لماذا رفعت بريطانيا العقوبات عن "داخلية ودفاع واستخبارات" سوريا الجديدة؟

"رفع العقوبات من بريطانيا هو اعتراف منها بأنه يجب تقوية المنظومة الأمنية الجديدة في سوريا"
مقارنة بدول غربية أخرى، تبدي بريطانيا ميلا أكبر إلى مساعدة سوريا على النهوض من جديد، عبر رفع عقوبات كانت مفروضة سابقا على هذا البلد إبان حكم بشار الأسد البائد.
وفي تطور لافت، أقدمت بريطانيا على رفع تجميد الأصول المفروضة على وزارتي الداخلية والدفاع السوريتين ومجموعة من وكالات الاستخبارات التابعة لعهد نظام بشار الأسد.

دعم بريطاني لسوريا
وقال مكتب تنفيذ العقوبات المالية البريطاني في بيان بتاريخ 24 أبريل/ نيسان 2025: إن وزارتي الداخلية والدفاع السوريتين رفعت من قائمة العقوبات.
وأوضح هاميش فالكونر، وزير شؤون الشرق الأوسط في الحكومة البريطانية، في بيان له تزامنا مع القرار أن "الشعب السوري يستحق الفرصة لإعادة بناء بلاده واقتصاده، واستقرار سوريا يصب في المصلحة الوطنية للمملكة المتحدة".
وجاء في إشعار نشرته وزارة المالية البريطانية أن وزارة الداخلية السورية ووزارة الدفاع ومديرية المخابرات العامة كانت من بين 12 كيانا لم تعد خاضعة لتجميد الأصول.
كذلك شمل رفع العقوبات قطاعات أخرى بينها خدمات مالية وإنتاج الطاقة في سوريا، ما من شأنه أن يسهل الاستثمارات الرئيسة في البنى التحتية لقطاع الطاقة ومساعدة السوريين على إعادة بناء بلدهم والاقتصاد.
وأعلنت القيادة السورية الجديدة عقب سقوط الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024، حل كل أجهزة الاستخبارات ووزارتي الدفاع والداخلية.
وأعادت ملء هاتين الوزارتين بعناصر وضباط جدد، كما أنشأت جهاز الاستخبارات العامة، وشكلت أيضا مجلسا للأمن القومي برئاسة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع.
وعلى الفور رحبت سوريا برفع العقوبات البريطانية، وقالت وزارة الخارجية السورية في بيان، إن هذه الخطوة "خطوة بناءة نحو تطبيع العلاقات الدولية".
واستبقت بريطانيا هذه الخطوة تجاه سوريا الجديدة، بتعهدها منتصف مارس 2025 بتقديم ما يصل إلى 160 مليون جنيه إسترليني (200 مليون دولار) خلال عام 2025 وحده، لدعم تعافي سوريا من جديد.
كذلك رفعت الحكومة البريطانية تجميد أصول البنك المركزي السوري و23 كيانا آخر بما في ذلك البنوك وشركات النفط، في مارس 2025، كانت مفروضة خلال حكم بشار الأسد.
وشمل رفع العقوبات مؤسسات عاملة في قطاعات الطاقة والنقل والمال، منها الخطوط الجوية السورية والمؤسسة العامة للنفط والمصرف الزراعي التعاوني والمصرف التجاري السوري.
لكن مع ذلك، أبقت لندن مئات العقوبات سارية ضد أفراد وكيانات أخرى من شأنها أن تسمح لها بمحاسبة الأسد ومساعديه على أفعالهم أثناء وجودهم في السلطة، وفق الحكومة البريطانية.
وتفاعلا مع الخطوة، قالت الخارجية البريطانية: إن لندن ملتزمة بالانتقال السياسي الشامل في سوريا، بما في ذلك حماية حقوق الإنسان، والوصول غير المقيد للمساعدات الإنسانية، والتدمير الآمن لمخزونات الأسلحة الكيميائية، والتحركات لمكافحة الإرهاب.
وأضافت الوزارة: "سنواصل الضغط على الحكومة السورية لضمان وفائها بالالتزامات التي قطعتها".
تجدر الإشارة إلى أن أجهزة الأمن التي أنشأها نظام حافظ الأسد وبقيت في عهد ابنه بشار الأسد شكلت طوال 54 عاما رعبا للسوريين ومقرات لقتل وتعذيب المناهضين له.
فحتى سقوط نظام بشار الأسد كان هناك 48 فرعا أمنيا في عموم سوريا، وقد مارست هذه الأفرع منذ زمن والده حافظ أفظع أنواع التعذيب المنهجي بشكل يومي بحق المعتقلين وقتل داخلها الآلاف.
علاوة على قيادة وزارتي الدفاع والداخلية وجميع فروع الأجهزة الأمنية حملة القمع والقتل ضد السوريين إبان اندلاع الثورة والتي سقط فيها أكثر من نصف مليون قتيل على مدى 14 عاما.
وقد كان هناك أربعة فروع رئيسة بسوريا زمن بشار الأسد الهارب إلى روسيا، هي: المخابرات الجوية (الأمن الجوي)، والمخابرات العسكرية (الأمن العسكري)، والمخابرات العامة (أمن الدولة)، والأمن السياسي.

"فرض الأمن"
وراهنا، يبرز التحدي الأمني كعامل أساسي في تحقيق الاستقرار في سوريا خاصة في ظل مساعي دمشق لحث الدول للمساعدة في البدء في عملية التعافي الاقتصادي.
فقد حاول فلول الأسد في 6 مارس 2025 عزل الساحل السوري، وتهديد الانتقال السياسي في البلاد، حينما هاجم ضباط وعناصر ومليشيات تتبع نظام الأسد المخلوع، دوريات الأمن التابعة للدولة السورية الجديدة بمحافظتي طرطوس واللاذقية على البحر الأبيض المتوسط.
إلا أن وزارتي الداخلية السورية والدفاع تمكنتا من إفشال حالة التمرد وقتل واعتقال العشرات من عناصر النظام البائد وفرض الأمن في جميع أنحاء محافظتي طرطوس واللاذقية بأقل من 24 ساعة.
وضمن هذا السياق، يقول المحلل والخبير العسكري والإستراتيجي، العقيد السوري أحمد حمادة: إن "خطوة بريطانيا تجاه مؤسسات الدفاع والداخلية والاستخبارات في سوريا، متقدمة لكونها تدرك أن استتباب الأمن في سوريا هو لمصلحة هذا البلد والإقليم ودول العالم".
وأضاف لـ “الاستقلال” أن "رفع العقوبات ركز على الداخلية والدفاع والاستخبارات المنوط بها حفظ الأمن في هذه المرحلة من عمر البلاد وفرض القانون والسيطرة على الجماعات والتنظيمات غير المنضبطة مثل تنظيم الدولة وغيرها وملاحقة ضباط الأسد المتوارين وجلبهم للعدالة".
وأردف حمادة بالقول: "في حالة سوريا إذا كانت وزارتا الدفاع والداخلية وجهاز الاستخبارات تعاني من الضعف ومن نقص الوسائل القتالية والأجهزة المتطورة فسيساهم ذلك في انتشار الفوضى وتعود مثل تلك التنظيمات للنشاط من جديد".
وتابع: "رفع العقوبات من بريطانيا هو اعتراف منها بأنه يجب تقوية المنظومة الأمنية الجديدة في سوريا من أجل السيطرة على البلاد وفرض الأمن وعدم تهديد دول الجوار ودول العالم".

"تبادل المعلومات الاستخبارية"
إلا أن الخطوة البريطانية وفق المراقبين تمثل تحولا كبيرا في السياسة، ولكن من غير المرجح أن يكون لها تأثير مادي كبير دون أن تحذو الولايات المتحدة حذوها.
إذ يكمن السر في رفع الولايات المتحدة للعقوبات المصرفية وإمكانية إجراء تحويلات مالية إلى سوريا.
وضمن هذه الجزئية، يرى الخبير العسكري والإستراتيجي السوري، العقيد فايز الأسمر، أن "الخطوة التي قامت بها بريطانيا في رفع العقوبات عن 12 كيانا سوريا من بينها وزارات سيادية كالدفاع والداخلية والأجهزة الأمنية هي خطوة مهمة على مسار تعافي سوريا الطويل والصعب".
وأضاف الأسمر لـ "الاستقلال" قائلا "لكن لا أتوقع أن يسهم هذا الأمر في تسليح الجيش أو الأمن السوري بأسلحة حديثة ودقيقة أو تزويدهم في تقنيات الحرب الإلكترونية وتقنيات الحروب السيبرانية وسيقتصر الأمر على التقنيات العادية وتبادل المعلومات الاستخبارية أو على أمور تدريبية لا أكثر؛ وذلك لأن إسرائيل لن تسمح بأي صفقات إستراتيجية تطور الجيش والأجهزة الأمنية وتزيد من قدراتهما خاصة الهجومية".
وبما أن معظم السلاح السوري منذ أكثر من سبعة عقود هو من روسيا، فإن الخطوة البريطانية تفتح الباب أمام الدولة السورية الجديدة لتوسيع دائرة عقود الأسلحة والخروج من التبعية الروسية، وفق المراقبين.
ولعل هذا وفق الخبراء ما يعطي الدولة السورية الجديدة "أوراق قوة جديدة" بظل المفاوضات الجارية بين دمشق وموسكو لتحديد شكل الوجود الروسي بسوريا الذي تأسس منذ عام 2015 حينما تدخلت روسيا عسكريا لصالح الأسد قبل أن يمنحها الأخير عقدين مدة كل منهما 49 عاما لإقامة قاعدة جوية باللاذقية تدعى قاعدة حميميم، وقاعدة بحرية روسية في طرطوس على ساحل البحر الأبيض المتوسط.
ولا سيما أن دمشق تعمل الآن على إعادة رسم طبيعة العلاقة مع روسيا بما يخدم "مصالح البلدين وليس الهيمنة" كما كان ذلك زمن حقبة بشار الأسد الذي فر إلى موسكو ويقيم هناك حاليا بموجب لجوء إنساني منح له ولزوجته "أسماء الأخرس" وأولاده الثلاثة حافظ وكريم وزين.
وهذا ما يشير إليه الكاتب والباحث السياسي السوري "سامر الخليوي" بقوله "من الممكن الآن أن يكون هناك تعاون بين الاستخبارات البريطانية ونظيرتها السورية في قضايا تهم مكافحة الإرهاب".
وأضاف الخليوي قائلا في تصريحات تلفزيونية "كما يمكن أن يكون هناك تعاون عسكري بين لندن ودمشق تفتحه رفع تلك العقوبات وخاصة أن التسليح في سوريا حتى سقوط الأسد كان من الاتحاد السوفيتي ومن بعده من روسيا".
ولفت الخليوي قائلا: "الآن هناك مطالبات أوروبية بإغلاق القواعد العسكرية الروسية في سوريا من أجل رفع العقوبات، بمقابل محاولات من موسكو لبقاء الاتفاقيات السابقة المبرمة مع نظام الأسد".
وأردف "بالمقابل هناك محاولات من سوريا للضغط على روسيا لتسليم بشار الأسد والضباط المتورطين بالدم السوري الذين فروا إلى موسكو، وأيضا تسليم الأموال السورية التي نهبت من قبل الأسد ومن معه وجرى نقلها إلى روسيا".