"الهريسة" على قائمة اليونسكو.. كيف قطعت تونس الطريق على إسرائيل؟
.jpg)
إذا سألت أي زائر لتونس، سيجيبك حتما أن من أهم الأشياء التي رسخت في ذاكرته بعد الزيارة، "الهريسة"، ذلك الطبق الذي لا يغيب عن المائدة التونسية على الغداء أو العشاء إما كمقبلات أو إضافة على الأكل ليضفي عليه نكهة ورائحة تسر المتذوقين.
الهريسة التي تميز التونسيون بها عن غيرهم من شعوب المنطقة المغاربية، يستعد التونسيون لإدراجها ضمن قائمة التراث اللامادي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "يونسكو"، وذلك بعد تقديم النسخة الرقمية لملف "الهريسة، المعارف والمهارات والممارسات المطبخية والاجتماعية".
وتأتي مسارعة تونس لتثبيت ملكيتها لهذه الأكلة الشهيرة، بسبب تطور نسق المسعى الإسرائيلي لسرقته، ضمن جملة من السرقات لعدد من الأطباق العربية ونسبتها لثقافتهم المستحدثة، وهو ما قد يؤثر على تسويقها عالميا بالإضافة إلى السطو المعنوي على تقاليد شعوب المنطقة.
تراث عريق
أكد غازي الغرايري السفير المندوب الدائم لتونس باليونسكو أنه تم يوم 14 أكتوبر/تشرين الأول 2020 إيداع الملف الورقي رسميا لتسجيل الهريسة ضمن قائمة التراث اللامادي للإنسانية بعد أن تم تقديم النسخة الرقمية للملف في شهر مارس/آذار 2020 عن طريق اللجنة الوطنية لليونسكو في تونس.
ومن جهته اعتبر فوزي محفوظ مدير المعهد الوطني للتراث في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء (رسمية)، أن الإعداد العلمي والتقني لملف "الهريسة": المعارف والمهارات والممارسات المطبخية والاجتماعية" هو نتاج عمل وبحوث عميقة ودقيقة".
مضيفا: "هذه البحوث قام بها مختصون من المعهد الوطني للتراث بالاشتراك مع المجتمع المدني وبالتحديد مع المجمع المهني للمصبرات الغذائية، ليكون ملفا شاملا وقيما يستجيب للمقاييس العلمية الكفيلة بإدراجه ضمن لائحة التراث اللامادي العالمي".
وتعتبر منظمة اليونسكو أن التراث الثقافي في مضمونه تغير كبير في العقود الأخيرة، حيث لا يقتصر التراث الثقافي على المعالم التاريخية ومجموعات القطع الفنية والأثرية فقط.
ويشمل التراث أيضا التقاليد أو أشكال التعبير الحية الموروثة من أسلافنا والتي ستنقل إلى الأجيال القادمة، مثل التقاليد الشفهية، وفنون الأداء، والممارسات الاجتماعية، والطقوس، والمناسبات الاحتفالية، والمعارف والممارسات المتعلقة بالطبيعة والكون، أو المعارف والمهارات المرتبطة بإنتاج الصناعات الحرفية التقليدية.
رئيس جمعية صيانة مدينة نابل أحمد بوحناك وهي أحد الأطراف المشاركة في إعداد ملف الهريسة التونسية تحت إشراف وزارة الثقافة عن طريق المعهد الوطني للتراث، أكد أنه تم العمل لأكثر من 3 سنوات على هذا الملف.
مضيفا: أنه "تم تسجيل الملف باعتباره تراثا وطنيا، كما تم جمع كل الإثباتات على أن هذا الموروث تونسي، ويبقى إقراره نهائيا من قبل اليونسكو في صورة عدم اعتراض أي دولة عضو في المنظمة على ذلك".
واعتبر بوحناك في حديث لـ"الاستقلال" أن "أهمية تسجيل الهريسة ضمن التراث اللامادي الخاص بتونس في اليونسكو كقيمة معنوية للحفاظ على موروث تاريخي وكذلك له مردودية اقتصادية من أجل الترويج للهريسة في الأسواق العالمية باعتبارها منتجا تونسيا خالصا".
هجرة الموريسكيين
وانطلاقا من تعريفات المنظمة الدولية، فإن التونسيين يرون أن الهريسة جزء من موروثهم الثقافي، حيث تعود أصولها منذ القرن 17 مع هجرة الموريسكيين إلى تونس وعموم المغرب العربي.
ويؤكد مؤرخون أن الموريسكيين (سكان الأندلس من مسلمين ويهود) منذ وصولهم إلى تونس، بدؤوا في تعميم وانتشار زراعة الفلفل وتكثيف الإنتاج حتى غدت عادة التصقت أساسا بساكني جهة الوطن القبلي (شمال شرقي تونس)، التي استقروا بها خلال الهجرة الأندلسية.
والهريسة التونسية الحارة أو ما يطلق عند التونسيين بـ"الهريسة العربي" هي خليط يتكون أساسا من الفلفل الأحمر الطازج والثوم والملح والتوابل مع إضافة زيت الزيتون.
أما طريقة الإعداد، فهي تختلف ولكن أغلبها يلتزم بتنظيف الفلفل وإضافة الثوم له وطبخه بالبخار ثم طحنه يدويا وإضافة مقادير من الملح والتوابل المطحونة، ثم إضافة الزيت وحفظ الهريسة في علب محكمة الغلق، يفضل أن تكون بلورية في درجات حرارة منخفضة.
ويشتق التونسيون كلمة الهريسة من كلمة "الهرس"، في إشارة إلى عملية دق الفلفل بالمهراس النحاسي، كما تطلق أيضا عليها تسميات مثل الفلفل المرحي أو الهريسة الحارة أو الهريسة العربية.
ومع التطور الصناعي، تحولت الهريسة إلى مادة معلبة، تصنعها أكبر مصانع التعليب في تونس، وتقوم بترويجها محليا وتصديرها إلى عدد كبير من دول العالم.
وكشف المدير بمجمع صناعة المصبرات الغذائية لطفي بكوش، أنه تم في العام 2018 تصدير قرابة 11.5 طنا من مادة الهريسة إلى عدة أسواق عالمية مثل فرنسا والولايات المتحدة الأميركية والخليج وألمانيا وبلجيكا وروسيا.
وأكد البكوش في حديث لإذاعة "شمس" أن حجم الإنتاج سنويا 30 ألف طن من الهريسة يتم تصدير حوالي 12 ألف طن بقيمة 50 مليون دينار وباقي الإنتاج يوجه للسوق المحلية.
وسبق أن أطلقت الحكومة التونسية في 2014 علامة Food Quality Label Tunisia لحماية الهريسة عالية الجودة من التقليد في الأسواق الدولية، وتوجد العلامـة التي يديرها مجمع صناعات المصبرات الغذائية على علب الهريسة التونسية المعتمدة.
سطو إسرائيلي
تاريخيا، كان لليهود التونسيين دور كبير في استغلال الفلفل وإعداد الهريسة وتحويلها إلى عادة غذائية مقترنة بجميع أنواع الوجبات الغذائية، سواء في مدينة نابل وبقية المدن المجاورة، أو في جميع الجهات التونسية ولو بتفاوت كبير.
ومع الخلط الممنهج بين اليهودية ودولة الاحتلال الإسرائيلي، تحاول تل أبيب جاهدة السطو على الهريسة كما سطت على غيرها من الأكلات والملابس والأغاني والعادات العربية.
فمنذ مدة تقوم وسائل إعلام إسرائيلية وفي مقدمتها موقع إسرائيل بالعربي الترويج للهريسة باعتبار أنها طبق إسرائيلي، جلبه اليهود المهاجرون من الأندلس إلى الأراضي المحتلة بفلسطين.
كما سبق وأن نشر حساب "Salat Bernard" الذي يسوق لإسرائيل على موقع تويتر، صورة لطبق السلطة المشوية، مشيرا إلى أنه طبق "إسرائيلي" معروف، علما أنها أحد أشهر الأطباق التقليدية في تونس.
سببت هذه التغريدة موجة استنكار على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اتهم نشطاء تونسيون إسرائيل بسرقة أطباقهم التقليدية، بعد محاولة سرقة الأطباق الفلسطينية واللبنانية والسورية.
ويبدو أن شعور "الإسرائيليين" الدائم بالاغتراب النفسي وعدم إحساسهم بمفهوم الوطن على الأراضي الفلسطينية، دفع القادة الإسرائيليين إلى سرقة التراث العربي ونسبه إلى حضارتهم المزعومة، وذلك بسبب عدم وجود ثقافة خاصة بهم يقدمونها إلى شعوبهم.
ففي عام 2016 نشرت شركة الطيران الإسرائيلية El Al Airlines تغريدة على موقع تويتر أثارت الكثير من الجدل، ولفتت الانتباه حول سرقة إسرائيل للأكلات الشعبية العربية ونسبها إلى نفسها، حيث كانت التغريدة: "ما هو الطبق الإسرائيلي الذي تُفضله: الحمص، الفلافل، الشكشوكة، أم الشاورما؟.
كما ظهر المتحدث لجيش الاحتلال الإسرائيلي أفيخاي أدرعي في فيديو بثه عبر صفحته على تويتر عام 2017 وأمامه مائدة تتضمن أطباقا عربية أصيلة كورق العنب والتبوله والمسخن والقطائف والملوخية، ثم ينهي حديثه بوصفه الفلافل طبقا إسرائيليا مفضلا!.
منافس قوي
ويؤكد المختصون في مجال التراث، أن الحل الوحيد لمواجهة السرقات الإسرائيلية هو المبادرة بتسجيل مختلف المعالم والموروث الشعبي والثقافي والفني، وإعطائه القيمة المناسبة من الاعتناء من أجل الحفاظ عليه للأجيال القادمة.
رئيس جمعية صيانة مدينة نابل أحمد بوحناك أكد أن إسرائيل لا تعتبر منافسا جديا للملف التونسي، فعمر الهريسة أكثر من 3 قرون بينما دولة إسرائيل عمرها في حدود 70 عاما، لكن يخشى من الصين التي تمتلك منتج "صلصة حارة" قد ينافس الهريسة التونسية خاصة وأن الصين من أكبر منتجي الفلفل في العالم".
وأضاف بوحناك لـ"الاستقلال": أن "نجاح بعض الدول ومنها إسرائيل بتسجيل عدد من الأكلات أو الفلكلور الشعبي بسبب عدم اهتمام الدول بهذا الملف وعدم الاعتراض على ادعائها ملكية هذا الموروث، وهذا من أهم المهام لمنظمات المجتمع المدني وممثلي الدول المعنية في منظمة اليونسكو".
وتابع: "يجب المبادرة بتسجيل مختلف المواريث الثقافية والأثرية والموروث الشعبي، لذلك أوجه دعوة لمختلف المدن التونسية للبحث في موروثها وتسجيل مختلف الموروث اللامادي للحفاظ عليه وعدم جعله عرضا للسطو والسرقة".