حشود السيسي ترقص على وجع غزة بدعوى "رفض التهجير".. وناشطون: سقطة أخلاقية

منذ ٢٢ يومًا

12

طباعة

مشاركة

بعد أكثر من 40 عاما على فصلهما، يحاول النظام المصري نسف كل وجوه الشبه بين رفح الفلسطينية ونظيرتها المصرية، رغم أنهما كانتا ذات يوم مدينة واحدة، تتشابك فيها علاقات النسب والتجارة والتاريخ المشترك.

فبينما تتصاعد الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، يظهر على الجانب الآخر من الجدار الحدودي بين شطري رفح، مصريون يتراقصون بإيعاز من نظام عبد الفتاح السيسي، في مشهد يُجسّد الفجوة التي خلّفتها السياسة والجغرافيا.

وكانت رفح مدينة موحدة إلى أن جاءت معاهدة "كامب ديفيد" عام 1979 بين مصر وإسرائيل، لتضع شريطا حدوديا قسمها إلى واحدة مصرية وأخرى فلسطينية، في فصل جغرافي لا تزال تداعياته تتردد حتى اليوم، وتجلّت ملامحه بوضوح خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة.

وفي 8 أبريل/نيسان 2025، انتشرت مقاطع فيديو تظهر عشرات المصريين يتراقصون ويغنون ويتمايلون أمام معبر رفح، وذلك بالتزامن مع زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مدينة العريش القريبة.

وجاءت هذه الفعاليات بدعوى رفض تهجير الفلسطينيين من أرضهم المحتلة والتنديد بجرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال، لكنها كانت مدفوعة من نظام السيسي الذي حمل المحتجون شعارات تؤيده وتثني على سياساته.

وقال ناشطون: إن أحد المقاطع الراقصة قديم، لكن ذلك لم ينف وجود فيديوهات للفعالية الأخيرة تظهر الرقص والتطبيل تزامنا مع سقوط الصواريخ الإسرائيلية على المدنيين في الجانب الآخر من الحدود.

وأعادوا عبر تغريداتهم وتدويناتهم على منصتي “إكس” و"فيسبوك" نشر المقاطع مع توجيه انتقادات حادة للنظام المصري واتهامه بالحشد لهذه الفاعلية دون تقديم إسناد ودعم فعلي للفلسطينيين، فيما دشن آخرون مقاطع فيديو على يوتيوب يحللون فيه المشهد.

واستنكر الناشطون عبر وسوم عدة أبرزها #معبر_رفح، #السيسي، #غزة_تباد، وغيرها، المشاهد المتداولة لتراقص مصريين، وعدوه إهانة للشعب الفلسطيني الذي يعيش تحت القصف منذ أكثر من عام ونصف العام.

وتجدر الإشارة إلى أن أحزابا موالية للنظام المصري هي التي حشدت مصريين لإقامة فعالية "تضامنية مع غزة" عند معبر رفح، واتبعتها بالإشادة والثناء عليه في تصريحات تبدو منقولة ومتفقا عليها وموزعة على قادة الأحزاب.

وادعت أن احتشاد المصريين عند معبر رفح رسالة للعالم برفض مخطط التهجير وتعبير عن دعم السيسي وإرادة المصريين ولحظة مفصلية في التاريخ وغيرها من أشباه هذه التصريحات التي تتسم بـ"التطبيل".

ومعبر رفح منفذ غزة الوحيد إلى العالم أغلقته مصر في وجه المرضى والجرحى منذ بداية العدوان، واستغل النظام حاجة الناس بالسفر والعلاج ليفرض عليهم إتاوات بقيمة 5000 دولار مقابل كل شخص يريد النجاة، قبل أن يحتله الجيش الإسرائيلي ويصبح مغلقا للأبد منذ 6 مايو/أيار 2024.

تنديد واستنكار

وقال المجلس الثوري المصري، إن "قمة الحقارة والدناءة أن ينظم السيسي وعصابته كرنفالا أمام معبر رفح، ويسمون هذا الهراء مظاهرات، بينما أخوتنا في غزة على الجانب الآخر من الجدار الأسمنتي يصرخون من ألم الفقد والإبادة". 

وتساءل: "أَمِن الرجولة يا جيش مصر أن تختبئ وراء نسوة؟ أهكذا ننصر أخوتنا ونخيف أعداءنا؟ إنها أجواء هزيمة ٦٧".

واستنكر مستشار وزير الأوقاف الأسبق سلامة عبدالقوي، احتشاد مصريين وتراقصهم عند معبر رفح ووصول أصواتهم إلى نساء وأطفال مكلومين، واصفا المشهد بأنه "عبثي".

وأشار إلى أن النظام المصري يجمع الراقصين والراقصات في كل المناسبات سواء انتخابات أو استفتاء، وآخرها مع حضور ماكرون.

وتساءل المفكر العربي تاج السر عثمان: “من أي جنس هذه الكائنات ؟! هل ما زالوا يحسبون على العرب؟”

وقال: "بينما الدم يُسفك خلف أسوار معبر رفح، اختاروا الرقص على جراح غزة"، مؤكدا أن ما حدث ليس "فعالية فنية" بل سقطة أخلاقية تُدين من رتّب ومن رقص ومن صفّق.

وعرض الصحفي تركي الشلهوب، مقطع يظهر رقص مصريين أمام معبر رفح، متسائلا: “هؤلاء هل يملكون ذرة من أخلاقٍ أو شرف؟ يرقصون بالقرب من جدارٍ يُحرق خلفه المسلمون؟”

ودعا توفيق رشدي لتخيل أن وراء الجدار الذي رقص أمامه مصريون "ناس مش لاقية تاكل، وتحت الجدار دماء ناس ماتت من الجوع وبالقنابل"، قائلا: "السور اللي أنتم بترقصوا ادامه سور عار علينا كلنا".

تبرؤ وتنصل

وفي تبرؤ مما فعله مصريون عند معبر رفح، خاطبت الكاتبة شيرين عرفة العالم قائلة: "من ترونهم اليوم على معبر رفح ليسوا بمصريين، كما أنهم ليسوا ببشر، ولا يمتون بِصلة للآدميين، تلك الكائنات هم عبيد السيسي المرتزقة".

وأضافت: "هم تماما كقائدهم، فاقدو الكرامة والنخوة والدين.. لا يمثلوننا فنحن الـ100مليون.. مَوتى.. نعم.. نحن عَجزة، فَشَلة.. لكن لسنا بهذا الشكل الحقير".

وأقسم سامي كمال الدين، بأن من ظهروا يرقصون ويطبلون ويزمرون أمام معبر رفح وعلى بعد خطوتين من أهل غزة يقتلون ليسوا من الشعب المصري، ساخرا بالقول إنها مظاهرات تنقصها (الراقصة) فيفي عبده.

وقدم اليوتيوبر أحمد الراصد، الاعتذار لأهل غزة الذين يموتون ويقتلون في صمت، عن مشاهد رقص المصريين أمام معبر رفح بأوامر من السيسي، مؤكدا أنهم الشرذمة القليلة وأتباع عبدالفتاح السيسي.

وأكد الإعلامي عبدالله الماحي، أن رقص مصريين عند معبر رفح تم تحت إشراف العسكر، واصفا المشهد بأنه "عبثي مثير للاشمئزاز".

وأوضح أن مصر من بعد 2013 بها شعبان الأول أبناء جمهورية مصر العربية وهم غالبية أبناء الشعب المصري وهم الآن من المقهورين المقموعين المهجرين المطرودين المعتقلين المقتولين وهم غالبية الشعب المصري، أما الشعب الثاني فهم جمهورية الضباط.

وأفاد الماحي، بأن هذه الجمهورية يقودها العسكري وهم مجموعة من "الشمامين والخمورجية وضباط العسكري والشرطة والفنانين والفنانات والراقصين والراقصات ورجال الأعمال وغيرهم من قضاة ومستشارين والمتصدرين للمشهد.

وقال: إن الموجودين عند المعبر هم من الشعب الثاني الذي يمثلهم عسكر مصر بقيادة عبدالفتاح السيسي. 

رفض الإساءة

وفي رفض فلسطيني للإساءة لعموم المصريين، أكد الناشط أدهم أبو سلمية، أن المقاطع المؤذية، والمشاهد المؤسفة التي صدرت عن بعض المتجمهرين عند معبر رفح من جهة مصر لا تُعبّر عن الشعب المصري الشقيق، ولا عن مشاعره الصادقة التي نعرفها ونلمسها في كل موقف ومحنة.

وروى أنه قضى وقتا طويلا في مصر خلال هذه الحرب، وشاركني عشرات الشباب المتطوعين في تجهيز المساعدات لغزة، شباب من خيرة الناس، نقيّ السريرة، عظيم الروح. 

وأضاف أبو سلمية: "رأيت الناس في الشوارع والمساجد، وقلوبهم متعلقة بغزة، وأرواحهم تتوق ليوم يتحركون فيه لنصرتها، لا بالكلمات فقط، بل بالأرواح والدماء".

وتابع: "عرفنا الشعب المصري في ميادين العطاء، أهل نخوة وكرم، ما بخلوا علينا يوما، وما تأخروا عن نصرتنا ساعة. لهذا أقول: لا تسمحوا لبعض المسيئين أن يشعلوا نار الفتنة كلما سنحت لهم فرصة. فهؤلاء لا يمثلون إلا أنفسهم، ولا نعرف كيف وصلوا أو من جاء بهم".

وعلق المغرد تامر قديح على أحد المقاطع، قائلا: "لا أدري كيف أُعلّق، ولا بأي أسلوب أعبّر.. أخشى أن تخدش كلماتي مشاعر الطيبين في مصر، أو أن تُلبِسهم ظلما لا يستحقونه. 

وأضاف: "أخشى، في الوقت ذاته، أن يُخيَّل من قولي أن القلّة المسيئة تمثّل الكثرة النبيلة، فيُوضَع الجميع في ميزانٍ واحد.. ألوذ بالصمت أمام فظاعة ما أراه".

وعرض الناشط خالد صافي، مشاهد من الرقص، قائلا: "والله ماني عارف شو أحكي وشو أقول!".

وقال الباحث محمد حامد العيلة، لو كان الرئيس المصري صادقا في دعمه لغزه، ورفضه التهجير، فعليه فتح المعابر ليخرج من يريد الخروج، ويجد الجريح علاجا له، وتدخل المساعدات المكدّسة إلى أهل غزة، بدلا من المهرجانات السخيفة على الجانب الآخر لمعبر رفح.

خزي وعار

وهجوما على النظام المصري والسيسي، تساءل خبير إدارة الأزمات مراد علي: “لماذا تحرص الحكومة المصرية على تصدير مثل هذه المشاهد المبتذلة، والزجّ بهؤلاء الغوغاء، كلّما تعلّق الأمر برفض إبادة أهلنا في غزة؟”

وتابع تساؤلاته: “هل الغاية تشويه القضية الفلسطينية وتفريغها من معناها في وعي الرأي العام المصري، عبر ربطها بمظاهر الإسفاف والانحطاط؟ أم أن الهدف الإساءة إلى صورة المصريين الشرفاء الرافضين لسياسات التهجير والتواطؤ، عبر إظهارهم في صورة لا تليق بالدفاع عن القضايا العادلة؟”

وأكد علي أن من ظهروا في مقاطع الفيديو يرقصون والذي وصفهم بأنهم "سفهاء مأجورون" يمثلون النظام الحاكم في مصر، لكن لا يُمثلون الشعب المصري.

وعد رئيس تحرير صحيفة المصريون جمال سلطان، ما حدث في رفح المصرية، تحت أسوار غزة المكلومة الجائعة المذبوحة، من رقص ومزاح وضحك وأكل وشرب ومهازل وتهريج، بترتيب أجهزة الدولة الرسمية، "مسخرة وقلة قيمة".

وأكد أن ما حدث إهانة لمصر الدولة والشعب، مضيفا: "يمكنكم أن تخرجوا مسرحيات تمثيلية بدون كل هذا الرخص والابتذال".

وقال الكاتب رفيق عبدالسلام، إن جماعة السيسي ما بين مخمورين ونشّالين ومحتالين يرقصون على أبواب معبر رفح، وأجساد الفلسطينيين تتفحم بالصواريخ الإسرائيلية على الجهة المقابلة وعلى بضعة أمتار.

وأكد أن "السيسي يقوم بعملية تغطية بلطجية على انسحابه من المسؤوليات الوطنية والقومية والدينية في حماية أهل غزة من العدوان الإسرائيلي المدعوم أميركيا".

وعرض الصحفي نظام مهداوي صورة تظهر ما حدث على الجانب المصري في الوقت الذي يستهدف فيه الاحتلال رفح من الجانب الفلسطيني، قائلا: "يا كل الخزي والعار.. اللهم لا تقتلنا بصمتنا على كل هذا..".

وكتب معتز منصور، معلقا على أحد مشاهد رقص مصريين من أمام معبر رفح، قائلا: "الرقص على الدماء، جمهورية رعاع السيسي ونظامه".