، وذلك حسب تصريحات سابقة لحمدوك

ومن شأن توقف مساعدات البنك الدولي، أن تتضرر مشروعات تستفيد من هذه المساعدات داخل السودان، إلى أن ينجح قادة الانقلاب الجدد في إقناع البنك الدولي، برفع الحظر عن التعامل معهم، وعودة المساعدات.

من جهة أخرى، أعلنت أميركا عن تجميد مساعدات للسودان بنحو 700 مليون دولار.

وعودة المساعدات الأميركية للسودان خطوة أتت بعد مجموعة من العقوبات الاقتصادية التي استمرت خلال فترة حكم البشير، التي استمرت نحو 30 عاما، والتي عانت فيها البلاد من قيود على التحويلات المالية، ووضع البلاد على قائمة الدول الداعمة للإرهاب، مما حرمها لفترة طويلة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وحد من نقل التكنولوجيا وأشياء إيجابية أخرى إلى السودان.

ومن المتوقع في حالة بقاء الانقلاب العسكري، وعدم الاستجابة لعودة المكون المدني للسلطة، أن يتأثر بشكل كبير اتفاق تخفيف الديون الخارجية، كما يتوقع أن تتأثر التسهيلات الائتمانية الممنوحة للسودان والتي تستغرق مدة 39 شهرا، وهو ما سيضع السودان أمام عقبات اقتصادية كبيرة. ويوقف علاقات السودان مع المؤسسات الدولية، بل وعودة العزلة الدولية ماليا واقتصاديا.

الجدير بالذكر أن الناتج المحلي الإجمالي للسودان بلغ في 2020 نحو 26.1 مليار دولار، وأن نصيب الفرد من الناتج، يصل إلى 595 دولارا في العام، وهذه الأرقام تصل إلى معدل النصف مما كانت عليه عام 2015، وذلك بسبب ما تعرضت له العملة المحلية لانخفاضات متتالية، آخرها وأشدها ما حدث بعد الإطاحة بنظام البشير، فقاعدة البنك الدولي تبين أن الناتج المحلي في 2015 كان يزيد قليلا عن 56 مليار دولار، كما أن نصيب الفرد من الناتج، كان يزيد عن 1600 دولار في العام.

وإصرار العسكر على المضي في انقلابهم، يعني أنهم سيتحملون ما تسفر عنه الأمور من تداعيات اقتصادية سلبية، فلن يكون الأمر قاصرا على وقف المساعدات الدولية، أو تجميد التعاون مع المؤسسات المالية الدولية، ولكن أيضا ما أبرم من اتفاقات مع بعض الجماعات المسلحة في السودان، قد يعود إلى ما كان عليه بعهد البشير، ليمثل الأمر أحد معوقات انطلاق الاقتصاد السوداني.

وقد يكون في حسابات الانقلابيين في السودان، أنه بإمكانهم تكرار التجربة المصرية، من حيث الاعتماد على دعم أو تمويل خليجي، لإسعاف الوضع الاقتصادي، وتسيير الأمور في حدها الأدنى.

ولكن الحسابات مختلفة بين التجربتين، حيث تلم بدول الخليج أزمة مالية واقتصادية، قد تحد من إقدام تلك الدول عن تقديم الدعم الاقتصادي للانقلاب بالسودان، ولعل تجربة تونس تكون خير شاهد للسودان، فتونس تعاني من أحوال مالية شديدة الصعوبة، في ظل تخبط الإدارة الاقتصادية هناك وعجزها عن تدبير مالي كاف لإدارة البلاد.

هل يتراجع الانقلاب استجابة للضغوط الاقتصادية؟

ما زالت الأصوات تتعالى من هنا وهناك تطالب العسكر في السودان، بضرورة التراجع عما أقدموا عليه، وضرورة عودة المكون المدني للسلطة، وهذه مطالب دول أوروبية وأميركا، ولكن هل سيستجيب العسكر؟

قد يستمر العسكر في تجربتهم، بناء على ما عايشوه في فترة البشير، وتسيير الأمور الحياتية للمجتمع في حدود المتاح، وهذا يعني استمرار ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وكذلك انتشار الفساد، وهي الأمراض التي عانى منها المجتمع في عهد البشير، على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.

ويتوقع أن تؤتي الضغوط الأميركية والأوروبية ثمارها، على الانقلاب العسكري في السودان، حتى يحافظوا على ما تحقق من مكتسبات اقتصادية، وبخاصة ما يتعلق برفع الحظر المالي والاقتصادي، وكذلك تخفيض قيمة الديون والحصول على المساعدات المالية والتنموية من المؤسسات الدولية.

وفي حالة استجابة العسكر للضغوط الخارجية، من أوروبا وأميركا، فستعود تلك المساعدات، ويحتفظ السودان بما حصل عليه من مزايا، ولكن قد يكون ذلك في ضوء شروط جديدة، تضمن استمرار تنفيذ أجندة أوروبا وأميركا، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي والاجتماعي.

وتراجع العسكر في السودان عن انقلابهم، هو السيناريو الأرجح، بسبب الضغوط الخارجية من جانب، ومن جانب آخر، عدم امتلاكهم لبديل آخر، فقد جربوا أثناء فترة البشير اللجوء إلى الصين، ومنحوها العديد من المزايا للاستفادة من الموارد الطبيعية بالسودان. 

ولكن في النهاية ظل السودان دولة نامية، وفقيرة، وغير قادرة على تلبية احتياجات مواطنيها، مما أدى في النهاية لسهولة الإطاحة بنظام البشير في ظل الفقر والفساد والبطالة، وتلك الموجات المتتالية للغلاء وزيادة أعباء المعيشة.

تطورات الأزمة الاقتصادية في تونس 

منذ أحداث (الانقلاب الدستوري) يوليو/تموز 2021 التي قادها الرئيس قيس سعيد في تونس، والتي تم بموجبها تجميد عمل الحكومة والبرلمان، وتشكيل حكومة جديدة غير منتخبة، تمر البلاد بأوضاع مالية واقتصادية، شديدة السلبية، وهو ما دعا سعيد إلى التصريح بإمكانية اتخاذ إجراءات تقشفية بزعم المرور بمعركة تحرر وطني، تتمثل تلك الإجراءات التقشفية المنتظرة في ترشيد الاستيراد للكماليات، والحد من خروج العملة الأجنبية من البلاد، والسعي لزيادة مواردها لسداد التزامات القروض الخارجية.

وتعرضت تونس خلال أكتوبر/تشرين الأول 2021، لتصنيفات ائتمانية أقل مما كانت عليه من قبل، فوكالة "مودز" خفضت تصنيف الوضع الائتماني لتونس من B3 إلى CAA، مع نظرة مستقبلية سالبة، ويصاحب ذلك ارتفاع المخاطر الخاصة بالتخلف عن سداد تونس للسندات المستحقة عليها في السوق الدولية، وانخفاض أسعارها بشكل كبير.

فالسندات المستحقة في أعوام 2023 و2024 و2025 التي أصدرها البنك المركزي التونسي تحوم حولها شبهات كبيرة بالعجز عن السداد. 

والمخرج الذي تفكر فيه إدارة سعيد، يدور حول اللجوء إلى دولتي السعودية والإمارات لتدبير قرض بنحو 3.2 مليارات دولار.   

وأشار بيان صادر عن البنك المركزي التونسي إلى صعوبة الوضع الخارجي، حيث تبين أن العجز في الميزان الجاري بلغ 3.5 بالمئة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، خلال الشهور الثمانية الأولى من عام 2021، وذلك مقارنة بنفس الفترة من العام 2020. 

أما عن التضخم فقد أوضح البيان أن نسبته قفزت إلى 6.2 بالمئة في سبتمبر/أيلول 2021، وذلك على أساس سنوي، وأن التضخم كان في سبتمبر/أيلول 2020 بحدود 5.4 بالمئة، وهو ما يعني أن التضخم قد ارتفع بنسبة 0.8 بالمئة خلال عام. 

وتأتي أهمية الإشارة إلى ارتفاع معدلات التضخم، من تراجع الأوضاع وتحمل الأسر التونسية لأعباء معيشية فوق طاقتها.

وتكمن مشكلة التمويل في الموازنة التونسية، من خلال احتياجها لنحو 6 مليارات دولار خلال عام 2021، ولكن لم يتم تدبير سوى 2 مليار دولار، والنظام بعد انقلاب يوليو/تموز 2021، أعلن عن سعيه كما ذكرنا للحصول على تمويل بنحو 3.2 مليارات دولار من خلال محادثات مع كل من السعودية والإمارات. 

ولكن بيان البنك المركزي التونسي، أشار إلى صعوبة الوضع المالي، وأن الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي حاليا غير موجود. 

وهو ما يعقد أمر لجوء تونس للاقتراض من الخارج، فعدم الوصول لاتفاق مع صندوق النقد، سيرفع سعر الفائدة على القروض التي تحاول تونس أن تحصل عليها خارج إطار المؤسسات الدولية، بما يكبد الموازنة التونسية أعباء كبيرة في شكل سعر الفائدة. 

فمصر مثلا بعد وصولها لاتفاقين مع صندوق النقد الدولي في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، ويونيو/حزيران 2020، فإنها تحصل على قروض من سوق السندات الدولية عند معدل 6.5 بالمئة و7.5 بالمئة، ومعنى لجوء تونس لسوق السندات الدولية أو البنوك التجارية دون الوصول لاتفاق مع المؤسسات المالية الدولية، هو أن يكون سعر الفائدة ضعف ما تحصل به مصر على القروض.

وكان الرئيس التونسي قد التقى محافظ البنك المركزي، مروان العباسي، لمناقشة الوضع المالي للبلاد، حيث تبين أن احتياطي النقد الأجنبي تراجع بنسبة 9.5 بالمئة خلال الشهور التسعة الأولى من عام 2021، حيث بلغ 7.4 مليارات دولار في سبتمبر/أيلول 2021، مقارنة بـ8.61 مليارات دولار نهاية 2020.

وثمة أمر مهم تمر به السوق الدولية للطاقة، وهو الارتفاع الملحوظ لأسعار النفط والغاز، حيث تعتبر تونس دولة مستوردة للنفط، وحسب بيانات البنك المركزي، فإن الميزان التجاري للطاقة خلال الشهور السبعة الأولى من عام 2021 بلغ 2.4 مليار دينار تونسي (6.7 مليارات دولار)

ومع ارتفاع أسعار النفط في السوق الدولية، فإن هذا العجز بنهاية عام 2021 سيكون مرشحا للزيادة، وهو ما يمثل عبئا على الموازنة من جهة، وسببا في موجة تضخمية من جهة أخرى.

أما عن الدين العام، الذي يتوقع أن يشهد ارتفاعات متتالية في ظل غياب سياسة اقتصادية واضحة، فقد بين البنك المركزي أنه يتوقع أن يبلغ بنهاية عام 2021، 39.8 مليار دولار، منها 26.5 مليار دولار دينا خارجيا.  

آفاق المستقبل القريب:

ما ذكر من مؤشرات تخص الاقتصاد التونسي، معظمها يخص عام 2021، ولكن فيما بعد عام 2021، فثمة تصاعد لهذه التحديات، وبخاصة ما يتعلق بترتيب الوضع المالي للبلاد، وتدبير التمويل الخارجي، وكذلك ضرورة الوصول لاتفاق مع صندوق النقد الدولي، أو البحث عن بديل، لا يرهق الموازنة العامة للبلاد.

وتظل خيارات تونس محدودة، فإما اللجوء لصندوق النقد الدولي، وتنفيذ أجندة الصندوق فيما يتعلق بتقليص الأجور والدعم، وهي قضايا قد يصعب تنفيذها حاليا في ظل الظروف السياسية التي أوجدها قيس بعد يوليو/تموز 2021. 

ولكن قد يكون مضطرا لذلك، وقد مهد للأمر بتصريحه بأن البلاد تعيش حالة تحرر وطني، والخيار الثاني تحقيق حالة نجاح في الاعتماد على التمويل الخليجي عبر السعودية والإمارات، وهو أمر قد يكون مؤقتا وغير دائم، نظرا للأوضاع المالية والاقتصادية غير الملائمة لديهما، رغم تحسن أسعار النفط في السوق الدولية.

أما الخيار المر لتدبير تمويل لمتطلبات الموازنة التونسية، فهو اللجوء للاقتراض من السوق الدولية بعيدا عن مساعدة المؤسسات المالية الدولية، وهو ما يعني المزيد من أعباء الدين، والفائدة، التي قد تؤدي إلى حالة عجز في سداد التزامات الديون الخارجية.

ويلوح في الأفق، مخرج يحتاج إلى جهد كبير، من خلال استفادة تونس من تحقيق حالة استقرار في ليبيا، وهو ما يعني تنشيط الحركة التجارية والسياحية لتونس مع ليبيا.

فضلا عن سعي تونس للحصول على حصة من إعادة الإعمار في ليبيا، حتى يؤدي إلى تدفق مالي بالنقد الأجنبي من جهة، ومن جهة ثانية تخفيف حدة البطالة، وكذلك تنشيط المنشآت الصناعية والتجارية التونسية، التي ستعتمد خططا للتصدير إلى ليبيا.

وإن كان السيناريو الأرجح أن يلجأ سعيد إلى المؤسسات المالية الدولية، ويوقع اتفاقا مع صندوق النقد الدولي، ومواجهة الشارع فيما يترتب على هذا السيناريو من تداعيات سلبية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.


المحور الرابع: الحالة الفكرية

 

يتضمن المحور الفكري لشهر أكتوبر/تشرين الأول 2021، موضوعين، أولا: بمناسبة اليوم العالمي للمعلم: المناهج التعليمية في العالم العربي بين مطالب الغرب والمحافظة على ثوابتنا. 

ويوافق 5 أكتوبر/تشرين الأول من كل عام مناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمعلم. فالتعليم يعد من الركائز الأساسية لنهضة أية أمة وتقدمها، وإذا كانت عناصر العملية التعليمية مهمة، فإننا سنخصص الحديث هنا عن المناهج الدراسية في بلادنا العربية، والتي يحاول الغرب أن يغيرها، لتتوافق مع رؤيته، في ضوء العولمة والحداثة، التي يريد من خلالها، إعادة صياغة العقل والشخصية العربية والإسلامية.

 ثانيا: بداية الاستقلال اللغوي في الجزائر: إلغاء استعمال اللغة الفرنسية في بعض الوزارات. اللغة في كل أمة من أهم مقومات الهوية، وقد حاول الاستعمار الفرنسي أن يمحو اللغة العربية في الجزائر، وذلك بإقصائها وإحلال اللغة الفرنسية محلها، خلال 132 سنة (1830-1962)، هي فترة احتلاله العسكري للجزائر. 

ورغم استقلال الجزائر عام 1962، فإن اللغة الفرنسية ما زالت هي السيدة، وفي أكتوبر، وعلى إثر الأزمة مع ماكرون، بادرت ثلاث وزارات بإصدار قرارات باستخدام اللغة العربية بدلا من اللغة الفرنسية، فيما يعرف بـ"الاستقلال اللغوي".

أولا: بمناسبة اليوم العالمي للمعلم

المناهج التعليمية في العالم العربي بين مطالب الغرب والمحافظة على ثوابتنا

ينظم اليوم العالمي للمعلمين سنويا في 5 أكتوبر/تشرين الأول، منذ عام 1994، لإحياء ذكرى توقيع توصية "اليونسكو" ومنظمة العمل الدولية لعام 1966 بشأن أوضاع المدرسين. 

وأصبح اليوم العالمي للمعلمين فرصة للاحتفال بالإنجازات، وذلك من أجل تعزيز مهنة التدريس، وإذا كان المعلم هو أحد أركان العملية التعليمية، بل هو من أهمها، فإننا بحاجة إلى أن نسلط الضوء في هذه المساحة على جانب آخر مهم، وهو "المناهج التعليمية". 

وشارك شيخ الأزهر أحمد الطيب، القادة الدينيين حول العالم في إطلاق ميثاق قادة الأديان تحت عنوان "نحو اتفاق عالمي بشأن التعليم". 

وطالب شيخ الأزهر لجنة التوافق العالمي بشأن التعليم، بضرورة الاهتمام بـ"المناهج التعليمية"، مؤكدا أنه من المحزن أن نرى هذه المناهج وقد بدأت تتآكل في الآونة الأخيرة وتتفكك تحت "حداثة مفتوحة"، وحرية بلا سقف ولا كوابح، وهي التي تتولى تشكيل عقول الشباب، ومعارفهم وأذواقهم وأنماط سلوكهم وتصرفاتهم.

وقال: "إننا كممثلين للأديان لا نستشعر الخطر من قبل المعلم، بقدر ما نستشعره من المناهج التعليمية التي اختارت عن عمد، أن تمشي على ساق واحدة، حين استبدلت الإنسان بالإله، والمادة بالروح، فهذه المناهج قد اكتسبها المعلمون تحت تأثير فلسفات مادية وفيزيقية خالصة، طال عليها الزمن، حتى استبدت بالسيطرة على مفاصل العقل الإنساني وشعوره وحواسه، وشلت قدرته على التفكير خارج أطرها الحداثية أو التغريد خارج سربها".

والحقيقة أن العالم الإسلامي العربي متأثر بقوة من التوجيه العالمي فيما يخص الثقافة "العولمية" أو "الحداثية"، التي تسعى إلى نزع الخصوصية الثقافية عن المجتمعات والدول لحساب ثقافة التغريب واضمحلال الهوية والانتماء والقيم الخلقية، وصولا إلى محوها، لتصبح قيم العولمة والحداثة -بالمفهوم الغربي الأميركي- هي قيم المجتمعات البشرية على اختلاف شعوبها وأجناسها.

وما الدعوة إلى ما يعرف بـ"الإبراهيمية" ببعيد عن هذا السياق، الذي يكرس لإضعاف التوجيه الإسلامي، بخاصة، حتى لا يكون هو المنطلق لثوابت الأمة المسلمة وقيمها.

فالعالم العربي كما نرى وصل إلى حالة من الضعف لا تخفى على أحد، وأصبح الحكام ينفذون الإملاءات الغربية "الأميركية"، للحفاظ على كراسي الحكم في بلادهم.

إن التعليم من أهم الركائز في إعداد الأجيال وتنشئتهم، وما نراه الآن من تعديل (أو تغيير) في المناهج الدراسية لصالح "الحداثة" و"العولمة"، أمر خطير على ثوابت الأمة وهويتها التي يجب المحافظة عليها، وعلى أمانة توريثها للأجيال دون تشويه أو انتقاص.

فالهوية في عرف حضارتنا العربية الإسلامية هي جوهر الشيء، وهوية الشيء هي ثوابته التي تتجدد لكنها لا تتغير.. تتجلى وتفصح عن ذاتها، دون أن تخلي مكانها لنقيضها، طالما بقيت الذات على قيد الحياة!.

والإسلام هو الهوية الممثلة لأصالة ثقافة هذه الأمة، ومع الإسلام في مكونات الهوية الثقافية تأتي لغتنا العربية التي هي لسان الإسلام ووحيه المعجز، والتي ضمن لها القرآن الكريم امتيازا على غيرها من اللغات، ثم يأتي التاريخ الذي تميز في حضارتنا الإسلامية بأنه تاريخ الأمة كما هو تاريخ الدين.

أما الحداثة، فهي في اصطلاح الغربيين تدور حول عدة معان أبرزها أنها، كما يقول الفيلسوف الألماني إيمانويل كانت: إن "شرط الحداثة والتنوير اللازم هو الحرية"، في دلالة على أن العقل عنده يجب أن يتحرر من سلطة المقدس ورجال الكهنوت والكنيسة وأصنام العقل".

كما تعني ثقافة العولمة، على المستوى الثقافي، وهو أخطرها، أنها ثقافة بلا حدود ثقافية من خلال انتشار الأفكار والمعتقدات والقيم وأنماط الحياة المادية والفكرية والسلوك والأذواق ذات الصبغة الغربية على الصعيد العالمي، عن طريق الانفتاح بين الثقافات العالمية بفعل وسائل الاتصال الحديثة، والتدفق الحر للمعلومات والأفكار والمعتقدات والقيم. 

وبطريقة لا شعورية، وتحت تأثير الانبهار بثقافة الغرب وتقليده يتم استعمال طرق تفكيره ومذاهبه كإطار مرجعي للحكم دون مراجعة أو نقد.

الهدف الأساس للغرب وراء تغيير مناهج تعليمنا:

إن الهدف الرئيس للسياسة الغربية الأميركية من تغيير التعليم في البلاد العربية والإسلامية، هو إعادة صياغة العقل والشخصية العربية والإسلامية، وذلك بمحاولة إحلال طائفة من القيم الغربية التي تنطلق من ثقافتهم؛ مثل قيم التسامح، وحقوق المرأة، وحرية الأديان وغيرها، بمفهومهم، محل القيم الإسلامية، من منطلق أن هذه القيم كفيلة بحماية العالم من مظاهر التطرف التي تفرضها القيم الإسلامية.

بالإضافة إلى تخريج أجيال يضعف عندها الانتماء للوطن والقيم الإسلامية لحساب قيم العولمة، وإن إعادة صياغة هذه المناهج سيقود إلى الهدف الأميركي، وهو استنساخ شخصية جديدة لا تمثل تهديدا أو تحديا للولايات المتحدة.

فالغرب، أميركا على وجه التخصيص، يستهدف مناهج التعليم الدينية، ولهذا فهو يضغط على الدول العربية لتعيد النظر في القيم والمفاهيم المتضمنة في المناهج التعليمية النظرية بصورة خاصة، دون المناهج العملية.

وهي ماضية في محاولتها لتغيير مناهج التعليم لدينا، وتستعمل كل ما لديها من وسائل وإمكانات.

فالتعديلات التي نراها ونسمع عنها كل يوم بشأن المناهج في الدول العربية، هي تعديلات ممنهجة، وتسير وفق مخطط  مدروس، لتمييع الأجيال الناشئة وسلخها عن قيمها ومبادئها وثوابتها. هذا، فضلا عن التغيير في المناهج التاريخية الذي يتم بدوافع سياسية، كما حدث في مصر والسعودية، عندما غيرتا في التاريخ، لتظهرا أن "الفتح العثماني" كان غزوا وليس فتحا.

وهذا ملخص لمضمون تقرير أعدته مجموعة من الخبراء السياسيين الأميركيين البارزين، والذين يعرفون بأنهم "مجموعة الـ19"، ورفع هذا التقرير إلى جهاز الأمن القومي الأميركي، وعنوان هذه الدراسة "الجوانب النفسية للإرهاب الإسلامي"، وقدم معدو الدراسة مجموعة من التوصيات التي تم رفعها للرئيس الأميركي ووافق عليها.

ويتضمن التقرير إيجاد صيغة ملزمة للتعاون بين الدول العربية وأميركا فيما يخص تغيير مناهج التعليم والسياسة والإعلام، والقبول بأدوار مشتركة بين الطرفين. 

واعتبرت الدراسة أن الصورة السلبية عن أميركا وإسرائيل هي التي تشكل البذرة الأولى للأفعال "الإرهابية"؛ ومن ثم فتغيير مناهج التعليم التي تحض على كراهية اليهود والعالم الغربي خاصة مما يدعو إلى القيام بأعمال إرهابية مثل مفهوم "الجهاد" الذي يحرض المسلمين على قتل أنفسهم في مقابل تدمير وإرهاب كل ما هو غير مسلم، على حد زعم التقرير.

وتمضي الدراسة لتقول إن "أهداف الحملة الأميركية على الإرهاب يمكنها السيطرة علي الأجيال القادمة لمدة 10 سنوات، وهو ما يعتبر مسكنا وقتيا، لكن تغيير مناهج التعليم من المرحلة الابتدائية هو الذي يضمن وجود أجيال غير إرهابية".

وتشير الدراسة إلى أنه في كل 15 عاما تظهر أجيال عنيفة فيما يشبه الدورة، وكل جيل يبدو أكثر عنفا من الذي يسبقه، والسبب، على حد زعمهم، هو الكتاب المقدس للمسلمين، وهو "القرآن"، وهناك صعوبات عملية في مطالبة الحكومات بتغيير القرآن!! ولكن هناك المرجعيات الدينية التي يمكن أن تقدم تفسيرا مختلفا يساعد على تنفيذ المطالب الأميركية.

وترى الدراسة أن مصر والسعودية لهما التأثير الأكبر، في حين أن أدوار الدول العربية الأخرى هامشية وفرعية.. فالسعودية لها ثقلها الديني، ومصر لها دورها كبلد للأزهر وهي أكبر دولة عربية، وتموج داخلها صراعات هائلة للأفكار الدينية، وتقترح الدراسة تفريغ القرآن الكريم من مضمونه عن طريق:

  • العمل على أن يظل الدين علاقة بين الفرد وربه، مع السعي إلى إبعاد المسلمين عن أي دور حضاري أو سياسي أو نضالي.

  • التدرج في تغيير مناهج التعليم الديني بمصر والعالم العربي، بحيث يبدأ التدريج من المرحلة الابتدائية.

  • تغيير موضوعات المطالعة والنصوص الأدبية في مادة اللغة العربية.

  • لا بد من تغيير مناهج التاريخ والتركيز على تاريخ العلم والثورات العلمية والعادات والتقاليد، دون الحديث عن مراحل الاستعمار أو تقديم القتلة على أنهم أبطال وشهداء، على حد زعم الدراسة، بل يجب ترسيخ إيجابيات الحضارة الغربية ودورها الرائد في التأثير على الشعوب العربية والإسلامية.

  • تدريب المدرسين والرواد والمسؤولين عن التعليم على هذه المفاهيم الجديدة.

  • في المرحلة الإعدادية يجب أن تكون اللغة الدينية مبنية على العقل، لا على النقل والتبعية للكتاب المقدس (القرآن) دون تفكير.

  • وفي المرحلة الجامعية لا يكون هناك أي دراسة للدين، ولكن تكون هناك برامج تعاون جامعية للتعارف على الطلاب في العالم الغربي.

  • وترفض الدراسة وجود أي دولة دينية أو تتبنى المرجعية الإسلامية، خشية أن تكون مرتعا للجماعات الإسلامية التي تتحدى الولايات المتحدة .

هذه هي الرؤية الغربية أو الأميركية لما يحدث الآن، ويطبق بشأن تغيير المناهج التعليمية وفق الرؤية الأميركية، فهم يريدون أجيالا "متحللة" من كل قيد، بدعوى الحرية، حتى ولو كان هذا القيد هو القرآن الكريم، أو أحكام الإسلام، ليستطيعوا بعد ذلك تنفيذ مخططاتهم السياسية في بلادنا العربية والإسلامية، وتكون هناك أجيال تكونت ليس لديها انتماء للثوابت الإسلامية، أو الوطنية، إنما تحكمها تصورات العولمة والثقافة الغربية.

ولهذا وجب على المصلحين والدعاة والآباء والأمهات، والمخلصين من المعلمين والمعلمات أن ينتبهوا لهذا الغزو الفكري الذي يستهدف الناشئة والشباب، وأن يتصدوا له، وأولى درجات التصدي "التوعية" بما يراد بأجيال الأمة.

ثانيا: بداية الاستقلال اللغوي في الجزائر

تؤكد الدراسات أن التعليم باللغة العربية ينتج أجيالا أكثر التصاقا بقضايا الأمة ومآسيها؛ فضلا عن الشعور الديني والوطني والعربي، الذي يتولد مع الإنسان، منذ الصغر، بفضل تلك اللغة. أما الذين يتعلمون بلغة أجنبية؛ فهؤلاء يعانون الاغتراب عن مجتمعاتهم وقضايا أمتهم.

والاحتلال دائما هو المسؤول الأول عن محو هوية البلاد المحتلة وثقافتها عبر فرضه للغته، والعمل على إقصاء اللغة العربية بكل سبيل. 

ورغم انتهاء عصر ما يسمى بالاستعمار العسكري، الذي طالما عانت منه الأمة العربية الإسلامية؛ فإن آثاره ما تزال باقية، إذ إن الاستعمار اللغوي والثقافي يعد أخطر ما يهدد هوية الأمم وثقافتها.

والاستعمار الفرنسي للجزائر كان من أعتى أنواع الاستعمار، لقد ظل 132 سنة (1830-1962)، قضى فيها على اللغة العربية، ومنع التعليم بها، وأحل محلها اللغة الفرنسية، وأدى هذا الاستعمار إلى تخريج أجيال من الجزائريين بعيدة تماما عن اللغة العربية، بل إن هذا الاستعمار القميء ما زال يمارس سلطاته، حتى بعد الاستقلال، من خلال اللوبي الداعم لفرنسا في الجزائر.

التحول الفعلي إلى اللغة العربية:

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2021، قررت وزارتا التكوين المهني، والرياضة في الجزائر إنهاء استخدام اللغة الفرنسية، وتعميم اللغة العربية في المراسلات الرسمية والتدريس، بالتزامن مع أزمة متصاعدة مع باريس بسبب تصريحات للرئيس ماكرون، وصفت بالمسيئة بحق الجزائر.

وفي 26 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أصدرت وزارة العمل والتشغيل الجزائرية قرارا بمنع استعمال اللغة الفرنسية، وتعميم استعمال اللغة العربية في المراسلات وجميع الوثائق الرسمية، دون تهاون أو تقصير. 

وثمة معلومات متداولة داخل وزارات بوجود تعليمات شفهية من أعلى السلطات في البلاد لإنهاء التعامل باللغة الفرنسية داخل القطاعات الحكومية.

وكان ماكرون قد أثار سخط الجزائر بعد كلام له أوردته صحيفة "لوموند" اعتبر فيه أن الجزائر قامت بعد استقلالها عام 1962 على نظام "ريع الذاكرة" الذي كرسه "النظام السياسي - العسكري" فيها، وقال إن ذلك النظام هو الذي أعاد كتابة التاريخ الاستعماري الفرنسي للبلاد، بمرجعية نابعة من "الكراهية لفرنسا".

وغالبا ما تطالب "المنظمة الوطنية للمجاهدين" التي تجمع قدامى المقاتلين في حرب تحرير الجزائر، فرنسا بـ"الاعتذار" عن "الجرائم" التي ارتكبتها خلال استعمارها الجزائر على مدى 132 سنة والتي راح ضحيتها، وفقا للرئاسة الجزائرية، أكثر من خمسة ملايين جزائري. 

وضع اللغة العربية في الجزائر:

أكد رئيس الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية، عثمان سعدي، أن وضع اللغة العربية في الجزائر "سيء جدا"، مشيرا إلى الإدارة المفرنسة، خاصة في القطاع الاقتصادي الذي يعتبر شريان الحياة، هي السبب. 

وأوضح أن المحيط الجزائري منذ سنة 2000 طغت عليه الفرنسية، فمن يتجول في الشوارع لا يشعر أنه في بلد مستقل. 

وأعرب سعدي، عن عدم رضاه من تجميد قانون استعمال اللغة العربية الذي جمد دون مرسوم؛ حيث إنه في يناير/كانون الثاني 1991، أصدرت السلطات الجزائرية قانونا يقضي بتعميم استعمال اللغة العربية في المعاملات كلها داخل القطاعات الحكومية، لكن تطبيقه بقي معلقا لأسباب يقول معارضون، إنها تعود إلى نفوذ ما يسمى "اللوبي الداعم لفرنسا في الجزائر".

وأشار سعدي إلى أنه "بعد مرور 60 سنة على الثورة، فإن دم الشهداء يهان في عدم سيادة الجزائر، سيادة أي دولة تتمثل في هويتها الوطنية، ومفتاح الهوية هو اللغة الوطنية، أي العربية؛ فالعربية مهمشة، والفرنسية هي السيدة، إذن فالجزائر ما زالت مستعمرة"

وشبه الكاتب والروائي أمين الزاوي حكاية الجزائري مع اللغات بالحكاية الغريبة، فلا هو أتقن العربية، ولا هو تمكن من الفرنسية.

ولقد آن الأوان لأهل الجزائر أن يدعموا قرارات السلطة هناك بشأن استخدام اللغة العربية بدلا من الفرنسية؛ فالمجتمع الجزائري ظلم كثيرا في فرض لغة المستعمر عليه، حتى بعد استقلاله عام 1962.


خاتمة

لم يكن انقلاب السودان، وهو الحدث الأبرز خلال أكتوبر، إلا تجسيدا لحال العالم العربي، حيث العسكر الذين تسلطوا على الرقاب منذ عقود، وتضخمت مصالحهم وامتيازاتهم، وصاروا يقاتلون من أجل المحافظة على هذه المصالح والامتيازات، حتى لو كان ذلك على حساب الوطن ومستقبل شعبه. 

أيضا هو تجسيد لحال النخب السياسية المتناحرة، التي تنظر تحت قدميها، وتكرر أخطاء مثيلاتها في الدول العربية، ولا تتعظ بتجارب الآخرين، فتعطي لجلادها السكين التي يذبحها بها، وكذلك الحكومات العربية التي تقف دائما ضد الإرادة الشعبية، وتسعى للقضاء على بوادر الأمل في نجاة أي شعب عربي من الاستبداد وما يجلبه من فقر وجهل وتخلف، مخافة أن تنتقل إليها عدوى الحرية. 

ويبقى الرهان على الشعوب، في معركتها لنيل حريتها واستعادة حقوقها، ولكن النصر في هذه المعركة رهين بانتصار آخر، لعله الأهم، وهو الانتصار في معركة الوعي، من أجل تجنب أخطاء الماضي وتحصين أي تجربة مستقبلية، ولا شك أن ما نراه من خروج الشباب العربي في كل مكان وتحديه للخوف وتجاوزه لمشاكل النخب هو من بواكير الوعي المنشود.