معركة "الكركرات" ليست الأولى.. تاريخ من الصراع بين المغرب وبوليساريو
.jpg)
المواجهة العسكرية الأخيرة التي خاضها الجيش المغربي مع عناصر من جبهة البوليساريو لفتح معبر الكركرات الحدودي مع موريتانيا لم تكن الوحيدة خلال تاريخ طويل من الصدام والصراع العسكري بين الرباط والجبهة الراغبة في الانفصال بإقليم الصحراء في ظل دعم جزائري ورفض مغربي.
في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، أطلق الجيش المغربي عملية عسكرية لتأمين معبر الكركرات الحدودي مع موريتانيا، ضد ما وصفها باستفزازات جبهة البوليساريو، معتبرا أن تحركات البوليساريو من شأنها أن تنسف فرص إطلاق العملية السياسية.
العملية انتهت بانسحاب الموالين لجبهة البوليساريو من معبر الكركرات، الذي تفصله عن موريتانيا حوالي 11 كيلومترا، فور تحرك قوات الجيش.
الجيش قال في بيان صحفي: إنه خلال العملية التي نفذها "فتحت المليشيات المسلحة للبوليساريو النار على القوات المسلحة الملكية التي ردت عليها، وأجبرت عناصر هذه المليشيات على الفرار دون تسجيل أي خسائر بشرية"، وفق تعبيره.
الجيش المغربي أوضح أنه أقام طوقا أمنيا لتأمين تدفق البضائع والأشخاص عند معبر الكركرات الحدودي مع موريتانيا، وذلك بعد أكثر من ثلاثة أسابيع على إغلاق المعبر من طرف جبهة البوليساريو.
كرونولوجيا الصدام
في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 1975، أمر الملك الراحل الحسن الثاني بانطلاق المسيرة الخضراء التي شارك فيها 350 ألف مغربي، لاسترجاع عدد من الأقاليم الصحراوية، وفي 27 من الشهر ذاته فرضت القوات المسلحة الملكية سيطرتها الكاملة على مدينتي العيون والسمارة.
وفي ديسمبر/ كانون الأول 1975 اشتبكت قوات من البوليساريو مع أول تجريدة عسكرية مغربية تدخل الصحراء. وفي يناير/ كانون الثاني 1976 فقدت القوات الجوية المغربية طائرة "إف 5" الأميركية الصنع بالقرب من "عين بنتيلي"، التي كانت تحت نفوذ "البوليساريو" قبل أن تستردها القوات الموريتانية.
في الشهر ذاته، دخلت الجزائر على الخط وقررت المشاركة في الصراع، وتحركت عناصرها المسلحة نحو منطقة "أمغالا"، واشتبكت هناك مع الجيش المغربي في معركة دامت من 27 إلى 29 يناير/ كانون الثاني 1976، وكانت المعركة هي آخر اشتباك على الأرض بين المغرب والجزائر التي ظلت تدعم مقاتلي جبهة "البوليساريو" بالعتاد والسلاح.
وفي 27 فبراير/ شباط 1976، أعلنت جبهة "البوليساريو" قيام ما سمته بـ"الجمهورية العربية الصحراوية" بمنطقة "بئر الحلو".
وفي 13مايو/ أيار 1977 وقع الملك الحسن الثاني والرئيس الموريتاني ولد داداه، اتفاقية دفاع مشترك نشر على إثرها 9 آلاف جندي مغربي بالمناطق الموريتانية التي كانت تتعرض لهجمات البوليساريو.
في 1979 انسحبت موريتانيا من منطقة وادي الذهب، وحلت مكانها فيالق الجيش المغربي التي دخلت إلى مدينة الداخلة ونشرت قواتها بالمناطق التي كانت القوات الموريتانية تنسحب منها.
وفي 1980 دخلت القوات المغربية في معركة لطرد قوات البوليساريو من جبال "وركزير"، التي بدأت تغير من إستراتيجيتها العسكرية، وتنهج أسلوب حرب العصابات.
استمرت المناوشات بين الطرفين ما بين 1980 و1987، ووجدت القوات المغربية نفسها أمام مهمة حماية وحراسة مساحة شاسعة من الصحراء، التي تقدر بنحو 270 ألف كيلو متر مربع.
قرر الجيش المغربي الخروج من المدن وتشكيل أحزمة أمن خارجية لحراستها، وعزمت بناء جدار أمني طويل داخل الصحراء، لتبدأ حرب بناء الجدار، وخاضت هذه الحرب بثلاثة فيالق مدرعة هي "أحد" و"الزلاقة" و"لاراك"، كل فيلق منها يتكون من 20 ألف جندي.
بدأ بناء أول جدار أمني عام 1980 حول محور بوجدور السمارة بوكراع، ومع نجاح تجربة الجدار بدأت القوات المغربية في استعادة سيطرتها على أرض المعركة.
في عام 1987، أنهت الرباط بناء آخر شطر من الجدار الأمني الذي أصبح طوله 2500 كيلومتر، وتقلص مجال تحرك البوليساريو وضعفت هجمات مقاتليها.
المنطقة العازلة التي تخضع للسيادة المغربية هي التي تعتبرها البوليساريو مناطق محررة، وفي أكتوبر/ تشرين الأول 1989 كانت آخر المعارك التي شنها مقاتلو البوليساريو على "كلتة زمور"، حشد خلالها البوليساريو أكبر عدد من العتاد وأسفرت عن مقتل نحو 100 من مقاتليها.
وانتهى الصراع في سبتمبر/ أيلول 1991 عندما فرضت الأمم المتحدة على الطرفين وقف إطلاق النار.
في 2010 دخلت القوات الأمنية في صدام ما يعرف بأحداث "اكديم إزيك" -مخيم في مدينة العيون-، وأعلنت الداخلية المغربية في حينه مقتل 10 عناصر أمنية، وعنصر في الوقاية المدنية، زيادة على 70 جريحا بين القوات العمومية و4 جرحى في صفوف المدنيين، فضلا عن خسائر مادية كبيرة، بالإضافة إلى التمثيل بجثث عدد من عناصر الأمن، والعبث بها، من طرف ملثمين انفصاليين.
انتهت الأحداث الدموية باعتقال ومحاكمة من اعتبرتهم السلطات المغربية مدبري تلك الأحداث، منهم 9 حوكموا بالسجن المؤبد (مدى الحياة)، و4 بالسجن 30 عاما، و7 بالسجن 25 عاما، و3 بالسجن 20 عاما، وإطلاق سراح اثنين آخرين.
سباق التسلح
بلغت صفقات شراء الأسلحة المغربية مع الولايات المتحدة 10.3 مليارات دولار في عام 2019، وفق موقع "الدفاع العربي"، ويدخل ذلك في خطة المغرب لتحديث معداته العسكرية، خاصة في سلاح الجو، ما جعل منه أول عميل للولايات المتحدة في هذا القطاع.
ووفقا للبيانات التي جمعها المنتدى المعني بتجارة الأسلحة من برنامج المبيعات العسكرية الأجنبية للولايات المتحدة، تضاعفت مبيعات الأسلحة الأميركية إلى بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لتصل إلى 25.5 مليار دولار في عام 2019.
تضمنت صفقة الأسلحة المغربية مع الولايات المتحدة في 2019 بيع ما قيمته 3.8 مليارات دولار من 25 طائرة من طراز F-16 والمعدات المرتبطة، بالإضافة إلى تحديث أسطول المغرب الحالي من طائرات F-16 بتكلفة 985 مليون دولار.
في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، وافقت وزارة الخارجية الأميركية على بيع 36 طائرة هليكوبتر هجومية من طراز "أباتشي غارديان" والمعدات ذات الصلة إلى المغرب بتكلفة تقدر بنحو 4.25 مليارات دولار.
الاستحواذ جزء من خطة المغرب الخمسية، التي بدأها في 2017، للوصول إلى "التفوق الإقليمي" من خلال تحديث المعدات العسكرية لجيشها وسلاحها الجوي والبحري. ويعتبر المغرب حاليا ثاني أكبر مقتني للأسلحة والقوة العسكرية السابعة في إفريقيا، وفقا لتصنيف القوة العسكرية العالمية لعام 2019.
وتعد الجزائر هي خامس أكبر مقتني للأسلحة في العالم حيث تنفق ما يقرب من 3 أضعاف ميزانية الدفاع السنوية المغربية للجيش كل عام، وفقا لتقرير الإنفاق العسكري العالمي عام 2018.
خصص المغرب لخطته التي من المنتظر أن تنتهي في 2020، ما يعادل 20 مليار دولار لهدفه الإستراتيجي، ويشمل موردو الأسلحة الرئيسيون للمغرب الولايات المتحدة بنسبة 53٪، تليها فرنسا بنسبة 44٪، وإيطاليا بنسبة 1.4٪.
في 2017 أعلن المغرب عن شراء قمرين صناعيين اثنين للمراقبة والرصد الجغرافي والتجسس من فرنسا بتكلفة نصف مليار يورو، وفي تاريخ الكشف عن تلك الصفقة أطلق المغرب أول أقماره الصناعية المسمى بـ "محمد السادس أ" من نوع "بلياد أستريوم" من قاعدة كورو التابعة لمنطقة غوايانا الفرنسية.
منح القمر الصناعي للمغرب فرصة أول دولة إفريقية تحصل على تقنية مراقبة فضائية متطورة من هذا القبيل، ومكن القمر المملكة من الوسائل اللازمة لجمع المعلومات الاستخباراتية ومراقبة الحدود وساحل الأطلسي، وهي إمكانية لا تحظى بها أي دولة أخرى في المنطقة.
وفق مراقبين، كان الإعلان عن تلك الصفقة مهما في تعديل موازين القوى مع الجزائر، وأثبت أن الرباط تستطيع وضع يدها بشكل مختلف على أدوات فعالة تمنحها بلا شك جزءا من النفوذ الإقليمي المتنافس عليه.
وصل حجم الإنفاق العسكري المغربي ما بين 2005 و2015 نحو 48 مليار دولار، في حين كانت ميزانية الجزائر تصل إلى 58.65 مليار دولار أي تزيد بنسبة 22% فقط عن ميزانية الرباط.
سيناريو التصعيد
عاد الدكتور محمد شقير، الخبير المغربي في الشؤون الأمنية والعسكرية، إلى بداية الصراع في 1976، عندما دخلت البوليساريو في حرب مع المغرب، ونشأت حينها ما يسمى بحرب العصابات، وذلك بمساعدة من الجزائر وتسليح من ليبيا التي كان يرأسها آنذاك معمر القذافي.
قامت البوليساريو، وفق ما أكده الخبير لصحيفة "الاستقلال"، بعدة تحركات تبنت فيها حرب العصابات، ودخلت في مجموعة من المعارك بكل من "كلتة زمور" و"بئر أنزران"، بالإضافة إلى هجومات كانت تقوم بها حتى في طانطان (مدينة ساحلية جنوب المملكة تبعد عن المحيط الأطلسي بـ25 كيلومترا).
كانت البوليساريو، بحسب شقير، "تستهدف العسكريين المغاربة وأيضا المواطنين الصحراويين الذين يتم اختطافهم واحتجازهم في المناطق التي كانت تحت سيطرتها بما فيها تندوف".
عمل المغرب بعد ذلك على إنشاء فرق عسكرية لمواجهة حرب العصابات، وفي الوقت نفسه على بناء جدار أمني الذي تم من خلاله تأمين كل المناطق الصحراوية، وبالتالي منع تسللات البوليساريو، وجعلها تخضع لإبرام اتفاق إطلاق النار في 1991، وفق شقير.
يضيف شقير: "بعدها بدأ المغرب يسير في اتجاه الحل السياسي أو السلمي. وترى المملكة أن التفاوض هو الحل الأنسب لملف الصحراء. وحتى في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، كانت مجموعة من المفاوضات بمدينة مراكش، لكنها لم تؤد لأي نتيجة نظرا لأن البوليساريو كان دائما يتشبث بحل الاستفتاء حول تقرير المصير".
ويوضح الخبير أن المغرب رغم ذلك ينهج سياسة "من يريد السلم عليه أن يستعد دائما للحرب، بما أن البوليساريو لا تقبل بالتفاوض، والجزائر تُقبل منذ 20 سنة على التسلح، لجأ المغرب إلى شراء الأسلحة والبحث عن أحدثها سواء من الولايات المتحدة أو فرنسا، خاصة ما يتعلق بالأقمار الصناعية".
وأقبل المغرب مؤخرا على شراء دبابات "أبرامز" الأميركية الشهيرة وطائرات "إف 16"، بالإضافة إلى مجموعة من العتاد العسكري الذي تقتضيه حرب في الصحراء.
وشدد الخبير العسكري أن "إقبال المغرب على التسلح هو أمر فرضته الجزائر، التي تخصص جزءا كبيرا من ميزانيتها على التسلح، وبالتالي فعلى المغرب اتباع نفس المسار".
خاض المغرب منذ 1976 مجموعة من الصدامات العسكرية، خاصة "أمغالا 1" و"أمغالا 2" عام 1976، لكن بعد وقف إطلاق النار دخل المغرب في حرب استنزاف، ينفق المغرب مليارات الدولارات سنويا للحفاظ على أمن المناطق الصحراوية.
لم يستبعد الخبير العسكري سيناريو التصعيد، وقال: إن "الصدام العسكري مطروح في كل وقت، فعندما تقوم البوليساريو بأي تحرك من الطبيعي أن يعيد المغرب الأمور إلى نصابها".
وحسب شقير "ما قامت به الأخيرة بإغلاق معبر الكركرات والوجود في منطقة تحدد الأمم المتحدة أنها منطقة آمنة ولا ينبغي الوجود فيها سواء من طرف المغرب أو البوليساريو، هو خطة لتجبر المغرب على الرد".
ما أشار إليه الملك محمد السادس في خطابه، يوم 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، بمناسبة الذكرى 45 للمسيرة الخضراء، هو أن المغرب عليه التصدي لأي تهجم. ومن الأرجح، وفق شقير، أن المغرب "سيضطر مستقبلا للرد على أي تحرك من الطرف الآخر على هذا المستوى".
المصادر
- المغرب يتفوق على السعودية في اقتناء الأسلحة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
- حمى التسلح المغاربي.. إلى أين سيصل السباق العسكري بين الجزائر والمغرب؟
- الجيش المغربي يعلن تأمين معبر «الكركارات»
- المغرب سينفق أكثر من 5 مليارات دولار للحصول على أحدث طراز للتسلح
- قمر صناعي مغربي جديد.. خطوة نحو الأمن القومي والإقليمي
- آخرها كانت في أكتوبر 1989..تاريخ حروب الصحراء