بعد مقتل زعيم فاغنر ونائبه.. ما مستقبل النفوذ الروسي في إفريقيا؟

قسم الترجمة | منذ ٩ أشهر

12

طباعة

مشاركة

خلال السنوات الأخيرة، انتشرت الانقلابات في إفريقيا وسط تنافس دولي كبير على القارة الغنية بالموارد وحديث عن دور لبعض الدول ومجموعات المرتزقة في عدم الاستقرار.

وبرزت تساؤلات عما إذا كانت روسيا ستحل محل فرنسا في النفوذ على القارة، وماذا سيكون شكل وجودها بعد رحيل زعيم فاغنر يفغيني بريغوجين، وما دور مجموعة المرتزقة هذه في الانقلابات الإفريقية الأخيرة. 

الانقلابات الإفريقية 

وفقا لتقرير في وكالة "صوت أميركا"، فإنه في عام 2022، كان هناك 214 انقلاباً عسكرياً في البلدان الإفريقية منذ خمسينيات القرن العشرين، 106 منها كانت ناجحة.

ويبين التقرير أن 45 بلدا إفريقيا شهدت انقلابا أو محاولة انقلاب واحدة على الأقل، وفق ما نقل مركز "فيكير تورو" التركي في مقال للكاتبة "إيليم تيبيجيكلي أوغلو".

وبعد الانقلابات في مالي عام 2020، والسودان وتشاد وغينيا في 2021، وبوركينا فاسو عام 2022، فإن الإطاحة بالرئيس محمد بازوم في النيجر هي الأحدث في هذه السلسلة.

ومنذ 26 يوليو/تموز 2023، يحتجز "المجلس للوطني لحماية الوطن" بالنيجر الرئيس بازوم وأفرادا من عائلته بعد عزله عن الحكم وتعليق العمل بالدستور، في وقت نصب قائد الانقلاب عبد الرحمن (عمر) تشياني نفسه رئيسا للمجلس الانتقالي في البلاد.

واستدركت الكاتبة تيبيجيكلي أوغلو: هنالك سؤال مهم أثاره الانقلاب في النيجر وهو إذا ما كانت روسيا، التي تزداد نفوذاً، خاصة في المستعمرات الفرنسية السابقة، قد لعبت دورا مباشرا أو غير مباشر في تنظيم هذه الانقلابات.

وبينت أن رفع مجموعة من المتظاهرين الأعلام الروسية بعد الانقلاب واقتحام السفارة الفرنسية في البلاد بشعارات "يعيش (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين" و "تسقط فرنسا" تدعم هذا الرأي. 

وقد حدث وضع مماثل بعد الانقلابات في مالي وبوركينا فاسو، حيث رفعت الأعلام الروسية أيضا خلال المظاهرات المناهضة لفرنسا.

ونظرا لأن معظم دول الساحل، بما في ذلك النيجر، هي مستعمرات فرنسية سابقة، يجرى تعريف هذه المنطقة على أنها مجال نفوذ فرنسي. 

لهذا السبب، فإن فرنسا ليست فقط الفاعل الأكثر مساهمة هناك، ولكن أيضا البلد الذي يجذب "وجوده" أو "غيابه" في المنطقة معظم ردود الفعل.

وأضافت الكاتبة التركية أن العمليات العسكرية التي تقودها فرنسا لا تسهم في حل المشكلات الأمنية في المنطقة، ولكنها تزيد من عدم الاستقرار و"تجلب ضررا أكثر من نفعها". 

كما كان تخفيض فرنسا عدد القوات في المنطقة أو نقل بعضها إلى بعثات الاتحاد الأوروبي مخيبا للآمال، حيث إنها بذلك تظهر أنها تركت القارة وبلدانها تتعامل وحدها مع مشكلاتها الخاصة. 

من ناحية أخرى، فإن روسيا دولة مرشحة لملء فراغ السلطة الذي ظهر بسبب فرنسا، وفق تقدير الكاتبة.

نفوذ مبالغ فيه؟

وذكرت أن وجود روسيا في إفريقيا وتنافسها مع القوى الاستعمارية السابقة يعود إلى فترة الحرب الباردة (1947-1991).

إذ استمرت علاقة التبعية في حقبة الحرب الباردة بين روسيا والدول الإفريقية على أساس تجارة الأسلحة.

ولفتت إلى أن الأسلحة التي تشتريها مالي من روسيا لعبت دورا مهما في زيادة نسبة إمدادات وواردات الأسلحة فيها بأكثر من 200 بالمئة؜ بين عامي 2017 و2022. 

ونظرا لزيادة شعبية روسيا في البلدان الإفريقية فإن شركات الأمن الخاصة، لا سيما مجموعة مرتزقة فاغنر، تلعب دورا مهما أيضا. 

لدرجة أنه يمكن القول إن فاغنر كانت وراء الانقلابات العسكرية في منطقة الساحل، خاصة في مالي وبوركينا فاسو، والتي حدثت بفارق عام واحد. 

ومع ذلك، تقول الكاتبة: "من الحكمة أن نتعامل بحذر مع وجهات النظر المتعلقة بفعالية روسيا التي اقتربت فقط من دول المنطقة في السنوات القليلة الماضية، وخاصة من خلال المرتزقة فاغنر".

ففرنسا لديها تاريخ استعماري في المنطقة وتحافظ على علاقات وثيقة مع استعماراتها السابقة في المجالات كافة بعد الاستقلال.

ولا توجد معلومات داعمة حول إذا ما كان لروسيا أو فاغنر أي دور في الانقلابات في الدول الإفريقية، بل وصرح مسؤولو الأمم المتحدة أنه لا يوجد دليل على وجود مرتزقة روسيين، بمن فيهم المجموعة المذكورة، في البلاد.

وتابعت: في حين لم يجر إثبات أي صلة بين فاغنر والمجلس العسكري في النيجر، سيكون من البسيط إلى حد ما أن نستنتج من الأعلام التي رفعها عدد قليل من المتظاهرين أن روسيا تتمتع بدعم كبير بين الشعب هناك. 

لذلك، من الصعب جدا التعليق على إذا ما كان هناك رد فعل مهم ودعم واضح من قبل السكان المحليين أو مدبري الانقلاب لصالح روسيا في المنطقة، خصوصا في ظل الحالة غير المؤكدة التي تعقب الانقلاب، وفق تقدير الكاتبة.

وأردفت أن "عدم تورط روسيا بشكل مباشر في الانقلاب لا يعني أنها لن تستفيد من تغيير سلطة حكومة بازوم الموالية للغرب والبيئة المعادية لفرنسا في البلاد". 

صراع فرنسي روسي

وأضافت: هدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالانتقام من أي هجوم على مواطني بلاده في النيجر بعد أن أدان بشدة الانقلاب وأعلن تعليق المساعدات الإنسانية لهذا البلد. 

والواقع أن أحد العوامل التي تدفع دول المنطقة إلى البحث عن بديل لفرنسا والغرب هو احتقار باريس للدول الإفريقية.

كما أن إعلان المجلس العسكري الذي استولى على النيجر إيقاف شحنات اليورانيوم والذهب إلى باريس (بعد الانقلاب) يظهر أن شخصية "الأب" الحاسمة لفرنسا لم تجد المزيد من الدعم.

وتمتلك النيجر أغنى احتياطيات اليورانيوم في العالم، وكانت توفر جزءا كبيرا من إمدادات هذه المادة إلى فرنسا. 

بالإضافة إلى ذلك، فقد أدى دور النيجر المهم في محاربة الجماعات الإرهابية الصاعدة في منطقة الساحل وفي مكافحة الهجرة غير الشرعية لأوروبا إلى النظر إليها على أنها الحليف الأخير للغرب. 

وعلاوة على ذلك، وعلى الرغم من التقارب مع روسيا بين جارتيها مالي وبوركينا فاسو، حيث تتولى الأنظمة العسكرية السلطة، حافظت النيجر على موقفها الموالي للغرب.

ولكن بعد الانقلاب، من الممكن أن تحاول النيجر أيضا الاقتراب من روسيا، لأن المشاعر المتزايدة المعادية للفرنسيين في المنطقة تعمل لصالح موسكو وتوفر لها فرصا جديدة. 

ومن ناحية أخرى، يستخدم الانقلابيون أيضا خطابا معاديا لفرنسا لتبرير سلطتهم، وفق تقدير الكاتبة التركية. 

وأشارت إلى أنه على الرغم من أنه من المبكر التعريف بروسيا كـ "العملاق الذي استيقظ" في منطقة الساحل والتنبؤ بنشاطات المرتزقة الروسية هناك، فإن "فاغنر ستعطي أولوية أكبر للنيجر ذات الموارد الطبيعية الغنية في المستقبل".

ولكن الدور الذي ستلعبه فاغنر في تحقيق مصالح روسيا في القارة مستقبلا لا يزال غامضا، خاصة بعد الإعلان عن مقتل زعيم المرتزقة يفغيني بريغوجين، وكذلك يده اليمنى والمؤسس المشارك للمجموعة ديمتري أوتكين.

وأكدت وكالة النقل الجوي الفيدرالية الروسية، مساء 23 أغسطس/آب، أن قائد مجموعة "فاغنر" ونائبه كانا على متن الطائرة الخاصة التي تحطمت في منطقة تفير بالقرب من موسكو.

ولفتت هيئة الطيران المدني الروسية إلى أن الطائرة تحطمت وقتل كل من كان على متنها وعددهم 10 ركاب، أثناء توجهها من مطار شيريميتيفو بالعاصمة موسكو إلى مدينة سانت بطرسبرغ.

وتأتي الحادثة بعد شهرين من قيادة بريغوجين تمردا ضد الجيش الروسي، تراجع عنه سريعا. ففي 24 يونيو/حزيران 2023، اتهم زعيم المرتزقة وزارة الدفاع الروسية بمهاجمة مقاتليه، وأعلن دخول قواته مدينة "روستوف نا دون" الحدودية مع أوكرانيا، قبل التوجه إلى مدينتي فورونيغ وليبيتسك، وهو ما عده جهاز الأمن الفيدرالي الروسي "تمردا مسلحا".

واستمر التمرد يوما واحدا فقط، ثم أعلن بريغوجين سحب مقاتليه إلى معسكراتهم "تجنبا لسفك الدماء الروسية"، بناءً على وساطة الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو.

ورغم هذه التطورات، من المرجح أن تستخدم روسيا جميع الأدوات اللازمة لزيادة نفوذها في المنطقة على الأقل في المدى القصير من خلال إضعاف موقف فرنسا والاتحاد الأوروبي.

وختمت الكاتبة التركية مقالها قائلة: ستواصل روسيا فتح مجالات جديدة لنفسها في المنطقة بخطابها المناهض للاستعمار.

ومن المحتمل أن يؤدي هذا الوضع إلى إنشاء علاقة تبعية جديدة بين الدول الإفريقية، ومع ذلك، فإنه يمكن أن يكون هناك دعم مؤكد للأفارقة الذين يبحثون عن بديل للقوى الاستعمارية القديمة، عن طريق اللجوء إلى ممثل جديد سيقدم لهم دعما "غير مشروط" أو سيبيع لهم الأسلحة، بحسب تقديرها.