حاييم دروكمان.. حاخام صهيوني متشدد رفض ترك سيناء ورحل في أكفان كورونا

قسم الترجمة | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة "نيويورك تايمز" الضوء على الحاخام حاييم مئير دروكمان، الزعيم الروحي البارز للحركة الصهيونية الدينية، الذي توفي في 25 ديسمبر/كانون الأول 2022، عن عمر يناهز 90 عاما.

قالت الصحيفة الأميركية، إن "دروكمان" عاش طوال عمره مُربيا مؤثرا في اليهود، ومدافعا قويا عن بناء المستوطنات في الضفة الغربية وغزة وشرق القدس، بل إنه يعد مؤسس مشروع الاستيطان اليهودي بشكل عام.

تُوفي دروكمان في مركز هداسا الطبي بالقدس المحتلة، ولم يُحدد سبب وفاته، لكن وسائل إعلام عبرية ذكرت أنه نُقل إلى المستشفى بعد إصابته بفيروس كورونا للمرة الثانية.

حاييم دروكمان

ولد دروكمان في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 1932 في مدينة "كوتي"، التي تقع حاليا ضمن الحدود الأوكرانية، لأب يُدعى إبراهام مردخاي، وأم تُدعى ميلكا دروكمان، ونشأ في ظل الغزو السوفيتي، ثم الألماني.

تحدث دروكمان سابقا عن إجبار الشيوعيين له عندما كان طالبا في الصف الأول على حضور مدرسته للغة اليديشية، في يوم السبت وأيضا يوم كيبور، الذي يعد الأقدس في التقويم اليهودي، مشيرا أنه كان يبكي حينها لفوات بعض الصلوات عنه في المعبد.

وخلال الاحتلال الألماني، جرى نقل الأسرة إلى حي اليهود وكانوا يختبؤون في بعض الأحيان من النازيين في غرفة حفروها تحت الأرض، وفق ما ذكره دروكمان عن نفسه.

بعدها تمكنت أسرته من الفرار إلى رومانيا، ثم فشل والداه في الحصول على إذن للسفر إلى فلسطين.

لذلك عندما كان دروكمان في الحادية عشرة من عمره، أرسلوه إلى هناك مع زوجين لم ينجبا أطفالا، ثم بعد وصوله بأشهر  تبعه أبواه.

وتزوج دروكمان في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، بـ"سارة إبستين" عندما كانت طالبة في كلية الطب، وأنجب منها 10 أطفال، وله أكثر من 100 من الأحفاد وأبناء الأحفاد، وفق الصحيفة.

وروى أنه كُتب له الحياة من جديد ثلاث مرات، أولها عندما دخل النازيون منزل عائلته، لكنهم فشلوا في العثور عليهم، لاختبائهم تحت الأرض.

والمرة الثانية، عندما كانوا يعبرون نهرا مرتفع الأمواج أثناء فرارهم إلى رومانيا، والثالثة عندما أغرق الألمان أحد القوارب الثلاثة التي كانت تقل لاجئين إلى فلسطين، حسب زعمه.

وقال دروكمان إنه وبعد أن "استعاد حياته كهدية" في ثلاثة أحداث مختلفة، كان مصمما على شغلها بالمعنى والهدف، وفق وصفه.

"قيادة شابة"

الحاخام دروكمان  - الذي هرب من الهولوكوست في أوروبا عندما كان طفلا، وهاجر عام 1944 إلى فلسطين، التي كانت حينها تحت الانتداب البريطاني- أخبر ذات مرة أحد محاوريه أنه يود أن يتذكره الناس بعد وفاته كـ "مُعلم".

وفي العشرين من عمره، كان قياديا في حركة الشباب الصهيونية الدينية (بني عكيفا)، وهي منظمة تستهدف الأطفال والمراهقين اليهود من أجل تنميتهم تعليميا واجتماعيا وأيديولوجيا، بما في ذلك الإيمان بالقومية اليهودية.

وبعد عِقد من الزمان أصبح دروكمان مديرا لمدرسة دينية، ثم أسس العديد من المؤسسات، بما في ذلك واحدة من أوائل الأكاديميات التي جمعت بين دراسة التوراة والخدمة العسكرية، حسب التقرير.

وبعيدا عن قاعات الدراسة الدينية، شكَّل دروكمان قاطرة قوية، ساعدت في وصول الحركة الصهيونية الدينية إلى الحكم، وكان العديد من قادة إسرائيل يطلبون نصائحه في حل مشكلاتهم أو وساطته في بناء تحالفاتهم الحاكمة.

والحركة الصهيونية الدينية هي تيار أيديولوجي من اليهودية الأرثوذكسية، تتمحور أفكارها حول الاستيطان اعتمادا على نصوص توراتية، وتتبنى عدة شعارات منها: "أرض إسرائيل لشعب إسرائيل بموجب شريعة إسرائيل".

وفي خطاب تأبين دروكمان، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، "لقد كان صديقا مقربا مني، قريبا جدا إلى قلبي"، واصفا إياه بأنه "رجل يُجَمّع ولا يُفَرّق".

ويُعرف دروكمان بأنه الحاخام الأكبر للصهيونية الدينية، الذي قاد الاستيطان اليهودي في الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب عام 1967، بما في ذلك الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة وشرق القدس.

كما أن كثيرين ينسبون الفضل إليه في القدرة على تمثيل كل فصيل يعمل تحت مظلة "الصهيونية الدينية"، بدءا من الفصائل الأكثر ليبرالية إلى نظيرتها الأكثر تشددا، حسب نيويورك تايمز.

الاستيطان في سيناء

وكداعٍ إلى الاستيطان في كل مكان من إسرائيل التوراتية حسب المزاعم الصهيونية، فقد ندد دروكمان بالانسحاب الإسرائيلي من شبه جزيرة سيناء، كجزء من معاهدة السلام مع مصر، عام 1979، وأيّد حكما حاخاميا يمنع إخلاء المستوطنات.

واحتلّت إسرائيل سيناءَ في أعقاب حرب 1967، ولم توافق على الانسحاب إلا بعد حماية أهدافها الأمنية الإستراتيجية بوصفها جزءا من اتفاقيات كامب ديفيد للسلام.

وتمتد سيناء على 6 بالمئة من الأراضي المصرية، وتتضمن حدودا طويلة مع إسرائيل تزيد على 200 كيلو متر. وتنبع أهميتها الإستراتيجية من إشرافها على قناة السويس التي تُعد أحد أهم الممرات المائية للتجارة الدولية.

وفي عام 2012، حصل الحاخام على جائزة إسرائيل، وهي أرفع وسام مدني إسرائيلي، وتحدث حينها مانحو الجائزة عن "إسهاماته الكبيرة" التي قدمها للدولة، خصوصا في الجمع بين الفصائل المتباينة من اليهود.

علاوة على ذلك، استحدث دروكمان آلية جديدة لتسهيل تحول العديد من المهاجرين - وخاصة القادمين من الاتحاد السوفيتي السابق وإثيوبيا- من الأرثوذكسية إلى اليهودية.

هؤلاء المهاجرون – وهم أزواج أو أحفاد ليهود- مؤهلون للحصول على الجنسية الإسرائيلية، لكنهم لم يُعدوا يهودا بحسب القوانين الدينية الصارمة، إذ كانت عملية تحول الأرثوذكس لليهودية بطيئة ومزعجة، وفق التقرير.

وقد أثار نشاط دروكمان في هذه القضية غضب بعض السلطات الحاخامية المحافِظة، التي ادعت أن ما استحدثه من آراء دينية بخصوص تحول الأرثوذكس لليهودية، يجب ألا يُسلَّم به، غير أن المحاكم الإسرائيلية أقرت ما ذهب إليه هذا الشخص.

حركة "التجديد"

لكن لم يكن كل ما فعله الحاخام دروكمان موحِّدا لكل اليهود، أو يقع ضمن الإجماع الإسرائيلي، حسب نيويورك تايمز.

فقد كان أحد الأعضاء المؤسسين لجماعة "غوش إيمونيم"، وتعني "كتلة الإيمان"، كما تطلق على نفسها أيضا "حركة التجديد الصهيوني".

وهي جماعة تسعى للاستيطان في الضفة وقطاع غزة، وتدعو إلى هدم المسجد الأقصى؛ لإقامة الهيكل (المزعوم) على أنقاضه، كما تؤمن بالعنف لتحقيق ذلك.

وأكدت الصحيفة أن "غوش إيمونيم" ركزت على الاستيطان في الأراضي التي جرى الاستيلاء عليها عام 1967 - والتي يطمح الفلسطينيون لإقامة دولتهم المستقبلية فيها- رغم أن المستوطنات في نظر معظم العالم انتهاك للقانون الدولي.

وأورد التقرير أن دروكمان كان عضوا في الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي لنحو 15 عاما بين أواخر السبعينيات وأوائل القرن الحادي والعشرين.

معظم هذه المدة كانت تحت مظلة الحزب الديني القومي (المفدال)، غير أنه انفصل عنه لبعض الوقت بسبب خلافات أيديولوجية. وخلال تلك الفترة، عمل دروكمان كعضو مستقل في الكنيست، وفق الصحيفة.

"وجاءت وفاة الحاخام قبل أيام من وصول أحدث نسخة متشددة للحركة الاستيطانية ممثلة بـ"حزب الصهيونية الدينية"- الذي دعمه دروكمان- إلى السلطة، كجزء من الائتلاف الحاكم الجديد لدولة تسيطر عليها الانقسامات"، وفق وصف نيويورك تايمز.

وقوبل الإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة بضجة عامة، حول مقترحات القوانين التي يخشى العديد من الإسرائيليين من أنها ستضر بالديمقراطية الليبرالية، وستؤدي إلى التمييز ضد مجتمع الشواذ وغيرهم.