إشارة جديدة.. هل تغلق الدولة المغربية ملف حراك الريف؟

سلمان الراشدي | منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

بعد سماح السلطات المغربية لقائد حراك الريف ناصر الزفزافي بحضور جنازة والده، عاد "ملف الريف" إلى الواجهة، وسط دعوات شعبية متزايدة للإفراج عنه ورفاقه، وسط توقعات باقتراب طي صفحة ملف فتحت صفحته عام 2016.

وخلال كلمة ألقاها أمام حشد من المواطنين بمدينة أجدير في 4 سبتمبر/ أيلول 2025، قال الزفزافي الذي يقضي عقوبة حبسه لمدة 20 عاما: إننا "جميعا أبناء هذا الوطن، ومهما اختلفت الآراء والأفكار، فإنها تصب جميعا في مصلحة الوطن أولا وأخيرا”.

وقال الزفزافي، الذي ظهر من على سطح منزل عائلته بين الأعلام السوداء التي نصبتها والدته حدادا بعد اعتقاله عام 2017، “نحن أبناء هذا الوطن، لا أقصد بالوطن الريف فقط بل كل شبر من بلادنا”، وأشاد باستقبال المواطنين له، قائلا: “ما أراه اليوم يثلج الصدر، وهي رسالة واضحة وصريحة”.

لحظة رمزية

وقال الباحث المغربي في العلوم السياسية، أمين الإدريسي: إن "حادث جنازة والد الزفزافي وما أحاط به يتجاوز الإجراء الإنساني إلى لحظة رمزية ذات حمولة سياسية وأخلاقية عالية". 

وأضاف الإدريسي لـ"الاستقلال" أنه "عندما تُظهر الدولة مرونة أو بادرة تقدير في مواقف حساسة؛ فإنها لا تُضعف مؤسساتها، بل تُكسبها احتراما أعمق".

ولفت إلى أن "هذه اللحظة تظل اختبارا حقيقيا لمدى الجدية في طي هذه الصفحة؛ لأن المطلوب هو ترجمة هذه الرسائل الرمزية إلى قرارات ملموسة، وأبرزها إطلاق سراح المعتقلين، وتنمية المناطق المهمّشة، ومصالحة تاريخية تُعيد بناء الثقة".

بدوره، قال الكاتب الصحفي عبد الحميد اجماهيري: إن "المشهد كان رهيبا عند الجنازة التي كانت تظاهرة كبيرة، تخلّلتها شعارات تطالب برفع الاعتقال وإطلاق سراح معتقلي الريف".

وأضاف اجماهيري في مقال نشره موقع “العربي الجديد” في 9 سبتمبر أنه "في ذاكرة كل السياسيين والحقوقيين لم يسبق أن حدث هذا، أي أن يغادر سجين في قضايا ذات صلة بالحراك الاجتماعي والغضب المدني المؤدّي إلى المواجهة مع السلطة، والذي تقاطعت فيه الوضعية الاجتماعية مع الحكومة السياسية، ويتم التعامل معه بمثل ما حدث".

وأكد أنه "لم يسبق أن خطب سجين في الحشود التي جاءت تودّع أباه، ولم يسبق أن خطب معتَقل سياسي اجتماعي في الناس، ثم عاد بعد خطبته إلى زنزانته!".

وشدّد اجماهيري على أن “الزفزافي في كلمته، المنتقاة بعناية، كان حاسما في رسائله وأحسن للغاية استعمال الحرية، وخاطب الحاضرين كما خاطب كثيرين لم يكونوا حاضرين أو ظلالهم”. 

ولفت إلى أنه "خاطب الدولة بخطاب ناضج عن الوطن، وفي سياقٍ تتم فيه محاولة استعمال ورقة الريف من جديد في تأجيج النزعة الانفصالية".

من جانبه، قال الناشط المدني جلال عويطة: “بعد كلمة ناصر العميقة التي سمعها كل المغاربة في معنى الوطن يتأكد أن المغرب في حاجة إلى مصالحة صادقة مع أبنائه...”.

وأضاف عويطة في تدوينة عبر “فيسبوك” في 4 سبتمبر، أن "ناصر وهو في حضرة الفقد قال كلمة للتاريخ: (الوطن لا يعني الريف وحده، بل كل شبر من أرض المملكة.. لا شيء يعلو فوق مصلحة الوطن)".

واستطرد: "اليوم نحن أمام لحظة إنسانية تجمع بين الفقد والوطن، رجائي وطلبي أن يشمله العفو.. فإطلاق سراحه ليس ضعفا بل قوة وليس تنازلا بل حكمة وليس صراعا بل بداية عهد جديد..".

ورأى عويطة أن "الوطن الذي نادى به ناصر في كلمته هو وطن يتسع للجميع داخل الثوابت المُجمع عليها، وطن يطوي صفحات الألم بقرارات شجاعة تعيد الثقة وتزرع الأمل.. الله يخليكم.. أطلقوا سراحه".

جدير بالذكر أن تظاهرات حراك الريف آنذاك، أسفرت عن اعتقال نشطاء قدّرت جمعيات حقوقية عددهم بالمئات.

وأفرج لاحقا عن معظم المعتقلين بعد انقضاء مدد سجنهم أو بموجب عفو ملكي.

 ولا يزال ثمانية منهم معتقلين، أبرزهم، ناصر الزفزافي، ونبيل أحمجيق، المحكومان بالسجن 20 عاما، لإدانتهما بتهم عدة بينها "التآمر للمسّ بأمن الدولة". 

وسبق أن دعت أحزاب ومنظمات حقوقية محلية ودولية إلى الإفراج عنهم منتقدة "الأحكام القاسية"، في حين شددت السلطات المغربية دوما على أن محاكمات هؤلاء النشطاء “احترمت المعايير الدولية”.

جبر الضرر

وقالت البرلمانية عن الحزب الاشتراكي الموحد، نبيلة منيب: إن من أولى شروط تنظيم الانتخابات التشريعية 2026 هو إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ومعتقلي حراك الريف، وفي مقدمتهم الزفزافي، مؤكدة أن "هذه الخطوة أساسية لاسترجاع ثقة الناخبين وتهيئة مناخ إيجابي يضمن حرية التعبير".

وأضافت منيب، خلال ندوة بمدينة الدار البيضاء في 8 سبتمبر 2025، أن "أحمد الزفزافي، جاب المغرب بكامله ولجأ إلى منظمات دولية ليطالب بإطلاق سراح ابنه قائد حراك الريف، الذي اعتُقل رفقة آخرين بعد احتجاجات اجتماعية، طالبوا فيها بالشغل والمساواة".

وأشارت إلى أن هؤلاء الشباب تمت إدانتهم بعشرين سنة سجنا، ويرى أن هذه الأحكام القاسية دليل على "غياب استقلالية" القضاء؛ حيث لا تُبنى القرارات على معايير العدالة، بل على منطق الرضوخ والامتثال للضغوط.

وشددت منيب على أن “المغاربة ينتظرون سماع خبر إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ومعتقلي حراك الريف”، في خطوة وصفتها بأنها "ضرورية لجبر الضرر لجهة الريف، المنطقة التي انطلقت منها أول حركة وطنية في تاريخ المغرب".

فيما يرى الحقوقي والأستاذ الجامعي خالد البكاري، أن الدولة المغربية في حاجة إلى ناصر الزفزافي "أكثر مما هو في حاجة إليها". مشيرا إلى أن “ذاكرة جديدة تكونت بعد حراك الريف، لتنضاف إلى جراح الماضي وتحتاج إلى معالجة عاجلة حتى لا تتفاقم”.

وقال البكاري، في برنامج "من الرباط" الذي يبث على منصات صحيفة "صوت المغرب":  "إذا كان الحراك قد بدأ بجنازة محسن فكري، فنتمنى أن ينتهي هذا الملف بجنازة أحمد الزفزافي رحمه الله".

ورأى أن "وفاة أحمد الزفزافي، والد ناصر قائد حراك الريف، شكّلت فقدانا لشخصية نادرة كان الوطن في حاجة إليها".

ويرى البكاري، أن جنازة أحمد “شكّلت لحظة لالتقاط إشارات جديدة، كما أن حضور القوات العمومية كان هادئا، وأن التعامل مع توتر محدود وقع بين بعض القاصرين والناس أبان عن نضج في التعاطي".

وأكد أن “هذه الأجواء توحي بوجود نية لدى الدولة لحل الملف”، مشددا على ضرورة إبراز شخصيات ذات مصداقية مثل النقيب عبد الرحيم الجامعي، الذي “يحظى بتقدير المعتقلين والعائلات والحقوقيين”.

وتعود بداية "حراك الريف" إلى نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2016، حين لقي بائع السمك محسن فكري مصرعه بمدينة الحسيمة (شمال) طحنا في شاحنة نفايات، بعدما ألقى رجال الشرطة أسماكه فيها بحجة أنها ممنوعة، ما دفع الشاب إلى إلقاء نفسه احتجاجا. 

مقتل فكري شكّل شرارة لاحتجاجات شملت مدن وقرى ما يعرف بمنطقة "الريف" في الشمال المغربي، طالبت بتحقيق تنمية في المنطقة، ورفع "الظلم" الاجتماعي عنها. 

وأسفرت تلك الاحتجاجات التي استمرت على مدى 10 أشهر عن اعتقال نشطاء وقيادات "حراك الريف"، وحكم عليهم بين 2017 و2018 بأحكام راوحت بين 20 سنة سجنا نافذا، وسنة واحدة، بتهم بينها "المس بالسلامة الداخلية للمملكة".

ضرورة ملحة

المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، أكّدت أنها تابعت “الأجواء الإيجابية التي رافقت جنازة الفقيد أحمد الزفزافي، وأن هذه الأجواء قد تفتح الباب أمام طي نهائي لهذا الملف الذي امتد لأكثر من تسع سنوات”. 

وأوضحت المنظمة في بيان صادر عنها في 7 سبتمبر التي تابعت الملف منذ المحاكمة وانخرطت في المبادرة المدنية من أجل الريف وزارت المعتقلين الستة بالسجن، أنها تتطلع إلى “عفو ملكي ينهي هذا الملف نهائيا”.

ولفتت إلى أنه “مع هذا التلاقي بين رسائل المعتقلين وإشارات الدولة، يتجدد الأمل في إغلاق واحدة من أكثر الملفات حساسية في العقد الأخير، بما يعزز صورة المغرب في الخارج، ويكرس وحدة الوطن فوق كل تقدير”.

وزير العدل الأسبق، المصطفى الرميد، قال: إن “المغرب شهد لحظة استثنائية، وقد تجلت بوضوح في السماح للمعتقل ناصر الزفزافي بحضور مراسم دفن والده رحمه الله”.

وأضاف الرميد عبر فيسبوك في 4 سبتمبر، "تأكدت هذه اللحظة، في كون المعني بالأمر، محكوم بعشرين سنة، قضى أقل من نصفها، ومع ذلك، ظهر وسط مئات من الأنصار والمعزين، حرا طليقا، دون أصفاد، وتحدث بكل حرية، وأيضا بكل نضج ومسؤولية".

وتابع: "قد سبق أن سمح للرجل بالخروج مرات لعيادة أمه وأبيه، وهي كلها رسائل واضحة على أن الملف الجنائي الذي سبق أن عرف انفراجات متوالية يوشك أن يعرف انعطافته الأخيرة، التي نرجو أن تكون خيرا وسلاما في الزمن القادم القريب".

فيما يؤكد الإدريسي أن "إطلاق سراح الزفزافي لم يعد خيارا سياسيا فحسب، بل ضرورة وطنية ملحة". 

ويرى أن "استمرار اعتقاله يُغذّي الإحساس بالظلم ويُكرّس القطيعة بين الدولة ومناطق تطالب بالكرامة والعدالة". 

وشدد الإدريسي لـ"الاستقلال" على أن "مبادرة الدولة للإفراج عن ناصر ستكون رسالة قوية على أن المصالحة ليست شعارا، بل التزام فعلي بإغلاق ملفات الاحتقان، وبناء مغرب يضع حقوق الإنسان في صلب مشروعه الديمقراطي".