محاولة روسيا دمج قوات الأسد و"سوريا الديمقراطية".. لمواجهة تركيا أم أميركا؟
.jpg)
مع كل محاولة تركية لتوسيع "الحزام الأمني" على حدودها الجنوبية مع سوريا، وتحرير مناطق جديدة من قوات سوريا الديمقراطية" "قسد"، يطفو على السطح خيار دمجها بقوات نظام بشار الأسد.
صاحب ذلك الطرح هو روسيا التي تحتفظ بعلاقة وثيقة مع قوات "قسد"، الحليف الرئيس للولايات المتحدة على الأراضي السورية.
وفي موقف ليس بجديد، قال مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرينتيف، إن موسكو تحاول إقناع الأكراد بالتسوية مع النظام و"دمج قوات قسد بصفوف الجيش السوري، الأمر الذي سيمنع التطور السلبي للأوضاع".
وحذر لافرينتييف منتصف يونيو/حزيران، من أن العملية التركية ستشكل تهديدا لأنقرة نفسها، لأن حزب العمال الكردستاني "بي كا كا" وقوات قسد لن تختفي في ظل هذا السيناريو، وفق زعمه.
وتتحضر تركيا منذ مايو/أيار 2022 لعملية عسكرية واسعة النطاق ضد فروع "بي كا كا" في مناطق متعددة شمال سوريا، بهدف توسيع المنطقة الآمنة، وإبعاد تلك الفروع عن مناطق المعارضة السورية بغية تحقيق مزيد من الاستقرار فيها.
والفرع السوري من "بي كا كا"، هو قوات "ي ب ج" الكردية العمود الفقري لـ "قسد"، المدعومة من التحالف الدولي الذي تقوده أميركا، وهي الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني "ب ي د".
وتصنف أنقرة وواشنطن وعواصم أوروبية عديدة "بي كا كا"، تنظيما إرهابيا، لاستهدافه الداخل التركي بهجمات مسلحة في العقود الأخيرة، وهو يمثل الأب الروحي لكل التنظيمات الكردية المسلحة في سوريا والعراق التي تحلم بالانفصال وتأسيس دولة "كردستان" الكبرى.
وحذر المبعوث الروسي من أن العملية التركية، قد تتسبب في مواجهة مباشرة بين قوات النظام السوري والقوات التركية.
وأشار في الوقت نفسه إلى أن تركيا، ترى أنه من المستحيل التفاوض مع الأكراد السوريين وبالتالي لا تشارك في حوار معهم.
تجاذب دولي
وتدخل الجيش الأميركي بسوريا في سبتمبر/أيلول 2014، لتنفيذ ضربات جوية ضد "تنظيم الدولة"، واعتمد الأميركيون حينئذ على قوات "ي ب ج" لقتال التنظيم شرق نهر الفرات.
وبعد فترة وتحديدا في أكتوبر/تشرين الأول 2015 تأسست قوات قسد بخليط من المكونين العربي والكردي وبعض الإثنيات وأصبحت قوة برية لواشنطن على الأرض ودعمتها بالأسلحة والغطاء الجوي.
ويبلغ تعداد قوات قسد نحو 45 ألف مقاتل ومقاتلة على أقل تقدير، أكثر من نصفهم من العرب، حسب بيان لوزارة الدفاع الأميركية.
وولد الدعم الأميركي لفروع "بي كا كا" غضبا من تركيا، التي توعدت باجتثاث تلك الفروع على طول الشريط الحدودي مع سوريا، والقضاء على حلم الانفصال وتشكيل إدارة ذاتية عند حدودها الجنوبية.
وتسيطر قوات "ي ب ج" الكردية على مساحة 42485.6 كم2 من الأراضي السورية في أربع محافظات وهي (الحسكة- ديرالزور– الرقة– حلب) أي بنسبة 22.9 بالمئة، وفق إحصائيات متطابقة.
ويسكن في تلك المناطق ذات الغالبية العربية نحو 2.5 مليون نسمة من إجمالي 23 مليونا لجأ منهم نحو 7 ملايين إلى الخارج بعد الحرب، بينما تعرف هذه المناطق بسلة غذاء سوريا، وتضم نحو 80 بالمئة من ثروة البلاد من النفط والغاز.
ودعوة روسيا لـ "قسد" للانضمام إلى قوات الأسد، كانت على جدول المفاوضات المتقطعة بينهما برعاية موسكو، لكن شروط "سوريا الديمقراطية" لقبول الاندماج تخالف رؤية النظام.
إذ إنه أمام جمع من وجهاء وشيوخ العشائر العربية كشف القائد العام لـ"قسد" مظلوم عبدي، في 17 ديسمبر/كانون الأول 2021، عن عرض تلقاه من الأسد، يمنح قواته بموجبه استقلالية تامة بإدارة المناطق الكردية في شمال شرقي سوريا، شريطة انسحابها من المناطق العربية وتسليمها للنظام.
وأضاف عبدي أنه رفض هذا المقترح وقال: "العدو القديم ما زال يمكر لقسد وحاضنتها الشعبية"، في إشارة علنية لنظام الأسد.
وزعم عبدي أن الناس في تلك المناطق لا يعترفون بالنظام السوري، ولا يتفاوضون معه، إلا بشرط أساسي: وهو "الاعتراف بالإدارة الذاتية لقسد".
وبيضة القبان في وجود قسد تتمثل في المكون العربي صاحب الغالبية الكبرى للمناطق التي توجد فيها، وهم الكفة الرابحة في ميزان القوى هناك.
من جهة يرفض الأهالي إجراء أي اتفاق يبرم من وراء ظهورهم بين قسد والنظام السوري حول مصير مناطقهم، مفضلين بقاءها على وضعها الراهن تحت نفوذ المليشيا الانفصالية لأخف الضررين، على أن تصبح بين ليلة وضحاها تحت سيطرة الأسد، وبالتالي عودة أجهزته الأمنية بعد طردها لأكثر من تسع سنوات.
وعلى الطرف المقابل فإن الأهالي منزعجون من قسد التي تفرض سيطرتها بقوة السلاح الأميركي وبالترهيب والاعتقالات والاغتيالات والتهديد بعودة تنظيم "الدولة" الذي أعلنت واشنطن القضاء عليه في مارس/آذار 2019.
شروط قسد
وأمام ذلك تبقى ورقة الاندماج العسكري، "بطاقة رابحة" تتمسك بها قسد وتكسب بها الوقت، بينما يجتهد النظام السوري في تبديد مخاوفها المستقبلية عبر لقاءات كثيرة، وآخرها مع قيادات "بي كا كا" في دمشق منتصف مايو 2022.
وعلقت إلهام أحمد، الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطية "مسد" وهو الذراع السياسي لقوات "قسد"، في 19 يونيو 2022، على دعوات الاندماج الروسية.
وقالت أحمد: "بدلا من الهجوم على قسد، الأجدر أن يجرى الحديث عن كيفية الحل السياسي، وبالتالي دمجها مع الجيش السوري في آليات معينة هو الحل الصحيح، في ظل تشتت قوات النظام الضمني".
وأضافت أحمد التي تتردد إلى موسكو كل فترة على رأس وفد للقاء المسؤولين لبحث مصير "قسد"، أنه من الأجدر "الوصول إلى حل صحيح"، مؤكدة أن قوات سوريا الديمقراطية تحولت "لرقم صعب لا يمكن تجاوزه".
وتواجه قسد ضغوط الاندماج مع قوات الأسد كحل نهائي لمصيرها، لكنها تتمسك بعدة شروط للاتجاه إلى تلك الخطوة.
وحدد مظلوم عبدي في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، شرطين أساسيين للتوصل إلى اتفاق مع حكومة الأسد.
"الأول، أن تكون الإدارة القائمة حاليا جزءا من إدارة سوريا عامة ضمن الدستور، والثاني، أن تكون لقسد كمؤسسة استقلالية، وخصوصيتها ضمن منظومة الحماية العامة".
وأضاف عبدي المطلوب لدى أنقرة بالنشرة الحمراء، أن المطلب الكردي يكمن في أن تحافظ "قسد" على "وجودها التنظيمي العسكري بجميع مناطق شمال وشرقي سوريا، وتؤدي واجب الحماية كجزء رسمي من الجيش السوري".
ولفت عبدي (55 عاما) إلى أن حكومة الأسد، "تفكر بطريقة مختلفة، فهي تقبل أن تكون قسد جزءا من الجيش السوري عامة، لكن دون أن تكون لها خصوصيتها واستقلاليتها العسكرية، فالحكومة تريد لهذه القوات أن تنضم إلى الجيش على شكل أفراد وأشخاص وقيادات. ومن جهتنا لا يمكن القبول بهذا الشكل".
لكن رغم اختلاف وجهات النظر بين قسد والنظام حول طريقة الاندماج، فإن عبدي دعا الأسد إلى استخدام أنظمة الدفاع الجوي، لمواجهة تهديدات أنقرة بشن عملية عسكرية في الشمال السوري.
وقال عبدي لوكالة رويترز البريطانية في 5 يونيو 2022، إن قواته "منفتحة" على العمل مع قوات النظام للتصدي لتركيا، لكنه أكد أن لا حاجة لإرسال قوات إضافية.
لعبة المراوغة
وتذهب روسيا في دعوتها لـ"سوريا الديمقراطية" كونها تعد أولا وسيطا بين الأخيرة وقوات الأسد، ولها أيضا وجود عسكري شمال شرقي البلاد بالاتفاق مع "قسد"، منذ انسحاب القوات الأميركية الجزئي من هناك.
وفي أكثر من مرة حاولت روسيا دعوة قسد للانضمام إلى قوات النظام السوري نتيجة لبعض التحولات منها حدوث انسحاب أميركي مفاجئ على غرار أفغانستان والعراق، أو لتكرار التهديدات التركية بعمليات عسكرية في عمق مناطقها.
وكان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، طبق خطة الانسحاب من مناطق قسد نهاية 2018 وخفض بموجبها عدد الجنود الأميركيين، وجعل مهمتهم محصورة بحماية آبار النفط، وهو ما سار عليه خلفه جو بايدن.
وتتمركز القوات الروسية في قاعدة مطار القامشلي المدني في الحسكة الحدودية مع تركيا، والتي تعد هي الأضخم والأكثر لوجستيا وفاعلية بالمنطقة.
وفي هذا الإطار يرى المحلل والخبير العسكري الرائد طارق غنوم، أن "الطلب الروسي الحالي بالاندماج مع قوات الأسد لا يمكن لقسد أن توافق وتقبل به حتى لو ضغط عليها".
وقال غنوم لـ "الاستقلال": "إن قسد تحاول أن تراوغ، ولا مانع لديها من استغلال قوات الأسد في بعض المواقع ودخوله إلى مناطق تسيطر عليها شمال شرقي سوريا لأن ذلك فقط يدور في باب التستر بعباءة الروس والنظام".
وأضاف الخبير العسكري: "أن قسد قوات كردية مدعومة أميركيا وهي أقلية من الناحية العددية والجغرافية، إذ أن هناك قسم كبير من عناصرها من المكون العربي لكن القيادات كردية وهم مضطرين لاستخدام العنصر العربي في بعض المجالس العسكرية وفي الأجسام المدنية".
ولفت إلى أن "قسد تستمد قوتها من الدعم الأميركي وفي حال رفع واشنطن الغطاء عنهم، فستنتهي في ساعات عبر العشائر العربية كونهم يشكلون 95 بالمئة من مجمل المناطق التي تسيطر عليها".
ومضى غنوم يقول: "إن العشائر العربية في مناطق قوات قسد وحتى العناصر والذين يعد بعضهم مطلوبا لمخابرات الأسد، مغلوبون على أمرهم وليس لديهم البديل الأفضل حاليا لذلك هم يفضلون قوات سوريا الديمقراطية على النظام".
نهاية المشروع
وذهب الخبير العسكري طارق غنوم للقول: "ما يريده النظام السوري من قسد هو مصالحة كاملة، وهم يرفضون ذلك أي العودة إلى ما قبل عام 2011".
وأرجع ذلك إلى أن "للأكراد تجربة مع نظام الأسدين (الأب والابن) حيث كانوا مكون عرقي مسحوق ومسلوب الحقوق وهذا ما يدفعهم للعودة إليه".
وزاد بالقول: "قسد لديها مشروع انفصالي في سوريا وقيام كيان مستقل شمال شرقي البلاد، ولذلك الذهاب باتجاه النظام سينهي مشروعهم وسيحاسبهم الأسد مستقبلا وهم يدركون ذلك".
واستدرك غنوم قائلا: "النظام السوري حاول منذ البداية جذب المكون العربي والشباب لصفه في مناطق قسد للانقلاب عليها، لكنه ما يزال يلقى ممانعة ورفضا".
وقال إن ذلك "ليس حبا بقسد بل لأن النظام انتهى بنظرهم وهو ينتظر الفرصة ليعود وينكل بكل من عارضه خلال العقد الأخير".
وأشار غنوم إلى أن "قسد تعمل على المناورة للوصول في نهاية المطاف إلى بعض مطالبها، وهي تدرك أنها ستقبل في النهاية بالشروط التي ستفرضها المعارضة السورية بغطاء ودعم تركي".
وختم بالقول: "ذهاب قسد باتجاه النظام السوري والروس يعني رفع الغطاء الأميركي عنها، ولذا فإن مصيرها مرهون بقرار واشنطن ورؤيتها".
ويؤكد خبراء عسكريون أن تغيير قسد لجلدها والانخراط في قوات الأسد لن يعفيها من الملاحقة التركية واستهدافها، ولذلك فإن هذه الخطوة تكاد تكون معقدة وغير قابلة للتطبيق على الأرض لاعتبارات عدة.
وهذا ما يلفت إليه الأكاديمي التركي أحمد اويصال المختص في علم الاجتماع السياسي، بالقول إن "حزب العمال الكردستاني وفروعه هما وكلاء للولايات المتحدة ويسيطرون على مناطق بسوريا، لا يمكن له أن ينضم لقوات النظام، لأن ذلك سيفاقم التوتر بين واشنطن وموسكو".
وأضاف أويصال لـ"الاستقلال" أنه "في ظل الدعم الأميركي لفروع بي كا كا بالسلاح والمال، فضلا عن المساندة السياسية لها بسوريا، لن تسلم واشنطن تلك الفروع لنظام الأسد عميل روسيا وإيران".
واستدرك: "الولايات المتحدة مشروع الاندماج صعب ولا يمكن تحقيقه ويصبح بين ليلة وضحاها قوة بيد الآخر على الأراضي السورية".
وختم أويصال بالقول: "إن واشنطن مستعدة لتدمير قوات قسد أو الإبقاء عليها تحت كنفها واستغلالها كأداة على الأرض السورية لتحقيق مصالحها منذ أن أسستها ومولتها".