"غير مباشرة".. هل يمتلك الأسد أوراقا لمواجهة عملية تركيا شمالي سوريا؟

لندن - الاستقلال | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

مع تأهب تركيا لإطلاق عملية عسكرية جديدة ضد فروع حزب العمال الكردستاني "بي كا كا" داخل الحدود السورية، خرج رئيس النظام، بشار الأسد، عن صمته الطويل واصفا إياها بـ"الغزو".

ويرى مراقبون أن تصريحات الأسد مجرد "استعراض كلامي"، حيث سيجد نفسه وحيدا أمام قوات تركيا في حال الإعلان عن بدء العملية، خاصة أن حليفه الرئيس، روسيا، لمح بشكل واضح إلى موافقته لخطوات أنقرة المنتظرة.

مصالح مشتركة

وفي مقابلة تلفزيونية مع قناة "روسيا اليوم" في 9 يونيو/حزيران 2022، وردا على سؤال المذيعة حول العملية التركية المرتقبة، أجاب الأسد: "إذا كان هناك غزو، فهناك مقاومة شعبية، لأن جيشنا لا يوجد في جميع مناطق سوريا".

وأضاف "عندما تسمح الظروف العسكرية للمواجهة المباشرة مع تركيا سنفعل هذا الشيء".

وأفاد الأسد بأنه "منذ عامين ونصف العام حصل صدام بين القوات السورية والتركية، وسيكون الوضع نفسه بحسب ما تسمح الإمكانيات العسكرية، عدا عن ذلك ستكون هناك مقاومة شعبية".

ويشير الأسد هنا لعملية "درع الربيع" العسكرية التي نفذتها تركيا برا وجوا بين 27 فبراير/شباط و5 مارس/آذار 2020، في إدلب لمنع توسع النظام السوري، وضمان أمن القوات التركية الموجودة في المنطقة، وقالت أنقرة حينها إن "العملية منعت حدوث مأساة إنسانية كبيرة شمالي سوريا".

وجاءت العملية بعد ساعات من مقتل 33 جنديا تركيا في غارات للنظام السوري استهدفت تجمعا عسكريا لهم في منطقة جبل الزاوية بريف إدلب.

لكن حينها كانت خسائر النظام السوري البشرية والعتاد ثقيلة، فبحسب الدفاع التركية أسفرت العملية عن تحييد 3 آلاف و473 عنصرا، فضلا عن 3 طائرات و8 مروحيات وطائرة مسيرة مسلحة و93 دبابة و36 عربة مدرعة و67 مدفعا و10 أنظمة للدفاع الجوي.

وتركت وقتها قوات النظام السوري وحدها تواجه الهجمات التركية، وصت صمت مريب من حليفتيه روسيا وإيران.

ورغم وصف الأسد لفروع "بي كا كا" في المقابلة ذاتها بأنهم "عملاء للأميركيين"، إلا أنه يراهم مع قواته في "خندق واحد" ضد تركيا.

ووفق الكثير من المراقبين، فإن العلاقة بين نظام الأسد وفروع "بي كا كا" تقف عند جملة من نقاط الاتفاق، وما يعكر صفوها هو الوجود والتحكم الأميركي في مناطق نفوذها شمال شرقي سوريا.

والفرع السوري من "بي كا كا"، هي قوات "ي ب ج" العمود الفقري لـ"قوات سوريا الديموقراطية" (قسد)، المدعومة من التحالف الدولي الذي تقوده أميركا، وهي الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني "ب ي د".

نقاط الالتقاء

وتصنف أنقرة وواشنطن وعواصم أوروبية عديدة "بي كا كا"، تنظيما إرهابيا، لاستهدافه الداخل التركي بهجمات مسلحة خلال العقود الأخيرة، وهو يمثل "الأب الروحي" لكل التنظيمات الكردية المسلحة في سوريا والعراق التي تحلم بالانفصال وتأسيس دولة "كردستان" الكبرى.

وتكاد تكون نقاط الالتقاء بين النظام السوري و"قسد" أكثر من الاختلاف الظاهر، ولا سيما أن الطرفين يخوضان منذ خمس سنوات مفاوضات برعاية روسية لكنها متعثرة، بهدف إيجاد حل لمستقبل مناطق قسد.

وفي هذا الإطار، قال رياض درار الرئيس المشترك لـ"مجلس سوريا الديمقراطية"، وهو الذراع السياسي لـ"قسد"، إن "قواتنا ستقاتل مع الجيش السوري ضد أي اعتداء خارجي على سوريا".

وأضاف درار، عبر منشور على صفحته بفيسبوك في 11 يونيو، أن "التنسيق قائم مع حكومة دمشق في إطار المساعدة العسكرية والتصدي للعدوان الخارجي، وهي جزء من مهامه ووظائفه".

وسبق أن كشف زعيم قسد، مظلوم عبدي، في 17 ديسمبر/كانون الأول 2021، عن عرض تلقاه من نظام الأسد، يمنح قواته بموجبه استقلالية تامة بإدارة المناطق الكردية في شمال شرقي سوريا، شريطة انسحابها من المناطق العربية وتسليمها للنظام.

وأضاف عبدي أنه رفض هذا المقترح، وزاد قائلا: "العدو القديم ما زال يمكر لقسد وحاضنتها الشعبية"، في إشارة علنية لنظام الأسد.

فيما جدد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، التأكيد على أن بلاده "لن تسمح بإقامة ممرات إرهابية على حدودها الجنوبية، وستكمل الأجزاء المتبقية من الحزام الأمني شمالي سوريا".

وأعرب أردوغان، خلال كلمة في 9 يونيو 2022، عن أمله بـ"ألا يعارض أي من حلفائنا وأصدقائنا الحقيقيين هذه المخاوف الأمنية المشروعة لبلادنا، وألا يختاروا على وجه الخصوص جانب التنظيمات الإرهابية".

الأسد يراوغ

وأمام هذا الترقب للعملية العسكرية التي تلوح تركيا بتنفيذها ضد فروع "بي كا كا" في سوريا والتي تراها "ضرورة للأمن القومي"، يبدو واضحا أن أنقرة، بعيدا عن ساعة الصفر، تبحث مع الأطراف الفاعلة، منذ الإعلان الأول لأردوغان في 23 مايو/أيار 2022، عن استعداد بلاده لإطلاق العملية في المناطق التي يحتلها المسلحون الأكراد على الحدود.

لكن إن كان ثمة "مقاومة شعبية" كما يزعم رأس النظام السوري ضد تركيا، فهو يقصد بالتفاف العشائر العربية في مناطق قسد حول قواته، لكنه فشل أخيرا في خلق حاضنة موالية له في محافظتي الحسكة والرقة الحدوديتين مع تركيا.

وتنبهت العشائر العربية هناك لخطورة الانجرار وراء محاولة جذبها من قبل قسد والنظام معا، الأمر الذي دفع الأسد لإطلاق تسوية شاملة في مناطق سيطرته بدير الزور في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، لجذب شباب العشائر.

وبعكس إيران الرافضة للعملية التركية، تكاد تكون روسيا حليفة الأسد الثانية متفقة مع هواجس تركيا التي تدفعها لشن عملية عسكرية هي الثالثة لها بسوريا ضد فروع "بي كا كا".

وفي هذا السياق، يرى الباحث المساعد بالشأن العسكري في مركز "عمران للدراسات الإستراتيجية"، محسن المصطفى، أن "الأسد تلقى تحذيرا جرى نقله عبر الروس بألا يقف في وجه الجيش التركي حال شن عملية عسكرية".

وأضاف الباحث في حديث لـ"الاستقلال": "صحيح أن قوات النظام لا تنتشر في كافة المناطق إلا أن له قوات على بعض خطوط التماس في مناطق العمليات العسكرية المتوقع أن تشن فيها تركيا عمليتها، وبالتالي هو يرواغ بذلك، كما أنه يدفع بعناصر المقاومة الشعبية للمحرقة كما حدث من قبل أثناء عملية غصن الزيتون (عام 2018)".

وتوقع المصطفى، أنه في حال حدوث "مواجهة بين جيشي الأسد وتركيا مستقبلا، فإننا سنشاهد المزيد من الدبابات المتفجرة وأنظمة الدفاع الجوي غير الفعالة، وربما نشاهد المزيد من الطائرات المسقطة لقوات النظام، كما حدث سابقا في مارس/آذار 2020".

أوراق الضغط

وفي حال شنت تركيا عملية عسكرية ضد فروع "بي كا كا" بسوريا، فستكون هي الرابعة بمساندة من "الجيش الوطني السوري" المعارض.

وأولى العمليات العسكرية كانت ضد "تنظيم الدولة" تحت اسم عملية "درع الفرات"، في 24 أغسطس/آب 2016، وتركزت بريف حلب، وطرد حينها التنظيم من مدن "جرابلس، الباب، أعزاز"، وجرى تحرير 2055 كيلومترا مربعا.

كما أطلقت تركيا عمليتين عسكريتين بهدف قطع الطريق أمام محاولات قوات "ي ب ج" وصل شريط من القرى والمدن على الحدود السورية التركية مع بعضها، تربط محافظات "الحسكة، الرقة، حلب"، لمنع قيام كيان كردي شمال سوريا على حدودها.

الأولى، حملت اسم "غصن الزيتون" في 20 يناير/كانون الثاني 2018، وجرى خلالها السيطرة على مدينة عفرين شمال حلب وتخليصها من عناصر "بي كا كا".

والثانية، في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2019 وسميت "نبع السلام" وتركزت في محافظتي الحسكة والرقة، إذ أبعدت قوات "ي ب ج" مسافة 30 كيلومترا عن الحدود التركية.

وبسط حينها "الجيش الوطني" سيطرته على مساحة تزيد عن 4 آلاف كيلومتر مربع، بهدف إنشاء منطقة آمنة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم.

وقال الباحث العسكري، المصطفى، إن "نظام الأسد يملك أوراق ضغط غير مباشرة، ربما تزويد المقاتلين الأكراد بمضادات دبابات ومدفعية وذخائر ودعم لوجستي، وربما تقني من أجل إطالة أمد المعركة وإلحاق أكبر خسائر ممكنة بالجيش التركي".

واستطرد: "وبالتالي كل هذا من أجل التأثير داخليا في عمليات الجذب السياسي بين الأحزاب التركية قبل انتخابات 2023".

تصعيد فارغ

ويرى مراقبون أن توعد الأسد بمواجهة العملية التركية المرتقبة شمال سوريا، يقابله موافقة غير علنية للعملية من الحليفة روسيا، خاصة أن وزير الخارجية، سيرغي لافروف، لمح علانية لذلك.

وقال لافروف خلال مؤتمر صحفي مع نظيره التركي، مولود تشاووش أوغلو، في 8 يونيو 2022 بأنقرة، إن "موسكو تأخذ بالحسبان قلق أصدقائها الأتراك حيال التهديدات التي تشكلها القوى الأجنبية على حدودهم".

لكن لهجة الأسد التصعيدية ضد تركيا قرأها كثير من المراقبين العسكريين على أنها مجرد "استعراض إعلامي، لكونه عاجزا عن تحريك أي من قواته بدون غطاء جوي روسي".

وهذا ما يشير إليه المحلل العسكري السوري، طارق حاج بكري، بقوله لـ"الاستقلال"، إن "الأسد لا يملك أية أوراق على الأرض ضد تركيا، بل يملك فقط ورقة روسيا التي إن وافقت معه على المقاومة فهي من تقوم بها عبر التغطية الجوية والسلاح الروسي".

ومضى يقول: "ولهذا فإن رفع موسكو يدها عن نظام الأسد يعني خروجه من كل المناطق التي يوجد فيها".

ولفت حاج بكري إلى أن "النظام السوري لم يعد لديه قاعدة شعبية يقاتل بها باستثناء بعض المستفيدين من الهيمنة العسكرية من الشبيحة والمرتزقة".

وشدد على أن "نظام الأسد يقول ما لا يفعل ويفعل عكس ما يقول دائما، فمنذ دخول تركيا للشمال السوري لم يبد أي مقاومة ضد تركيا".

وقال حاج بكري أنه "في الشمال السوري يوجد إشراف تركي، لكن القوى الحقيقية المهيمنة هي الجيش الوطني السوري، لذلك من يطالب بتحرير مناطقه من فروع (بي كا كا) هم الأهالي الذين يريدون العودة لمنازلهم، لهذا فإن تصريحات الأسد فارغة واستعراضية".