لم تكتف بسرقة حاضرهم.. هكذا تسطو الإمارات على تاريخ الشعوب العربية

محمد السهيلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

رغم ما نهبه الاستعمار الغربي من كنوز أثرية من مصر والعراق وسوريا وغيرها من الدول العربية صاحبة الإرث الضارب عبر التاريخ؛ إلا أن العيون ما  زالت على كنوز تلك البلدان، التي تتعرض للتنقيب غير الشرعي والسرقة والتهريب للخارج من قبل دول وعصابات جريمة منظمة.

وفي عام 1970، صادقت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، على أول اتفاقية دولية تهدف إلى مكافحة الإتجار غير المشروع بالآثار، إلا أن آثار البلدان العربية تباع بشكل دوري عبر معارض ومتاحف بأوروبا وأميركا والخليج العربي.

فضيحة اللوفر

وفي 25 مايو/ أيار 2022، كشفت وسائل إعلام دولية عن إجراء تحقيق في باريس مع رئيس متحف اللوفر السابق جان لوك مارتنيز، ووسيط ألماني من أصل لبناني في تزوير شهادات منشأ لقطع آثار مصرية وعراقية وسورية ويمنية.

جرى سرقة جميعها وبيعها لمتحفي اللوفر أبو ظبي، والمتروبوليتان بنيويورك، إضافة إلى دار عرض ومتاجر "هوبي لوبي" الأميركية الشهيرة.

وتعرض الإمارات في متحف اللوفر أبو ظبي قطعا أثرية مسروقة ومهربة من مصر والعراق وسوريا تم بيع جزء منها للدولة العربية الخليجية عبر عصابات تهريب الآثار.

وفجر إعلان شرطة "مكافحة الإتجار بالممتلكات الفرنسية" التحقيق مع "مارتنيز"، في اتهامات بشراء وتهريب آثار مصرية إثر ثورة 25 يناير/ كانون الأول 2011، التساؤلات بشأن أدوار الإمارات وفرنسا في سرقة الآثار العربية.

صحيفة "لوموند" الفرنسية، ذكرت أن مارتنيز، الذي استقال من منصبه في 2021 بعد عمل منذ 2013، يشتبه بتورطه في غسل الأموال والتواطؤ في الاحتيال المنظم لسرقة قطع أثرية، فضلا عن دوره في وصول خمس قطع مصرية للوفر أبو ظبي.

وأكدت أن أهم هذه القطع "شاهد جرانيت" وردي نادر معروض باللوفر أبو ظبي، يعود لعام 1327 قبل الميلاد، و"ممهور" باسم الملك توت عنخ آمون، و"منقوش" به مرسوم يضمن حماية رئيس الكهنة، ويحمل صورة الملك الشاب من الجانبين، عدها عالم المصريات الفرنسي مارك جابولدي، "كنزا استثنائيا". 

وأوضحت الصحيفة أن قاضي التحقيق جان ميشال جنتيل، قرر في 23 مايو، وضع الرئيس السابق لمتحف اللوفر تحت الإشراف القضائي، وأفرج في اليوم التالي عن أمين قسم الآثار المصرية فينسينت روندو، وعالم المصريات أوليفييه بيردو.

ويشتبه المحققون في أن خبير الآثار كريستوف كونيكي بدار المزادات "Bergé & Associés" الشهيرة بباريس، والتاجر الألماني من أصل لبناني روبن ديب قدموا وثائق مزورة،، واختلقوا أصولا مزورة "لغسل" مئات القطع الأثرية المنهوبة من بلدان مختلفة في الشرق الأوسط، ذهب بعضها لمتحف اللوفر أبو ظبي.

نفس الخبير وذات التاجر، عملوا لمدة 10 سنوات في جلب قطع مسروقة، وخضعوا لتحقيقات أجرتها السلطات الأميركية والفرنسية والألمانية والمصرية بعد بيع قطعة "التابوت الذهبي للكاهن نجيمانخ" لمتحف متروبوليتان عام 2017 ، مقابل 3.71 ملايين دولار، بعد سرقته من مصر إثر ثورة يناير.

من جانبها، وصفت صحيفة "الغارديان" البريطانية، القضية بأنها "صادمة لعالم الآثار"، مشيرة إلى أن "القضية فتحت في يوليو/ تموز 2018، بعد عامين من شراء اللوفر أبو ظبي شاهدة الجرانيت الوردي لتوت عنخ آمون وأربعة أعمال أخرى مقابل 8.5 ملايين دولار.

ولفتت إلى اعتقال صاحب المعرض الألماني اللبناني وسيط البيع بهامبورغ، في مارس/ آذار 2022، وتسليمه لباريس للاستجواب، مشيرة إلى أن المحققين يعتقدون أن مئات الآثار تعرضت للنهب إثر الربيع العربي 2011، في مصر وليبيا واليمن وسوريا.

وأضافت أنهم يعتقدون أنه تم بيعها لصالات عرض ومتاحف لا تطرح أسئلة عن الملكية السابقة، ولا تبحث بشهادات المنشأ.

بدورها قالت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، إن التحقيقات تجري في تجاهل مارتينيز الوثائق المزيفة لأصول العديد من الآثار المصرية التي بيعت بمبلغ 8.5 ملايين دولار عام 2016 إلى متحف اللوفر أبو ظبي، لافتة أيضا إلى أن مئات القطع الأثرية سرقت من الشرق الأوسط خلال الربيع العربي 2011.

اللوفر أبو ظبي

وتذخر مصر بآثار فرعونية ويونانية وقبطية وإسلامية، وتحفل العراق وسوريا واليمن بآثار من حقب تاريخية مختلفة شاهدة على حضارة تلك البلدان، بينما لا تملك الإمارات أي حضارة قديمة بل إنها تأسست كآخر دولة بالجزيرة العربية في 2 ديسمبر/كانون الأول 1971.

وفي 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، جرى افتتاح متحف "اللوفر أبو ظبي" على غرار "اللوفر" بباريس كشراكة مع أكثر متاحف العالم زيارة، في صفقة تضمنت تأجير الإمارات لاسم اللوفر من فرنسا لمدة 30 عاما بتكلفة 500 مليون دولار.

لكن ظهور آثار مصرية ويمنية وعراقية بالمتحف كان صادما لكثيرين، ما فاقم الاتهامات لأبو ظبي بسرقة آثار الدول العربية بالتحايل وشرائها بمبالغ مالية عبر تجار الآثار ووسطاء دوليين.

ومع اندلاع ثورات الربيع العربي جرى السطو على عدد كبير من الآثار في تلك البلدان، كما أن ما عانته سوريا والعراق واليمن من صراعات وحروب داخلية تسبب في فقدانها الآلاف من القطع الأثرية.

كما أنه جرى سرقة الكثير من الآثار المصرية من المتاحف ومخازن الآثار والتي بلغت نحو 33 ألف قطعة بحسب وزارة الآثار، فيما ضبطت إيطاليا حاوية دبلوماسية عام 2018 بها نحو 21 ألف قطعة مصرية مهربة.

وورد اسم السفير الإماراتي السابق في القاهرة حمد الشامسي في تحقيقات قضية الآثار الكبرى التي تفجرت في مصر 2021، واتهم فيها رجل الأعمال المقرب من النظام حسن راتب والبرلماني علاء حسانين.

في 17 يونيو/ حزيران 2017، تولى رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، رئاسة مجلس أمناء المتحف المصري الكبير، في سابقة تبعها بعد ثلاثة أشهر ظهور آثار مصرية عديدة بمتحف اللوفر أبو ظبي 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017.

حينها ووفق تقرير سابق لـ"الاستقلال"، اتهم ناشطون السيسي بتسهيل تهريب الآثار للإمارات، مشيرين إلى قراره بمنع استخدام الكاميرات بمخازن وزارة الآثار، والذي تبعه اختفاء أكثر من 30 ألف قطعة أثرية خلال أكتوبر/ تشرين الأول 2017، أي قبل افتتاح المعرض الإماراتي بشهر واحد.

اللوفر أبو ظبي لم يقتصر على الآثار المصرية القديمة، وامتدت أيادي منظميه إلى آثار اليمن والعراق وسوريا، ففي 5 ديسمبر/ كانون الأول 2017، نشرت مجلة "ذا نيو ريببلك" الأميركية، تقريرا عن المتحف، قالت فيه: "كل شيء هنا مستورد".

وأضافت: "بدلا من تأسيس متحف يعكس تاريخها القومي، اشترت الإمارات اسم (اللوفر) من المتحف الأم في فرنسا، وكأنه ماركة ملابس تحاول احتكارها، وكذلك مررت قطعا أثرية نادرة بطريقة مريبة من مصر واليمن والعراق وسوريا، وهو ما يؤكد أن الإمارات لا تاريخ لها".

تورط مهين

وتحت عنوان: "فضائح الإمارات"، نقل موقع "الإمارات ليكس" في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، عن الباحث الأميركي المتخصص في الآثار الكسندر ناجل، تأكيده أن الإمارات تقوم بسرقة آثار اليمن وتهريبها بغرض بيعها إلى دول مثل أميركا.

ناجل، كشف أن آثار اليمن أكثر من مليون قطعة يجري سرقتها بشكل دوري من قبل الإمارات بطرق متنوعة، موضحا أن معظم المستشرقين الذين زاروا اليمن لأعمال دراسات وتنقيب، "كاذبون، بل هم تجار آثار".

وأكد الباحث الأميركي أنه "يجري تهريب قطع الآثار من اليمن عبر دول مثل الإمارات وإسرائيل قبل وصولها أميركا"، مشيرا لتورط "مستكشفين وأكاديميين ودبلوماسيين بتهريب آثار اليمن".

وبعد الغزو الأميركي للعراق 2003، سرقت من متحف بغداد وحده نحو 15 ألف قطعة أثرية، و32 ألف قطعة من 12 ألف موقع أثري، بحسب السلطات العراقية.

وفي 3 مايو/ أيار 2018، أعادت أميركا 3800 قطعة أثرية لبغداد، بينها ألواح مسمارية سومرية تعود لـ 2100 عام قبل الميلاد، بعد أن هربها بشكل غير قانوني تجار إماراتيون وإسرائيليون لمتاجر "هوبي لوبي" الأميركية في أوكلاهوما عام 2003.

حينها، قالت وزارة العدل الأميركية إن آلاف الألواح المسمارية جرى تهريبها للولايات المتحدة عبر الإمارات وإسرائيل.

ونقلت جريدة "الشرق" القطرية في 6  مايو/ أيار 2018، عن ثلاثة خبراء فرنسيين قولهم إن "أبو ظبي تسعى منذ عام 2000 لصنع حضارة زائفة، وجندت عشرات العصابات الدولية وتجار الآثار المعروفين على المستوى الدولي لجلب القطع الأثرية لا سيما الحجرية التي تمتد للحضارات المصرية والسومرية وبابل وآشور بالعراق، وسبأ باليمن.

وأشارت إلى تأكيد الخبراء أن الإمارات تجند الكتاب للترويج لحضارة الإمارات وللسياحة بها، ثم تقوم بالإعلان عن آثار مكتشفة بمشروع (الأفلاج) بساحل أبو ظبي الذي تقدمه كاكتشاف أثري يعود لقرون ما قبل الميلاد.

وقال أستاذ الآثار بجامعة "بيير" بباريس أوجست دوفي، إن السلطات الأميركية ضبطت آلاف القطع الأثرية بصالات مزادات أميركية شهيرة بينها ألواح مسمارية سومرية، وتماثيل ومخطوطات نادرة هربها تجار إماراتيون وإسرائيليون بطرق غير مشروعة من العراق.

وأكد العالم الفرنسي أن الكثير من القطع المهربة باللوفر أبو ظبي تعود للحضارة السومرية والبابلية والآشورية والفرعونية، موضحا أنها قطع تدل على تاريخ عام دون تحديد المكان تنقل لأبو ظبي لعرضها باللوفر بعد وضع ورقة تعريفية تحتها تنسبها لحضارة أبو ظبي.

وقال أستاذ التاريخ بجامعة "سوربون" جورج سينياك، إن "أبو ظبي سرقت قطعا أثرية مهمة بين عملة نقدية ومخطوطات من ليبيا ومصر والعراق واليمن"، مشيرا لسرقتها أشجار (دم الأخوين) أو (دم التنين) من أرخبيل سقطرى، ونقلها كاملة لأبو ظبي.

من جانبه أوضح مدير قسم المخطوطات بمتحف "أورسيه" سابقا شارل بيرت، أن اللوفر أبو ظبي يضم مئات المخطوطات النادرة التي تؤرخ لحقبات تاريخية مهمة ولتاريخ العرب بأوروبا تحديدا، تعرضه أبو ظبي بمتحفها مذيلا بتعريف مزيف أو محرف.

ومنتصف مارس/ آذار 2017، ظهرت لوحة "ذات الصواري"، إحدى النفائس العراقية للفنان التشكيلي فائق حسن، بمزاد للتحف والنفائس في دبي، بعدما سرقت من أحد متاحف بغداد عام 2003.

وقف النزيف

وفي تعليقه على اجتماع الطمع الإماراتي في آثار الدول العربية والاستعمار الغربي على سرقة تاريخ مصر والعراق وسوريا واليمن وليبيا، قال المؤرخ المصري الدكتور عاصم الدسوقي، إن "مفتاح الموقف مع دولة الإمارات، هو أن هؤلاء كانوا بدويين فأصبحوا يشترون كل شيء بالمال".

وأضاف الدسوقي لـ"الاستقلال"، أنهم مع نهمهم لصناعة تاريخ "يسيطرون على سياسات كثير من دول المنطقة بالمال"، مشيرا إلى أنهم "لو أرادوا نقل تمثال أبو الهول من مصر إليهم هناك لنقلوه".

أستاذ التاريخ نكأ جرح الفساد داخل البلاد العربية التاريخية موضحا أنه "عندما نقضي على الموظفين المرتشين، يمكن إنقاذ آثار مصر والعراق وسوريا واليمن من يد الأطماع الإماراتية والفرنسية والإسرائيلية والغربية بالطبع".

من جانبه قال الخبير العراقي بالعلاقات الدولية الدكتور حارث قطان، إن "سرقة الآثار العربية والإسلامية من الدول العربية من قبل الدول الاستعمارية وهنا حالة باريس؛ ليس بغريب ولا جديد؛ فقد مارستها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا مطلع القرن الـ20".

وأضاف لـ"الاستقلال": "كما مارستها أميركا لنهب آثار العراق بعد احتلاله"، مؤكدا أن "الدول الاستعمارية مهمتها الأولى نهب خيرات وآثار الدول". 

أما مسألة الإمارات، وفق أستاذ العلاقات الدولية بكلية العلوم السياسية بجامعة تكريت، فيرى أنها "تعاني من ازدواج بهوية الدولة، بمعنى أن ظهورها عالميا كمركز مالي عالمي مهم يحقق ثروات هائلة جعلها دولة غنية؛ لكن ومع ذلك هي دولة فقيرة تاريخيا وأثريا".

"وبالتالي ميزة أموالها لا تتيح لها بروزا إقليميا على دول لها تاريخ حضاري وكنوز أثرية؛ لكنها ستتمتع بهذه الميزة عندما تسرق الآثار من الدول المحيطة بها ذات التاريخ العميق كالعراق وسوريا ومصر"، يشرح قطان.

النقطة الثانية بحسب قطان، هي أن "نظام الإمارات وظيفي؛ حسب فهم نظرية العلاقات الدولية، بمعنى أن لها وظيفة معينة ترسمها الدول الكبرى، ووظيفة الإمارات الآن محاربة الهوية العربية والإسلامية بالطعن في الثقافة العربية والإسلامية وسلب كنوزها لمصلحة الآخرين".