"مرحلة التنسيق".. ما أهمية تفعيل اللجنة العليا الليبية السورية؟

"الطابع الأمني والعسكري بين سوريا وليبيا هو من المحاور الأساسية للتنسيق"
منذ الأيام الأولى لسقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024، مدت الحكومة الليبية يدها لمساعدة الشعب السوري على النهوض من جديد وبناء علاقة مع قيادة دمشق الجديدة.
ولم تفوّت ليبيا الفرصة لمواصلة دعمها لسوريا في هذه المرحلة التي تتلمس بها دمشق دفع اقتصادها نحو الأمام وتخفيف الأعباء الكبيرة التي خلفها النظام البائد على البلاد.
مسارات رسمية
وفي هذا السياق، حمل لقاء رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة بالرئيس السوري أحمد الشرع في “مؤتمر أنطاليا الدبلوماسي الدولي” بتركيا في 11 أبريل/ نيسان 2025 الإعلان عن إعادة تفعيل “اللجنة العليا الليبية السورية” لتعزيز التعاون الثنائي في مجالات متعددة، وتنظيم أوضاع السوريين المقيمين في ليبيا.
وتعد اللجنة العليا الليبية السورية المشتركة من أبرز المسارات الرسمية التي تنظم العلاقات الثنائية بين البلدين، وتهدف إلى تطوير مجالات التعاون السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
كما يسهم تفعيلها في هذا التوقيت في بحث الفرص الاستثمارية المتوفرة بين البلدين، وزيادة مساهمة القطاع الخاص في مجال الاستثمارات والتبادل التجاري.
وقد كان حجم التبادل التجاري بين سوريا وليبيا بلغ نحو 241 مليون دولار نهاية عام 2008، ولم يكن لحكومة الدبيبة أي علاقة مع نظام الأسد المخلوع، بخلاف الحكومة المكلفة من مجلس النواب شرق ليبيا برئاسة أسامة حماد.
ويوجد في ليبيا حكومتان؛ الأولى "الوحدة الوطنية" برئاسة الدبيبة ومقرها العاصمة طرابلس وتدير منها كامل غرب البلاد، والثانية حكومة أسامة حماد المكلفة من قبل مجلس النواب منذ مايو/ أيار 2023 ومقرها بنغازي، وتدير كامل شرق البلاد ومدنا بالجنوب.
وتعتمد الحكومتان على الإنفاق “الموازي المزدوج”.
وحاولت حكومة حماد (غير معترف بها دوليا) في فبراير/ شباط 2024 تفعيل اللجنة العليا الليبية السورية، بعدما زار وفد منها العاصمة دمشق وعقدوا آنذاك اجتماعا مع وزير المالية بحكومة الأسد المخلوع كنان ياغي.
وتدار هذه اللجنة عادة على مستوى رئاسة الوزراء في كلا البلدين، وتعنى بتنسيق الجهود المشتركة في مختلف المجالات بما فيها السياسية.
وعقب لقاء الشرع بالدبيبة بيوم، أدان سفير ومندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة، طاهر السني، خلال كلمة بلاده في 11 أبريل 2025 بمجلس الأمن الدولي الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على سوريا.
ودعا السني إلى "وقف العدوان فورا، والانسحاب الكامل وغير المشروط من الأراضي السورية المحتلة في الجولان والمناطق التي توغلت فيها أخيرا".
وشدد على أن تحرك إسرائيل عقب سقوط الأسد عبر التوغل لما بعد المنطقة العازلة عند الحدود "استفزاز واضح لزيادة رقعة الاستيطان والتوسع، مما يُظهر نية قوات الاحتلال زعزعة استقرار المنطقة بأكملها، ورغبتها في استمرار مسلسل الحروب والاقتتال".
وأكد السني على أن "أمن سوريا هو جزء لا يتجزأ من الأمن العربي. وأنه يجب العمل على احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها".
نشاط تجاري
الانفتاح من حكومة الدبيبة على سوريا وقيادتها الجديدة في هذه المرحلة سبقه نشاط لشركات ليبية وسورية مشتركة تعنى بالتجارة البحرية بين البلدين، والتي زادت من نشاطها عقب سقوط نظام الأسد.
ولا سيما أن تفعيل اللجنة العليا الليبية - السورية يسهم في الحفاظ على تلك الشركات المشتركة وإعادة تفعيل المتوقف منها وتقويتها بما يخدم مصالح البلدين الاقتصادية.
وتسعى سوريا في الوقت الراهن إلى تعزيز نشاطها التجاري على مختلف الأصعدة، بما فيها الملاحة البحرية، ولهذا جرى في 31 يناير/ كانون الثاني 2024، إحداث هيئة عامة للمنافذ البرية والبحرية، وإلحاق الجمارك والمراكز الحدودية ومؤسسة المناطق الحرة بها.
وتتولى الهيئة المحدثة، عمليات الإشراف والتنظيم للدخول والخروج الإنساني والتجاري، والإشراف على شؤون الملاحة البحرية وأعمال النقل البحري وتملك واستئجار السفن التجارية والعقارات اللازمة لأعمالها.
وألحقت بهيئة المنافذ كلا من إدارتي مرافئ اللاذقية وطرطوس على ساحل البحر الأبيض المتوسط، ومديرية الموانئ ومؤسسة النقل البحري وشركة التوكيلات البحرية والجمارك ومؤسسة المناطق الحرة إضافة إلى المراكز الحدودية.
وبشكل عام فإن سوريا على طول الشريط البحري، تمتلك أربعة مرافئ بحرية اثنان منهما رئيسان لاستقبال وإرسال الحاويات التجارية وهما اللاذقية وطرطوس، إضافة لمرفأي بانياس وجبلة.
وأمام ذلك، فقد فتحت شركة "فروة للشحن" البحري الليبية خطوطا جديدة إلى سوريا، عقب سقوط الأسد.
والخطان الجديدان لـ"فروة للشحن" سيكونان إلى ميناء اللاذقية السوري، ويمثل هذا بداية لفرص جديدة في السوق السورية، وفق ما قالت مجلة "إنتلجنس أون لاين" الفرنسية الاستخباراتية في تقرير لها نشر في 13 مارس/آذار 2025.
وجاءت هذه الخطوة بعدما استؤنفت الأعمال التجارية بين ليبيا وسوريا مع إعادة تشكيل المشهد السياسي بسوريا.
و"فروة للشحن" شركة شحن مملوكة للقطاع الخاص بليبيا، وقد تأسست عام 1994 ونمت بسرعة منذ ذلك الحين من شركة شحن تقليدية صغيرة لتصبح واحدة من شركات الشحن الرائدة في البلاد.
نفوذ كبير
وقد وصلت شركة فروة إلى ذروة 321 عملية سحب في جميع الموانئ الليبية بما فيها ميناء العاصمة طرابلس.
وتطمح الشركة الليبية إلى تعزيز حضورها في السوق السورية بإطلاق خطين جديدين من مصراتة غربا وبنغازي شرقا إلى ميناء اللاذقية في سوريا.
وتعمل الشركة بإدارة رجل الأعمال وجدي السهلي في معظم الموانئ الليبية، وتقدم خدمات الإدارة والتخزين والتوزيع بالإضافة إلى عملها كوكيل شحن، لا سيما لشركة "سدرة لاين" التركية.
ويتمتع السهلي بنفوذ كبير في تركيا حيث يدير شركة "سلمار للشحن" ومقرها إسطنبول، وتُعد هذه القاعدة للعمليات مفيدة في الوقت الذي تُعزز فيه أنقرة وجودها في سوريا منذ الإطاحة بالأسد.
ويتجلى هذا التعزيز للعلاقات التجارية بوضوح في الموانئ السورية، التي تستخدمها حاليا وبشكل رئيس سفن الشحن القادمة من تركيا.
وفي عهد نظام الأسد المخلوع، مثل طريق الشحن من بنغازي تحالفا بين الأسد والجنرال الانقلابي الليبي خليفة حفتر.
وقد مكن هذا الطريق من تهريب المخدرات والأسلحة والمرتزقة بين البلدين منذ العام 2018 عبر شركة الشحن السورية "الطير للتجارة الدولية والشحن".
وقد أزاح سقوط الأسد رجال أعمال سوريين مقربين من حاشيته، بمن فيهم رئيس "مجموعة الدج" ومالك "شركة الطير" محمود الدج، الذي فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على شركته في مارس 2024 لتورطها في تهريب المخدرات والأسلحة والمرتزقة إلى شرق ليبيا.
دعم وتنسيق
سوريا في هذه المرحلة الانتقالية، تسارع الخطى لتحسين واقع المواطنين المعيشي وتحقيق الانتعاش الاقتصادي الذي يسهم في إعادة إعمار البلاد المدمرة، وجلب الدعم من الدول العربية.
وتجتهد دمشق لاستيراد شحنات النفط الخام والمحروقات إلى البلاد لتخفيف أزمة الطاقة القاسية الناجمة عن العقوبات الغربية.
ولعل ليبيا التي تمتلك أكبر احتياطيات في إفريقيا وتنتج بالمتوسط 1.3 مليون برميل نفط يوميا، يمكن أن تسهم في دعم سوريا نفطيا.
وذلك أسوة بدولة قطر التي قدمت إمدادات معتمدة من الغاز الطبيعي إلى سوريا عبر الأراضي الأردنية في مارس 2025، لمعالجة النقص الحاد في إنتاج الكهرباء وتحسين أداء البنية التحتية للبلاد، لا سيما أن ليبيا كذلك، لديها تصدير للمنتجات الحديدية، ومنتجات الألمنيوم، ومنتجات الزيوت البترولية.
وفي هذا الإطار، يؤكد الخبراء أنه في هذه المرحلة يمكن تسهيل حركة التبادل التجاري ونقل السلع بين سوريا وليبيا من أجل تزويد السوق الليبية بالمنتجات السورية ومعرفة ما تحتاج السوق السورية من منتجات ليبية، خاصة في المجال النفطي.
علاوة على ذلك، فإن الطابع الأمني والعسكري بين سوريا وليبيا، هو من المحاور الأساسية للتنسيق والتعاون المشترك الجديدة بين البلدين.
إذ ما تزال عملية تعقب كبار ضباط نظام الأسد الذين أجرموا بحق الشعب السوري، قائمة بعد فرار بعضهم إلى مطار بنغازي شرق ليبيا بحسب ما قال "عمر قناة" نائب قائد اللواء الـ29 جوي المسؤول عن مطار دمشق لقناة الجزيرة القطرية ليلة سقوط الأسد.
وهناك علاقة جيدة تربط ضباط الأسد المخلوع بخليفة حفتر، الذي يتخذ من بنغازي عاصمة له ومركزا لقواته.
وسبق أن أعربت ليبيا خلال الآونة الأخيرة عن مخاوفها من تسلل قيادات في جيش الأسد الذي جرى حله، إلى ترابها خوفا من الملاحقة القضائية، كما شددت على رفضها لتحول البلاد إلى مأوى للعناصر الإرهابية.