ثعالب النار.. هكذا سحقت المقاومة فرقة غزة الإسرائيلية في طوفان الأقصى

منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

مازالت صاعقة عملية "طوفان الأقصى" العسكرية التي شنتها حركة المقاومة الإسلامية حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تبعث بأصدائها داخل إسرائيل المضطربة. 

وأطلقت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس هذه العملية ردا على انتهاكات الاحتلال في المسجد الأقصى، وكبدت إسرائيل 1400 شخص بين جنود ومستوطنين بعد الهجوم على مستوطنات غلاف غزة.

وهو ما دفع وزير المالية بالحكومة الإسرائيلية بتسلئيل سموتريتش للقول في 15 أكتوبر: "يجب الاعتراف بصدق وألم ورؤوسنا محنية، أننا فشلنا في الحفاظ على أمن إسرائيل، وأن القادة والمؤسسة الأمنية أخفقوا وسيأتي وقت التحقيق". 

وبالدخول إلى تفاصيل عملية "طوفان الأقصى" فإن حماس وجهت ضربتها في الساعات الأولى لفرقة غزة بالجيش الإسرائيلي والتي كانت معنية بأمن مستوطنات الغلاف، والمتأهبة دائما لشن الحرب. 

هذه الفرقة التي أسقطتها حماس وسببت صدمة لصناع القرار في الدولة العبرية، من أقوى وأشرس وحدات جيش الاحتلال، ولها تاريخ طويل في خوض الحروب والتجسس وتنفيذ عمليات خاصة ضد المقاومة والشعب الفلسطيني. 

فما هي فرقة غزة؟ وكيف نشأت؟ وكيف انهارت في ساعات معدودة أمام وحدة النخبة في كتائب القسام؟ 

ثعالب الجنوب

"فرقة غزة" تحمل الرقم (643) في منظومة جيش الاحتلال، وتعمل تحت لواء المنطقة العسكرية الجنوبية، ويقع مقرها الرئيس في قاعدة "رعيم" العسكرية التي تبعد عن القطاع المحاصر نحو 7 كيلومترات.

تتركز مهمتها الرئيسة في حماية الحدود المتاخمة لقطاع غزة وإدارة عمليات الاغتيال ضد المقاومة أو أي مشتبه به. وتعمل أيضا على تدمير الأنفاق التي تكتشفها، وتضم لواءين: شماليا وجنوبيا.

وأنشئت "فرقة غزة" عام 1987 في أعقاب انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وكان اسمها في البداية "مجموعة ثعالب الجنوب".

وتركزت مهمتها بالسيطرة على غزة وخانيونس ورفح، واتخذت من مستوطنة "نفيه دكاليم" مقرا لها، وقد كانت هذه المستوطنة هي المقر الإداري للمستوطنين، قبل أن يتم هدمها لاحقا.

وللمفارقة فإن تاريخ تأسيس فرقة غزة الإسرائيلية، يتزامن مع تأسيس حركة حماس (ديسمبر/كانون الأول 1987).

وبقيت الفرقة تمارس عملها في قطاع غزة حتى عام 1993 في أعقاب اتفاقية "غزة-أريحا" في مايو/أيار 1994، والتي تضمنت انسحاب إسرائيل من المدينتين وتشكيل السلطة الفلسطينية وأجهزتها.

بعدها انسحبت من مراكز المدن الفلسطينية وغزة، لتتمركز في المستوطنات الإسرائيلية داخل القطاع في منطقة "غوش قطيف".

ثم عملت على حراسة الحدود مع غزة والإشراف على المعابر، وبعد الانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع عام 2005 خرجت الفرقة منه واستقرت على حدوده.


وتمثل فرقة غزة التي سحقتها حماس قوة ضاربة، حيث تشكل سبع الجيش الإسرائيلي، ويقدر عدد جنودها بعشرين ألفا يتوزعون بين فرق قتالية ووحدات هندسية واستخباراتية.

ولها خصوصيتها لأنها خط الدفاع الأول على طول السياج الذي يفصل قطاع غزة عن الأراضي المحتلة، لذلك يجرى دعمها بكل الإمكانات والأدوات العسكرية والتقنية. 

اللواءات والوحدات

أما الوحدات القتالية المنضوية تحت لواء فرقة غزة، فيأتي على رأسها اللواء الشمالي ويحمل اسم "هغيفن". 

وكان يعمل منذ عام 1988 في وسط مدينة غزة كمركز له، ومن هناك أدار عمليات مواجهة المقاومة وملاحقتها.

وكان المسؤول عن توفير الحماية للمستوطنات الصهيونية شمال القطاع، وعن إدارة وتشغيل معبر بيت حانون "إيرز".

وبعد الانسحاب الإسرائيلي من القطاع عام 2005، نقل مقره إلى مستوطنات غلاف غزة. 

أما اللواء الثاني والأكثر خطورة في فرقة غزة فهو لواء الجنوب، ويعرف بـ"لواء قطيف".

وكان يوفر الحراسة لتجمعات استيطانية في غزة منها "قطاع أشكول"، وتولى مهمة حراسة مستوطنات القطاع "غوش قطيف". 

هذا اللواء أقدم من فرقة غزة نفسها، فقد تأسس بعد حرب 5 يونيو/حزيران 1967، وكانت مدينة خانيونس جنوب القطاع مقرا له.

وبعد الانتفاضة الأولى (1987) أوكلت له قيادة الجزء الجنوبي من القطاع، لينتقل بعد الانسحاب إلى منطقة "كرم أبو سالم".

وهناك وحدات عسكرية خاصة ومجهزة تعمل من خلال اللواء الجنوبي أهمها وحدة شمشون المرقمة بـ367، وينشط أفرادها ضمن فرق المستعربين، وقد دمجت مع وحدة "دوفدفان". 

وتولت الوحدة مهمة اغتيال القيادات الفلسطينية في غزة، لا سيما قيادات كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس. 

أما الوحدة الأخرى التابعة للواء الجنوب فهي وحدة "أفيري هبلادا" أو "فرسان الفولاذ"، التي تشكلت عام 2003 بعد ارتفاع العمليات الفدائية لحركات المقاومة الفلسطينية في غزة. 

وأوكلت إلى هذه الوحدة تحديدا مهمة كشف وهدم أنفاق غزة، وتنفيذ عمليات اغتيال، وهدم منازل الناشطين الفلسطينيين.

وتنخرط الوحدة في قتال عناصر المقاومة داخل القطاع، ولها صلاحيات أخرى مثل شق الطرق وهدم المنازل.

مجرمو حرب 

أخذت هذه الفرقة على عاتقها المشاركة كوحدة رئيسة في جميع الحروب التي خاضتها إسرائيل على قطاع غزة. 

وجهزتها دولة الاحتلال عندما أنشأت لها قاعدة "رعيم" العسكرية عام 2008، بتكلفة مئة مليون شيكل إسرائيلي (25 مليون دولار أميركي)، وذلك بالقرب من كيبوتس "رعيم" الذي يسكن فيه عدد كبير من المستوطنين،

ونقلت حكومة الاحتلال مقرات الفرق والأقسام والوحدات الهندسية والتقنية والاستخباراتية إلى تلك القاعدة. 

وعندما اندلعت الحرب على غزة نهاية 2008 وبداية 2009، والتي أطلقت عليها المقاومة "حرب الفرقان" كانت الفرقة في مقدمة المهاجمين، لكنها تكبدت خسائر فادحة. 

وسقط من أفراد الفرقة في تلك الحرب 14 جنديا ومئات المصابين، لكنها تسببت بمقتل 900 مدني من أهالي القطاع معظمهم من النساء والأطفال. 

وفي 8 يوليو/تموز 2014، شكلت فرقة غزة العامود الأساسي للجيش الإسرائيلي في العملية العسكرية التالية على القطاع، والتي أسمتها المقاومة "العصف المأكول". 

كانت هذه الحملة من أشرس الحملات على القطاع، وأعلن أن الغرض الأساسي منها اقتحام غزة والقضاء الكامل على حركة حماس وفصائل المقاومة. 

ورغم ضراوة الهجوم ومقتل 2147 مدنيا فلسطينيا أغلبهم أيضا من النساء والأطفال. فإن فرقة غزة تعرضت لخسائر فادحة، وقتل منها 72 عسكريا، بحسب البيانات الرسمية الإسرائيلية التي تكتمت على عدد الخسائر، نظرا لثقلها. 

خاصة أن الفرقة أخذت على عاتقها معركة حي الشجاعية عندما أمطرتهم وحدات القسام بوابل من الرصاص وقذائف الهاون والآر بي جي.

مما جعلها تنسحب مخلفة وراءها عددا كبيرا من القتلى والجرحى، بحسب هيئة الإسعاف الإسرائيلية (نجمة داود الحمراء). 

بعدها جعلت الحكومة الإسرائيلية الأولوية لإسناد ودعم هذه الفرقة بشكل أكبر، وتأهيلها للعمليات العسكرية القادمة في غزة، لذلك في عام 2015 جرى تغيير لقبهم من "ثعالب الجنوب" إلى "ثعالب النار". 

هزيمة مروعة 

لكن هذه الفرقة بعددها وعدتها لم تتوقع أن تتعرض لهزيمة مروعة على يد وحدة النخبة في كتائب القسام. 

ففي 7 أكتوبر 2023، أعلنت حركة حماس أن فرقة غزة سقطت بكاملها، مع اقتحام غلاف القطاع، واجتياح قاعدة "رعيم" مقر الفرقة. 

وقتل عدد من أبرز وأهم قادة الجيش التابعين لفرقة غزة ولواء الجنوب بداخلها، على رأسهم العقيد يوناتان شتاينبرغ (42 عاما) قائد لواء ناحل، أحد ألوية المشاة الخمسة بالجيش الإسرائيلي والمنضوي في الفرقة.

الضابط الثاني البارز من فرقة غزة الذي سقط في العملية، هو العقيد روي يوسف ليفي (44 عاما) قائد الوحدة المتعددة الأبعاد (وحدة الشبح). 

وقد قتل ليفي في اشتباكات مع مقاتلي القسام داخل قاعدة رعيم، وسبق أن أصيب في حرب الفرقان عام 2014.

وبحسب الصحافة العبرية، فإن ليفي ومعه شتاينبرغ من أعلى الضباط رتبة الذين فقدتهم إسرائيل في معاركها خلال سنوات طويلة.

كما قتل المقدم سهار مخلوف قائد كتيبة الاتصالات 481 خلال اشتباكات مع المقاومة في قاعدة رعيم أيضا.

وفي 16 أكتوبر 2023 أعلن الجيش الإسرائيلي أن 291 بين جندي وضابط قتلوا في عملية طوفان الأقصى، في حين بلغ العدد الكلي للقتلى الإسرائيليين أزيد من 1400 قتيل.

وهذا أكبر رقم على الإطلاق تفقده إسرائيل خلال حروبها المستمرة ضد المقاومة الفلسطينية، وهو ما ترك آثارا سلبية لن تمحى بسهولة.

وفي 14 أكتوبر صرح قائد فرقة غزة آفي روزنفيلد، بأنه فوجئ بهجوم "حماس". وقال: "استيقظنا جميعا على مفاجأة كبيرة جدا لهجوم قاس للغاية، لم نكن نعرف عنه، لقد فوجئنا به".

وأتبع: "سيكون هناك متسع من الوقت للتحقيق والنظر إلى الوراء بشأن ما حدث هنا"، وفق قوله.

وإضافة إلى عدد القتلى، أعلن الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة في 17 أكتوبر أن عدد الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة بين 200 إلى 250 أسيرا.