ممر زينغزور ينعش اقتصاد القوقاز والصين وأوروبا ويضر روسيا وإيران.. كيف؟

منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

عاد ممر زنغزور إلى الواجهة بعد استضافة الرئيس الأميركي دونالد ترامب قمة بين أرمينيا وأذربيجان أسفرت عن اتفاق سلام شامل، في 8 أغسطس/آب 2025.

وكان لافتا أن الاتفاق تضمن تطوير هذا المشروع الإستراتيجي بإشراف واشنطن ومنح حقوق حصرية للشركات الأميركية لمدة 99 عاما، ما أثار حفيظة إيران.

وكشف موقع "الدبلوماسية الإيرانية" عن أبعاد جيوسياسية واقتصادية متشابكة لمشروع ممر زنغزور، الذي تقترحه الولايات المتحدة ليمتد عبر محافظة سيونيك جنوب أرمينيا بطول 43 كيلومترا.

وأشار الموقع الفارسي خلال تقرير له إلى أن هذه المبادرة ليست مجرد خطة عمرانية، بل رهان إستراتيجي قد يعيد رسم خريطة الطاقة والنفوذ في أوراسيا.

إذ تسعى واشنطن من خلال هذا الممر إلى تنويع مصادر الطاقة الأوروبية بعيدا عن الهيمنة الروسية، والحد من النفوذ المتنامي لكل من موسكو وبكين وطهران في جنوب القوقاز، مستغلة ما يسميه التقرير بـ "الفراغ النادر في ميزان القوى"، بعد تراجع دور روسيا عقب حرب قره باغ عام 2023.

ويبرز الموقع أن المشروع يحمل وعودا اقتصادية هائلة قد تصل قيمتها إلى مئات المليارات من الدولارات في التجارة والطاقة واللوجستيات، مع مكاسب متوقعة لأذربيجان وتركيا والصين وأوروبا، مقابل خسائر فادحة لروسيا وإيران اللتين قد تفقدان جزءا كبيرا من مكانتهما كطرق عبور إقليمية.

لكن في المقابل، يوضح أن المبادرة تواجه عقبات سياسية وسيادية معقدة، خاصة اعتراض أرمينيا على أي تنازل عن سيادتها، الأمر الذي يجعل الممر اختبارا لقدرة الولايات المتحدة على ابتكار حلول دبلوماسية خلاقة في نظام عالمي متعدد الأقطاب.

لعبة خطرة

ويرى أن الولايات المتحدة، بمقترحها الطموح لإنشاء ممر زنغزور، دفعت بنفسها إلى قلب لعبة سياسية واقتصادية محفوفة بالمخاطر قد تعيد رسم خريطة الطاقة في أوراسيا.

وبحسب موقع "الدبلوماسية الإيرانية"، تهدف واشنطن من خلال هذا المشروع إلى "كسر الجمود القائم منذ عقود في هذه المنطقة".

إضافة إلى "تنويع مصادر الطاقة الأوروبية بعيدا عن الهيمنة الروسية، والتصدي لتنامي نفوذ موسكو وبكين وطهران في هذه المنطقة الحساسة".

ووفقا للموقع، يُنظر إلى هذه المبادرة كجزء من إستراتيجية أوسع تستغل الفراغ النادر في ميزان القوى بجنوب القوقاز؛ حيث كانت روسيا صاحبة النفوذ التقليدي.

لكن روسيا فقدت الكثير من مكانتها عقب إخفاقها في دعم أرمينيا خلال هجوم أذربيجان الحاسم على قره باغ في سبتمبر/ أيلول 2023.

وأضاف: "لقد تلقت مصداقية روسيا كضامن للأمن الإقليمي ضربة قاصمة، فرغم وجود قوات حفظ سلام روسية بموجب اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، لم تتدخل موسكو عندما استعادت أذربيجان السيطرة على الإقليم وشردت قسرا 100 ألف أرمني يعيشون في المنطقة".

هذا الموقف -بحسب الموقع- "أثار غضبا في يريفان؛ حيث عُدَّ خيانة، ما أدى إلى انهيار الثقة في الضمانات الأمنية الروسية، ودفع أرمينيا إلى التقارب مع الغرب".

وأشار إلى أن نتائج هذا التحول الإستراتيجي "كانت سريعة وملموسة؛ إذ صدق البرلمان الأرميني في أبريل/ نيسان 2025 على قانون الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، كما أُقرت الشراكة الإستراتيجية مع الولايات المتحدة رسميا".

وعلق جيمس أوبراين، نائب وزير مكتب الشؤون الأوروبية والأوراسية بوزارة الخارجية الأميركية، قائلا: "مستقبل تقوده روسيا وإيران سيكون غير مستقر وغير مرغوب فيه لكل من أرمينيا وأذربيجان والمنطقة بأسرها".

ويرى الموقع أن "هذا التقارب مع الغرب فتح نافذة غير مسبوقة أمام الولايات المتحدة لتعزيز نفوذها في المنطقة".

فقد تقلصت الواردات الروسية إلى المنطقة، التي كانت تُمثل حتى عام 2022 ما بين 20 إلى 30 بالمئة من تجارة المنطقة، تحت ضغط العقوبات.

وفي هذا السياق، طرح لويس بونو، كبير مسؤولي مكتب الشؤون الأوروبية والأوراسية التابع للخارجية الأميركية، خططا للإشراف الدولي على الممر، مستشهدا بنماذج مثل قناة بنما ومعابر برلين خلال الحرب الباردة.

حل مبتكر

وذكر الموقع أن ممر زنغزور "يتمتع بإمكانيات اقتصادية هائلة قد تتفوق على التقديرات السياسية والأمنية".

فوفقا لإحصائيات البنك الدولي، يمكن أن تصل قيمة التجارة السنوية عبره إلى ما بين 50 إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2027، بفضل تحسينات كبيرة في البنية التحتية. 

وتشير بيانات وكالة بلومبيرغ الأميركية لشهر مايو/ أيار 2025 إلى أن هذا الممر سيقلص زمن الشحن بين أوروبا وآسيا بنحو 15 يوما.

بينما توقعت مؤسسة "أوكسفورد إيكونوميكس" توفيرا سنويا في تكاليف اللوجستيات يصل إلى 30 مليار دولار. 

في الوقت ذاته، قدر مركز سياسات بحر قزوين تكلفة المشروع بين 3 إلى 5 مليارات دولار خلال فترة تتراوح بين 5 إلى 10 سنوات.

بالنسبة لأذربيجان، تتوقع مراكز التحليل الاقتصادية أن ترتفع صادراتها السنوية بأكثر من 700 مليون دولار، مع نمو الناتج المحلي غير النفطي بنسبة 2 بالمئة سنويا.

ولفت الموقع الفارسي إلى أن "تدفق الطاقة عبر الممر يشكل عنصرا حيويا لهذا المشروع".

فقد صدرت أذربيجان 12 مليار متر مكعب من الغاز إلى أوروبا عبر الممر الجنوبي في عام 2023، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 20 مليار متر مكعب بحلول 2027، كما زادت كازاخستان من صادراتها النفطية عبر أذربيجان. 

بالتزامن مع ذلك، أكدت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها لعام 2025 أن أوروبا بحاجة إلى 20 مليار متر مكعب إضافية من الغاز غير الروسي بحلول عام 2030.

فيما قد يؤدي تطبيع العلاقات بين أرمينيا وتركيا إلى تعزيز الوصول إلى احتياطيات بحر قزوين، وتقليل تكاليف استيراد شركات كبرى مثل “بي بي” (مشغل حقل كلير النفطيّ وهو أكبر مورد هيدروكربوني في المملكة المتحدة) بما يصل إلى 15 بالمئة". وفق الموقع.

وبحسب تقديره "يكمن التحدي الرئيس لتنفيذ هذه المشروع، في تضارب المواقف بين أذربيجان وأرمينيا؛ إذ تطالب باكو بممر حر كجزء من مكاسبها العسكرية، بينما ترفض يريفان التنازل عن سيادتها على هذا الشريط الحيوي".

"هنا يبرز المقترح الأميركي القائم على فكرة الإيجار كنموذج مبتكر يسمح لباكو بضمان أمنها مع إبقاء السيادة الرسمية بيد يريفان، على غرار التجربة الأميركية في إدارة قناة بنما سابقا". وفق ما أورده الموقع.

مع ذلك، انتقد هذا الطرح بسبب "شبهات استعمارية أميركية، واحتمال إثارة ردود فعل سلبية على المدى الطويل".

وذكر أنه "رغم تحقيق تقدم في مفاوضات السلام في مارس/ آذار 2025 بشأن الاعتراف المتبادل بالحدود ومنع اللجوء للقوة العسكرية، فإن القضايا المتعلقة بضمانات النقل والوصول إلى المناطق المغلقة لا تزال عالقة، وهي نقطة يمكن أن تلعب فيها المبادرة الأميركية دورا حاسما".

تغيير جذري

ويعتقد الموقع أن "نجاح المشروع قد يغير توازن القوى في المنطقة بشكل جذري"؛ إذ تشير البيانات إلى أن "إيران مهددة بفقدان 20 إلى 30 بالمئة من دورها كطريق عبور إقليمي، الذي يشمل مرور 43 ألف شاحنة تركية سنويا".

"أما روسيا، فهي مهددة بخسارة إيرادات تصل إلى 10-20 مليار دولار، وفقدان 10-15 بالمئة من نفوذها في سوق الطاقة الأوروبي".

وتابع الموقع: "الصين من جانبها ترى في الممر فرصة لتوفير ما بين 20 و30 مليار دولار في إطار مبادرة الحزام والطريق حتى عام 2030، لكنها مطالبة بالموازنة بين الاستفادة من هذا المسار الجديد والحفاظ على هيمنتها على ممرات بديلة".

من جهتها، يمكن أن تصبح تركيا مركزا إقليميا جديدا للطاقة، محققة إيرادات ترانزيت سنوية تصل إلى 15 مليار دولار بحلول 2030. وفق الموقع الصيني.

بدورها، لم تقف شركات الطاقة العملاقة مكتوفة الأيدي؛ فشركة النفط والغاز الأذربيجانية سوكار توسع قدرات خطوط الأنابيب، وأدنوك (الإماراتية) تستكشف مشاريع الهيدروجين، بينما تخطط بي بي وشيفرون (أميركية متعددة الجنسيات) لزيادة استثمارات بقيمة 5 إلى 10 مليارات دولار"

ومع ذلك، لفت الموقع إلى أن "العوائق السياسية قد تؤدي إلى زيادة التكاليف بنسبة 20 بالمئة، كما أن العراقيل التنظيمية قد تضعف من جدوى الاستثمارات المتوقعة".

وأشار إلى أنه "إذا نجحت مفاوضات أنقرة مع الأكراد، فستكون تركيا مكملة لمشروع زنغزور، وستوفر أرضية لتنفيذ مشاريع بنية تحتية ضخمة"؛ إذ “تشير التوقعات إلى أن صادرات الولايات الشرقية لتركيا قد ترتفع من 160 إلى 500 مليون دولار سنويا، ما يعزز دوافع الاستمرار في الحوار الدبلوماسي رغم التحديات الداخلية”. 

ورغم الجاذبية الاقتصادية للمشروع، فقد حذر الموقع من وجود "مخاطر مرتفعة". وقال: "يقدر مراقبون احتمال توقف المفاوضات بنسبة 60 بالمئة، وتأجيل تنفيذ المشروع لما لا يقل عن 18 شهرا".

وأضاف: "تشير بيانات سوق لويدز للتأمين في يونيو/ حزيران 2025 إلى أن فشل المفاوضات قد يؤدي إلى تقلبات في أسعار السلع بنسبة تصل إلى 20 بالمئة، وارتفاع في تكاليف التأمين بنسبة مماثلة".

في الوقت ذاته، أشار الموقع إلى أن الحكومة الأرمينية من جانبها "رفضت بشكل قاطع أي حديث عن التأجير أو التنازل عن السيادة"؛ إذ أكدت الناطقة باسمها نازلي باغداساريان أن يريفان "لم ولن تتفاوض على نقل السيطرة على أراضيها إلى طرف ثالث". 

هذا الموقف "يعكس صعوبة مهمة الوسطاء الأميركيين، خاصة في ظل تقديرات مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، التي تمنح فرص نجاح الإشراف الدولي نسبة لا تتجاوز 40 إلى 50 بالمئة".

اختبار قدرات 

استنادا إلى تلك الحقائق، يرى الموقع الفارسي أن "ممر زنغزور ليس مجرد مشروع عمراني، بل أصبح اختبارا لقدرات الدبلوماسية الأميركية الإبداعية في عالم متعدد الأقطاب".

ورأى أن "نجاح المشروع قد يعكس قوة واشنطن في مواجهة منافسيها الإقليميين، مع تحقيق منافع اقتصادية ملموسة للحلفاء".

واستطرد: "أما الفشل، فقد يُنظر إليه كدليل على تراجع قدرة أميركا على تشكيل الاتجاهات الجيوسياسية الكبرى".

بالنسبة لأوروبا، أوضح الموقع أن الممر "يمثّل فرصة استثنائية لتنويع مصادر الطاقة، وتوفير ما يصل إلى 30 مليار دولار وتقليل الاعتماد على المزودين غير الليبراليين".

لهذا السبب، يعتقد أن "العديد من العواصم الأوروبية تدعم المشروع بهدوء، رغم تحفظها العلني بسبب الحساسيات السياسية المحيطة بالمشروع".

علاوة على ذلك، "يختبر هذا المشروع قدرة الحوافز الاقتصادية على تجاوز الجراح التاريخية".

وتابع موضحا أن "الحصول على 2.5 مليار دولار من مساعدات التنمية المقدمة من الاتحاد الأوروبي يمنح أرمينيا دافعا قويا للتوصل إلى تسوية، بشرط أن تعالج المخاوف المتعلقة بالسيادة بشكل مناسب".

وتوقع الموقع أنه "إذا مضت المبادرة بنجاح حتى عام 2027، فستكون قادرة على نقل 11 مليون طن من البضائع سنويا مع حجم تجارة سنوية يتراوح بين 20 إلى 50 مليار دولار".

غير أنه لفت إلى أن "هذه المكاسب مشروطة بقدرة الوسطاء على تهدئة مخاوف أرمينيا، وضمان توافق دولي مستمر".

وبناء عليه، أوصى الموقع "مديري الشركات بضرورة التعامل بحذر مع المبادرة الأميركية، عبر استثمار فرص الشراكة مع تركيا وأذربيجان، مع إبقاء خطط بديلة جاهزة في حال تعثر المشروع".

كما شدّد على أن "الانخراط النشط في المفاوضات التي ترعاها واشنطن قد يكون عاملا حاسما في إدارة المخاطر السيادية وضمان تحقيق المكاسب المرجوة".

واختتم قائلا: "يظل مشروع زنغزور تجسيدا لمنافسة محتدمة بين القوى الكبرى في النظام العالمي الجديد حيث يتوقف نجاحه على التوفيق بين الاعتبارات السيادية المشروعة والإمكانات الاقتصادية الهائلة للمنطقة".