صراعات الغاز في المتوسط.. هل تتطور إلى حرب شعواء؟

أحمد يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تشابك الحدود البحرية في منطقة البحر المتوسط بين تركيا، ومصر، وإسرائيل، واليونان، وقبرص، ولبنان، أورث صراعا قويا بين تلك الدول في منطقة تموج بالثروات الطبيعية الهائلة، وتحتاج إلى الطاقة، كعامل أساسي في تحقيق التقدم الاقتصادي، والنهضة على جميع الأصعدة والمستويات، فهل يمكن أن تشهد المنطقة في المستقبل حربا شعواء بسبب صراع الغاز؟

حسب خبراء، فإن بقعة شرق البحر المتوسط ستكون من أهم مكامن الطاقة في العالم خلال السنوات المقبلة، ما جعلها محط أنظار القوى الإقليمية، والعالمية، حتى شبهها البعض بمنطقة الخليج العربي في بداية السبعينيات من القرن الماضي.

"كما لقنا الإرهابيين في سوريا درسا، فإننا لن نترك المجال للعصابات التي تسرح في البحار"، تحذير شديد اللهجة أطلقه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تعقيبا على محاولات التنقيب والبحث عن الغاز قبالة سواحل قبرص التركية.

أردوغان أضاف في تصريحه 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 "إن بلاده لن تقبل بالمحاولات الرامية إلى إقصاء تركيا وجمهورية شمال قبرص التركية وسلب الموارد الطبيعية المتوفرة شرق المتوسط".

تهديد ووعيد

تهديد ووعيد تركيا، سبق تحذيرات أطلقتها وزارة الخارجية المصرية في بيان 4 مايو/ آيار 2019، قالت فيه: "إنها تتابع باهتمام وقلق التطورات الجارية حول ما أُعلن بشأن نوايا تركيا البدء في أنشطة حفر في منطقة بحرية تقع غرب جمهورية قبرص".

جاء ذلك بعدما أعلنت تركيا في 3 مايو/ آيار 2019، وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو:  "إن السفن التركية ستجري عمليات حفر في البحر المتوسط حتى سبتمبر/ أيلول 2019 للتنقيب عن الغاز واستخراجه".

وتشهد العلاقات المصرية التركية أزمات سياسية منذ إطاحة الجيش المصري بالرئيس محمد مرسي على إثر الانقلاب العسكري في يوليو/تموز 2013، وهو الحدث الذي رفضته تركيا، واتخذت موقفا مناهضا لعبد الفتاح السيسي وزير الدفاع الذي قاد عملية الانقلاب.

خارطة الصراع

في يونيو/ حزيران 2014، أعادت مصر ترسيم الحدود البحرية بينها وبين قبرص في منطقة شرق المتوسط، بعد ظهور اكتشافات جديدة للغاز في منطقة المياه الاقتصادية بين البلدين.

وفي ظل الاختلافات السياسية، والتجاذبات القائمة بين حكومات تلك البلدان، أقدمت إسرائيل، ومن ورائها قبرص على استغلال حقول الغاز المكتشفة حديثا في منطقة شرق المتوسط، وبسطتا نفوذهما على بعض تلك الحقول.

ومن ناحية أخرى جاء التحالف (المصري – القبرصي – اليوناني)، مهددا لمصالح تركيا في تلك المنطقة، ولم تدخل أنقرة بشكل رسمي في مجال إنتاج النفط والغاز، ولكنها تستهدف أن تتحول إلى مركز عالمي للطاقة مستقبلا، وتحديدا أن تصبح محور ارتكاز لنقل الطاقة من روسيا، وكازاخستان، إلى أوروبا عبر مشروع "السيل التركي".

مزيد من التوتر تشهده العلاقات بين تركيا ومصر، فالقاهرة حذرت على لسان سامح شكري وزير الخارجية، من المساس بالمصالح السيادية المصرية، بالاستناد إلى اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص عام 2013.

التحذير قابلته الخارجية التركية بالاعتراض عبر تصريح وزير خارجيتها مولود تشاووش أوغلو في فبراير/ شباط 2017 ، الذي أبدى رفضه للاتفاقية، مؤكدا أنها لا تحمل صفة قانونية، وأن لبلاده الحق في البحث والتنقيب عن مصادر الطاقة في المنطقة البحرية.

وعلى الجانب الآخر في 19 فبراير/شباط 2018، وقعت شركة (ديليك) الإسرائيلية، مالكة حقلي الغاز (لفياتان) و(تامار) اتفاقية وصفتها وسائل الإعلام الإسرائيلية بالتاريخية، مع شركة (دولفينوس) المصرية، لتوفير الغاز الطبيعي من إسرائيل لمصر بقيمة 15 مليار دولار، لمدة 10 سنوات.

إشكاليات الترسيم

في فبراير/شباط 2018، تصاعدت التوترات بين تركيا وقبرص حول استخراج الأخيرة الغاز الطبيعي من المياه الإقليمية، واتهمت قبرص الجيش التركي بمنع منصة حفر تعاقدت عليها شركة "إيني" الإيطالية من الاقتراب من منطقة للتنقيب عن الغاز الطبيعي.

وقال ناطق باسم "إيني"، إن "سفينة الحفر سايبم 12000 كانت في طريقها إلى منطقة الاستكشاف رقم "3" التي يقع بها حقل "سوبيا" للغاز جنوب شرقي الجزيرة القبرصية عندما أوقفتها السفن الحربية التركية، وطلبت منها عدم مواصلة رحلتها بسبب الأنشطة العسكرية في المنطقة التي تقصدها.

أنقرة قالت إن مناطق معينة في المنطقة البحرية قبالة قبرص تقع ضمن المنطقة السيادية لها أو للقبارصة الأتراك، مؤكدة أن عمليات التنقيب عن الغاز الطبيعي واستخراجه وتصديره من قبل قبرص، وبدعم من أثينا، أمر خطر.

وجاء الرد المصري على لسان وزير خارجيتها سامح شكري، عندما وجه تحذيرا لأنقرة من محاولة المساس بالسيادة المصرية في ما يتعلق بالمنطقة الاقتصادية الخاصة بها في شرق المتوسط، مؤكدة أن تلك محاولة مرفوضة سيتم التصدي لها.

مناورات عسكرية

في ظل العلاقات السياسية المتوترة بين القاهرة وأنقرة، استغلت مصر الخلافات بين تركيا من جانب، وقبرص واليونان من جانب وتحالفت معهما.

وكانت أبرز مظاهر ذلك التحالف ما كان في ديسمبر/كانون الأول 2017،  حيث اتفق وزراء دفاع الدول الثلاث على تأسيس آلية للتعاون العسكري بينهم، وزيادة التدريبات المشتركة في مجالات الدفاع ونقل وتبادل الخبرات العسكرية، ليدشنوا مرحلة جديدة من التعاون ضد تركيا.

وفي 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، شهد رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسى والرئيس القبرصى نيكوس أناستاسيادس ورئيس وزراء اليونان أليكسيس تسيبراس، توقيع اتفاقية تعاون ثلاثى بمقر الرئاسة القبرصية.

وكانت أعمال القمة الثلاثية فى العاصمة القبرصية نيقوسيا بدأت، فى إطار عملية التعاون الثلاثى بين حكومات تلك الدول، والتى انطلقت فى القاهرة نوفمبر/تشرين الثاني 2014.

وبحثت القمة سبل دعم وتعميق العلاقات، وتفعيل إطار التعاون القائم، بالإضافة إلى تعزيز التشاور السياسي بين الدول الثلاث حول كيفية التصدي للتحديات التي تواجه منطقتى الشرق الأوسط والبحر المتوسط.

وفي 15 ديسمبر/كانون الأول 2017، اتفق وزراء دفاع مصر وقبرص واليونان، الجمعة، على تعزيز التعاون العسكري وزيادة التدريبات المشتركة.

خبراء ومراقبون شككوا في الأسباب الرسمية المعلنة لانعقاد القمة الثلاثية المتكررة بين مصر وقبرص واليونان خلال السنوات الثلاث الأخيرة، مؤكدين أن الحكام الثلاثة لا تحركهم مصلحة أوطانهم أو شعوبهم، وإنما مصالح ضمان بقائهم أكبر فترة ممكنة في السلطة.

وكيل وزارة الخارجية المصرية الأسبق السفير إبراهيم يسري، أكد أن هذه القمم هي عبارة عن تحالف مصري مع أفقر بلدين بالاتحاد الأوروبي، مشيرا إلى أن هذا التحالف خطر على مصر، وهدفه تسهيل سرقة حقوق الشعب المصري في غاز البحر المتوسط لصالح إسرائيل.

وفي بيان 4 نوفمبر/ تشرين ثاني 2018، قالت وزارة الخارجية التركية: إن "معاهدة باريس للسلام عام 1947، تنص على حظر كل أنواع التدريبات العسكرية في رودوس، التي تخلت عنها إيطاليا لصالح اليونان بشرط نزع السلاح منها"، ثم أكدت: "أبلغنا تحذيراتنا بخصوص المناورات المذكورة إلى السفارة اليونانية بأنقرة، وتم التذكير بضرورة الابتعاد عن الأنشطة الأحادية الجانب التي تزيد من حدة التوتر في بحر إيجة".

وتابعت الخارجية التركية: "نشدد على توقعاتنا حول ابتعاد جارتنا اليونان عن القيام بأنشطة معادية ومخالفة للقوانين الدولية، وندعو الأطراف الثلاثة إلى عدم المشاركة في هذه الخروقات اليونانية".

ولاشك أن الدول الثلاث تعمل ضد المصالح، والوجود التركي في منطقة البحر المتوسط، وذلك لغايات سياسية خاصة تتعلق بحكومات تلك الدول كل حكومة على حدة.

وفي 15 أبريل/ نيسان 2019، انطلقت فعاليات المناورات المشتركة بين القوات المسلحة المصرية، واليونانية، والقبرصية، المعروفة بـ "ميدوزا 8"، واستمرت التدريبات، التي تتم في منطقة البحر المتوسط، لعدة أيام، بمشاركة حاملة المروحيات المصرية من طراز "ميسترال"، وقطع بحرية وغواصات، وعدد من الطائرات المقاتلة، من البلدان الثلاث.

الوطن الأزرق

الرد التركي على هذه التحركات جاء في 27 فبراير/ شباط 2019، فللمرة الأولى في تاريخ الجمهورية التركية الحديثة تنطلق أضخم مناورات عسكرية تحت اسم "الوطن الأزرق 2019"، ممتدة في البحار الثلاثة التي تحيط بتركيا، البحر الأسود وإيجه والمتوسط.

المناورات التي أدرجت على أجندة هيئة الأركان التركية، جاءت أهميتها من حيث التوقيت، في كونها، أعقبت إرسال أنقرة سفينة تنقيب عن النفط في منطقة شرق المتوسط، محمية بقطع عسكرية، منعا من محاولات الهيمنة اليونانية والقبرصية والمصرية على الحوض الغني بالغاز الطبيعي، ومصادر الطاقة.

وتشارك في المناورات 103 سفينة، بالإضافة إلى وحدات من القوات البرية والبحرية التركية، بهدف رفع الجاهزية القتالية للوحدات المشاركة من السفن والطائرات التابعة لقيادة القوات البحرية، وتشرف القيادة المركزية للحرب البحرية التركية عليها.

وفي المؤتمر الافتتاحي للمناورات، أعلن رئيس العمليات البحرية، العميد البحري يانكي باغجي أوغلو، مشاركة 103 سفن مختلفة، في المناورات، وأوضح أن الهدف من المناورات هو زيادة مستوى استعداد وقدرات القوات البحرية، والمركبات والسفن التابعة لها.

ولفت إلى مشاركة 13 فرقاطة و6 سفن كورفيت و16 هجومية، و7 غواصات، و7 كاسحة للألغام، و17 سفينة إمدادات، و14 سفينة خفر السواحل، إلى جانب طائرات دورية بحرية، ومروحيات بحرية.

وأضاف رئيس العمليات البحرية أن المناورات تتضمن تدريبات واستعدادات للعمليات البحرية العسكرية، لاسيما سيناريوهات الدفاع الجوي بحرا وآخر عبر الغواصات، وسيناريوهات الأزمة والحرب، وسيناريوهات الحرب الإلكترونية والألغام، وعمليات المراقبة البحرية، وإطلاق النار الفعلي لأهداف متحركة عالية السرعة، وغيرها.

الإجراءات التركية

في 12 فبراير/شباط 2018، منعت الجمهورية التركية، أعمال حفر تعاقدت عليها قبرص مع شركة "إيني" الإيطالية مما سلط الضوء على التوترات بشأن الثروات البحرية في شرق البحر المتوسط التي تقدر قيمتها بمئات المليارات من الدولارات.

وفي ذلك الإطار وفي 14 فبراير/شباط 2018، صعّد أردوغان من لهجته المحذرة لدول وشركات من التنقيب عن الغاز في المنطقة البحرية الواقعة قبالة سواحل قبرص، ناصحا هذه الشركات الأجنبية بألا تكون أداة في أعمال تتجاوز حدودها وقوتها من خلال ثقتها بالجانب اليوناني.

أردوغان قال: "نحذر من يتجاوزون حدودهم في بحر إيجة (في إشارة إلى اليونان) وقبرص ويقومون بحسابات خاطئة مستغلين تركيزنا على التطورات عند حدودنا الجنوبية، إن حقوقنا في الدفاع عن الأمن القومي في عفرين هي نفسها في بحر إيجة وقبرص".

في ذات اليوم، أعلن وزير خارجيته مولود تشاووش أوغلو، رفض تركيا اتفاقية قبرص ومصر 2013 الخاصة بترسيم الحدود البحرية بين البلدين، قائلا في حديث صحفي إن بلاده "تخطط للبدء في أعمال تنقيب عن النفط والغاز شرق المتوسط في المستقبل القريب، وإن التنقيب عن هذه المصادر وإجراء دراسات عليها يعد حقا سياديا لتركيا" .

وأمام هذه المعطيات هددت تركيا بشكل متكرر على الأقل بأن أي إجراء أحادي من قبل قبرص اليونانية يتجاهل الحقوق التركية، أو حقوق قبرص التركية، سيقابل برد مناسب يضمن حقوق ومصالح تركيا.

لكن مع مرور الوقت واستمرار تجاهل التحذيرات التركية، هل ستصبح أنقرة أكثر حزما في التعبير عن شكل الإجراءات التي ستتخذها وتضمن حقوقها ومصالحها في المتوسط؟