معهد إسرائيلي: هذا ما ينتظرنا سياسيا وعسكريا في حال احتلال غزة
تهدف المحاكاة إلى بحث تداعيات احتلال قطاع غزة
كشفت محاكاة أجراها معهد دراسات الأمن القومي العبري، أن احتلال قطاع غزة وفرض حكومة عسكرية سيكلف إسرائيل "تكاليف باهظة"، ويجعل من الصعب صياغة إستراتيجية لإنهاء الصراع، ويزيد من تفاقم حرب الاستنزاف التي تشنها إيران ووكلاؤها.
وتشمل العواقب أيضا، بحسب هذا السيناريو، عرقلة فرص التطبيع مع السعودية، وتكوين تحالف أمني إقليمي مع الدول العربية "المعتدلة" بقيادة الولايات المتحدة ضد طهران.
واستعرضت المحاكاة متعددة الأطراف تفاصيل السيناريو المطروح، ورد فعل كل من أميركا وحركة المقاومة الإسلامية حماس والسلطة الفلسطينية والجمهور الفلسطيني في الضفة الغربية.
كما تطرقت إلى رد فعل إيران وحزب الله ومصر والأردن والسعودية وباقي دول الخليج، وروسيا والصين والمجتمع الدولي، على هذا الاقتراح المتداول.
تداعيات الاحتلال
تهدف المحاكاة، إلى "بحث تداعيات احتلال قطاع غزة، وما إذا كان سيحدث هذا الأمر، تغييرا جوهريا وانقلابا في الاتجاهات السلبية في ساحة الحرب".
يستند السيناريو المفترض إلى “فشل محاولات التوصل إلى اتفاق مع حماس لإطلاق سراح المختطفين وإرساء وقف لإطلاق النار”.
وبالتالي "تكمل إسرائيل السيطرة على منطقة رفح، وتتمركز على محور فيلادلفيا (الحدودي مع مصر) لقطع طريق تهريب البضائع أمام حماس، كما تسيطر على المعابر كافة المؤدية إلى القطاع".
ووفقا للمعهد، يترتب على ذلك الوضع "إعلان المجتمع الدولي أن الوضع الحالي، يعني أن إسرائيل تتمتع بالسيطرة والمسؤولية الكاملة، على قطاع غزة وأوضاع السكان الفلسطينيين".
ويتابع: "وتواصل خلايا حماس والعصابات الإجرامية الاستيلاء على شاحنات المساعدات الإنسانية وتعطيل توزيع المواد الغذائية، وتتهم الأمم المتحدة والولايات المتحدة إسرائيل بالمسؤولية عن تدهور الوضع الإنساني"، وفق تعبيره.
كذلك يتدهور الوضع الأمني، إذ إن "كل مكان يوجد فيه فراغ في وجود قوات الجيش الإسرائيلي، يؤدي إلى تصعيد عناصر حماس من أفعالها وتظهر قوتها وسيطرتها".
وهو ما يترتب عليه "إعلان وزير الدفاع، أن الجيش الإسرائيلي سيؤمن المساعدات الإنسانية التي تدخل القطاع، وسيقيم نقاط توزيع في المناطق التي تتمركز فيها القوات الإسرائيلية".
من الناحية السياسية، يشير المعهد إلى أن “استمرار الجمود في مفاوضات وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى ورفض حكومة (بنيامين نتنياهو) تقديم خطة سياسية، يدفع الولايات المتحدة إلى الإعلان أنها تعلق مبادرة التطبيع بين السعودية وإسرائيل”.
كما يدفع واشنطن للتفكير في تقليص دورها في تحقيق وقف إطلاق النار، والاتفاق على إطلاق سراح الأسرى.
وتؤدي كل تلك التطورات، وفق المعهد، إلى "اقتناع مجلس الحرب في إسرائيل أنه لا يمكن تحقيق النصر، إذا لم يتم على الفور إنشاء حكومة عسكرية في القطاع، تؤدي إلى تفكيك حكم حماس ومنع نموها من جديد".
وبناء عليه، يفترض أن “الجيش الإسرائيلي سيستخدم وحدة الحكم العسكري، ليحاول تشغيل السلطات المحلية في القطاع”.
لكنه "يواجه رفضا من المسؤولين الذين يتعرضون لضغوط شديدة من عناصر (حركة التحرير الوطني) فتح، وأيضا من حماس التي تهدد حياتهم إذا تعاونوا مع إسرائيل".
وأردف المعهد: "مما يدفع الجيش لتوسيع عدد القوات في القطاع إلى ثلاث فرق، حيث يجب عليه التعامل مع هجمات الإرهاب من خلايا حماس والفصائل الأخرى، والحد من زيادة الجريمة في القطاع، وحوادث الإخلال بالنظام العام"، وفق وصفه.
على الصعيد الدولي، يتنبأ السيناريو أن "تُدعى إسرائيل مرة أخرى إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، بسبب معاقبة سكان غزة وتشجيع الهجرة من غزة إلى الخارج".
ردود الفعل
يعرض المعهد ردود الأفعال المحتملة -فلسطينيا وإقليميا ودوليا- على سيناريو الحكم العسكري لغزة.
إذ سيكون ذلك الحدث سلبيا على إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، نظرا لأنه يأتي في وقت غير مناسب للولايات المتحدة، حيث قد يكون له تأثيرا على الحملات الانتخابية.
وذلك كون "الهدف الرئيس للإدارة الأميركية هو اجتياز الأشهر القادمة بمنع التصعيد إلى حرب إقليمية، ولهذا الغرض تجري أيضا اتصالات سرية مع طهران"، كما أفاد المعهد.
ومن وجهة نظره، سيدفع السيناريو المفترض “الولايات المتحدة إلى تعليق التطبيع، بما في ذلك اتفاقية الدفاع مع السعودية”.
وستزيد الإدارة الضغط على إسرائيل لتقديم المساعدة الإنسانية للسكان، وتهدد بفرض عقوبات عسكرية عليها (مثل منع أنواع معينة من الأسلحة)، إذا تم تعزيز المبادرات للاستيطان الإسرائيلي في قطاع غزة، بحسب الافتراض.
أما من جهة حماس، فادعى المعهد أن "الغرق الإسرائيلي في وحل غزة يخدم مصالحها على المدى الطويل".
واعترف في الوقت ذاته بقوة حماس وقدرتها على الفعل وإيذاء الجنود الإسرائيليين، إذ حذر من أنها "ستسبب خسائر في صفوف قوات الجيش، من خلال عمليات الإرهاب وحرب العصابات؛ كما ستفتعل استفزازات على محور فيلادلفيا لتخريب العلاقات المصرية الإسرائيلية"، وفق قوله.
وأكمل: "ستستمر في احتجاز الأسرى الأحياء والأموات في الأنفاق، وتعلن أنها ستوافق على صفقة فقط إذا انسحبت إسرائيل من جميع أراضي القطاع، وتم تقديم ضمانات أميركية لوقف إطلاق نار دائم".
وسيؤدي السيناريو المفترض، حسب المعهد، إلى “تعزيز صورة عجز السلطة الفلسطينية وعدم جدواها”.
ومن الإجراءات المتوقع أن تتخذها السلطة، المطالبة بعقد مؤتمر دولي يعمل على إزالة إسرائيل من أراضي القطاع، والدعوة إلى تشكيل قوة دولية تأخذ من تل أبيب السيطرة على القطاع، وفي الوقت نفسه، تحاول تعزيز حكومة وحدة من التكنوقراط تسيطر أيضا على قطاع غزة.
على الصعيد الشعبي، ينبه المعهد إلى أن الجمهور الفلسطيني في الضفة الغربية سيبدأ في نشاط شعبي عنيف، ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، وأيضا ضد القيادة الفاشلة للسلطة الفلسطينية التي يطالب بتغييرها وإجراء انتخابات فورية.
وأضاف: “سنشهد توسع التمرد الشعبي بعمليات عنف وإرهاب ضد المستوطنين في الطرقات، وعمليات اقتحام للمستوطنات، وتوغل عبر الخط الأخضر (الأراضي المحتلة عام 1948) للمستوطنات الحدودية”.
و"سيتطلب ذلك تعزيز قوات الجيش الإسرائيلي بقوات كبيرة، مما يؤدي إلى تقليل القوات المتمركزة في الساحة الشمالية".
ومن الناحية الإقليمية، يشير إلى أن إيران وحزب الله سيشعران بالرضا إزاء تكبد إسرائيل خسائر فادحة، وستواصل طهران حرب الاستنزاف ضد تل أبيب عبر وكلائها.
كما ستمنحهم حرية العمل في مهاجمة إسرائيل، والقوات الأميركية في الشرق الأوسط وإلحاق الضرر بمسارات الشحن.
واعتبر المعهد أن “إيران ترى، في هذا السيناريو، تقليلا لاحتمالية هجوم إسرائيلي واسع ضد حزب الله في لبنان”.
ومع ذلك، ستعلن أنه إذا صعدت إسرائيل إلى حرب ضد حزب الله، فإنها ستعمل مباشرة من أراضيها ضد تل أبيب وحلفائها في المنطقة.
وأكمل المعهد: "وهو ما يجعل زعيم حزب الله نصر الله يزداد ثقة ويزيد من شدة الهجمات ضد إسرائيل قوة ومدى. وفي الوقت نفسه، يتم تعزيز الجهود لتهريب الأسلحة والأموال لدعم الإرهاب في الضفة الغربية عبر الأردن".
وينتقل للحديث عن جارة غزة الوحيدة؛ مصر، إذ يضر هذا السيناريو بها، فهو "يفقدها أوراقها وقدرتها على تعزيز مصالحها في القطاع (مثل استعادة سيطرة السلطة الفلسطينية)".
وتابع: "تلقي مصر باللوم الكامل على إسرائيل وترفض فتح معبر رفح، كما أنها تعزز قواتها على طول حدود القطاع لمنع الهروب الجماعي للفلسطينيين، وتخرق التزاماتها بتقييد نشر قواتها في سيناء بموجب اتفاق السلام".
بل ويرى المعهد أن "القاهرة قد تستدعي سفيرها من تل أبيب للتشاور، وتمنع إسرائيل من تشغيل سفارتها في القاهرة".
في الوقت نفسه، يشير إلى أن "مصر ستعمل مع الأردن، لمهاجمة إسرائيل في المحافل الدولية، وتنضم إلى جنوب إفريقيا في الدعوة إلى اتهامها بالإبادة الجماعية، وستكون التداعيات خطيرة على استقرار عمان الداخلي"،
إذ تنبأ المعهد أن هذا السيناريو "سيضع عمّان في حرج إستراتيجي، وستندلع احتجاجات عنيفة من الفلسطينيين وداعمي الإخوان المسلمين، ليس فقط للمطالبة بإلغاء اتفاقيات السلام ووقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، ولكن أيضا ضد الملك والأسرة الهاشمية".
ومن الناحية الأمنية، يتوقع أن "يضطر الأردن للتعامل مع سيل من صواريخ كروز والطائرات بدون طيار، التي تعبر مجاله الجوي من العراق وسوريا للهجوم على إسرائيل، وسيوقف الجيش الأردني محاولات اعتراض الطائرات، كما يقلل من جهوده في إحباط تهريب الأسلحة إلى الضفة الغربية".
وأضاف: "ستجمد السعودية ودول الخليج عمليات التطبيع والعلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، وفي الوقت نفسه تعزز الاتصالات السياسية والعلاقات التجارية مع إيران".
وبالنسبة لروسيا والصين، يرى المعهد أنهما "ستتحدان في جهد دولي ضد إسرائيل والولايات المتحدة، وتعززان صفقات الأسلحة مع إيران".
وأكمل: "سيضطر المجتمع الدولي إلى التهديد بفرض عقوبات قاسية ضد إسرائيل، إذا شجعت على ترحيل الفلسطينيين من القطاع، أو ضمت أراض في الضفة الغربية".
وأضاف: "ستتهم إسرائيل بانتهاك أوامر محكمة العدل الدولية؛ وتوسع المحكمة الجنائية الدولية أوامر الاعتقال ضد كبار المسؤولين وضباط الجيش؛ ويُتخذ قرار بالحفاظ على وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وتعزيزها كوكالة مركزية لخدمة الشعب الفلسطيني".
خسارة مضاعفة
وخلص المعهد إلى أن الذهاب نحو هذا السيناريو سيضر إسرائيل بشدة، حيث سيخدم احتلال غزة أعداء تل أبيب، وعلى رأسهم إيران.
وبين أن إيران ستحصل حينها على شرعية لمواصلة حرب الاستنزاف متعددة الجبهات من خلال وكلائها ضد إسرائيل.
وتابع: "بدوره، سيستمر حزب الله في مهاجمة إسرائيل من لبنان، ويمنع إعادة سكان الخط الأمامي الذين جرى إجلاؤهم، وفي الوقت نفسه، تتمتع إيران بحرية الحركة وتسرع من تقدمها في مشروعها النووي".
في المقابل، يحذر المعهد من أن "إسرائيل ستغرق في عملية تراجع إستراتيجي متعدد الأبعاد، بما في ذلك على الجبهة الداخلية، حيث تزداد معارضة الحكومة وتكثر مظاهر عدم الرغبة في التطوع للخدمة الاحتياطية".
وأشارت المحاكاة إلى عدة اتجاهات سلبية لإسرائيل، ولكن من غير الواضح إلى أي مدى يمكن أن تتطور، مثل الضرر في العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة؛ إلى الجمود في اتفاقيات السلام، التي يبرز تساؤل حول وجود خطر إلغائها، فضلا عن العبء العسكري في جميع جبهات الحرب.
ويبدو، بحسب المعهد، أن "احتلال غزة لا يساعد في حل الأسئلة المتعلقة حول من يمكنه تولي مسؤولية القطاع، أو السؤال حول قدرة إسرائيل على صياغة إستراتيجية خروج من التورط الإستراتيجي؟".
في المقابل، أظهرت المحاكاة أن “احتلال غزة سيوفر استجابة جيدة للهدف الأمني المتمثل في منع نمو حماس واستعادة آليات سيطرتها على القطاع".
وكذلك "نزع سلاح القطاع، ومنح الحرية العسكرية لتفكيك البنى التحتية الإرهابية؛ بالإضافة إلى ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى السكان”، وفق تعبيره.
وأضاف المعهد: "يسهم الحكم العسكري كذلك، في منع الفوضى واستيلاء العناصر الإجرامية والمتطرفة على زمام الأمور، ومنع تحويل القطاع إلى حالة شبيهة بالصومال، مع تعزيز عمليات نزع التطرف، تحت إشراف الأطر التعليمية في القطاع"، وفق زعمه.
واستدرك: "ومع ذلك، للاحتلال العسكري آثار سلبية كبيرة، حيث ستدخل إسرائيل في حالة تفرض التزامات كبيرة عليها، دون اليقين حول متى وكيف يمكن إنهاؤها".
ويوضح المعهد وجهة نظره قائلا: "فوفقا لتقديرات مختلف الجهات، تكلفة الاحتلال العسكري للقطاع هي عشرات المليارات من الشواكل سنويا، دون حساب تكلفة بقاء قوات الجيش الإسرائيلي بقوام ثلاث فرق".
وأضاف أن “الحكم العسكري سيفرض عبئا ضخما على إسرائيل، إذ سيكون مسؤولا عن النظام العام وإمدادات الوقود والخدمات الصحية وعلاج الأوبئة والصرف الصحي، فضلا عن إمدادات الكهرباء وتنظيم السكن وجمع النفايات والحطام”.
و"كذلك الخدمات الدينية والدفن والتعليم والتوظيف والرعاية الاجتماعية وإصلاح البنية التحتية للطرق وخدمات الإطفاء والإنقاذ وإدارة السجل السكاني".
كما "يتعين عليه إنشاء نظام لإنفاذ القانون، مثل أجهزة الشرطة والتحقيق والاعتقال والمحاكمة والسجن، وكذلك الخدمات العامة".
أيضا، حذر المعهد من "احتمالية زيادة حدة عداء السكان تجاه الحكم العسكري"، مما يؤدى إلى "ارتفاع مستوى الإرهاب وظهور التمرد والمقاومة بينهم، وهو ما سيدفع بضغط دولي كبير على إسرائيل، وصولا إلى حالة العزلة السياسية والاقتصادية"، كما قال.
وأكمل تحذيره قائلا: "نتيجة الإعلان عن احتلال القطاع وإنشاء حكم عسكري، ستستمر حرب الاستنزاف ضد إسرائيل بقيادة إيران عبر وكلائها وستتفاقم".
وختاما، اعتبر المعهد أن تدمير الفرصة لإقامة تطبيع بين إسرائيل والسعودية، وتشكيل تحالف أمني إقليمي بقيادة الولايات المتحدة بمشاركة الدول العربية المعتدلة وتل أبيب، يعد ضررا كبيرا في الوضع الإستراتيجي للكيان.