باستضافة "العربية" نتنياهو.. هذه شروط وتوقيت تطبيع السعودية وإسرائيل

إسماعيل يوسف | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

بصورة مفاجئة، ظهر رئيس الحكومة الإسرائيلية المكلف بنيامين نتنياهو في 15 ديسمبر/كانون الأول 2022 على شاشة النسخة الإنجليزية من قناة "العربية" السعودية، مؤكدا قرب التطبيع مع المملكة.

جاء هذا الظهور المستفز بعد أيام من تسريب تصريحات وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير لجماعات يهودية، أكد فيها أن "العلاقات السعودية الإسرائيلية تتجه نحو التطبيع، لكن الأمر سيستغرق وقتًا أطول ويجب ألا نضع العربة أمام الحصان".

التسريبات التي نشرها موقع "i24NEWS" العبري قبل نحو عشرة أيام من ظهور نتنياهو، ضمن وثيقة عن مخرجات لقاء جمع  الجبير في السعودية مع يهود من الولايات المتحدة، قال فيه إن ولي العهد محمد بن سلمان مستعد للتطبيع، لكن لديه 3 شروط لقيامه بذلك.

وتزامنت هذه التطورات مع تأكيد وسائل إعلام إسرائيلية أن نتنياهو يحتاج لواشنطن كبوابة من أجل التطبيع مع السعودية، وأن من مصلحة تل أبيب تحسين علاقات واشنطن مع ابن سلمان.

رسائل نتنياهو

خلال فترة لا تتعدى أسبوعا، أجرى نتنياهو ثلاثة حوارات بشأن التطبيع مع السعودية، أولها مع قناة "العربية"، والثاني مع قناة "فوكس نيوز"، والثالث مع موقع "واشنطن إجزامينر" من أميركا.

في مقابلته مع قناة العربية، تعهد نتنياهو بمواصلة جهوده لدفع السعودية للتطبيع مع إسرائيل، من أجل "تحقيق قفزة كبيرة".

وأشار إلى استعداده لخيارات التطبيع مع السعودية خلف الأبواب المغلقة، قائلا: "أنا أؤمن بالاتفاقيات المفتوحة، التي جرى التوصل إليها سرا، أو التي يتم التوصل إليها سرا". 

وأضاف: "أعتقد أن السلام مع السعودية سيخدم غرضين: الأول توسيع الاتفاقيات الإبراهيمية (أبرمت عام 2020 مع البحرين والإمارات والمغرب والسودان) عبر التوصل إلى اتفاق مماثل مع السعودية وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة معها". 

والثاني، يزعم نتنياهو: "تحقيق السلام الإسرائيلي الفلسطيني"، لكنه استدرك قائلا: "ويعتمد ذلك على القيادة السعودية إذا كانت مهتمة بالمشاركة في هذا الجهد".

وفي السياق، أكد نتنياهو أنه سيكون "منفتحاً على محادثات سلام تجري خلف الكواليس مع الفلسطينيين"، متحدثا عن "مفاوضات سرية مع العرب" بشأن ذلك.

ورأى أن "السلام مع الفلسطينيين يمكن أن يكون على أساس صفقة القرن"، التي طرحها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ورفضها الفلسطينيون والدول العربية وكثير من الدول الغربية، كما لم تتبناها الإدارة الأميركية الحالية. 

وذكر نتنياهو أن "الجميع قالوا: عليك أولاً أن تحل المشكلة الفلسطينية، وإلا فلن تحصل على السلام مع العالم العربي".

وأشار إلى أنه رد قائلا: "قد يكون العكس، قد يكون الأمر أنه بينما تقوم بتوسيع السلام مع الدول العربية، ستتمكن بالفعل من التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين، وأنا أؤمن بذلك بشدة". 

وخلال الحوار، دافع نتنياهو ضمنا عن محمد بن سلمان، مؤكدا أن التحالف الأميركي التقليدي مع السعودية يحتاج ألا تكون هناك تقلبات دورية، أو تقلبات حادة فيه لأنه "مرساة الاستقرار في الشرق الأوسط".

وحث نتنياهو واشنطن على إعادة تأكيد التزامها تجاه المملكة، مؤكدا أنه سيتحدث مع الرئيس الأميركي جو بايدن بهذا الشأن، في إشارة إلى أن التطبيع يمر عبر واشنطن.

وعلقت وكالة "بلومبرغ" الأميركية في 15 ديسمبر على قول نتنياهو إنه سيحث بايدن على إعادة تقوية العلاقات الأميركية مع السعودية، متسائلة: "هل أصبح نتنياهو بهذا القرب من ابن سلمان، لكي يتوسط له عند بايدن؟"

ورفض نتنياهو قبول مبادرة السلام العربية كأساس للمفاوضات حين سئل عن مبادرة السلام العربية (السعودية) وهل يراها تصلح "نقطة انطلاق للمفاوضات؟

حيث رفضها بقوله: "بعد 20 عامًا من المبادرة نحتاج إلى رؤية جديدة"، ساعيا بذلك لدفن المبادرة لأنها تتضمن انسحابا لحدود 1967.

وحين سئل ضمنا كيف يدعو للتطبيع مع العرب بينما ائتلافه الحكومي الجديد يضم أحزاب اليمين المتطرف "التي يصور أعضاؤها القياديين العرب على أنهم أعداء"، اكتفي بإجابة غامضة.

إذ زعم أن "الكثير منهم (الفاشيون اليهود) غيّروا وعدلوا وجهات نظرهم، لأنه مع تولي السلطة تأتي المسؤولية، ومع اقترابك من السلطة، تصبح أكثر مسؤولية"، وهو أمر غير صحيح.

المسمار الأخير

وفي حوار آخر مع قناة "فوكس نيوز" الأميركية في 16 ديسمبر، حدد نتنياهو ضمن أجندته لولاية ثالثة، "توسيع التطبيع مع الدول العربية خاصة السعودية والتصدي لإيران".

وزعم أن المزيد من دول الشرق الأوسط، مثل السعودية والأردن، تمضي قدمًا في خططها لإقامة علاقات أوسع مع إسرائيل في محاولة لكبح نفوذ إيران المتزايد في المنطقة.

وقال إنه توصل إلى أربعة اتفاقيات تطبيعية مع 4 دول عربية، و"يعتقد أن المزيد من اتفاقيات السلام مع الدول العربية الأخرى ستؤتي ثمارها في المستقبل القريب".

كما تحدث عن اجتماعات سرية مع السعوديين تجري منذ 2015، وضرب مثالا على قبولهم بالتطبيع بفتحهم المجال الجوي أمام الطيران الإسرائيلي للتحليق فوق بلاد الحرمين، حتى قبل توقيعه اتفاقا رسميا للتطبيع.

وفي اليوم نفسه، نشر موقع واشنطن إكزامينر بعضا مما سماها "سيرة نتنياهو الذاتية"، ذكر فيها بعض خفايا عمليات التطبيع مع الدول العربية.

وقال الموقع الأميركي إن التطبيع مع السعودية، سيكون إضافة لهذه القصة من عمليات التطبيع الخفية تماماً، والأمر متروك الآن للسعوديين".

وأكد أنه بدون موافقة السعوديين على اتفاقيات التطبيع الأولي مع الإمارات والبحرين لم تكن ستتم، لذا فهم يباركون التطبيع.

ولفت الموقع إلى أن "اتفاق سلام بين تل أبيب والرياض سيضع المسمار الأخير في نعش عدم اعتراف العالم العربي بإسرائيل ويقوي تحالف التطبيع الناشئ حديثًا".

وثيقة سرية

قبل استضافة القناة السعودية لنتنياهو، سرب موقع i24NEWS العبري، ما قال إنه "وثيقة سرية" محورها أن السعوديين جاهزون للتطبيع، لكن لهم شروطا أو يريدون مكاسب بالمقابل أبرزها كف أميركا عن مضايقة ابن سلمان.

ونقل الموقع عن الجبير قوله خلال لقاء عقده مع وفد أميركي يهودي بالرياض إن "العلاقات السعودية الإسرائيلية تتجه نحو التطبيع، لكن الأمر سيستغرق وقتا أطول ويجب ألا نضع العربة أمام الحصان".

وفي لقاء آخر عقده مع مسؤولين أميركيين في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 "جرى تقديم قائمة مطالب سعودية مقابل إحراز تقدم بالتطبيع، وكلها موجهة إلى واشنطن، ولم تذكر ضمنها القضية الفلسطينية"، وفق الوثيقة.

وتكشف الوثيقة أن الجبير قال لليهود الأميركيين الذين زاروا السعودية أخيرا، إن "نجاح التطبيع في المستقبل يعتمد أيضا على نجاح العناصر المعتدلة في المملكة". 

وأوضح أنه "لا تزال هناك معارضة كبيرة للتطبيع داخل السعودية، الأمر الذي سيستغرق وقتا للتغلب عليه"، في إشارة غالبا إلى رفض شعبي أو داخل الأسرة الحاكمة.

وتابع: "يتوقع السعوديون أن تدعم الولايات المتحدة والغرب النظام الملكي الذي يروج للإصلاحات الداخلية التي تعزز الاعتدال في المجتمع السعودي"، أي عليهم أن يدعموا نظام ابن سلمان، وسعيه ليصبح ملكا بعد أبيه.

واتهم الجبير الولايات المتحدة بتجاهل "إصلاحات اجتماعية بعيدة المدى بقيادة ابن سلمان".

وفي هذا الصدد، أكد الموقع الإسرائيلي أن الرسائل التي قيلت من السعودية خلال المحادثة مع الوفد الأميركي اليهودي، وجهت إلى إدارة بايدن وتضمنت "شكوى من المعاملة غير العادلة من جانب واشنطن".

وكشفت الوثيقة أيضا أنه في اجتماع أخير مع وفد أميركي في الرياض، نظمه معهد واشنطن للشرق الأدنى، سُئل ابن سلمان عما سيجعل المملكة تنضم إلى التطبيع مع إسرائيل. 

ليرد ابن سلمان طارحا ثلاثة مطالب رئيسية، أشارت جميعها إلى واشنطن، أولها: تقوية العلاقات بشكل معلن مع الجانب الأميركي من خلال بيان إيجابي يصدره الكونغرس.

وذكرت أن الشرط الثاني، هو مساواة الرياض في مشتريات الأسلحة من واشنطن، مع الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، الأمر الذي من شأنه أن يمكّن المملكة من اقتناء مقاتلات إف 35.

أما الأخير، فهو موافقة الولايات المتحدة على إقامة مشروع نووي سعودي سلمي، من خلال استغلال مخزون المملكة الكبير من اليورانيوم.

عبر واشنطن

يبدو من خلال أحاديث نتنياهو والوثيقة العبرية أن السعوديين يدركون أن الطريق إلى واشنطن يمر عبر إسرائيل، فيما يدرك نتنياهو أن الطريق للتطبيع مع السعوديين يمر عبر واشنطن أيضا.

المحلل الإسرائيلي عاموس هرئيل أكد هذا في صحيفة هآرتس في 13 ديسمبر، بالقول إن "ابن سلمان لم يعد يهتم بالفلسطينيين كشرط للتطبيع مع إسرائيل ولم تعد القضية الفلسطينية شرطاً تطالب به السعودية لبدء علاقة رسمية مع تل أبيب".

"هرئيل" أكد أن العائق الوحيد أمام تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، هو شراء السعودية لبعض الأسلحة الأميركية المتفوقة، بينما إسرائيل تريد الحفاظ على تفوقها العسكري بالمنطقة، ولديها مخاوف بشأن المشروع النووي.

الأمر نفسه أكده الباحث في الشؤون الخارجية والأمن القومي، روبرت زابيسوشني لموقع "نيوزماكس" الأميركي بالقول: كما هو واضح، فإن هذه الشروط لا تخص "إسرائيل" بقدر ما تخص الولايات المتحدة؟

وأشار إلى تغير الموقف السعودي، الذي كان يشترط على إسرائيل أن تحقق صيغة سلام مع الفلسطينيين قبل اتخاذ خطوة التطبيع معها.

وأكد أن "اليوم بات السعوديون يفصلون بين التطبيع مع إسرائيل وبين إحراز تقدم فيما يخص السلام بين إسرائيل والفلسطينيين.

ويبدو من خلال الوقائع المعلنة أن كلا من نتنياهو وابن سلمان لهما أهداف يبغيان تحقيقها من وراء التطبيع بينهما، وحشر واشنطن كمعبر لهذا التطبيع بين الطرفين.

"حرص نتنياهو على التطبيع مع السعودية يرجع لأنها مهد الإسلام، وذلك سيحقق قفزة نوعية تُسهل عليه عمليات التطبيع مع بقية الدول العربية، ويأمل بأن يشاركه ابن سلمان هذا الجهد"، تقول وكالة رويترز في 15 ديسمبر.

سبب آخر للتعاون والتطبيع المرتقب هو "اشتراك إسرائيل ودول الخليج السنية في القلق بشأن برامج إيران الشيعية النووية والصاروخية وشبكة وكلائها، ورؤيتها فرصا اقتصادية في اتفاقات إبراهيم"، بحسب رويترز.

وسبق أن أوضحت دراسة سابقة لمركز  كارنيغي في27 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أن "إضفاء طابع رسمي على العلاقات السعودية الإسرائيلية من شأنه أن يساعد كلتا الدولتين على تحقيق أهداف إستراتيجية وعسكرية".

"لكن، إذا ما نجحت السعودية وإسرائيل في إقامة علاقات رسمية، فلن يفضي ذلك بالضرورة إلى تحولات جذرية كما يزعم الجانبان، بل وقد لا تصب التحولات التي ستعقب الاتفاق في صالحهما"، وفق الدراسة.