وساطة روسية وتواطؤ أميركي.. ماذا وراء فتح معبر اليعربية بين سوريا والعراق؟
.jpg)
تعد المعابر البرية في سوريا إحدى أبرز الأوراق الرابحة التي سعت روسيا لإعادة سيطرة النظام السوري على بعضها، وخاصة الواقعة منها شمال شرقي سوريا الخاضعة لمليشيا قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، أو المعارضة بشمال غربي البلاد.
وتؤكد الوقائع الميدانية أن موسكو نجحت في تحقيق خرق في هذا المجال على حساب واشنطن، عبر الزج بالنظام السوري لمشاطرة "قسد"، بإدارة معبر اليعربية البري في محافظة الحسكة، الذي يقابله ربيعة من جهة محافظة نينوى العراقية.
ففي عام 2013، وقع المعبر تحت سيطرة تنظيم الدولة، قبل أن تتمكن قوات كردية من السيطرة على مدينة اليعربية ومعبرها أواخر العام ذاته.
وكان المعبر أحد شرايين المساعدات الأممية، إلى أن أغلق بـ"فيتو" روسي في مجلس الأمن عام 2020، ويعتبر أهم نقطة إستراتيجية للعبور، إذ يسيطر على الطريق السريع الرئيس الذي يربط سوريا بالموصل.
فتح المعبر
في 11 يناير/ كانون الثاني 2022، ذكرت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المعنية بشؤون الاستخبارات، أنه جرى إعادة فتح معبر (اليعربية – ربيعة) في 6 يناير بعد توصل قسد والنظام السوري أخيرا إلى اتفاق حول إدارته.
وجاء ذلك عقب استئناف المحادثات بين النظام و"قسد"، بإشراف روسي، منهية شهورا من الجمود للتوصل إلى حل بشأن المعبر.
ووفق المجلة فإن خطوة افتتاح المعبر "بمثابة صفعة لواشنطن، حيث كان منسق الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي التابع لها بريت ماكغورك، والمبعوث الخاص لسوريا ماثيو بيرل يتفاوضان منذ عدة أشهر حول السيطرة على تلك النقطة الإستراتيجية".
وفي إطار تسليط الضوء على حالة الطوارئ الإنسانية في شمال شرق سوريا، تواصلت الولايات المتحدة مع كل من سلطات حكومة إقليم كردستان شمالي العراق، وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، بشأن هذه المسألة المهمة بالنسبة لقواتها المنتشرة في سوريا.
إذ إن قيادة العمليات الخاصة الأميركية (USSOCOM)، التي تستخدم بشكل عام معبر فيش خابور (سيمالكا) الحدودي بالحسكة، ترغب أحيانا في استخدام معبر اليعربية - ربيعة.
إلا أنه في هذه الحالة الجديدة سيتعين على قيادة العمليات الخاصة الأميركية التعامل مع حكومة بشار الأسد التي باتت على المعبر.
ولعدة أشهر، "كانت موسكو تحث الإدارة الكردية في شمال شرق سوريا على استئناف الاتصال مع النظام السوري، في مواجهة التهديدات المستمرة من تركيا والدعم غير المستقر من الولايات المتحدة".
و"استسلمت السلطات الكردية أخيرا لروسيا"، وفق "إنتيليجنس أونلاين".
كما كانت السلع الأساسية شحيحة في المنطقة منذ إغلاق معبر فيش خابور في ديسمبر/ كانون الأول 2021، من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم بشمال العراق بعد اشتباكات مع أعضاء من حزب العمال الكردستاني "بي كا كا".
و"بي كا كا" معروف بقربه من حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) الذي يتمتع بأغلبية في قسد.
مناقشات إدراية
وتفيد تقارير صحفية بوجود مناقشات تفصيلية حول كيفية إدارة المعبر بين قسد ومندوبين عن النظام السوري، وتنفيذ إجراءات الجمارك الحدودية.
وسيكون المعبر بذلك منفذا رسميا بهذه المنطقة من ناحية التبادل التجاري، وآفاق العلاقات الدبلوماسية وكذلك من الجانب الإنساني، وسيكون له أثر كبير على عملية إعمار المنطقة بشكل خاص.
كما سيؤثر فتح المعبر الحدودي سلبا على النشاطات التي تجري عبر معبر "سيمالكا" بين إقليم كردستان شمالي العراق وشمال شرق سوريا وسيقلل من أهميته.
وفي أكثر من موقف طرحت واشنطن مسألة تعزيز عمليات نقل المساعدات إلى سوريا عبر إعادة فتح معبر (اليعربية - ربيعة).
إلا أن موسكو كانت ترفض بشكل قاطع، وتصر بأن يساهم النظام السوري في إدارته على الرغم من ضعف تمثيله العسكري والسياسي في محافظة الحسكة الواقع فيها المعبر.
إذ تسيطر قوات "ي ب ج" التابعة لقسد، على 83 بالمئة من مساحة الحسكة، والنظام السوري على 4 بالمئة، بينما تسيطر قوات المعارضة على 8 بالمئة.
فيما يتبقى 5 بالمئة كمنطقة مشتركة بين النظام وقسد، وفق إحصائية لتوزيع السيطرة لمركز عمران للدراسات الإستراتيجية.
ومن بين المعابر الحدودية الرسمية الرئيسة الـ19 بين سوريا والدول المجاورة أي لبنان والأردن والعراق وتركيا، يسيطر النظام على خمسة مع لبنان وواحد مع الأردن (نصيب) وواحد مع العراق (البوكمال).
لذا تبدو عملية إعادة تشغيل معبر (اليعربية – ربيعة) تعود بمنافع مشتركة على النظام السوري وقسد، لا سيما أن موسكو ما كانت لتوافق لولا أنه يؤسس لمرحلة جديدة من إعادة تنشيط النظام في الحسكة.
ولطالما ناشدت "الإدارة الذاتية" في شمال شرقي سوريا المجتمع الدولي والأمم المتحدة لفتح معبر اليعربية.
إذ إنه وفقا لمكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، يدعم 4 ملايين سوري من خلال إيصال المساعدات عبر الحدود، بواقع 2.7 مليون في الشمال الغربي، و1.3 مليون في الشمال الشرقي.
وتقول الأمم المتحدة إنه يجري تسليم 40 بالمئة من جميع الإمدادات الطبية والجراحية والصحية إلى الشمال الشرقي، إلى جانب إمدادات المياه والصرف الصحي عبر العراق.
فوائد جمة
وفي 21 سبتمبر/ أيلول 2021، أكد مدير ناحية ربيعة بمحافظة نينوى العراقية جاسم كنوش، أن جميع الأوضاع مهيئة لفتح المنفذ، مبينا أن إعادة افتتاحه ستكون ذات مردود اقتصادي، وستساهم بتحسين الأوضاع في الناحية وتشغيل عديد من الأيدي العاملة.
وسبق لموقع "باسنيوز" الكردي، أن ذكر في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، أن "روسيا اقترحت تسليم 75 بالمئة من النفط الموجود في مناطق سيطرة قسد للنظام السوري مقابل فتح معبر اليعربية للإدارة الذاتية، وأن تكون هناك إدارة مشتركة للمعبر"، مشيرا إلى أن "وفد مجلس سوريا الديمقراطية أبدى موافقته على ذلك".
كما وافق مجلس سوريا الديمقراطية خلال لقاءات وفده في موسكو "على عودة مؤسسات النظام الخدمية والتعليمية إلى مناطق سيطرتها مقابل اعتراف النظام بمنهاج الإدارة الذاتية التعليمي"، وفق الموقع.
ولكن أيا تكون شروط التوافق بين النظام السوري وطبيعة التنازلات التي قدمتها قوات قسد لإعادة تشغيل المعبر بضغط روسي، تبقى فوائد الطرفين أعلى كعبا في هذه الحالة.
فمن جهة النظام السوري، كما يؤكد المحلل السوري معن الشريف، لـ"الاستقلال"، فإنها "نقطة مساعدات جديدة لنظام الأسد تفرضها روسيا إلى جانب معبر باب الهوى في إدلب على الحدود التركية".
وأضاف أن "مشاطرة النظام السوري وقسد في إدارة معبر اليعربية سيسهل حل كثير من المشاكل التقنية بين الطرفين وهي خطوة تضع قدم النظام على المعبر في حال حدوث أي تغير في خارطة السيطرة شمال شرق سوريا مستقبلا".
وذهب الشريف للقول إن "هذا المعبر يعطي مساحة لحكومتي بغداد ودمشق للتحرك والتبادل التجاري بعيدا عن معبر البوكمال الذي تهيمن عليه إيران بما يخلق واقعا جديدا بعيدا عن طهران وهذا ما تريده روسيا".
واستدرك قائلا: "فضلا عن كون المعبر سيمنح المنطقة انتعاشا اقتصاديا يصل مداه إلى مناطق سيطرة النظام السوري".
أما بالنسبة لقوات قسد فيرى الشريف أن "تشغيل المعبر سيخفف على قسد الالتزام بتأمين بعض السلع والأدوات الكهربائية من مناطق النظام السوري".
إذ "يتحكم النظام السوري بنقطة عبور حركة التجارة بين مناطقه ومناطق قسد عند مدينة الطبقة بريف الرقة، وتشكل ورقة ابتزاز عند إغلاقها مما يؤدي لارتفاع أسعار المواد الغذائية أو فقدان بعض أصنافها وخاصة حليب الأطفال".
كما أن "الموافقة الأميركية على فتح المعبر تشي بتوجه في الفترة الراهنة لإنعاش مناطق قسد؛ إذ كان المعبر قبل إدخاله يدخل عبره 40 بالمئة من المساعدات الطبية الأممية، التي انتقلت عبر معبر تل أبيض على الحدود التركية والذي تديره حاليا المعارضة السورية"، وفق الشريف.
ولفت المحلل السوري إلى أن "فتح المعبر له أهمية أيضا في عمليات تسليم سجناء تنظيم الدولة في سجون قوات قسد بالحسكة، التي تجري بشكل متقطع ضمن تسلم بغداد رعاياها المنتمين للتنظيم والتي ترى قسد في ذلك تخفيفا عنها".
لا سيما والعراق يحاكم هؤلاء العناصر بموجب المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب، حيث تتراوح العقوبات بين المؤبد والإعدام شنقا حتى الموت، في وقت ترفض الدول الأجنبية إعادة رعاياها، وفق الشريف.
تجاوز "قيصر"
ويوجد في منطقة شمال شرق سوريا التي تديرها قوات قسد، نحو 25 مخيما للنازحين تتلقى المساعدات الأممية.
وطالبت "الإدارة الذاتية" الكردية شمال شرق سوريا، في بيان بتاريخ 2 يناير 2022، بزيادة الدعم الإغاثي عبر معبر اليعربية، مشيرة إلى أن "المساعدات الإنسانية التي تأتي من المجتمع الدولي عبر منظمات الأمم المتحدة القادمة عن طريق النظام السوري لا يصل منها إلا القليل".
ويرى المتحدث الرسمي لمجلس القبائل والعشائر السورية المعارضة "مضر حماد الأسعد" في تصريح لـ "الاستقلال"، أن افتتاح المعبر جاء ردا على مواصلة افتتاح معبر باب الهوى".
وتدخل المساعدات الإنسانية إلى الشمال الخارج عن سيطرة رئيس النظام بشار الأسد عبر معبر "باب الهوى" الحدودي مع تركيا الواقع شمال إدلب، الذي يعد الشريان الوحيد المفتوح لإغاثة خمسة ملايين نازح سوري منهم أكثر من مليون ونصف مليون شخص في المخيمات.
ونوه الأسعد إلى أن "اليعربية سيكون المعبر الرئيس لدخول التجارة بكافة أنواعها بين دول العالم والنظام السوري مع قسد وهو شريان الحياة للنظام، إلا أنه يعد تجاوزا فاضحا لقانون قيصر".
و"قانون قيصر" الأميركي أقره الكونغرس ودخل حيز التنفيذ منذ 17 يونيو/ حزيران 2020، ويهدف لمعاقبة الداعمين والمتعاملين مع النظام السوري.
واعتبر المتحدث الرسمي لمجلس القبائل أن "مليشيا قسد ستكون المستفيد الأول من خدمات هذا المعبر وخاصة من أجل دخول المساعدات العسكرية وتنشيط الاستيراد والتصدير الخاص بها بعد إغلاق معبر سيمالكا من قبل حكومة أربيل على نهر دجلة الفاصل الطبيعي بين العراق (كردستان) وبين منطقة الجزيرة (محافظة الحسكة)".