هل تلتقط الأنظمة العربية إشارات الغضب القادم من "جيل زد" المغربي؟

إسماعيل يوسف | منذ ٩ ساعات

12

طباعة

مشاركة

احتجاجات واضطرابات قادها شباب "جيل زد" في المغرب، والذين انتقلوا من الإنترنت إلى الشوارع للاحتجاج على تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، مقابل البذخ في الإنفاق على الاستعدادات لمونديال 2030، الذي سيقام في المغرب وإسبانيا والبرتغال.

وأدان المتظاهرون "الفساد الواسع النطاق"، وقارنوا بين تدفق مليارات الدولارات على استعدادات كأس العالم 2030 مقابل نقص التمويل وسوء حالة المدارس والمستشفيات.

ونددوا بما وصفوه "أولويات الحكومة الخاطئة"، واتهموها بإنفاق مليارات على الاستعدادات لكأس العالم، على حساب الخدمات الاجتماعية الأساسية كالصحة والتعليم، ووقعت مصادمات مع الأمن وحرق سيارات وقتلى وجرحى.

ما لفت الأنظار هو قيام "جيل زد"، من الشباب صغير السن الذي ربما لم يعاصر الربيع العربي عام 2011، ولا يلتزم بأي ضوابط أو كوابح للغضب، بهذه الاحتجاجات في العديد من المدن المغربية لحد محاولة اقتحام مركز دركي.

وقيام زملاء هذا الجيل (زد) بتحرك مشابه، في دول مثل مدغشقر ونيبال وكينيا، حيث اجتاحتها احتجاجات واضطرابات مماثلة قادها الشباب.

وسط حالة صمت وقلق وترقب في دول الربيع العربي السابقة التي شهدت انقلابات وثورات مضادة، دفعت سياسيين ونشطاء لنصح الأنظمة العربية بتدارك الأمر وإطلاق إصلاحات ومعتقلين، لأن جيل زد أشد عنفا من جيل الربيع العربي ولا يعرف الضوابط.

انعكاسات الأحداث

كان خروج جيل الألفية الجديدة "Z" ليندد بالفساد، ويطالب بإصلاح منظومة الصحة والتعليم، بصفتها أهم وأولى من استضافة المغرب لكأس العالم، فيه دلالة على نضج مبكر لهذا الجيل، وإدراك لتدني الأوضاع الاقتصادية.

الاحتجاجات التي وُصفت بأنها الأكبر منذ سنوات، بدأت سلمية واستمرت هكذا في بعض المدن، لكن مدنا أخرى شهدت اشتباكات عنيفة بين قوات الأمن والمتظاهرين، وحرب شوارع وإشعال النيران في سيارات الأمن.

قيام بعض المحتجين باقتحام إدارات ومؤسسات وبنوك ومحلات تجارية، وتخريب منشآت عامة، في مدن، إنزكان وآيت عميرة وتيزنيت ضواحي أكادير.

وقيام مجموعة أخرى من الأشخاص بحمل أسلحة بيضاء، وزجاجات حارقة، ورشق الحجارة، حسبما أعلنت وزارة الداخلية المغربية، كان رسالة خطيرة للسلطة، رغم نفي "زد" علاقتها بهم.

إذ إن فئة الشباب هم الأكثر تضررا من الفوارق الاجتماعية والبطالة والتفاوت في مستويات التعليم والصحة بين القطاعين العام والخاص في المغرب، حيث تعد الفوارق الاجتماعية والطبقية معضلة رئيسة.

تشابه أوضاع الفساد والقمع واتساع الفوارق والتفاوت الاجتماعي بين 10 بالمئة من الأثرياء، و90 بالمئة من الفقراء، في غالبية الدول العربية، خاصة دول الربيع العربي، طرح تساؤلات عن احتمالات انتقال ثورة جيل "زد" إلى دول عربية أخرى. 

فمظاهر الإسراف على أنشطة الترفيه، ومشاريع لا تفيد سوى الطبقات الغنية ومنتجعاتهم ذات الرفاهية العالية، وتجاهل التعليم والصحة والتوظيف، تكاد تكون هي نفس الأمراض في دول الثورة المضادة وحتى بعض دول الخليج خاصة السعودية.

وفي كل مرة تندلع انتفاضة شعبية في أي دولة عربية، يتحجج مسؤولوها بأن مشاكل التعليم والصحة "موروثة"، وهو ما قالته الحكومة المغربية التي نفت إعطاء الأولوية للإنفاق على كأس العالم، وترى أن المشاكل التي يواجهها قطاعا الصحة والتعليم "موروثة من الحكومات السابقة".

لذا يخشى محللون وسياسيون عرب أن تنتقل الشرارة عاجلا أو آجلا من المغرب إلى مصر وتونس ودول عربية أخرى.

ويرون أن ما يجرى في المغرب ليس مجرد احتجاجات شبابية عابرة، بل انفجار رقمي أسرع من قدرة السلطة على الفهم، وأوسع من قدرة الإعلام الرسمي على التبرير.

وأن "جيل زد 212" خرج من شاشات الهواتف إلى شوارع الرباط والدار البيضاء وأكادير وغيرها لينقل رسالة لكل الأنظمة العربية عن سرعة انتشار الغضب، وأن جيلا كاملا لا علاقة له بربيع 2011 قرر أن يختبر قوته في الميدان بعنف هذه المرة.

محللون بدأوا ينصحون دول الربيع العربي السابقة والتي انقلبت بثورات مضادة أن تبادر باحتواء الغضب قبل أن يشتعل في دولها.

أسوأ نظام

خبير علوم سياسية واجتماعية مصري أوضح أن “آفة الأنظمة العربية أنها لا ترى الغليان الشعبي الذي يُطهى على نار هادئة، رغم أنه ظاهر لها بوضوح على مواقع التواصل”.

وأضاف لـ"الاستقلال" أنها "تتركه يغلي حتى ينتقل من شاشات الكيبورد إلى الشارع، ويصل حد الانفجار في احتجاجات يقودها شباب جيل زد بلا ضوابط أو قيادة للاحتجاج، ما ينتج عنه فوضى لتداخل مهمشين ومجرمين وأصحاب مصالح في هذه الفوضى".

الخبير الذي فضل عدم ذكر اسمه، شدد على أن تجربة إنفاق الحكومة المغربية ملايين الدولارات على التجهيز لاستضافة كأسي إفريقيا والعالم وإهمالها الإنفاق على الخدمات العمومية التي يحتاجها الشعب في معيشته اليومي، خاصة في مجالي الصحة والتعليم هي نفس ما تفعله بقية الأنظمة العربية.

مثل إنفاق أموال الشعب على مشاريع تفيد الطبقة الغنية فقط أو مشاريع هامشية لـ"الفشخرة" السياسية مثل تقليد القاهرة لأبو ظبي في الأبراج الشاهقة في الصحراء بدل بناء شقق سكنية للشباب العاجز عن الزواج، والقطار السريع.

وإنفاق السعودية أموال الشعب على مسابقات رياضية تناقض حتى طبيعة الشعب مثل مصارعة النساء، وغيرها من مظاهر انحلال وإسراف، منوها إلى "الغضب الشعبي العام مما يجرى في حرب غزة وتواطؤ الأنظمة وارتهان قراراتها لأميركا".

ويشير خبير العلوم السياسية، إلى أن مشكلة الأنظمة “هي المكابرة والتركيز على حماية نفسها بالقمع، بدلا من الاعتصام بالشعوب والاقتراب من مشاكلها وتلبية احتياجاتها، رغم أن مشاكل جيل زد أكثر وضوحا على مواقع التواصل التي تعد أجهزة إنذار مبكر”.

أيضا تعمل الطبقة المستفيدة من هذه الأنظمة من الفاسدين والجهات الأمنية على إجهاض أي إصلاحات ممكنة واعتقال من يدعون لها وزيادة صب الزيت على الحريق بتشديد القمع بدل التنفيس وحل المشاكل.

وحذر من أن “خطورة شباب جيل زد أنه جيل الإنترنت الذي لم يترب على أفكار حماية الاستقرار أو البناء، مثل جيل ثورات الربيع العربي، الذي كان أكثر وعيا وتنظيما وحرصا على الاستقرار، بل إن بعضهم يعد ما جرى لجيل الربيع العربي من خداع مبررا لما يفعله من تدمير”.

كما أن الكثير منهم يتحركون بدون تنظيم ويملؤهم الغضب الأعمى من تجاهل الأنظمة لمشاكلهم، الأكثر تعقيدا من الأجيال السابقة، فلا وظائف ولا حياة كريمة ولا إمكانية للزواج والاستقرار، وبالمقابل فساد متوحش وثراء فاحش مقابل فقر مدقع.

من جانبه، يؤكد صحفي ومحلل سياسي تونسي أن "احتمال انتقال موجة الغضب المغربية إلى دول عربية أخرى ليس مستبعدا، خصوصا أن المشكلات الجوهرية التي دفعت شباب المغرب للشارع -كالبطالة، وغلاء المعيشة، وانسداد الأفق السياسي - تكاد تتطابق مع أوضاع شريحة واسعة من الشباب العربي". 

وأشار المحلل التونسي لـ"الاستقلال" إلى أنه "مع تصاعد دور المنصات الرقمية كمساحات للتعبئة وبناء السرديات، تصبح العدوى الاجتماعية والسياسية أسرع وأكثر تأثيرا من أي وقت مضى".

ونوَّه إلى أن “السؤال الحقيقي ليس إن كانت الموجة ستنتقل، بل كيف ستتعامل الحكومات العربية مع هذه المؤشرات قبل أن تتحول إلى انفجار أكبر؟”

ويؤكد المحلل التونسي الذي فضَّل عدم ذكر اسمه أن "ما يجرى في المغرب لا يمكن النظر إليه بصفته حالة محلية فريدة، بل هو جزء من موجة اجتماعية عميقة يُعبر عنها "جيل زد" في أكثر من بلد عربي". 

وأرجع هذا إلى أن "هذا الجيل يعيش واقعا مختلفا عن الأجيال السابقة: أكثر اطلاعا، وأقل صبرا، وأكثر قدرة على التنظيم الرقمي، ونقل الغضب بسرعة عبر الحدود". 

وأشار إلى أن الرسائل التي يبعثها جيل زد المغربي واضحة: هناك جيل يشعر بالتهميش وفقدان الثقة في المؤسسات، ويبحث عن أدوات جديدة للتعبير والضغط". 

لذا يرى الخبير التونسي، أن "المطلوب اليوم ليس حلولا تجميلية أو أمنية فقط، بل إصلاحات عميقة تُعيد الثقة وتفتح آفاق المشاركة الفعلية أمام الشباب، إذ إن تجاهل هذه الرسائل قد يفتح الباب أمام موجة ربيع جديدة، وربما أكثر حدة وعنفا وتنظيما من سابقتها".

من جانبه، يقول الصحفي سليم عزوز: إن شباب "زد" غيرُ "شباب 25 يناير"، لذا دعا مصر أن "تحمي نفسها بنفسها بتغيير مجمل السياسات، وعودة أهلها أمة واحدة، وتحقيق الإصلاحِ السياسيِ السلميِ، بلا سجناء رأي، ولا احتكار فئة للسلطة والثروة.

ومن المعروف أن كل دول شمال إفريقيا، مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب “يملكون أسوأ نظام صحي حكومي وأسوأ مستوى تعليم”.

أسباب الاضطرابات

وبدأت الاحتجاجات أواخر سبتمبر، بمطالبات بتوفير تعليم ورعاية صحية أفضل، لكن الاضطرابات انتشرت مع مطلع اليوم الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2025، عقب التصدي الأمني العنيف لهم.

ظهرت بوادرها عبر الإنترنت من قبل مجموعة شبابية مجهولة الهوية تطلق على نفسها اسمGenZ 212، والتي كانت تستخدم منصات مستخدمة مثل تيك توك وإنستغرام وتطبيق الدردشة الاجتماعية للألعاب Discord لحشد الدعم.

وقد ارتفعت العضوية في منصة "ديسكورد"  الخاص بـGenZ 212 من حوالي 3000 قبل الاضطرابات بأسبوع لتصل إلى أكثر من 130 ألفا في 2 أكتوبر 2025.

كانت وقائع العنف الأكبر في المدن الأقرب لجنوب المغرب ووصل لمستويات خطيرة، تمثلت في محاولة مجموعة من الأشخاص الاستيلاء على الذخيرة والعتاد والأسلحة في مركز للدرك الملكي بمنطقة "القليعة" (وسط)، وفق وزارة الداخلية، التي بررت بذلك القتل والإصابات.

وأرجعت صحيفة "الغارديان" البريطانية، في 2 أكتوبر 2025، أسباب الاحتجاجات الغاضبة إلى السخط الشعبي على أولويات إنفاق السلطة.

وأشارت إلى استياء قطاعات من المجتمع بسبب الإنفاق الكبير على مشاريع البنية التحتية الرياضية ومشاريع استثمارية للأغنياء بدلا من الاستثمار في الصحة والتعليم الذي يريده غالبية الشعب.

ولفت تقرير لمجلة “أتلانتيك كونسل” في 2 أكتوبر، إلى أن “المظاهرات أخذت منحى أكثر عنفا في المدن والضواحي الأكثر فقرا؛ حيث تتجلى الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بشكل أوضح، ويزداد استياء السكان من الطبقة السياسية، مثل سلا (غرب) وإنزكان (وسط) ووجدة (شرق)”.

وهو أمر مرشح للحدوث في مدن عربية أخرى مُهمشة؛ حيث يعيش أغلب المجموعات الأكثر فقرا.

وقد أدان المتظاهرون الفساد واسع النطاق في البلاد، وقارنوا بين تدفق مليارات الدولارات من الاستثمارات على منشآت رياضية استعدادا لكأس العالم 2030 مقابل نقص التمويل وسوء حالة المدارس والمستشفيات.

وكانت الاحتجاجات بدأت بعد أقل من عشرة أيام على تدشين ولي العهد مولاي الحسن لملعب الأمير مولاي عبد الله بالرباط، بعد إعادة تهيئته خلال 18 شهرا، بتكلفة 80 مليون دولار.

فقد اندلعت مظاهرة في 14 سبتمبر 2025، أمام المستشفى العام “الحسن الثاني” بمدينة أكادير عقب وفاة عدة نساء حوامل هناك، بسبب عدم توافر الإمكانيات الطبية الكافية، ما عُدّ دليلا على تردي الرعاية الصحية وأثار موجة حزن وغضب.

ورغم مقارنة محليين بين الاضطرابات الحالية، و"حركة 20 فبراير" عام 2011، التي أفضت إلى تعديل الدستور المغربي في خضم "الربيع العربي"، ثم هدأت ولم تطالب بتغيير النظام، ترى صحيفة "لوموند" الفرنسية أنه "لا شيء مشترك تقريبا بين الحركتين".

فبينما قادت الأحزاب والنقابات “حركة 20 فبراير”، يصر شباب "زد" اليوم على الاستقلالية ويرفضون أي ارتباط حزبي بهم.

لذا التزمت أحزاب المعارضة، خصوصا اليسارية، الحذر مع هذا الجيل، ونقلت "لوموند" عن "مصدر سياسي" مغربي قوله: إن "مطالبهم (جيل زد) هي مطالبنا، لكن خطابنا تجاههم يجب أن يكون محسوبا بدقة".

وأسفرت الاحتجاجات عن مقتل 3 مغاربة وإصابة قرابة 400 بجروح واعتقال المئات وحرق وإتلاف 271 عربة تابعة لقوات الأمن و175 سيارة خاصة، واقتحام 80 من المرافق الإدارية والصحية والأمنية والبنوك والمحال التجارية بـ23 محافظة وإقليم. وفق معطيات الداخلية المغربية.

“جيل زد 212”

يُقصد بـ"جيل زد" الشباب ممن هم في سن يتراوح بين (15- 30 عاما) وهؤلاء يشكلون نحو ربع سكان المغرب وغالبية الدول العربية، ويُنظر إليهم كفئة مهمشة؛ إذ يعاني أغلبهم من بطالة تقارب 50 بالمئة، وتجاهل رسمي لمشاكلهم، ورؤية سوداوية للمستقبل.

وتشير التسمية (GenZ 212) إلى "جيل زد"، ورمز الهاتف الدولي للمغرب (212) واستوحت الحركة نفسها من انتفاضات "جيل زد" في آسيا وإفريقيا مثلما يحدث حاليا في مدغشقر وحدث في كينيا ونيبال وإندونيسيا.

وتصف مجموعة "جيل زد 212" التي ظهرت على موقع "ديسكورد"، نفسها بأنها "فضاء للنقاش" حول "قضايا تهم كل المواطنين مثل الصحة والتعليم ومحاربة الفساد"، وتؤكد رفض "العنف" و"حب الوطن والملك".

وتتمحور مطالب المجموعة حول إصلاح التعليم والقطاع الصحي، وتوسيع فرص العمل، ومحاربة الفساد، ويحرصون على وضع خطوط حمراء تمنع الإساءة إلى الرموز الدينية أو المؤسسات، والتشديد على الانضباط لتفادي الاختراق أو العنف.

لكن هذا لم يمنع من انتشار هتافات معادية للملك والمطالبة بسقوط "المخزن"، ويقصد به القصر وما يحيطه من مظاهر الفساد، وقيام بعض المشاغبين في الشوارع بعمليات نهب.

ويتألف "المخزن" من النظام الملكي والأعيان وملاك الأراضي، وزعماء القبائل وشيوخها وكبار العسكريين، ومديري الأمن ورؤسائه، وغيرهم من أعضاء المؤسسة التنفيذية.

وقد أعربت حركة "جيل زد" عن رفضها كل أشكال العنف والتخريب والشغب، بعد موجة الاحتجاجات الشبابية التي رافقتها أعمال عنف وتخريب.

ودعت إلى الالتزام بتنظيم وقفات احتجاجية سلمية في أماكن حضارية آمنة، لا يمكن الوصول إليها أو استغلالها من طرف عناصر دخيله يبحثون عن الفوضى.

وفي بيانهم الذي نشره ممثلو "جيل زد 212"، غير المعروفين، في 30 سبتمبر 2025 عبر منصة "ديسكورد" كتبوا يلخصون أمراض المغرب ودول أخرى قائلين: "نريد بلدا لكل المغاربة بلدا للمرضى، للأميين، للعاطلين والفقراء، وليس منبرا لسياسيين ممتلئي البطون، نحن بحاجة إلى مسؤولين يخدمون الشعب لا مصالحهم الخاصة".

وعلى هذه المنصة كانت قد وُلدت أول دعوة للتظاهر والاحتجاج في 18 سبتمبر 2025.

ويقول أحد شباب هذا الجيل لصحيفة "لوموند": إن حركتهم تعتمد حصرا على الشبكات الاجتماعية وتطبيقات المراسلة الفورية، كما أنها منظمة بشكل جيد مع منتديات نقاش موزعة حسب الجهات.

وما فاقم الأزمة، هو صعوبة التفاوض وغياب قيادة موحدة لجيل زد مُعلنة، ما يعني أن الحكومة لا تستطيع التفاوض على اتفاق واحد يلبي المطالب، ويصعب حل الأزمة سلميا عبر قنوات تقليدية.

قبل الانزلاق

وتقول الصحيفة الفرنسية: إن تعبئة "جيل زد 212" وضعت الحكومة المغربية على المحك، وفي مواجهة تحديات ضخمة، لذا تحركت بسرعة بعد المظاهرات المطالبة بالعدالة الاجتماعية، ووعدت بالاستجابة بشكل سريع لمطالب المحتجين.

فلم تُفلح دعوات ضبط النفس، حتى تلك التي وجهتها مجموعة "جيل زد 212"، صاحب الدعوة للاحتجاجات المتواصلة، وانطلقت شرارة العنف من الغاضبين والساخطين والفئات الأكثر فقرا، والأكثر فوضوية، وسقط قتلى.

وقد دفع هذا عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة السابق وزعيم حزب العدالة والتنمية (الإسلامي) المعارض، أيضا لدعوة المنظمين إلى إنهاء الاحتجاجات "قبل الانزلاق نحو المجهول"؛ لأن طبيعة الاحتجاجات تختلف عما شهده الربيع العربي.

لكن بنكيران الذي قال في 2 أكتوبر 2025، إنه يتابع الحراك الشعبي "بقلق شديد"، حمل حكومة عزيز أخنوش مسؤولية تدهور الأوضاع الاجتماعية.

ووجه المتظاهرون اتهامات بالفساد للحكومة الائتلافية الحالية، التي تولت السلطة منذ أكتوبر 2021، ويرأسها أخنوش، وهو أحد أغنى رجال الأعمال في المغرب بثروة تُقدر بـ1.6 مليار دولار.

ويطالبون بالتحقيق معه لاحتمال وجود تضارب في المصالح بين تعاملاته التجارية الشخصية ومشاريع الدولة، واستقالة حكومته ومحاسبتها.

وأعربت تقارير غربية عن خشيتها من أن المفاجأة التي أحدثها هذا الحراك الشبابي قد تقوض صورة المغرب الرسمي، المقبل على استضافة كأس العالم 2030 لأول مرة في تاريخه، واحتمال سحب ملف كأس العالم 2030 منه لو استمرت الاضطرابات.

وأشارت إلى أن الإعلان عن تخصيص أكثر من 5 مليارات دولار لإعداد البنية التحتية للبطولة الكروية زاد من إبراز هشاشة الخدمات العمومية، وخاصة المستشفيات والمدارس التي تعاني قلة المخصصات المالية.

ويترقب المغرب انتخابات عامة في سبتمبر 2026، وسط توقعات أن يقيل الملك الحكومة ويُبكر بالانتخابات لإرضاء الغاضبين، وسط توقعات أن تعيد انتفاضة جيل زد تشكيل الحالة السياسية.

وترجّح مجلة "أتلانتيك كونسل"، بالنظر إلى سجل البلاد في إدارة الأزمات، أن يستوعب المغرب الأحداث الجارية ويعود تدريجيا إلى الوضع الطبيعي، وألا تتطور حركة جيل زد إلى ثورة أكبر وتشهد تحولا، كما حدث في نيبال.

لكن المجلة تؤكد أن ما جرى "لحظة محورية للبلاد ودعوة للاستيقاظ"، ودعت إلى مراقبة أي تداعيات لهذه المظاهرات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كما حدث خلال الربيع العربي.

وبدأت موجة الاحتجاجات في تونس ثم انتشرت إلى دول عربية أخرى، خاصة أن الجزائر المجاورة تستعد بالفعل لاحتجاجات مماثلة تحت اسم GenZ213 (رمز الهاتف 213).