"جيل زد" و"حركة عشرين فبراير" في المغرب.. سمات ومطالب كل حراك

سلمان الراشدي | منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في المغرب، تتجدد أشكال التعبير عن الغضب الاجتماعي وسط شعور متزايد بالتهميش وفقدان الثقة في الفاعلين التقليديين، مما ينذر بتصاعد الاحتقان وعودة طرح أسئلة العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة، على وقع البحث عن الإجابات في الشارع.

وبين تجربة "حركة 20 فبراير" التي شكّلت علامة فارقة عام 2011 مع رياح “الربيع العربي”، وظهور "جيل زد" عام 2025 مع نكوص سياسي واجتماعي، تبرز نقاط تشابه واختلاف تعكس تحوّلات في طبيعة الاحتجاج وأساليبه.

الاختلاف أقوى

وفي تفاعله مع هذا السياق، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس، إسماعيل حمودي، إن "هناك بعض التشابه بين جيل زد وحركة 20 فبراير".

وأوضح حمودي لـ"الاستقلال" أن "التشابه أولا على مستوى الشعارات وبعض المطالب من قبيل رفع جيل زد لشعار الحرية كرامة عدالة اجتماعية أو شعار الربيع العربي الذي كان (ارحل)، وحاليا (ارحل أخنوش) فهذه شعارات مكررة، يعني فيها استمرار بين عشرين فبراير وجيل زد".

واستدرك: "لكن عناصر الاختلاف أقوى، أولا على مستوى هوية الحركتين، جيل زد حالة شبابية تعبر في الواقع عن جيل رقمي أساسا، وهذا الجيل الرقمي يختلف عن أجيال حركة 20 فبراير التي كانت فيها أجيال متعاقبة". 

وذكر حمودي أن "عشرين فبراير حركة تشمل كل الأجيال التي ناضلت طيلة تاريخ المغرب من أجل الحرية والاستقلال والكرامة وإصلاح دستوري وغير ذلك، وهذه نقطة على مستوى المكونات". 

ولفت إلى أنه “على مستوى الهوية عشرين فبراير كانت ذات هوية سياسية فهي حركة مطالبها سياسية بحيث إنها رفعت مطلب تغيير الدستور، وفصل السلط وفصل السلطة عن الثروة، فهذه كانت مطالب سياسية بالأساس”.

واستدرك: “لكن جيل زد يرفع مطالب ذات مضمون اجتماعي على رأسها الصحة والتعليم والقضاء على الفساد، فهي مطالب اجتماعية بالأساس، هذا على مستوى الشعارات تحديدا، ويحمل الحكومة مسؤولية الفشل في هذه القطاعات الاجتماعية ومن ثم يطالب بإقالتها أو بانتخابات سابقة لأوانها أو غير ذلك ”.

وقال الأكاديمي حمودي: “إذن مضمون حركة عشرين فبراير سياسي بينما مضمون جيل زد اجتماعي".

واسترسل: "كما أن هناك عنصرا آخر فيه اختلاف وهو أن عشرين فبراير كان يقودها شباب وقيادات سياسية ونقابية ونخب معلومة للجماهير بهوية مكشوفة، فنتحدث عن أسماء أسهمت في صناعة الحركة وهي أسماء معروفة بأشخاصها ومساراتها السياسية والنقابية والطلابية أو غير ذلك”.

وتابع: “بينما هوية الذين يقودون هذا الحراك، حراك جيل زد مجهولون لا نعرف عنهم أي شيء، يعيشون في الفضاء الرقمي أساسا ويستعملون أسماء مستعارة ومن الصعب الوصول إليهم والتعرف على هويتهم سوى أنهم جيل رقمي بدون قيادة بدون بنية نظامية بدون أي شيء”.

وخلص حمودي إلى القول: “من هنا نتحدث عن حالة رقمية ترفع مطالب ذات مضمون اجتماعي، لنلاحظ أن عناصر الاختلاف أقوى من عناصر الاستمرارية”.

ورأى أن “جيل زد سيجد صعوبات بدأت تتضح من الآن، حيث وجد نفسه في عزلة سياسيا واجتماعيا عن باقي الهئيات الموجودة في المجتمع، وهذه العزلة قد ترتد عليه سلبا، بينما عشرين فبراير كانت محتضنة من قبل الأحزاب وقوى اجتماعية وسياسية واسعة وساهم ذلك في تحقيق مطالبها".

واستطرد: "بالتالي أشك أن موجة جيل زد ستحقق المطالب التي ترفعها بشكل الذي تتوقعه، لكنها تظل بمثابة جرس إنذار للسلطة والدولة والحكومة من أجل الاهتمام أكثر بالقطاعات الاجتماعية، لأن هناك فعلا أزمة اجتماعية في المغرب”.

ونبه حمودي إلى أنه "بالنسبة للتيارات الفكرية والتنظيمات والجماعات المرتبطة بهما، الملاحظ أن عشرين فبراير كانت محتضنة كما قلت من طرف هيئات وتيارات إسلامية يسارية أمازيغية، يعني أن مختلف التيارات كانت حاضرة في الفعل السياسي والاجتماعي الذي قادته الحركة". 

وأضاف "على خلاف جيل زيد فهم منذ البداية أعلنوا تبرؤهم من الأحزاب والقوى والتيارات، ولحد الآن بدايتهم كانت بدون هوية فكرية سياسية وتنظيمية واضحة، ومن الصعب التعرف على هؤلاء الذين يقودون هذه المجموعة".

منتوج رقمي

بدوره، يرى الباحث في الشأن السياسي، رشيد البلغيتي، أن "‏حركة 20 فبراير كان سقفها سياسي، بمعنى أنها طالبت بدولة ديمقراطية فيها فصل للسلطات، ورأت أن الدستور هو المدخل الأساسي لكل إصلاح، تليه إصلاحات طبعا ذات طبيعية اجتماعية وثقافية".

وأضاف البلغيتي "بينما هذا الجيل مطالبه اجتماعية مباشرة لها عنوانين رئيسيين وهما الصحة والتعليم".

ولفت في برنامج على قناة “دويتشه فيله” الألمانية في 30 سبتمبر/ أيلول 2025، إلى أن "عشرين فبراير كانت حركة بوجوه معروفة تناقش بشكل علني في الويب قبل أن تخرج إلى الشارع العام".

 

واستطرد: “يبدو أن التراكم الذي خلفته المقاربة الأمنية لسنوات طويلة جعلت هذا الجيل جيلا يتحدث بأسماء المستعارة داخل غرف الويب المغلقة قبل أن يخرج مكشوف الوجه”.

وتابع: "هم شبان وشابات فتيات وفتيان زهور من أزهار المغرب يخرجون علنا للمطالبة بالصحة والتعليم ومحاربة الفساد مع نوع من التبرم تلميحا أو تصريحا من المطالب السياسية الكبرى".

وأوضح البلغيتي أن "جيل زد هو منتوج خالص للإنترنيت، ليس له تنظيم هيكلي تقليدي، وليست له قيادة معروفة على الأقل منذ خروجه إلى الشارع، وذلك عكس حركة 20 فبراير".

ولفت إلى أن "أعضاءه ينتمون إلى نفس الشريحة العمرية التي قامت خلال السنة الماضية بحملة تعبئة رقمية (خاصة على منصة تيك توك) من أجل الهجرة الجماعية إلى إسبانيا عبر مدينة سبتة شمال المغرب".

وذكر أنها "اليوم تفضل استعمال منصة ديسكورد من أجل إخفاء هويتها".

ومن خلال مقارنته بين مظاهرات اليوم ومظاهرات 20 فبراير التي أدت إلى تبني دستور جديد للبلاد، يرى البلغيتي أن “حركة 20 فبراير كان لها مطلب سياسي رئيس هو المطالبة بإصلاح يتعلق بشكل الدولة والفصل التام بين السلطات وبإقامة برلمان يمارس سلطات حقيقية". 

أما "مطالب حركة جيل زد فهي عامة ذات طابع اجتماعي، وهي مطالب تتسم بنوع من الرومانسية السياسية التي تعتقد أن الإصلاح ممكن بمعزل عن سياسة الدولة”، يوضح البلغيتي.

بنية غير تقليدية

وفي تفاعل حكومي، قال وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، يونس السكوري، إن احتجاجات "جيل زد" لا تتوفر على تنظيم كلاسيكي، يضم أشخاصا يمكن الجلوس معهم للتعبير عن مطالبهم، "مما يجعل تنظيم الحوار صعبا".

وأضاف السكوري خلال تصريح صحفي في أعقاب اجتماع المجلس الحكومي في 2 سبتمبر 2025، أن الحكومة مستعدة لفتح حوار بشأن احتجاجات جيل زد، لكن في إطار من الشفافية يتيح وجود مخاطب معلوم، وذلك في آجال قصيرة.

وشدد على أن "الحكومة ملتزمة بالإنصات لمطالب الشباب والتجاوب معها عبر إجراءات عملية، بعيدا عن الاكتفاء بالعناوين العريضة في قطاعات التعليم والصحة".

بدوره، قال وزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد المهدي بنسعيد، إنه وجه دعوة إلى عدد من الشباب المنتمين إلى "جيل Z زد" للقاء بهم، من أجل مناقشة القضايا التي تندرج ضمن اختصاصاته كوزير للشباب، لكنه لم يتلق أي رد منهم. 

وجدد بنسعيد دعوته للنشطاء خلال مشاركته في برنامج حواري على قناة "ميدي1 تيفي" المغربية، في 4 أكتوبر، مؤكدا استعداده لمحاورتهم بشكل علني، على أي منصة يختارونها، معتبرا أن "التفاصيل التقنية ليست جوهر الموضوع ". 

وأفاد بأن الحكومة "لا يمكنها التحدث إلى ألف شخص"، مشددا على "ضرورة وجود تمثيلية واضحة للمحتجين تتكون من أشخاص معروفين يمكن التحاور معهم ". 

وأضاف أن اللقاء مع ممثلي المحتجين، سواء على المنصات أو داخل المؤسسات، "ليس سوى تفصيلا تقنيا، وليس هو المشكل الحقيقي"، متسائلا: “أنا مستعد للتوجه إلى هؤلاء الشباب أينما كانوا، لكن مع من أتحدث منهم؟ ”

لكن الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، نبيل بنعبد الله، قال إن "الحكومة الحالية مطالبة بتقديم استقالتها، نزولا عند رغبة مختلف مكونات الشعب المغربي"، ويرى أنها "حكومة فاشلة فقدت ثقة المواطنين".

ومعلقا على احتجاجات شباب "جيل زد" خلال لقاء حزبي في 4 أكتوبر 2025، أوضح بنعبد الله أن الحكومة "لم تُصغِ لمطالب المغاربة، ورفعت شعارات فارغة سرعان ما تبيّن أنها بلا مضمون". 

ويرى أن موجة الغضب الشعبي الحالية "ليست سوى نتيجة طبيعية لسياسات لم تستجب للانتظارات الاجتماعية والاقتصادية".

وشدد بنعبد الله على أنه "لا جدوى من انتظار سنة 2026 للحكم على هذه الحكومة، فقد يكون الانفراج قبل ذلك إذا ما امتلكت الشجاعة الكافية لتقديم الحساب أو حتى الاستقالة".

ربع السكان

وبشكل مفاجئ، ظهرت المجموعة التي اختارت اسم "GENZ212" (Generation Z/ مع رمز الاتصال الدولي للمغرب 212)، على منصات الإنترنت وتحديدا تطبيق “ديسكورد” للألعاب، ويبلغ عدد أعضائها حتى 5 أكتوبر أكثر من 180 ألف عضو. ويعني 

وبعد أن قررت التظاهر يومي 27 و28 سبتمبر 2025، استمرت الاحتجاجات عقب مجابهة السلطات للشباب بالعنف الشديد والضرب والاعتقالات رغم سلمية المظاهرات.

وفي نقاشاتهم عبر تطبيق "ديسكورد"، يشدد القائمون على الحركة على ضرورة استخلاص العبر من تجارب احتجاجية سابقة مثل حركة 20 فبراير" وحراك الريف وجرادة، رافضين أي "توظيف سياسي أو تدخل خارجي".

وتتمحور مطالب المجموعة حول إصلاح التعليم والقطاع الصحي، وتوسيع فرص العمل، ومحاربة الفساد، فيما يحرصون على وضع خطوط حمراء تمنع الإساءة إلى الرموز الدينية أو المؤسسات، والتشديد على الانضباط لتفادي الاختراق أو العنف.

في تقرير حول ملامح هذا الجيل الذي دعا للتظاهر وخرج للشوارع، وصفه موقع "هسبريس" المغربي بأنه "يشكل ثقلا ديمغرافيا يتجاوز ربع سكان المغرب، لكنهم في الوقت ذاته الفئة الأكثر تضررا من أزمة البطالة والهشاشة الاجتماعية".

وتتراوح أعمارهم بين 13 و28 سنة اليوم، أي أنهم ولدوا ما بين 1997 و2012، وحسب معطيات المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة رسمية)، يبلغ عدد المغاربة البالغين ما بين 13 و28 سنة اليوم ما مجموعه 9 ملايين و657 ألفا و283، ويمثلون حوالي 26.3 بالمئة من مجموع سكان المملكة.

الأعداد متقاربة بين الجنسين، إذ إن نسبة الذكور تبلغ 50.9 بالمئة بـ4.913.601 ذكر، مقابل 4.743.682 أنثى، بنسبة 49.1 بالمئة.

ويقول الخبير في الأمن الرقمي حسن خرجوج، إن "جيل زد ينجذب إلى منصة ديسكورد لكونها توفر فضاءات مغلقة وآمنة على عكس مواقع أخرى مثل فيسبوك الذي يتيح مساحات مفتوحة، كما أنها تمنح المستخدمين حرية أكبر في التعبير عبر هويات افتراضية وبعيدا عن رقابة العائلة".

وأوضح خرجوج لموقع "الجزيرة نت" في 3 أكتوبر، أن "ميزة الخصوصية تمثل جوهر قوة ديسكورد، فالوصول إلى الخادم لا يتم إلا عبر رابط خاص، وهو ما يجعل الفضاء محصورا في دائرة المهتمين فقط". 

وأكد أن "غياب خوارزميات التتبع كما هو الحال في إنستغرام وتيك توك وفيسبوك، جعلها أكثر تفضيلا لدى هذا الجيل".

وأشار خرجوج إلى أن "ديسكورد يجمع أدوات متعددة في مكان واحد، من المحادثات النصية إلى المكالمات الصوتية والمرئية وتقاسم الروابط، وهو ما يلبي حاجيات هذا الجيل الذي يبحث عن مرونة وأمان في الوقت نفسه".