أردوغان يكتب فصلا جديدا.. كيف انتقلت معاداة إسرائيل من السياسة إلى الشعب؟

منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

خلصت ورقة بحثية إسرائيلية إلى أن “معاداة إسرائيل” في تركيا لم تعد حكرا على الأطراف الإسلامية، بل أصبحت ظاهرة منتشرة ومقبولة من مختلف فئات المجتمع، خاصة بعد اندلاع العدوان على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

ونشر الورقة البحثية معهد القدس للإستراتيجية والأمن (JISS)، للدكتور "حي إيتان كوهين ياناروچاك"، المتخصص في سياسة أنقرة المعاصرة والعلاقات التركية-الإسرائيلية.

وأشار فيها إلى أن الخطاب الرسمي والإعلامي الموالي للسلطة في تركيا أسهم بتأجيج هذا التوجه، من خلال تبني روايات ضد إسرائيل، وتقديم حركة المقاومة الإسلامية حماس كرمز للمقاومة.

وسبق أن أشار تقرير "رابطة مكافحة التشهير" (ADL) لعام 2015 إلى أن 71 بالمئة من البالغين في تركيا يحملون مواقف معادية للإسرائيليين، حتى قبل اندلاع حرب غزة.

موجة “معادية”

وقد أسهمت الحرب في تأجيج هذا الاتجاه بشكل أكبر؛ إذ شهدت تركيا تصاعدا لافتا في معاداة دولة الاحتلال، على غرار ما جرى في بلدان أخرى.

وقال الباحث الإسرائيلي: “في ظل حكم الرئيس رجب طيب أردوغان، أصبحت تركيا من أشدّ المعارضين لإسرائيل”.

وأردف: “مهّد الخطاب المؤيد لحماس والمعادي لإسرائيل في الأوساط الحكومية، إلى جانب الروايات المنحازة للفلسطينيين في الإعلام الموالي للدولة، الطريق لتصاعد كبير في معاداة السامية والصهيونية”، وفق زعمه.

ومعاداة السامية هي تهمة إسرائيلية معلبة تطلقها تل أبيب على كل من يرفض الاحتلال والفصل والاستيطان.

وأشار الباحث إلى أن عملية "طوفان الأقصى" أدت إلى انهيار عملية التطبيع بين إسرائيل وتركيا، كما خلقت الحرب بيئة مناسبة جدا للرئيس التركي ليعبّر عن آرائه بشأن تل أبيب.

ففي خطابين منفصلين ألقاهما في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وصف أردوغان إسرائيل بصراحة كتهديد للأمن القومي التركي بسبب ما سماه "أوهام الأرض الموعودة".

وقال الباحث: "في الواقع، وبالنظر إلى علاقة الأستاذ بتلميذه التي تجمع نجم الدين أربكان (أبرز زعماء تيار الإسلام السياسي في تركيا) بأردوغان، فإن العداء العميق للرئيس التركي تجاه إسرائيل ليس أمرا مفاجئا".

وبعد ثلاثة أيام فقط من الخطاب الثاني لأردوغان حول هذا التهديد الذي تمثله إسرائيل للأمن القومي التركي، كتب الكاتب التركي ظافر شاهين مقالا في صحيفة "ملييت"، بعنوان: "تقع ضمن أراضي الأرض الموعودة! كواليس الاحتلال الإسرائيلي الصامت لقبرص".

وفي مقاله، اتهم شاهين الإسرائيليين واليهود من جنسيات أخرى بتنفيذ "احتلال صامت" للجزيرة من خلال شراء الأراضي والعقارات.

وفي أعقاب مقاله، نشرت صحيفتا "صباح" و"تركيا" المقرّبتان من الحكومة، تقارير تناولت ما وصفته بمحاولات إسرائيلية ودولية لشراء أراضٍ وعقارات في شمال قبرص.

ورأت أن هذه الأنشطة قد تسهم في تحويل "جمهورية شمال قبرص التركية" إلى "فلسطين ثانية".

ورغم الجدل الذي أثارته هذه المقالات، فإن رئيس جمهورية شمال قبرص، أرسين تتار، صرّح بأنه لا يمكن تجاهل مثل هذه المزاعم، وأكد نيته اتخاذ إجراءات قانونية جديدة لحماية السيادة العقارية للمنطقة. إلا أن هذه التصريحات لم تُترجم إلى خطوات رسمية على الأرض.

ورغم أن هذه الحملة الإعلامية بدت للوهلة الأولى مرتبطة بمقال شاهين، فقد جاءت امتدادًا لسرديات مشابهة طُرحت قبل 10 أشهر في صحيفة "ملييت".

معاداة الصهيونية

وقال الباحث الإسرائيلي: "لم تقتصر الروايات حول نشاط استخباراتي إسرائيلي على قبرص فحسب، بل نالت أيضا فرق الإنقاذ التي شاركت في الاستجابة لكارثة الزلزال الذي ضرب تركيا في 6 فبراير/شباط 2023".

فقد تداولت بعض المنصات على مواقع التواصل الاجتماعي اتهامات بأن الفريق الإسرائيلي جاء بهدف جمع معلومات حساسة. 

ورغم تراجع هذه الأخبار لاحقا، فقد عادت إلى الواجهة بعد اندلاع الحرب في غزة؛ إذ نشرت منصة "Haber 7" القريبة من حزب العدالة والتنمية تقريرا ألمح إلى إمكانية استخدام هذه المعلومات المفترضة ضد تركيا، في ظل مواقف أردوغان المعارضة لإسرائيل.

وأضاف الباحث الإسرائيلي: "مع تصاعد مظاهر معاداة السامية عقب اندلاع حرب غزة، واجه اليهود الأتراك موجة من الخطاب العدائي".

وقد ركزت صحيفة "يني آكيت"، المعروفة بخطها الإسلامي ولهجتها الناقدة تجاه إسرائيل، على الأفراد من مزدوجي الجنسية التركية-الإسرائيلية.

ودعت الصحيفة السلطات إلى تطبيق قانون الجنسية رقم 5901 لسحب المواطنة من “الصهاينة” الذين يُزعم أنهم انضموا إلى صفوف الجيش الإسرائيلي في حرب غزة.

وباتجاه مماثل، نشرت صحيفة "دورو خبر"، المرتبطة بحزب "الهُدى" (HÜDA PAR) ذي التوجهات الإسلامية الكردية، أن الحزب يعتزم تقديم مشروع قانون في البرلمان يقضي بسحب الجنسية من المواطنين الأتراك الذين يثبت انخراطهم في صفوف الجيش الإسرائيلي.

كما تضمن المشروع المقترح فرض عقوبة السجن المؤبد على هؤلاء الأفراد، ومصادرة ممتلكاتهم لصالح "صندوق الأسرة" التابع لوزارة الخزانة والمالية التركية.

وفي 9 يوليو/تموز 2024، اجتاز مشروع القانون التصويت الأول في البرلمان التركي، ولا يزال بانتظار تمرير مرحلتين إضافيتين ليصبح نافذا.

توترات إقليمية

وفي سياق التوترات السياسية الإقليمية والدولية، لوحظ تواتر استخدام استعارات تاريخية قوية في الخطاب السياسي التركي، خصوصا ما يتعلق بالنازية والهولوكوست، وفق الباحث الإسرائيلي.

ففي 27 ديسمبر/كانون الأول 2023، أدلى أردوغان بتصريحات شبّه فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بالزعيم النازي أدولف هتلر.

ولم تكن تلك هي المرة الأولى التي يستخدم فيها أردوغان مثل هذه التشبيهات؛ إذ سبق له في عام 2018 أن وصف إسرائيل بأنها "الدولة الأكثر فاشية وعنصرية"، مشبها قادتها بهتلر.

ووفق الباحث الإسرائيلي، أسهمت تصريحات أردوغان -التي قللت من جدية المحرقة (الهولوكوست)- في تمهيد الطريق أمام بعض وسائل الإعلام التركية لتبنّي خطاب مشابه.

فقد اتهمت "TRT Haber"، القناة الرسمية للحكومة التركية، إسرائيل باستخدام أساليب مشابهة لتلك التي اتُهم بها النظام النازي، مثل القتل الجماعي، وتجويع السكان، وإنشاء معسكرات اعتقال.

كما استخدمت صحيفة "يني شفق"، المقربة من الحكومة، مصطلح "صهيونازي" في إطار خطابها الإعلامي. 

إضافة إلى ذلك، استخدمت صحيفة "ملييت" مصطلح "غزّشفيتز"، في تشبيه ما يحدث في غزة بالهولوكوست.

وأكد الباحث الإسرائيلي أنه "على الرغم من أن معاداة السامية لم تكن ظاهرة عميقة ومتجذرة في المجتمع التركي، وكانت في السابق تقتصر على بعض الفئات المتطرفة، فقد تحولت الآن إلى ظاهرة اجتماعية واسعة الانتشار".

وعلى هذا، قال إنه: “بالنظر إلى ما سبق، وبعد تطور طويل وتدريجي، وصلت معاداة السامية في تركيا إلى ذروة غير مسبوقة”، وفق زعمه.

ففي أوائل عشرينيات القرن الماضي، كانت "معاداة السامية" محصورة في هامش المجتمع. 

أما اليوم، فقد تحولت إلى ظاهرة اجتماعية واسعة الانتشار ولا تخجل من نفسها، مدفوعة بصعود الإسلام السياسي ودعم أردوغان المفتوح لحماس.

“ولم تعد مقتصرة على الفئات المتطرفة في المجتمع التركي، بل امتدت لتشمل التيار الرئيس أيضا”، وفق تقدير الباحث الإسرائيلي.

ويُعد خطاب أردوغان خلال عيد الفطر في 30 مارس/آذار 2025، في مسجد تشامليجا بإسطنبول، والذي دعا فيه إلى محو إسرائيل من الخريطة، أبرز دليل حديث على الوضع الراهن لمعاداة السامية في تركيا، وفق زعم الباحث.