حلم "الصين الموحدة".. ما احتمالات سيطرة بكين على جزيرة تايوان؟

سليمان حيدر | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تستمر الطلعات الجوية الصينية فوق تايوان بالتصاعد وسط مخاوف من إعادة السيطرة على الجزيرة تحت شعار "الصين الموحدة".

ولا يترك الرئيس الصيني شي جين بينغ مناسبة إلا وكرر فيها التوعد بإعادة الوحدة مع تايوان التي يعتبرها مقاطعة منشقة عن بكين. 

آخر تلك التصريحات ما صدر عن بينغ في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2021 خلال الاحتفال بالذكرى السنوية للثورة التي أطاحت بآخر سلالة إمبراطورية في 1911، التي قال فيها إن "انفصال تايوان هو أكبر عقبة أمام تحقيق إعادة توحيد الوطن الأم، وأكبر خطر خفي على تجديد شباب البلاد".

وتابع: "يجب تحقيق الواجب التاريخي بإعادة التوحيد الكامل للوطن الأم، وسيتحقق بالتأكيد". 

استعراض للقوة 

وتروج الجمهورية الشعبية لوجهة نظر سياسية وهي "الصين الموحدة"، تنص على أن كلا من البر الرئيس وتايوان كيان واحد.

كما ينص على أن حكومة الصين الشعبية هي الحكومة الشرعية الوحيدة والتي لها الحق في إدارة كل الأراضي الصينية بما فيها تايوان. 

التصريحات الصادرة من أعلى هرم السلطة الصينية جاءت بعد أسبوع من اختراق أكثر من 150 طائرة حربية صينية للأجواء التايوانية بدأت مع مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2021 واستمرت لأربعة أيام وهو ما أثار حالة ذعر في تايبيه وواشنطن وعدد من العواصم الأخرى.

موقع سي بي إس نيوز الأميركي وصف في 5 أكتوبر/تشرين الأول 2021 الطلعات الجوية الصينية بأنها الأكثر عدوانية لبكين مع تايوان حتى الآن. 

أما الخبير في السياسة الخارجية للصين بالجامعة الوطنية الأسترالية وين تي سونغ، اعتبر إرسال الصين لمقاتلاتها في الأجواء التايوانية استعراضا للقوة أمام الجمهور الدولي والمحلي. 

وقال سونغ، في تصريحات لموقع "إيه بي سي" الأسترالي إن العملية ربما تكون ردا على اتفاق أوكوس الجديد بين أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة. 

ففي 16 سبتمبر/ أيلول 2021، أثار توقيع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا، اتفاقية شراكة أمنية جديدة عرفت باسم "الميثاق الأمني لدول أوكوس" حفيظة الصين التي أبدت ردة فعل غاضبة تجاهه.

واعتبر سونغ أن أوكوس صفقة كبيرة تشير إلى رغبة أستراليا الأكبر في الانخراط في القضايا الأمنية في مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي، وأنها تمثل رادعا متزايدا ضد بكين التي لا تنظر إلى الصفقة بشكل إيجابي للغاية.

كما أشار سونغ إلى المحادثات التي تجريها تايوان مع الولايات المتحدة لتغيير اسم مكتبها التمثيلي من مكتب الممثل الاقتصادي والثقافي لتايبيه إلى مكتب تمثيلي لتايوان مرجحا أن تكون قد أزعجت الصين أيضا. 

ولا يمكن مخاطبة المكاتب الدبلوماسية التايوانية إلا بـ "تايبيه" بدلا من "تايوان" لأن معظم الدول لا تعترف بالجزيرة كدولة ذات سيادة.

وأضاف سونغ: "من الطبيعي أن ترغب الصين في إظهار بعض القوة في هذه المرحلة للإشارة إلى الجهات الفاعلة الأخرى على المستوى الدولي، على سبيل المثال الولايات المتحدة وأستراليا، بأنهم إذا اتخذوا مزيدا من التحركات في هذا الاتجاه، فقد تخاطر بكين بتصعيد التوتر العسكري الخطير، وربما الصراع".

كما ربط سونغ بين الاستعراض الصيني وتزامنه مع العيد الوطني للصين الذي يوافق الأول من أكتوبر / تشرين الأول واليوم الوطني لتايوان الذي يوافق العاشر من ذات الشهر.

واعتبر أن بكين تريد أن تمثل بصريا فكرة "حلم الأمة القوية، والحلم العسكري القوي". 

تخوفات دولية

التحركات والتصريحات الصينية تسببت في حالة خوف وتوتر شديدة عند المسؤولين في تايوان الذين اعتبروا أن الأوضاع الحالية ربما تكون الأسوأ بين البلدين خلال العقود الأخيرة. 

رئيسة تايوان تساي إنغ ون من جانبها حذرت المجتمع الدولي من مغبة سقوط تايوان في أيدي الحزب الشيوعي الصيني الذي يسعى للسيطرة على الجزيرة. 

وقالت في مقال نشرته مجلة فورين أفيرز الأميركية في 5 أكتوبر / تشرين الأول 2021: "على المجتمع الدولي أن يتذكر أنه إذا سقطت تايوان، فإن العواقب ستكون كارثية على السلام الإقليمي ونظام التحالف الديمقراطي".

كما عبر وزير الخارجية التايواني "جوزيف وو إن"، عن القلق المتزايد من غزو الصين لبلاده وأن تصبح تايوان هدفا لها في حال تصاعد السخط المحلي في بكين أو أصبح التباطؤ الاقتصادي خطيرا للغاية لديها.

وأضاف في تصريحات لقناة إيه بي سي الأسترالية في 4 أكتوبر/تشرين الأول 2021: "إن الدفاع عن تايوان في أيدينا ونحن ملتزمون تماما بذلك. إذا كانت الصين ستشن حربا ضدنا فسنقاتل حتى النهاية".

وتابع: "أنا متأكد من أنه إذا كانت الصين ستشن هجوما على تايوان، أعتقد أنهم سيعانون أيضا بشكل رهيب".

كما نفذت الولايات المتحدة العديد من الأنشطة الدبلوماسية مع الصين تضمنت محادثات بين الرئيسين الأميركي جو بايدن ونظيره الصيني في 6 أكتوبر/تشرين الأول، أكد خلالها الأخير التزام بلاده بـ "اتفاقية تايوان".

وسبق ذلك تعليقات من الحكومة الأسترالية ووزارة الخارجية الأميركية تحث بكين على وقف تهديداتها وعدم استخدام القوة. 

وقال وزير الخارجية الياباني توشيميتسو موتيجي في 5 أكتوبر/تشرين الأول 2021 إنه يأمل في أن تتمكن تايوان والصين من حل القضايا سلميا. وأشار إلى أن اليابان تدرس السيناريوهات المحتملة من أجل اتخاذ استعداداتها الخاصة.

ويشير تقرير لموقع "إن بي سي نيوز" الأميركي إلى أن قادة العالم ظلوا مترددين في الرد على "العدوان العسكري الصيني" في المنطقة لسنوات. 

وأضاف التقرير في 9 يوليو/تموز 2021: "لكن تصاعد خطاب بكين والتطورات العسكرية يدفعان واشنطن وحلفاءها للعمل معا بطرق مختلفة، مثل التخطيط العسكري الأميركي الياباني المشترك للصراع مع الصين حول تايوان ".

ويرى التقرير أن تطلعات بكين غير المحققة لا تزال تطارد الحزب الشيوعي، واستشهد بربط الرئيس الصيني في السنوات الأخيرة ضم تايوان، التي انفصلت عن البر الرئيس وسط حرب أهلية في عام 1949، بـ "حلم الصين" من أجل "التجديد العظيم للأمة الصينية".

كما أشار التقرير إلى إدراك بكين أن الولايات المتحدة هي أهم عقبة أمام غزوها لتايوان، ولذلك طور الجيش الصيني صواريخ باليستية مضادة للسفن وغواصات هجومية ومجموعة من المنصات الجوية والبحرية، وكلها مدعومة بأنظمة فضائية تجعلها أكثر تكاملا وفتكا، بحسب التقرير. 

ومع ظهور الصين كمنافس عسكري قوي للولايات المتحدة وتسارع وتيرة التحديث العسكري لديها بالإضافة إلى قدرة الصين على إخفاء جهودها العسكرية، يرى التقرير أن ذلك ربما يكون فاجأ القادة الأميركيين. 

 تجنب الحرب 

وفي ظل هذه البيئة، اعتبر التقرير أنه من المستحيل التنبؤ بدقة الموعد الذي يمكن فيه أن تحاول الصين غزو تايوان.

لكن وجود خلل عسكري كبير بين الصين وتايوان مع وجود الجانب الأقوى بكثير عازم على إخضاع الآخر للسيطرة السياسية يزيد من احتمالية نشوب الحرب.

وزير الدفاع التايواني تشيو كو تشنغ أشار في تصريحات لصحيفة تشاينا تايمز الصينية في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2021 إلى أن الصين ستكون مستعدة لشن غزو شامل على تايوان بحلول عام 2025، واصفا التوترات الحالية بأنها الأسوأ منذ 40 عاما.

وأضاف تشنغ: "الصين لديها القدرة الآن ولكنها ستكون مستعدة تماما لشن غزو في غضون ثلاث سنوات".

ربما تعتمد تايوان على حليفها الإستراتيجي الولايات المتحدة الأميركية إلا أن هناك من يرى أن واشنطن ستتجنب الدخول في حرب ضد الصين في الوقت الحالي. 

الجنرال الأميركي المتقاعد دانيال إل ديفيس طالب عبر مقال في صحيفة الغارديان البريطانية في 5 أكتوبر/تشرين الأول 2021 بتجنب الحرب مع الصين بشأن تايوان وعدم الانجرار وراء الاستفزازات الصينية. 

ورد ديفيس على تصريحات لنائبة وزير الدفاع الأميركي كاثلين هكيس قائلا: "إما أنها ليست على دراية بمدى ضآلة القدرة في زمن الحرب التي نشرناها بالفعل في المحيطين الهندي والهادئ أو أنها غير مدركة لمدى قدرة الصين على شواطئها، ولكن أيا كانت الحالة، فنحن لا نضمن بأي حال من الأحوال إخماد غزو الصينيين لتايوان".

وقالت هيكس في خطاب بمركز الدراسات الإستراتيجية في بداية أكتوبر/تشرين الأول: "لدينا قدر كبير من القدرة في المنطقة للحد من أي احتمال من هذا القبيل". 

وقال ديفيس إنه لا يوجد سيناريو منطقي يمكن أن تنتهي فيه الولايات المتحدة في مكان أفضل وأكثر أمانا بعد الحرب مع الصين. 

وأشار إلى أن أفضل ما يمكن أن تأمله الولايات المتحدة هو انتصار باهظ الثمن تشعر فيه بالثقل حيث تتكلف القوة الدفاعية الدائمة لتايوان مئات المليارات من الدولارات سنويا.

وأضاف: "ستكون النتيجة الأكثر ترجيحا هزيمة تقليدية لقواتنا تنجح فيها الصين في النهاية، على الرغم من تدخلنا على حساب أعداد كبيرة من طائراتنا التي يتم إسقاطها، وإغراق السفن، ومقتل الآلاف من أفرادنا".

كما ذهب ديفيس بعيدا وحذر من احتمال خروج الحرب التقليدية عن السيطرة لتتصاعد إلى تبادل نووي بين البلدين العظيمين.

لكن ديفيس رفض أن تتخذ الولايات المتحدة موقفا سلبيا من التحركات الصينية وتركها تدهس تايوان دون عقاب. 

وقال إن "الإجراء الأكثر فاعلية بالنسبة لواشنطن هو إدانة الصين بأشد العبارات الممكنة، وقيادة حركة عالمية وفرض عقوبات معوقة على بكين، وجعلها منبوذة دوليا".

وطالب الولايات المتحدة بالاستمرار في تبني الغموض الإستراتيجي وأن تنقل للقادة التايوانيين أنها لن تخوض حربا مع الصين، وهو ما يحفز تايبيه إلى حد كبير على اتخاذ خطوات سياسية والانخراط في أي مفاوضات ضرورية لضمان استمرار الوضع الراهن.