خوفا من استهدافهم.. كيف تحول قادة مليشيات إيران بالعراق من ذئاب لنعامات؟

منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

مع التصعيد الأميركي ضد المليشيات الموالية لإيران في العراق التي طالت العديد من قادتها وعناصرها، تحدثت وسائل إعلام محلية عن تواري معظم زعامات هذه الجماعات عن الأنظار، خصوصا مع تأكيدات واشنطن على استمرار هجماتها لمدة طويلة.

وفي الأيام الأخيرة، تمكنت الولايات المتحدة من قتل عدد من عناصر هذه المليشيات في سوريا والعراق، إضافة إلى اغتيال اثنين من قادة "كتائب حزب الله" العراقية، هما: أبو باقر الساعدي، وأركان العلياوي في بغداد.

وتأتي هجمات واشنطن، ردا على مقتل 3 جنود أميركيين وإصابة 25 آخرين في 28 يناير/ كانون الثاني 2024، في هجوم شنته مليشيات عراقية بواسطة طائرة مسيرة على قاعدة عسكرية أميركية شمال شرق الأردن بالقرب من الحدود مع سوريا والعراق.

هروب متواصل

وعلى وقع الرّد الأميركي، قالت قناة "وان نيوز" العراقية، في 9 فبراير/ شباط 2024، إنها حصلت على معلومات تؤكد فرار عدد من قادة المليشيات إلى خارج العاصمة بغداد، مشيرة إلى أن الأميركيين رصدوا من خلال طائراتهم المسيرة التي تحلق في سماء العراق تحركات القادة.

وأفادت القناة العراقية بأن "الأميركيين أبلغوا قادة سياسيين في مدينة السليمانية، بأنه سيتم استهداف تلك الشخصيات (قادة المليشيات) داخل الإقليم (كردستان العراق)، إذا اقتضت الضرورة ذلك".

وفي 8 فبراير، كشف تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" عن هروب قادة الفصائل المسلحة المدعومة من إيران إلى مدينة السليمانية بعد حادث مقتل القيادي أبو باقر الساعدي بضربة لطائرة مسيرة في منطقة المشتل بالعاصمة بغداد.

ونقلت الصحيفة الأميركية عن مسؤول عراقي ومستشار أمني أميركي (لم تكشف هويتهما) أن "العديد من قادة المليشيات المدعومة من إيران اختبأوا في كردستان العراق أو في فنادق راقية في بغداد أو عبروا الحدود إلى إيران في أعقاب الضربات الأميركية الأخيرة".

وعلى الصعيد ذاته، قالت صحيفة "العربي الجديد" في 8 فبراير نقلا عن مصادر قريبة من المليشيات (لم تسمها)، أن "اجتماعا عقد صباح اليوم في بغداد وضم ممثلين لقادة فصائل وممثلين عنها، لبحث الهجوم الأميركي الجديد".

وأوضحت المصادر أن "أغلب المجتمعين اتفقوا على ضرورة الرد، وأنّ الجو العام يُرجّح كفة قرار الرد العسكري على الهجوم الأميركي الجديد"، مؤكدة أنّ "اثنين من قادة الفصائل شاركوا في المباحثات عبر الإنترنت لعدم وجودهم في بغداد".

وفي 2 فبراير، أعلنت واشنطن أنها شنت غارات على 7 منشآت في سوريا والعراق، تضمنت أكثر من 85 هدفا في العراق وسوريا، واستهدفت فيلق القدس الإيراني و"المليشيات المرتبطة به"، والتي أودت بحياة نحو 26 من عناصر هذه الجماعات في البلدين.

وبعدها بخمسة أيام فقط، قتلت الولايات المتحدة قائدين بارزين من "كتائب حزب الله" العراقية، بطائرة مسيرة استهدفت سيارتهم في العاصمة بغداد، مؤكدة أنهما مرتبطان بالهجمات التي طالت قواتها، وأنها "ستستمر في تنفيذ الهجمات التي ستطول خلال المرحلة المقبلة".

وفي 4 يناير 2024، أعلنت الولايات المتحدة، قتل مشتاق طالب المعروف بـ"أبو تقوى السعيدي"، القيادي في مليشيا "النجباء" العراقية، بهجوم على سيارته وسط بغداد، وهو هجوم قالت عنه واشنطن إنه جاء ردا على هجمات بطائرات مسيرة وصواريخ على قواتها.

"منع روسي"

الحديث عن فرار قادة المليشيات العراقية لم يقتصر إلى مدينة السليمانية في إقليم كردستان العراق، التي يديرها حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الحليف لإيران، وإنما ذهب إلى أبعد من ذلك، فالبعض أدخل روسيا على الخط، كواحدة من الوجهات المحتملة للهروب إليها.

وفي مطلع فبراير، أعلنت شركة "الخطوط الجوية العراقية" الرسمية، ومن دون سابق إنذار أنها قررت إلغاء الرحلات من بغداد إلى موسكو بدءا من يوم 3  في الشهر ذاته، وحتى إشعار آخر لأسباب قالت إنها "تشغيلية مع الجانب الروسي".

ودعت الشركة العراقية خلال بيان لها أن "المسافرين ممن لديهم حجز مسبق على القطاع المذكورة آنفا إلى مراجعة مكاتب الشركة في بغداد من أجل استرجاع تذاكرهم من دون فرض أي رسوم".

هذه الخطوة المفاجئة، علق عليها المحلل السياسي العراقي، مهدي جاسم، في منشور على منصة "إكس"، بالقول: "الخطوط الجوية العراقية تلغي رحلاتها إلى موسكو بدءا من 3 من هذا الشهر حتى إشعار آخر لأسباب تقول عنها  (تشغيلية). هل أعلمت واشنطن موسكو بموعد الضربات؟".

الخطوط الجوية العراقية تلغي رحلاتها إلى موسكو بدءاً من ال ٣ من هذا الشهر حتى إشعار آخر لأسباب تقول عنها ( تشغيلية ) .
هل أعلمت واشنطن موسكو بموعد الضربات ؟ .

— مهدي جاسم (@mahdijasem0) February 1, 2024

وفي هذه النقطة تحديدا، يقول الباحث في الشأن السياسي العراقي لطيف المهداوي إن "هروب قادة المليشيات في العراق، أمر ليس مستغربا، فهم ذئاب على العراقيين، وأمام الأجنبي مجرّد نعامات، فهم لم يقتلوا جنديا أميركيا، وعندما حصل بالخطأ أوقفوا عملياتهم، وحاولوا إيقاف الرد الأميركي".

وأوضح المهداوي لـ"الاستقلال" أن "بعض زعامات المليشيات بالفعل لديه علاقات مع روسيا، وخصوصا زعيم مليشيا النجباء أكرم الكعبي، لكن موسكو لا تريد أن تكون طرفا في نزاع أميركا مع إيران وحلفائها".

الكعبي التقى خلال زيارته إلى موسكو التي بدأها في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، بنائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، والمستشار الخاص للرئيس الروسي،فيتالي نؤومكين، إضافة إلى لقائه بمفتي روسيا، رئيس الجمعية الدينية للمسلمين الروس، ألبير غرغانوف.

لفت الباحث إلى أن "المليشيات تخشى الدخول في معركة حقيقية مع الولايات المتحدة لذلك جميع ضرباتها على القواعد العسكرية التي يوجد فيها أميركيون في العراق وسوريا، لم تتسبب بمقتل أي جنديّ".

وأشار إلى أن "إعلان كتائب حزب الله العراقية إيقاف عملياتها دليل على ذلك، ثم تأكيد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن الاتفاق جرى لتنجب الرد الأميركي ضد هذه المليشيات".

وتوقع الباحث العراقي أن "تستمر الهجمات الأميركية ضد قيادات الخط الثاني من قادة المليشيات العراقية، وإذ ردت عليها، فإن زعامات الصف الأول غير مستبعدة من الضربات العسكرية".

"فشل المعادلة"

وقبل دخولها حيّز التنفيذ، كتب الهجوم الأميركي ضد قادة مليشيا "كتائب حزب الله" العراقية، النهاية لـ"المعادلة" التي أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، التوصل إليها من أجل إيقاف التصعيد المتبادل بين الفصائل المسلحة والقوات الأميركية.

قبل 24 ساعة فقط من توجيه الولايات المتحدة ضربة طالت القياديين في المليشيا العراقية ، كشف السوداني، خلال مقابلة مع قناة "العربية" السعودية في 6 فبراير، أنه "جرى التوصل إلى معادلة أن توقف الفصائل هجماتها مقابل وقف الرد الأميركي".

وفي 30 يناير 2024، أعلنت "كتائب حزب الله" في العراق خلال بيان لها، تعليق عملياتها العسكرية ضد القوات الأميركية، وذلك تجنبا لإحراج الحكومة العراقية، موصية مقاتليها بـ"الدفاع السلبي مؤقتا".

وأضافت "كتائب حزب الله"، أن "إخوتنا في محور المقاومة - لا سيما في الجمهورية الإسلامية (إيران)- لا يعلمون كيفية عملنا الجهادي، وكثيرا ما كانوا يعترضون على الضغط والتصعيد ضد قوات الاحتلال الأميركي في العراق وسوريا".

pic.twitter.com/erJ9JFg71F

— الشيخ اكرم الكعبي (@Akram_Alkabee) February 2, 2024

وفي المقابل، أعرب أكرم الكعبي الأمين العام لـ"حركة النجباء" المنضوية أيضا تحت لواء فصائل "المقاومة الإسلامية" في العراق عن أمله بإنهاء "كتائب حزب الله" ما وصفه بـ"التعليق المؤقت" لعملياتها العسكرية ضد القوات الأميركية داخل وخارج البلاد.

وقال الكعبي خلال بيان له في 2 فبراير 2024: "قلنا ونكرر ونؤكد أنّ قرارنا عراقي وأننا لن نتوقف حتى تحقيق أمرين هما: إيقاف العمليات على غزة وانسحاب الاحتلال الأميركي من العراق".

وعن تعليق "كتائب حزب الله" عملياتها، قال الكعبي إنه "بعد حديثنا مع (أبو حسين الحميداوي) وهو (الأمين العام للكتائب) واستيضاح الأسباب انجلت لنا الحقيقة والحكمة فيما قرر، وإننا نحترم ونقدر ذلك ونثمن تضحيته في هذه الظروف، حيث سيثبت في المستقبل أنّ قراره اتخذه بشجاعة ونكران ذات".

وأضاف: "بانتظار العودة الميمونة القريبة للكتائب، وإلغاء التعليق حينما يُرفع الحرج والأسباب الحاكمة".

ولفت إلى أن "ما يصدر عن ماكينة الحرب النفسية الأميركية التي ما برحت ترعد وتزبد بالتهديد والوعيد لن تهز لنا شعرة ولن تثنينا"، مردفا "إنّ أيّ استهداف سيواجه برد يناسبه، ونؤكد أنّ المقاومة الإسلامية في العراق بفصائلها الأخرى مستمرة بقرارها حتى تحقيق مطالبها".