بداية للتقسيم.. لماذا أصبح استحداث محافظة حلبجة يهدد وحدة العراق؟

دعوات لإنشاء 7 محافظات جديدة في العراق بعد استحداث حلبجة
مع تسمية مدينة "حلبجة" ذات الغالبية الكردية كمحافظة عراقية جديدة لتصبح المحافظة رقم 19 في عموم البلاد، والرابعة بالنسبة لإقليم كردستان، تعالت أصوات أخرى تطالب بإنشاء محافظات جديدة غالبيتها تُستقطع من مدن السُنة، الأمر الذي دق جرس الإنذار من استغلال الملف طائفيا.
وفي 29 أبريل/ نيسان 2025، صادق الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد، على قانون استحداث محافظة "حلبجة"، بعد نحو 15 يوما من إقراره بالبرلمان، مشيرا إلى أنها "تمثل رمزا للصبر والتضحية والشجاعة"، وذلك لما لحق بها جراء سياسات النظام السابق (عهد صدام حسين).
وتتمتع "حلبجة" الواقعة على بعد 250 كيلومترا شمال شرق بغداد، بأهمية رمزية بالنسبة للأكراد العراقيين منذ تعرضها لقصف بالأسلحة الكيميائية في الأشهر الأخيرة من الحرب العراقية الإيرانية عام 1988- وتتهم فيها القوات العراقية-، ما أسفر عن مقتل أكثر من 5 آلاف شخص.

محافظات بالانتظار
على وقع إعلان حلبجة محافظة جديدة، انطلقت الدعوات لاستحداث المحافظات على أسس طائفية ومذهبية، إذ طرح النائب عن مليشيا "عصائب أهل الحق" علي تركي مشروعا في 3 أبريل/نيسان 2025، لتحويل مدينة سامراء (السنية) في محافظة صلاح الدين إلى محافظة شيعية.
ودعا نواب عن مليشيا "بدر" بزعامة هادي العامري، إلى استحداث محافظة جديدة في نينوى تضم مناطق (سهل نينوى، تلعفر، وسنجار) بعد اقتطاع تلك المدن عن محافظة نينوى (السنية) في شمال العراق.
وقال النائب عن "بدر" وعد القدو، خلال مؤتمر صحفي، في 14 أبريل/نيسان 2025، إن نواب كتلته أكملوا المخططات اللازمة لتحويل تلعفر وسهل نينوى إلى محافظات وعزلها عن باقي نينوى، متحدثاً عن بدء الحراك الفعلي لتقديم مشروع القانون للبرلمان.
ويعد القدو أحد قيادات مليشيا "بدر" عن المكوّن الشَّبَكي، وتم إدراجه، عام 2021 على لائحة العقوبات الأميركية بتهمة ارتكاب انتهاكات حقوقية وإنسانية ضد المكوّن السني في محافظة نينوى إبان المعارك ضد تنظيم الدولة 2014 إلى 2017.
وعلى الوتيرة ذاتها، دخل التركمان على خط المطالبين باستحداث محافظات جديدة على تقديرات قومية، حيث طالب رئيس "الجبهة التركمانية العراقية" محمد سمعان، بتحويل قضاءي تلعفر في نينوى وطوز خورماتو في صلاح الدين إلى محافظتين.
ويعزو الداعمون لفكرة استحداث المحافظات الجديدة في نينوى ومن بينهم النائب عن كتلة بدر وممثل كوتا الشبك في مجلس النواب وعد القدو إلى الظلم والتهميش والإقصاء الذي تتعرض له الأقليات في نينوى ومنهم الشبك وباقي المكونات الأخرى كالمسيحيين والإيزيديين والتركمان.
وفي محافظة ديالى ذات الغالبية السنية، صدرت دعوات لتحويل مدينة خانقين إلى محافظة جديدة للأكراد، وخرجت مظاهرات حزبية وشعبية للمكون الكردي في 22 يناير/كانون الثاني 2025، طالبت الحكومة العراقية إما جعلها محافظة أو العمل على إلحاقها بإقليم كردستان العراق.
وعلى نحو مماثل، وقّع 80 عضوا في مجلس النواب العراقي، على طلب في 25 مارس/آذار 2025، لاستحداث محافظة الزبير في جنوب العراق، والتي تعد حاليا أكبر مدن محافظة البصرة، وذلك أسوة بمدينة حلبجة.
وبعدها بيوم واحد فقط، نشرت وسائل إعلام عراقية وثيقة تتضمن موافقة رئيس البرلمان محمود المشهداني على طلب التصويت بتحويل قضاء الزبير في البصرة إلى محافظة.
المدينة التي أخذت اسمها من الصحابي الزبير بن العوام المدفون فيها سنة 38 هـ/ 658م، وهو ابن عمة النبي محمد، تعرضت إلى عمليات تطهير طائفي نال المكون السني فيها إبان الحرب الأهلية في البلاد (2006 إلى 2008).
وجراء ذلك، باتت مدينة الزبير التاريخية، التي يسكنها السنة من قرون مضت، خالية الآن من المكون السني، فقد نزح سكانها جميعا بفعل التهديدات التي تلقوها من المليشيات بالقتل والتهجير خلال مرحلة الحرب الأهلية.

مخطط التقسيم
ردا على دعوات إقامة محافظات جديدة، قال النائب العراقي، أحمد الجبوري، إن "حلبجة لها وضعها الخاص ونبارك لأهلها، لكننا نرفض رفضا قاطعا الامتداد إلى محافظة نينوى، وتقسيم تلعفر وسهل نينوى، لأن هناك محاولات لزجّ الأخيرة في هذا الأمر الذي لا نقبل به إطلاقا".
وأكد الجبوري خلال مؤتمر صحفي عقده في مبنى البرلمان في 14 أبريل، أن "تقسيم نينوى بداية لتقسيم العراق، وهذا ما لا نقبل به إطلاقا، لأن بعض النواب والجهات السياسية طالبت بإعطاء صلاحيات للحكومة من دون العودة إلى مجلس محافظتها المنتخب لاستحداث محافظتي تلعفر وسهل نينوى".
وتابع: لن نجامل نائبا ولا حزبا أو أي جهة سياسية، لأنه لا يمكن أن نقسم الشعب العراقي على أساس مكوناتي، بل من المعيب على جهات سياسية أن تدعم هذا الأمر، لذلك أطالب كل الخيرين في البرلمان، بعدم الموافقة على تقسيم نينوى لأنها بداية لتقسيم العراق".
وعلى النسق ذاته، حذّر النائب محمد نوري العبد ربه من أن "عملية استحداث محافظات جديدة في العراق باتت أشبه بمحاولات تقسيم إداري غير مدروس"، مؤكداً أن "مثل هذه الخطوات لا تستند إلى الدستور أو القانون، بل إلى توافقات سياسية عُقدت خارج الأطر الدستورية".
وقال العبد ربه، خلال مقابلة تلفزيونية في 16 أبريل، إن "العملية السياسية في العراق تشهد تمرير اتفاقات بين الكتل دون الرجوع إلى النصوص القانونية، وقد شهدنا خلال السنوات الماضية حالات عدّة تم فيها تجاوز القانون والدستور عبر تفاهمات سياسية".
وأضاف أن "ملف استحداث محافظة حلبجة يعود إلى اتفاق سياسي سابق، وقد أبدت غالبية الكتل تأييدها في حينه من دون اعتراض، وكان الموضوع مطروحًا للعرض داخل البرلمان، لكنه لم يُفعّل في الدورة اللاحقة بسبب تغيّرات في التوافقات".
وشدد النائب على "ضرورة إعادة النظر في هذه الاتفاقات التي أُبرمت قبل أكثر من عشر سنوات"، داعيا إلى "مناقشتها من جديد بين رؤساء الكتل السياسية، وإلغائها إذا لم تعد تحظى بالتأييد".
وفي المقابل، أكد نائب رئيس لجنة "الأقاليم والمحافظات" البرلمانية، النائب جواد اليساري، أن "هناك العديد من مشاريع القوانين المهمة التي يجب على البرلمان إكمالها خلال الدورة الحالية".
ونقلت وكالة "السومرية نيوز" العراقية عن اليساري في 27 أبريل/نيسان 2025، أن "اللجنة تسلمت عددا من الطلبات الرسمية من مناطق تسعى للتحول إلى محافظات، وذلك أسوة بحلبجة التي استوفت جميع الشروط اللازمة، سواء من حيث عدد السكان أو توفر الحدود والمنافذ الإدارية".
وأضاف اليساري، أن "بعض الطلبات المقدمة قد تواجه التأخير، نظرا لحاجتها إلى موافقات رسمية من وزارة التخطيط والمحافظات الأم، مما يتطلب المزيد من الوقت والجهود".
دعاية انتخابية
وتصدر معظم هذه المطالبات من الأحزاب الموالية لإيران، والتي يراها البعض أنها تسعى من خلالها إلى الحصول على مكاسب جديدة، خصوصا قبل كل انتخابات برلمانية المقررة في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، وما يليها من توزيع للمناصب.
وتشترك هذه المناطق في نينوى وصلاح الدين وديالى (ذات الغالبية السنية) في كونها واقعة جميعها تحت سيطرة المليشيات المسلحة، ومن أبرزها "كتائب حزب الله" و"سرايا السلام" و"عصائب أهل الحق" و"سرايا الخراساني" و"بدر" و"بابليون".
وقال الباحث في الشأن العراقي، حامد العبيدي لـ"الاستقلال" إن "استحداث محافظات شيعية جديدة في المناطق السنية أمر صعب، خصوصا أن مجالس المحافظات فيها غالبية أعضائها من السنة على عكس حلبجة، التي تمثل المكون الكردي في إقليم كردستان".
وأضاف العبيدي أن "المناطق التي تقع في المحافظات ذات الغالبية الشيعية، مثل البصرة وذي قار أو غيرهما، ربما تستطيع الأحزاب أن تستحدث محافظات جديدة فيها، رغم أن الصراع بينهم ليس سهلا".
ولم يستبعد الباحث أن يكون طرح الموضوع "يأتي من باب الدعاية الانتخابية، لأن اللعب على هذا الموضوع، أو وتر الطائفية في هذا الوقت، يندرج ضمن الحملات الانتخابية لاستقطاب أصوات الناخبين".
وأشار العبيدي إلى حديث قوى وشخصيات سياسية أخيرا عن ضرورة إقامة إقليم أو دولة شيعية مستقلة عن العراق، وهذا كله يعبر عن خواء المشاريع الانتخابية، بالتالي اللجوء إلى مثل هذا الطرح لتحفيز الناخبين الشيعة طائفيا لانتخابهم من جديد.
وخلال مقابلة تلفزيونية في 4 مارس/آذار 2025، دعا النائب حسين مؤنس رئيس كتلة "حقوق" البرلمانية التابعة لمليشيا "كتائب حزب الله" العراقي، إلى إعلان الشيعة الاستقلال عن العراق بدولة جديدة.
وقال: إن "الشيعة متمسكون حتى اليوم بالحاكمية الشيعية، رغم أن هذا يعرضّهم للابتزاز من باقي المكونات، من أجل تثبيت فلان أو علان رئيسا للوزراء، وبعدها تخلق لذات الشخص مشكلات مع الكتل الشيعية الداعمة له طيلة مدة حكمه".
وبناء على موضوع "الابتزاز" الذي تحدث عنه، دعا النائب مؤنس، إلى أن "يكون لدى الشيعة صيغة أخرى غير الحاكمية"، التي تعني سيطرة هذه الطائفة على السلطة بحكم الأغلبية وعلى مبدأ ولاية الفقيه.
وهو أن "نخيّر الآخرين بين الاستقلال الشيعي أو الفيدرالية، وبين الحاكمية الشيعية، وهذا يمنحنا مجالات للتفاوض مع الآخرين".
وشدد مؤنس على "ضرورة الذهاب إلى الاستقلال بتسع محافظات من العراق (ذات غالبية شيعية)، وليس الأقاليم، إذا بقي الشيعة يتعرضون للابتزاز بسبب الحاكمية"، وفق قوله.
وقبلها، قال زعيم ائتلاف "دولة القانون" القيادي بالإطار التنسيقي الشيعي، نوري المالكي، خلال مقابلة تلفزيونية في 28 فبراير/ شباط 2025: إن "الشيعة سينفردون بالنفط إذا أجبروا على تقسيم العراق".
المصادر
- العراق.. حلبجة المحافظة رقم 19 بمرسوم رئاسي
- هل هناك نية حقيقة لتحويل مناطق جديدة الى محافظات على غرار حلبجة؟
- بالوثيقة.. موافقة برلمانية تخص طلب تحويل الزبير لمحافظة
- العبد ربه: استحداث المحافظات الجديدة أشبه بالتقسيم
- أسوةً بحلبجة.. مطالبات بتحويل تلعفر وطوزخورماتو إلى محافظتين
- مطالبات نيابية باستحداث محافظة الزبير جنوبي العراق
- "سنة البصرة" .. قتل وتهجير برعاية الدولة
- الزبير (العراق)
- سامراء التاريخية.. كيف تخطط مليشيا الصدر لتحويلها إلى مدينة شيعية؟
- مطالبة شعبية بجعل قضاء خانقين محافظة