"تراجع الوساطة".. ما حقيقة ضغوط واشنطن على مسقط لطرد الحوثيين من أراضيها؟

خبراء يمنيون أكدوا أن الأحداث في سوريا ستفضي إلى تراجع الوساطة العُمانية
في ظل تسارع الأحداث التي أدت إلى تراجع المحور الإيراني في الشرق الأوسط، تحدثت تسريبات إعلامية يمنية عن ضغوط أميركية تمارس على سلطنة عُمان من أجل طرد قيادات حوثية من أراضيها.
فبعد تدمير قدرات حزب الله في لبنان، وإسقاط نظام بشار الأسد في سوريا، يجرى الحديث عن زيادة الضغوط على مليشيا الحوثي، ليكتمل إضعاف إيران في المنطقة التي تدعم الأطراف السابقة إلى فصائل أخرى في العراق.
ومنذ اندلاع الأزمة اليمنية، وانقلاب مليشيا الحوثي على الشرعية في البلاد، وسيطرتها على العاصمة صنعاء عام 2014، تحافظ سلطنة عُمان على علاقات مع الحكومة من جهة، ومع الحوثيين من جهة أخرى، ولطالما لعبت دور الوساطة بينهما.
"طرد الحوثيين"
وفي تطورات جديدة عن ملف اليمن، نشرت وسائل إعلام محلية وصحفيون يمنيون تسريبات تحدثت عن نشوب أزمة بين الحوثيين وسلطنة عُمان، وأن الأخيرة بصدد طرد قيادات حوثية من أراضيها، وذلك بسبب ضغوطات خارجية تمارس عليها.
ونقل موقع "المشهد اليمني" في 15 ديسمبر/ كانون الأول 2024، عن مصادر لم يسمها ووصفها بالمطلعة أن "الحكومة العمانية قررت بشكل مفاجئ طرد الناطق الرسمي للحوثيين، محمد عبد السلام، وأعضاء وفد الجماعة في المفاوضات، نتيجة لضغوط أميركية ودولية".
وأشارت المصادر إلى أن "سلطنة عُمان أمهلت وفد الحوثيين مدة 72 ساعة (ثلاثة أيام) لمغادرة أراضيها"، مشيرة إلى اتصالات تجريها قيادة الجماعة في صنعاء مع الوفد العماني في محاولة لحث مسقط على التراجع عن القرار".
وفي السياق ذاته، كتب الصحفي اليمني، فارس الحميري، تدوينة على منصة "إكس" في 15 ديسمبر، أكد فيها أن "وفد وقيادات جماعة الحوثي في مسقط، مهددون بالطرد من أراضي السلطنة".
وبحسب معلومات الحميري، فإن "الإدارة الأميركية طلبت من سلطنة عُمان طرد وفد الحوثي المفاوض بقيادة محمد عبدالسلام، وجميع قيادات الجماعة الموجودة في أراضي السلطنة".
وتابع: "وفد الحوثيين المكون من نحو 100 شخصية يتأهبون لمغادرة مسقط برفقة عوائلهم، بعضهم سيعود إلى صنعاء وآخرون باتجاه طهران".
وعلى ضوء ذلك، توقع الحميري أن "تصدر قرارات أميركية تتضمن إدراج محمد عبدالسلام، وأعضاء الوفد وقيادات أخرى من الجماعة ضمن قوائم الإرهاب والعقوبات".
ولم يصدر عن الجهات الرسمية في عُمان أو مليشيا الحوثي، أي تعليق على التسريبات الصحفية حتى 16 ديسمبر، ولا عن مصير الوساطة التي تقودها مسقط منذ سنوات في اليمن.

تداعيات سوريا
وعن حقيقة القرار، قال الكاتب والمحلل السياسي اليمني، نبيل البكيري لـ"الاستقلال"، إن “المعلومات عن ضغط على سلطنة عُمان لإبعاد القيادات الحوثية من أراضيها، هي تسريبات حتى الآن لا يمكن بناء عليها”.
واستدرك البكيري، قائلا: "لكن لا شك أن تداعيات الملف السوري سيكون له تأثير كبير على المشهد اليمني، وأعتقد أن دور الوساطة العُماني سيتراجع بشكل كبير، لأن سلطة عُمان تقدم نفسها في إطار توازن القوى بالمنطقة".
وأوضح أن “المحور الإيراني الآن في حالة تراجع كبير، وهذا سيخفف من الحماس العماني لأي وساطة في الحالة اليمنية”.
ولا يعتقد أن تجدي الوساطة نفعا في ملف اليمن لأن تداعيات المشهد السوري ستكون كبيرة ومؤثرة على صنعاء.
وفي 8 ديسمبر 2024، سقط نظام بشار الأسد في سوريا وتولت بعدها حكومة انتقالية زمام الأمور في البلاد برئاسة محمد البشير، وذلك بتعيين مباشر من أحمد الشرع، القائد العام لإدارة العمليات العسكرية وزعيم "هيئة تحرير الشام" في سوريا.
وفي هذه النقطة تحديدا، قال الكاتب والمحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي، إن "الحوثيين وصلوا إلى صنعاء في إطار صفقة إقليمية دولية مكّنت الحلف الشيعي بالمنطقة من الهيمنة على مفاصل أساسية في اليمن وسوريا والعراق ولبنان".
التميمي أكد خلال تصريح لـ"الاستقلال" في يوم سقوط الأسد أن "هناك تغيرات كبيرة اليوم تشير إلى أن هذا الحلف قد يكون وصل إلى نهاية مهمته الجيوسياسية التي أداها بامتياز وأسهمت في تفتيت المنطقة وإضعافها".
وأوضح الخبير اليمني أن "المحور حاول تقديم نفسه على أنه نصير لغزة، لكنه أمام الأحداث في سوريا تحول اليوم إلى حلف طائفي بامتياز ويحشّد لكي يعيد السوريين إلى أماكن النزوح والمخيمات بدلا من أن يبارك عودتهم إلى بلادهم".
وتابع: "لا شك أن جزءا كبيرا من قوة الحوثيين كانت بسبب الإمدادات الكبيرة التي تصل إليهم والإسناد الذي يقدم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من جانب الحلف الشيعي، ومن ذلك الهجمات (خلال السنوات السابقة) على شرق السعودية وعمقها".
ولفت التميمي إلى أن "الحوثيين لم يكونوا وراء الهجمات التي استهدفت السعودية، إلا نادرا، لكن هناك أطرافا أخرى تنفذها ثم تحسب لصالح هذه الجماعة".
وأشار إلى أن "السعودية التي خضعت للإدارة الأميركية لم تعد اليوم تحت هذا الضعف، وربما يسمح هذا الأمر إما بتسوية سياسية بشروط تتفق مع مؤتمر الحوار اليمني الشامل، أو أن نرى مسارا عنيفا ينهي التأثير العسكري والسياسي للحوثيين على الساحة اليمنية".
في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، عقد "مؤتمر الحوار الوطني الشامل" باليمن، وجرى خلاله التوقيع على خطة الانتقال السلمي للسلطة في اليمن وفق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية في الرياض لتتشكل حكومة الوفاق الوطني في 7 ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه.

الدور العُماني
واستضافت مسقط مشاورات عديدة بين الحكومة اليمنية الشرعية، ومليشيا الحوثي، كان آخر ما توصلت إليه هو اتفاق بين الطرفين في يوليو/تموز 2024، على تبادل قوائم الأسرى من الجانبين.
وقال رئيس فريق الحوثيين المفاوض بشأن الأسرى والمعتقلين عبدالقادر المرتضى في 6 يوليو: "جرى الاتفاق على بعض النقاط أهمها حل الإشكالية على محمد قحطان، وتبادل بعض قوائم الأسرى".
ومحمد قحطان، المعتقل منذ عام 2015، هو قيادي بارز في حزب التجمع اليمني للإصلاح (أكبر حزب إسلامي في اليمن) وأحد 4 أشخاص مشمولين بقرار مجلس الأمن الدولي 2216 لعام 2015، الذي يلزم جماعة الحوثيين بإطلاق سراحهم.
وأضاف المرتضى: "نظرا لضيق الوقت، جرى الاتفاق على استئناف المفاوضات بعد شهرين، على أن يركز الطرفان اهتمامهما خلال هذه الفترة على استكمال رفع الكشوفات واعتمادها حتى انعقاد الجولة المقبلة".
وعرف عن سلطنة عمان لعب دور الوسيط في الملف اليمني، فهي الدولة الخليجية الوحيدة التي رفضت الانخراط في "التحالف العربي" العسكري الذي شكلته السعودية عام 2015، للتدخل عسكريا في اليمن، لإيقاف استمرار سيطرة الحوثيين على الأراضي اليمنية.
العديد من اللقاءات المشتركة التي استضافتها مسقط بين الأطراف المتنازعة، في محاولة لتسوية الأزمة سلميا، كان أولها في أغسطس/آب 2015 بعد فشل مؤتمر جنيف، إذ وصف ذلك اللقاء بالإيجابي، وتوالت اللقاءات بعدها بمشاركة أممية ودولية.
وإضافة إلى ذلك، فإن تموضع سلطنة عمان الجغرافي على مضيق هرمز الإستراتيجي الذي تشرف عليه إيران جعل منها لاعبا دبلوماسيا محايدا في حل المشاكل التي تعاني منها الدول المجاورة كاليمن والسعودية.

ورغم استفحال الحرب في اليمن وتأجج الوضع الأمني سواء كان في السعودية التي تشتكي من هجمات الحوثيين بواسطة الصواريخ، لم تخرج مسقط عن وضعيتها المحايدة، الأمر الذي تعزوه الأخيرة إلى جهودها في "دعم السلام" بالمنطقة.
ودائما ما تجدد عمان تمسكها بالقيادة المعترف بها دوليا لليمن، وبوحدة أراضيه، لكنها تحافظ في المقابل على علاقات جيدة مع الحوثيين.
كما تسعى لموازنة علاقتها بإيران التي كانت على توتر مع السعودية أثناء مرحلة الحرب التي أدارتها الأخيرة على الأراضي اليمنية، قبل أن تهدأ الأوضاع بينهما بتوقيع اتفاق تطبيع بوساطة صينية.
لذا، انضمت السلطنة إلى التحالف العسكري الإسلامي في الرياض لمحاربة الإرهاب عام 2015، لتقول بشكل غير مباشر، إن سياساتها المستقلة في المنطقة - ومنها اليمن - لا تهدف إلى معارضة الدور السعودي في المنطقة عندما لا تتوفر أسباب قوية لذلك.
المصادر
- ازمة مفاجئة بين سلطنة عمان والحوثيين و”مسقط ” تقرر طرد أعضاء الوفد المفاوض للجماعة
- الحميري: "سلطنة عمان تستعد لطرد قيادات الحوثيين بطلب أمريكي"
- الحوثي: استكمال مشاورات مسقط بالاتفاق على تبادل قوائم الأسرى
- لماذا يُتوقع من مسقط أن تنجح في الوساطة لدى الحوثيين؟
- هل تنجح الوساطة العمانية في حل الأزمة اليمنية؟
- أحمد الشرع ومحمد الجلالي يجتمعان لتنسيق انتقال السلطة في البلاد (فيديو)