لماذا تراجعت مصر وإندونيسيا عن صفقة المقاتلات الصينية؟

منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في السابع من مايو/أيار 2025 أثير جدل كبير بعد الحديث عن سقوط مقاتلات رافال الفرنسية في مقابل صمود الطائرة الصينية J-10C وعودتها من اشتباك شرس دون أي ضرر.

فقد اندلعت مواجهة جوية شرسة بين سلاحي الجو الهندي والباكستاني خلال مواجهة لعدة أيام بين الطرفين، وقد أثارت هذه المعركة الجدل مع الأنباء عن إسقاط ثلاث مقاتلات هندية من طراز رافال.

ورغم تضارب الآراء حول صحة هذه المعلومات، يرى موقع "سوهو" الصيني أن مجرد تداولها كان كفيلا بإثارة ضجة واسعة.

وأشار إلى أن هذه الطائرة الصينية أصبحت محط أنظار العالم، وبات يُنظر إليها كنجم صاعد في عالم القتال الجوي، بصفتها قادرة على مواجهة 3 طائرات بمفردها. وهو مشهد قال الموقع إنه "بدا كأنه يهدد الأسطورة القتالية التي ارتبطت بمقاتلة رافال الفرنسية".

ومع انتشار الأنباء عن تفوق المقاتلة J-10C، تحركت أنظار المشترين المحتملين، وفي مقدمتهم إندونيسيا ومصر، نحو اقتناء هذه الطائرة.

ورغم تعدد التسريبات الإعلامية حول اقتراب البلدين من شراء المقاتلة، قررت جاكرتا والقاهرة في نهاية المطاف العدول عن إتمام الصفقة.

وتساءل الموقع الصيني عما إذا كان القرار جاء نتيجة ضغوط غربية، أم أن مرده تقديرات فنية وتفصيلية خاصة بالطائرة؟

ورقة تفاوض 

وتناقلت وسائل إعلام إندونيسية نهاية مايو 2025، تقارير تفيد بأن "الحكومة تفكر في إجراء تعديل واسع في إستراتيجياتها التسليحية، يشمل احتمال استيراد 42 مقاتلة صينية من طراز J-10، وكذلك إعادة فتح باب التفاوض مع روسيا بشأن مقاتلات سو-35".

وتابع: "مطلع يونيو/ حزيران 2025، صرح نائب وزير الدفاع الإندونيسي علنا بأن بلاده تقيم جدوى شراء J-10". وأكد أن "الكلفة الاقتصادية المناسبة والأداء القتالي المثبت يمثلان أبرز عوامل حسم القرار".

وعقب الموقع قائلا: "أدت تلك التقارير إلى سريان اعتقاد شبه راسخ لدى المراقبين أن إندونيسيا في طريقها لمنح الصين عقدا إستراتيجيا، والابتعاد عن الغرب". ثم استدرك بالقول: "لكن الأحداث سرعان ما أخذت مسارا مختلفا".

ففي 12 أغسطس/ آب 2025، خرجت من أحد مصانع شركة داسو الفرنسية طائرة رافال ثنائية المقعد من طراز B، تحمل الرقم التسلسلي T-0301، وقد طبع على هيكلها بوضوح شعار سلاح الجو الإندونيسي.

وأردف الموقع: "ظهر 4 طيارين إندونيسيين و12 فنيا وهم يلتقطون صورا تذكارية بحماس بجانب الطائرة الجديدة، التي يخضعون حاليا لتدريب مكثف عليها في فرنسا، استعدادا لنقلها إلى إندونيسيا في عام 2026".

وبهذه اللقطات الواقعية، يقول الموقع: إن "كل الشائعات السابقة تلاشت، فإندونيسيا كانت قد وقعت بالفعل عقدا رسميا مع فرنسا، في فبراير/ شباط 2022، لشراء 42 طائرة رافال، بقيمة تجاوزت 8 مليارات دولار".

ووجود هذا الاتفاق الموقع، يجعل من المستحيل عمليا أن "تتخلى إندونيسيا عن الصفقة لصالح إنجاز عسكري لم تثبت صحته بشكل مستقل".

وبالعودة إلى الوراء يعتقد كذلك أن "إبداء إندونيسيا اهتماما بمقاتلات J-10 لم يكن جادا بقدر ما كان ورقة ضغط تفاوضية ذكية، هدفها ممارسة تأثير إعلامي وسياسي يساعد على تحسين شروط العقد مع فرنسا، سواء بخفض السعر أو الحصول على مزيد من الامتيازات في مجال نقل التكنولوجيا".

واستطرد: "اليوم، ومع توقيع جاكرتا عقودا جديدة تشمل شراء 48 مقاتلة KAAN من تركيا و24 مقاتلة إف 15 من الولايات المتحدة، فقد بات واضحا أن مستقبل سلاحها الجوي يتجه بقوة نحو المنظومات الغربية وحلف شمال الأطلسي".

وهو ما يعني -وفق الموقع- أنه "لم يعد هناك أي مجال أمام الطائرات الصينية J-10 أو الروسية سو-35 لدخول السوق الإندونيسية".

ثلاثة عوائق

وفي نسق مشابه لما جرى مع إندونيسيا، حدث ذات الأمر مع مصر. فقد أبدت القاهرة اهتماما كبيرا بالطائرة الصينية بعد أدائها اللافت في النزاع الهندي الباكستاني.

وأشار الموقع إلى أنها "وضعتها ضمن أولوياتها في خطط الشراء، ودخلت في مفاوضات متقدمة مع الصين لاقتناء 40 طائرة منها".

وتحدث عن أسباب الرغبة المصرية في تحديث الأسطول الجوي، لافتا إلى أن "القوات الجوية المصرية تعتمد حاليا على أسطول يضم أكثر من 200 طائرة إف 16 أميركية الصنع، معظمها من طرازات الثمانينيات التي باتت محدودة القدرات وقليلة الإمكانيات".

وأضاف أن "الطائرات التي زودت بها الولايات المتحدة مصر لا تحمل صواريخ جو-جو بعيدة المدى، مما يقلل من فعاليتها في القتال".

كما يعتقد أن "مصر تحركت تجاه الطائرات الصينية بدافع السعي لتنويع مصادر تسليحها، وعدم الاعتماد الكامل على الولايات المتحدة". ورإى أن "هذه الإستراتيجية مفهومة في ظل التغيرات الجيوسياسية في الشرق الأوسط".

في هذا السياق، كشفت تقارير، نشرت في سبتمبر/ أيلول 2024، أن مصر أبدت اهتماما بـ J-10C لتحل محل جزء من أسطول إف 16".

وذلك نظرا لـ "كونها طائرة تتميز بالمناورة العالية، والرادار المتقدم، وقدرتها على حمل صواريخ بي إل-15 بعيدة المدى والدقيقة، ما يجعلها مناسبة لمواجهة التهديدات في المجال الجوي بمنطقة الشرق الأوسط".

واستدرك الموقع: "وبينما كانت الصفقة تبدو على وشك الاكتمال، جاء التحول المفاجئ، ففي 9 أغسطس 2025، أفاد موقع الدفاع العربي بأن مصر قررت في نهاية المطاف التراجع عنها".

ونفى أن يكون السبب متعلقا بوجود شكوك في أداء المقاتلة الجوية، وعزا الأمر إلى 3 عقبات ضخمة قال: إنها "من الصعب تجاوزها".

العقبة الأولى، هي "الكلفة الباهظة"، موضحا أن "صفقة شراء 40 طائرة من طراز J-10C من دون احتساب نفقات التدريب والذخائر والبنية اللوجستية المصاحبة، كانت ستصل إلى نحو 8 مليارات دولار".

وبالنسبة لدولة تبلغ ميزانيتها الدفاعية السنوية حوالي 4.5 مليارات دولار، يعادل هذا المبلغ ميزانية عامين تقريبا ما "يشكل ضغطا ماليا هائلا".

وأضاف الموقع: "علاوة على ذلك، ولضمان الاستفادة الكاملة من قدرات الطائرة، كان يتعين على مصر استيراد أنظمة صينية إضافية مثل طائرات الإنذار المبكر وأنظمة الدفاع الجوي لتكوين منظومة قتالية متكاملة، وهو ما يرفع التكلفة إلى أرقام فلكية لا تستطيع مصر تحملها".

وتكمن العقبة الثانية بـ "عدم التوافق"، على تقدير أن "سلاح الجو المصري يُعرف عنه أنه بمثابة متحف دولي يضم طائرات أميركية وفرنسية وروسية".

وأوضح أن "لكل منظومة قواعدها اللوجستية الخاصة وتدريبها وذخيرتها الخاصة بها". وبالتالي، فإن إضافة منظومة صينية جديدة من شأنه أن "يزيد من تعقيد المشهد ويثقل كاهل البنية التشغيلية، في وقت تسعى فيه الجيوش الحديثة إلى أعلى درجات التكامل والتجانس".

وذكر أنه "في عصر الحروب الحديثة التي تعتمد على التكامل العالي بين الأنظمة، يصبح التنوع المفرط في العتاد عائقا حقيقيا يحد من الكفاءة القتالية".

أما السبب الثالث لرفض القاهرة شراء الطائرة الصينية، فقد كشفه موقع "الدفاع العربي" في يوليو/ تموز 2025.

وذكر أن "تقييما أجرته القوات الجوية المصرية أظهر وجود ثغرات في نظام الاتصالات الخاص بالطائرة الصينية، ما قد يؤدي إلى تسريب بيانات حساسة أو تعرضها للتشويش أثناء العمليات القتالية".

وتابع الموقع: "رغم أن الصين عرضت معالجة الأمر عبر تحديثات برمجية، فإن التكلفة المرتفعة والمخاطر المرتبطة بها دفعت مصر للتراجع نهائيا عن الصفقة".

سيناريو متكرر

ويعتقد الموقع أنه "رغم منطقية مبررات مصر لرفض صفقة J-10C، فإنه عند التمعن في الأسباب، يتضح أن وراء القرار ما هو أكثر من مجرد مخاوف تقنية، فمصر ليست جديدة على مثل هذه السيناريوهات".

وقال: "ففي عام 2018 وقعت القاهرة عقدا لشراء 26 مقاتلة سوخوي-35 الروسية، وهي طائرة ثقيلة متطورة كان من شأنها أن تشكل إضافة نوعية لقوة مصر الجوية".

غير أن الولايات المتحدة تدخلت سريعا، ولوحت باستخدام قانون "مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات CAATSA"، الذي يفرض عقوبات على الدول المتعاملة مع السلاح الروسي.

"ومع التهديد بوقف المساعدات الاقتصادية والعسكرية، لم تصمد مصر طويلا واضطرت عام 2022 إلى إلغاء الصفقة".

وأوضح أن "الطائرات التي صُنعت بالفعل لمصر انتهى بها المطاف إلى إيران، فيما تكبدت القاهرة غرامات جزائية، واضطرت لتعويض النقص بشراء مقاتلات رافال الفرنسية بأسعار مرتفعة وصيانة معقدة".

ويرى "سوهو" أن "موقف مصر مع مقاتلة J-10C الصينية مشابه تماما لما حدث مع  سوخوي-35".

فقد أشارت مواقع روسية إلى أن "رفض مصر للصفقة لا يعود إلى اكتشاف ثغرات في الطائرة كما زُعم، بل إلى ضغوط أميركية جديدة".

وأردف: "فمنذ عام 2019، تراقب الولايات المتحدة مشتريات مصر العسكرية عن كثب، خشية أن يؤدي تعزيز قدرات القاهرة الجوية إلى اختلال التوازن في الشرق الأوسط، خصوصا لصالح إسرائيل".

واستطرد: "فالقوات الجوية الإسرائيلية تسيطر على سماء المنطقة بأساطيلها من مقاتلات إف 25 وإف 15، ولا ترغب واشنطن في أن تقتني مصر مقاتلات صينية متطورة مثل J-10C".

وعزا ذلك إلى "خشية الولايات المتحدة وإسرائيل من أن تجهز مصر J-10C بصواريخ طويلة المدى، الأمر الذي قد يشكل تهديدا مباشرا للقواعد الأميركية في المنطقة وللتفوق الجوي الإسرائيلي".

"لذلك، وجهت واشنطن تحذيرات دبلوماسية للقاهرة، مفادها أن اقتناء أسلحة صينية سيؤدي إلى قطع المساعدات العسكرية الأميركية التي تبلغ قيمتها 1.3 مليار دولار سنويا والمشروطة بالامتثال لسياسات الولايات المتحدة" 

الصفقة البديلة

ووصف الموقع الصيني الواقع المصري بالقول: إن "القاهرة تواجه موقفا محرجا، فهي تسعى، كقوة إقليمية عربية، إلى تحديث قواتها الجوية لتعزيز نفوذها، لكنها تواجه قيودا أميركية صارمة".

وتابع: "في الوقت ذاته، لا تقدم الولايات المتحدة لمصر سوى مقاتلات إف 16 بإصدارات محدودة القدرات، دون نقل التكنولوجيا الأساسية، مع إمكانية قطع الإمدادات في أي لحظة".

ولحل هذه المعضلة، يقول إن القاهرة لجأت إلى فرنسا، فاشترت 24 طائرة رافال عام 2015، ثم أضافت 30 أخرى في 2021.

واستدرك: "لكن التكلفة العالية وعدم التوافق الكامل مع المنظومات الحالية جعلت الصفقة غير مثالية".

أما حلم اقتناء إف 35 فقد وافقت عليه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لكن إدارة سابقه جو بايدن أوقفته لاحقا بذريعة انتهاكات حقوق الإنسان.

وهو ما دفع مصر إلى البحث عن بدائل لدى الصين وروسيا، لكنها اصطدمت مجددا بجدار الضغوط الأميركية.

مع ذلك، أشار الموقع إلى "تقارير ظهرت، في 9 أغسطس 2025، أفادت أن مصر قررت صرف النظر عن J-10C، وستشتري، بدلا من ذلك، طائرات مسيرة صينية من طراز WJ-700 بقيمة 400 مليون دولار".

هذه الطائرات المسيرة "تجمع بين مهام الاستطلاع والهجوم، وتعد خيارا اقتصاديا ومتقدمة تقنيا، وأقل حساسية من الناحية السياسية، لكنها لا ترقى إلى مستوى المقاتلات، وتسد فقط بعض الفجوات في الدفاع الجوي".

ويرى الموقع أن "ما يحدث هو انعكاس واضح لصراع القوى الكبرى"، لافتا إلى أن "الإستراتيجية الأميركية بالشرق الأوسط تقوم على التحكم في تدفقات السلاح، بحيث تبقى الجيوش العربية معتمدة على المنظومات الغربية، لكن دون امتلاك أحدث القدرات التي قد تمثل تهديدا لإسرائيل أو لمصالح واشنطن".

في المقابل، أشاد بإسلام آباد قائلا: "النموذج الباكستاني يقدم مثالا معاكسا، حيث نسجت إسلام آباد تعاونا عميقا مع الصين، وحصلت على مقاتلات J-10CJ وJF-17، وحتى خطوط إنتاج محلية، لتتفادى الضغوط الغربية".

وأردف: "في الصدام الأخير مع الهند، منعت واشنطن باكستان من استخدام مقاتلاتها إف 16 لكن J-10C ملأت الفراغ وأسقطت طائرة ميغ-21 هندية".

واستطرد: "إذا كان هذا هو موقف أميركا مع الهند، فإن موقفها سيكون أكثر حزما مع إسرائيل".

واختتم قائلا: "إذا لم تتوحد الدول العربية في مواجهة الضغوط، فستظل عاجزة عن امتلاك قوة ردع حقيقية، وسيبقى التفوق الإسرائيلي قائما على ضعف الآخرين، لا على قوته الذاتية".