أول قرار في عهد السنوار.. لماذا علقت حماس مشاركتها بمفاوضات 15 أغسطس؟

إسماعيل يوسف | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

مع تواصل الخذلان العربي والصمت إزاء المجازر ضد الفلسطينيين في غزة، والتواطؤ الغربي مع الاحتلال الإسرائيلي الرافض لوقف الإبادة الجماعية بالقطاع، قررت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" التصدي للجميع.

حماس اشترطت حضورها المحادثات الجديدة لوقف إطلاق النار، التي دعت إليها أميركا ومصر وقطر، بتقديم أولا "خطة لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه" سابقا.

وقالت حماس في بيانها، إن الحركة وافقت على مقترح الوسطاء في 6 مايو/أيار 2024 ورحّبت بإعلان الرئيس جو بايدن في 31 مايو 2024 وبقرار مجلس الأمن الدولي بهذا الخصوص 2735، وهو ما قابله العدو بالرفض.

وأضافت أن الحركة تجاوبت مع الاتفاق الأخير بتاريخ 2 يوليو/ تموز 2024 الذي واجهه العدو بشروط جديدة لم تكن مطروحة طوال عملية التفاوض، وذهب للتصعيد في عدوانه، وصولا لاغتيال رئيس الحركة إسماعيل هنية.

في ضوء ذلك، طالبت الحركة الوسطاء بتقديم “خطة لتنفيذ ما قاموا بعرضه على الحركة ووافقت عليه بتاريخ 2 يوليو، بدلا من الذهاب إلى مزيد من جولات المفاوضات تمنح إسرائيل مزيدا من الوقت لإدامة الحرب”.

قرار حماس، الذي يعد أول ما يصدر عن رئيسها الجديد "يحيي السنوار"، يشير لدخول الحركة مرحلة جديدة من رفض التفاوض تحت النار، والتصدي لتآمر الأنظمة العربية والغرب عليها.

ويبدو أنه يستند لما في يدها من أوراق رابحة هي أسرى الاحتلال واستمرار حيوية كتائبها المقاتلة وصمود شعبها، وأخيرا، احتمالات الدعم من محور إيران بضربة منتظرة إلى إسرائيل.

القرار أزعج أبواق الاحتلال والغرب وعدوه "رفضا وانسحابا" من جولة التفاوض قبل بدئها بأربعة أيام، وربطوه بقرب رد إيران و"حزب الله" على تعدي الاحتلال عليهما، لكنهم أكدوا أنه ربما يؤشر لسياسة جديدة يتبعها السنوار.

القرار أزعج القاهرة أيضا، التي تعول على استعادة دورها التفاوضي في قضية غزة، خاصة أنه واكبه انتقاد ضمني من عضو المكتب السياسي للحركة موسى أبو مرزوق للتخاذل المصري عن نصرة غزة، وهو عده النظام المصري "مزايدات".

وبحسب مراقبين، يتضمن موقف حماس بشأن المفاوضات الجديدة المقرر انطلاقها يوم 15 أغسطس ثلاث رسائل مهمة، يمكن توضيحها على النحو التالي:

صفعة للوساطة

الأولى: رسالة للوسيط المصري الذي تراجع دوره وتخاذل حتى عن الرد على عربدة إسرائيل على حدود مصر وقتلها جنودا مصريين وهدم معبر رفح وغلق واحتلال محور صلاح الدين (فيلادلفيا).

وهو ما يشير إليه انتقاد غير عادي من القيادي في المكتب السياسي لحماس موسى أبو مرزوق للدور المصري علنا ولأول مرة مع أنه كان يقيم بمصر وله منزل فيها ويحمل جنسيتها.

ففي 10 أغسطس 2024 قال الدكتور أبو مرزوق، للتلفزيون "العربي" (مقره قطر) إن "من واجب مصر العمل على وقف إطلاق النار، فلها مسؤوليات خاصة تجاه قطاع غزة ولا يمكن أن تعد نفسها وسيطا".

وأضاف أن "مصر هي التي وقعت الاتفاقيات ومن بينها كامب ديفيد، وجعلت محور فيلادلفيا بين الفلسطينيين والمصريين، والآن سمحت للإسرائيلي بالوجود في هذا المحور".

وبالتالي "على مصر مسؤوليات خاصة لوقف هذه المجازر، وهي قادرة على وقفها في يوم واحد"، وهو اتهام ضمني لنظام عبد الفتاح السيسي بالتواطؤ مع الاحتلال.

وانتقد موقف مصر المتخاذل بقوله: "المصريون أبلغونا أنهم لا يستطيعون فعل شيء أمام تعنت نتنياهو".

ووصف الدعوة الثلاثية لمفاوضات 15 أغسطس بأنها "دعوة عائمة"، وعليهم تطبيق ما تم الاتفاق عليه.

كما اتهم أبو مرزوق القاهرة ضمنا بتجويع غزة، بتأكيده، أن "الدواء والغذاء الموجود في الجانب المصري من معبر رفح، يكفي لعلاج وغذاء أهل غزة ولا يمكن أن تبقى الأمة والمجتمع الدولي صامتين صمت القبور أمام ما يحدث ضد أهلنا في فلسطين".

وفور صدور تصريحات أبو مرزوق التي تنتقد الدور المصري، أطلقت مصر أبواقها الإعلامية الرسمية لتنتقد أبو مرزوق وتقول له: "كفى مزايدات رخيصة على مصر".

وفي قراءته لموقف حماس، قال صحفي فلسطيني من غزة لـ "الاستقلال" إن بيان الحركة يشير إلى أن موقف السنوار سيختلف عن الراحل هنية، لأنه "مباشر وصريح ومستعد للاختلاف مع أي طرف"، حتى ولو كانت مصر بسبب موقفها العاجز عن نصرة غزة.

الصحفي، الذي فضل عدم ذكر اسمه، قال إن هنية "كان دبلوماسيا لا يريد أن يخسر أحدا وكان يرى هذا الأمر (التخاذل المصري) ويصمت، لكن السنوار صريح ومباشر ومختلف".

وأكد أن "مصر وسيط ضعيف وقطر أضعف، وكلاهما يضغط على حماس فقط دون الاحتلال والغرب".

ورأى أن موقف حماس بالصدام مع الوسطاء، خاصة مصر، "متأخر وأطال عمر الحرب وزاد وحشيتها، لأن الحركة كانت تتحرك في ظل وسيط عاجز متآمر، وهو أقل ما يمكن أن نصفه"، بينما كان يجب أن تصطدم بهؤلاء الوسطاء منذ البداية وتكشف ضعفهم وضغطهم عليها فقط.

شدد الصحفي على أن فريق حماس القيادي الجديد "لا يخشى من البلل"، كما أن "الظرف مناسب الآن، لأننا في انتظار الضربة الإيرانية وحزب الله، وإسرائيل في أصعب موقف"، لذا جاء موقف حماس "اضغط، فالوقت من دم"، وفق تعبيره.

من جانبها، قالت مصادر فلسطينية أخري لـ"الاستقلال" إن رد فعل حماس جزء من أول رد فعل للسنوار، ويشير ضمنا لدخول حماس في صدام مع الأنظمة العربية التطبيعية الصامتة على المجازر الإسرائيلية خاصة مصر.

المصادر توقعت أن تضطر القاهرة للتحرك وزيادة وتيرة تصريحاتها المنتقدة للاحتلال، لرفع الحرج وتهمة التواطؤ عنها.

لكنها توقعت أيضا أن تشهد العلاقات مع قيادة حماس الجديدة فتورا بعد تغيير "لهجة" القيادة الجديدة تجاه القاهرة من "الدبلوماسية" إلى "المصارحة".

لا مفاوضات تحت النار

وتفيد الرسالة الثانية بأنه “لا مفاوضات تحت النار، ولن نكون غطاء لاستمرار القتل تحت ذريعة التفاوض، ويجب وقف المجازر في غزة أولا قبل التفاوض”.

وهو ما يعني أن حماس لن تفاوض تحت النار ولن تصب الماء على نار أشعلها الاحتلال، وستتركه يحترق بغروره ووحشيته وشروره في المنطقة، وفق محللين فلسطينيين.

بعبارة أخرى تقول حماس في رفضها للمسار التفاوضي الجديد، إن عملية التفاوض وصلت مرحلة اللاجدوى، واستمرارها لا منطقي.

وأنها وافقت على كل طلبات الوسطاء السابقة، "فلماذا نذهب للتفاوض مرة أخرى؟"، كما يقول المحلل الفلسطيني سعيد زياد.

الرسالة تقول أيضا إن الوقت قد حان للتنفيذ، ولا حاجة لإعادة التفاوض والنقاش، لأن استمرار التفاوض هو هدف بنيامين نتنياهو ويخدمه هو ومخططاته لاستمرار الإبادة، ويجعله يفرض شروط جديدة تنسف جهود المفاوضات السابقة.

أما الرسالة الثالثة من وراء موقف حماس، فهي موجهة لإيران ومحور المقاومة "أننا بانتظار الرد المكافئ على جريمة اغتيال هنية وإذلال كرامتكم بقصف الاحتلال عاصمتكم".

هي رسالة تقول لإيران وحزب الله فيها، إن ردهم يجب أن يكون عاجلا وقويا ورادعا بما يعيد الإسرائيلي للتفاوض مرغما وفق شروط المقاومة، ويفتح المعركة على مرحلة جديدة بمستوى جرائم الاحتلال حتى ولو كانت الحرب الشاملة.

ورأى الصحفي الإسرائيلي الأميركي "باراك رافيد"، في تقرير بموقع "أكسيوس" في 11 أغسطس، أن بيان حماس "خطوة تكتيكية تحسبا لهجوم محتمل من جانب إيران وحزب الله وفي محاولة للحصول على شروط أفضل للصفقة". 

فيما رأت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" نقلا عن مصادر لم تسمها قولها إن بيان حماس لم يكن أكثر من “تكتيك للمساومة”.

حيث تتزايد التوقعات ببدء الرد الإيراني ورد حزب الله على هجوم إسرائيل عليهما بالتزامن مع بدء مفاوضات التي دعت لها أميركا مع مصر وقطر بين حماس واسرائيل.

الدور الأميركي

يرى محللون إسرائيليون وأميركيون أن بيان حماس ربما يضطر إدارة بايدن لزيادة الضغط على الاحتلال، لأن هناك رغبة في إنهاء الحرب قبل اتساعها لحرب شاملة إقليمية وقبل بدء انتخابات الرئاسة الأميركية لضمان الأصوات الغاضبة على الحرب.

مصدر إسرائيلي قال لهيئة البث الإسرائيلية، إن تل أبيب تعد لقاء يوم 15 أغسطس، بمثابة آخر فرصة للتوصل إلى صفقة، لأن الأسرى الإسرائيليين “يموتون”.

صحيفة "هآرتس" أكدت أن الولايات المتحدة ووسطاء آخرين "يهددون باستهداف إسرائيل وحماس معا إذا فشلت محادثات الأسرى في غزة"، دون توضيح كيف سيستهدفون حماس إسرائيل.

الصحيفة نقلت عن مصدر دبلوماسي إسرائيلي قوله إن إدارة بايدن، التي ظلت تلقي اللوم على حماس فقط في تعثر المحادثات، "وصلت إلى النقطة التي قد يؤدي فيها سلوك نتنياهو (برفض الصفقة) إلى اتهام أميركا له علنا بإفشال المحادثات واتهامه أنه لا يريد إطلاق سراح رهائن إسرائيل".

أكد أن الدول التي تتوسط بين إسرائيل وحماس "لن تتردد في تحميلهما اللوم علنا على فشل المفاوضات إذا لم يتم تحقيق اختراق في قمة 15 أغسطس في الدوحة أو القاهرة لأن هذه آخر محاولة لتأمين وقف إطلاق النار في غزة وصفقة الأسرى".

ونقلت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" عن مصادر أمنية إسرائيلية تفاؤلها الحذر بإمكانية التوصل إلى اتفاق خلال محادثات 15 أغسطس "على الرغم من إعلان حماس أنها لن ترسل وفدا".

وقال الرئيس الأميركي جو بايدن إن اتفاق وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن الذي تم تقديمه لإسرائيل وحماس "لا يزال قابلا للتطبيق".

أكد لشبكة "سي بي إس" في 11 أغسطس، أنه يعتقد أنه "لا يزال من الممكن" للأطراف المتحاربة التوصل إلى اتفاق من شأنه أن يؤدي إلى إطلاق سراح 115 رهينة تحتجزهم حماس وجماعات أخرى في غزة، وإنهاء القتال في غزة التي مزقتها الحرب".

بايدن قال "إن الخطة التي وضعتها، والتي أقرتها مجموعة الدول السبع، ومجلس الأمن، لا تزال قابلة للتطبيق، وأنا أعمل حرفيا كل يوم وفريقي بالكامل، للتأكد من عدم تصعيد الأمر إلى حرب إقليمية، ولكن من السهل أن يحدث ذلك".

وقالت القناة 12 الإسرائيلية إن "المسؤولين الأميركيين يضغطون على نظرائهم الإسرائيليين لإتمام الصفقة في أقرب وقت ممكن"، على أمل تجنب حرب إقليمية شاملة.

وقالت مصادر أمنية إسرائيلية للقناة 12 إن الوسطاء "منهكون"، كما أن حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية تقترب والمنطقة على شفا تصعيد محتمل إلى صراع أوسع نطاقا، ما لم يتم التوصل لاتفاق سريع.

ويقول المحلل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، رون بن يشاي، إن إدارة بايدن وهاريس عازمة على منع نشوب حرب إقليمية والتوصل إلى وقف إطلاق النار لأربعة أسباب: 

"الأول": احتمال تعرض الجنود الأميركيين المتمركزين في الشرق للأذى وعودتهم في توابيت ما سيضر بالحملة الانتخابية، ويفيد ترامب.

والثاني أنه سيترتب على اتساع الحرب، إرسال قوات وجنود إضافيين إلى الشرق الأوسط لدعم إسرائيل وحلفائها الآخرين وقد يقتل هؤلاء أو يُجرحوا، وتحدث نفس الأزمة الانتخابية الداخلية.

و"الثالث"، أن هذه الحرب الإقليمية ستصب في مصلحة روسيا، وإلى حد ما أيضا في مصلحة الصين".

أما السبب "الرابع" فهو أن الحرب الإقليمية ستضع إدارة بايدن وهاريس في مواجهة الجناح التقدمي المؤيد للفلسطينيين في حزبهم.

وهذا قد يتسبب في خسارة الديمقراطيين بقيادة هاريس ولايات متأرجحة مهمة مثل ميشيغان".

ورغم تصريحات نتنياهو المتكررة بشأن رغبته في إبرام صفقة رهائن، إلا أن مصادر قالت لشبكة "سي إن إن"، إن نوايا رئيس الوزراء لم تكن واضحة، وقال مصدر أميركي للشبكة "لا أحد يعرف ما يريده نتنياهو".

بالمقابل، قال مصدر إسرائيلي لصحيفة “هآرتس”، إن هناك مؤشرات على أن "السنوار يسعى إلى التوصل إلى اتفاق، لكن من غير الواضح ما إذا كان نتنياهو، يتبنى الموقف ذاته".

ويوم 4 أغسطس أضاف نتنياهو شروطا جديدة لعرقلة الصفقة، أبرزها منع عودة "المسلحين" الفلسطينيين من جنوب قطاع غزة إلى شماله عبر تفتيش العائدين عند محور نتنساريم.

وبقاء الجيش الإسرائيلي في محور فيلادلفيا (على الحدود بين غزة ومصر) الذي أعلن السيطرة عليه في 29 مايو 2024، وإبعاد أسرى فلسطينيين سيتم إطلاق سراحهم خارج فلسطين.