"دون تشويه سمعتها".. هذه خطة السعودية للهروب من شباك حرب اليمن

قسم الترجمة | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة "ستار" التركية الضوء على الخطوات الجديدة التي اتخذتها السعودية في سبيل تغطية وتعويض "ضعفها العسكري" في حرب اليمن على مدار أكثر من 6 سنوات.

ونشرت الصحيفة مقالا للأستاذ في جامعة أيدن أرتوكلو، نجم الدين أجر، قال فيه: "من المعروف أن السعودية تحاول ومنذ فترة طويلة التحرر من شباك حرب اليمن التي ورطت نفسها فيها؛ بما أنها لم تستطع إنشاء نظام سياسي يعمل لصالحها في اليمن، وخسرت سمعتها لدى الرأي العام الدولي".

واستدرك موضحا: "غير أنه يبدو من الصعب جدا على السعودية إنهاء هذه الحرب التي بدأتها مع الإمارات بسهولة، والانسحاب من الساحة دون الإضرار بسمعتها الدولية، ذلك لأن أداء العناصر العسكرية السعودية الضعيف في المعارك طوال الحرب شجع الحوثيين على مواصلة الحرب، بدلا من دفعهم إلى التصالح".

مستقبل ولي العهد

وبحسب أجر، لجأت السعودية إلى الورقة الاقتصادية لإغلاق ملف اليمن "دون تشويه سمعتها" أو الإضرار بمستقبل ولي العهد محمد بن سلمان الذي يتوقع أن يكون ملك البلاد المستقبلي، والتغطية على ضعفها وفشلها العسكري.

وتابع: "وهي لذلك قامت بإنهاء عقود الأكاديميين والأطباء والمعلمين اليمنيين في المحافظات الجنوبية (عسير وجازان ونجران) دون مبرر واضح، وسحبت تصاريح إقامتهم وطلبت منهم مغادرة السعودية خلال أربعة أشهر، لتدخل الحرب اليمنية بهذا مرحلة جديدة، وينتشر القلق بين العمال اليمنيين في السعودية والبالغ عددهم حوالي 800 ألف عامل".

وأشار إلى أن "ضم محافظات عسير وجازان ونجران على الحدود الجنوبية للسعودية يعود إلى معاهدة الطائف الموقعة بين الإمام يحيى حاكم اليمن وعبد العزيز بن سعود عام 1934. ورغم قبول اليمن بالتخلي عن مناطق عسير وجازان ونجران لنظام آل سعود، إلا أن الجانب اليمني لم يتخل تماما عن مطالباته بهذه المحافظات".

وجاء في المادة 22 من المعاهدة، أنه يمكن للطرفين الانسحاب من المعاهدة من جانب واحد وأن المعاهدة سيتم تجديدها كل 20 عاما، وهو ما يمكن تقييمه كدلالة على أن كلا البلدين كانا يعملان لإرساء الاستقرار في المنطقة بشكل مؤقت آنذاك، بحسب ما يراه الكاتب التركي.

وأضاف: "والواقع أن السعودية تميل إلى أن تعتبر منطقة الخليج واليمن مجالا لنفوذها منذ القديم، فقد كان توسيع البلاد في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية يشكل الهدف الرئيس لقيادة آل سعود الذي هزم الشريف حسين في عشرينيات القرن الماضي وسيطر على البلاد".

وتستند هذه السياسة على افتراض أن الحدود السعودية ستكون أكثر أمنا إذا امتدت حتى الخليج العربي وجنوب شبه الجزيرة العربية والبحر الأحمر.

لكن النظام السعودي، الذي فشل في السيطرة على المنطقة عسكريا، حاول الحفاظ على نفوذه في البلاد بسياسته المتمثلة في "الإبقاء على اليمن ضعيفا" والتدخل في شؤون اليمن.

لذلك أظهرت الرياض ردود فعل قاسية تجاه مساعي بعض الجهات التي تعتبرها السعودية تهديدا عليها سواء أيديولوجيا أو عسكريا، لاكتساب نفوذ سياسي في اليمن.

كذلك تسببت جهود مصر في الستينيات، والسوفييت في السبعينيات، وإيران في العقد الأول من القرن الـ21 لكسب نفوذ في المنطقة، بقلق أمني كبير للرياض.

وبما أن اليمن كانت نقطة ضعف النظام السعودي دائما، كان منافسوها يضربون على وتر اليمن عندما يريدون إضعاف يد السعودية، يلفت الكاتب.

عواقب وخيمة

وقال أجر: "لقد كان إحجام شعوب المنطقة عن قبول المواطنة السعودية من أهم القضايا التي استندت عليها اليمن في مطالبتها باستعادة المنطقة. وفي هذا، قتل نحو 40 انفصاليا عام 2000، في اشتباكات نشبت بين قوات الأمن السعودية والقبائل في المنطقة".

وأضاف: أن "النظام السعودي استخدم حقيقة انتماء عموم سكان المنطقة إلى الطائفة اليزيدية التي تعتبر جماعة شيعية، مبررا وذريعة للضغط على أهل المنطقة عسكريا، بما أن هذه الطائفة تعتبر خارجة عن الإسلام بنظر الوهابية، الأيديولوجية الرسمية للسعودية.

وبسبب عدم تكافؤ القوى بين اليمن والسعودية والضغط الذي مارسه نظام آل سعود على الطاولة وفي الميدان، بقيت عسير وجازان ونجران داخل حدود السعودية.

واستدرك أجر: "لكن المشكلة مختلفة تماما عند النظر من الجانب اليمني، فرغم المعاهدة الموقعة بين البلدين، إلا أن شعور اليمن بفقدان أراضيها كان له بالغ الأثر في السياسة الداخلية للبلاد والعلاقات الثنائية مع السعودية".

فمنذ عشرينيات القرن الماضي، جاء إبرام معظم الاتفاقيات بين اليمن والسعودية إما بعد صراع عسكري انتصرت فيه السعودية أو خلال أزمة اقتصادية أو سياسية صعبة مرت بها اليمن.

وقال أجر: إن "استيلاء نظام آل سعود على مناطق عسير وجازان ونجران مستغلا ضعف اليمن العسكري والسياسي والاقتصادي، هو ما يثير غضب واستياء الرأي العام اليمني تجاه الرياض، ولهذا، هناك اعتقاد شائع في اليمن بأن بلادهم اضطرت لتوقيع جميع الاتفاقيات الموقعة مع السعودية لأنها كانت ضعيفة، وأن اليمن ستستعيد أراضيها إذا أصبحت أقوى".

وأردف منوها: وهنا، ينبغي أن نلاحظ تأثير تصاعد القومية اليمنية في انفجار الغضب تجاه الرياض. وفي هذا، لن يكون من الخطأ القول بأن السعودية كدولة عربية شقيقة تعد العدو "القومي" الأول لليمن، إذ يشترك معظم اليمنيين في الاعتقاد بأن مناطق عسير وجازان ونجران يجب أن تكون جزءا من حاضر اليمن ومستقبله، وكذلك نسيجه التاريخي والاجتماعي.

الورقة الاقتصادية

ويرى أجر أن النظام السعودي تمكن من استخدام ورقة الاقتصاد بشكل فعال؛ لتوسيع نفوذه الإقليمي، بفضل عائدات النفط الهائلة مع أنه لم يكن ناجحا في بناء قدرة عسكرية رادعة طوال تاريخ البلاد.

وبهذه السياسة التي يمكن تسميتها بـ"الواقعية السياسية"، نجح النظام السعودي في كسب نفوذ واسع في البلدان ذات الاقتصادات الضعيفة في منطقة شبه الجزيرة العربية وما حولها. 

وقال أجر: "يلعب 10 ملايين عامل مهاجر قدموا من دول مجاورة من أجل العمل في السعودية، دورا مهما في النفوذ السياسي الذي اكتسبته السعودية في جميع أنحاء المنطقة، إذ أصبحت الدول المهمة في المنطقة تعتمد على السعودية اقتصاديا بشكل كبير بفضل التحويلات التي يرسلها العمال العاملون هناك".

وتابع: "فمثلا، يعتبر العمال المهاجرون من مصر وباكستان والبالغ عددهم 3 ملايين، أهم أداة للتأثير السعودي على السياسة الخارجية لمصر وباكستان، إذ إن قيمة التحويلات القادمة من السعودية، والتي تساوي ما يقارب الـ10 بالمئة من الدخل القومي لكلا البلدين، يشي لنا بالكثير حول حجم الثمن التي ستدفعه البلدان في حال تجاهلتا مطالب الرياض في عملية صنع السياسة الخارجية".

وحاليا، تتخذ السعودية خطوات في سبيل تغطية وتعويض ضعفها العسكري في حرب اليمن من خلال الورقة الاقتصادية. وفي الحقيقة، قد يكون الفصل غير المبرر لأكثر من مائة أكاديمي وطبيب يعملون في جامعات ومستشفيات المحافظات الجنوبية، وسحب تصاريح إقامتهم وإجبارهم على مغادرة البلاد، أولى بوادر هذه السياسة. يحذر الكاتب التركي.

وتابع أجر: "يظهر أن السعودية تميل إلى مواصلة الحرب في اليمن من خلال اليمنيين العاملين على أراضيها بعد فشلها في الميدان، واليوم، يعاني مئات الآلاف من اليمنيين الذين لجؤوا إلى الأراضي السعودية، و800 ألف عامل يمني كانوا يقدمون خدمات عالية في السعودية لعقود، من قلق كبير".

وأكد أن هذه خطوة "سيكون لها عواقب وخيمة من شأنها أن تنقل الأزمة اليمنية إلى مستوى مختلف".

وأوضح أجر قائلا: "فقد تسببت المشاكل الإنسانية والاقتصادية المتولدة عن الحرب المستعرة منذ أكثر من ست سنوات، في مشاكل جماعية خطيرة كالجوع والبؤس والأوبئة في اليمن، ورغم كل ذلك، كان هناك الكثير من العاملين في الخارج لتقديم الدعم الاقتصادي لأسرهم في اليمن".

وأردف: "لذلك، فإن فقدان العاملين في الخارج وظائفهم سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، الأمر الذي يعني أن طرد ما يقرب من مليون شخص من السعودية وإجبارهم على العودة إلى اليمن سيؤدي إلى تدهور اقتصاد البلاد".

وختم الكاتب مقاله مستنكرا: "وربما هذا هو المطلوب؛ فليست سياسة ترحيل العمال اليمنيين سوى خطوة من السعودية للتعويض عن ضعفها العسكري بورقة الواقعية السياسية، وهي خطوة من شأنها أن تشل الاقتصاد اليمني وبالتالي تضعف الأطراف اليمنية وتجبرهم على الجلوس إلى طاولة المفاوضات وقبول شروط السعودية وبالتأكيد تقديم التنازلات". 

وأردف أجر مذكرا: "بالطبع.. فماذا كنا قد قلنا سابقا؟ دائما ما حققت السعودية مكاسبها في مواجهاتها ضد اليمن خلال أزمة اقتصادية أو سياسية صعبة وقعت فيها اليمن!".