"يانجو بلاي".. منصة إماراتية بأيادٍ صهيونية لغسيل العقول وسرقة المعلومات

المنصة تطلب معلومات وبيانات شخصية من كل من يسجل نفسه لمشاهدة ما تقدمه من إنتاج فني
منصة غامضة اسمها "يانجو بلاي" Yango Play ظهرت فجأة وأصبحت من أهم منصات البث والميديا في الشرق الأوسط، تعرض أفلاما ومسلسلات مرخصة وأصلية، وأغاني وألعابا، وتجذب الملايين.
وفيما تقدم المنصة نفسها على أنها "عربية"، كون مقرها دبي، لكن بالبحث يتبيّن أن لها صلات بإسرائيل بعدما تحولت الإمارات أخيرا لمقر شركات إسرائيلية عديدة بعضها استخبارية.
خطورتها، كما رصدت تقارير وناشطون، في أنها تطلب معلومات وبيانات شخصية من كل من يسجل نفسه لمشاهدة ما تقدّمه من إنتاج فني حديث وغزير ومجاني كنوع من الإغراء، فيما يتخوف كثيرون من نقل هذه البيانات لإسرائيل.

قصة المنصة
انطلقت هذه المنصة في روسيا، ثم انتقل جزء منها- بعد تقسيمها- إلى الإمارات، ثم بدأ يتكشف وجود تداخل للإسرائيليين فيها، وعمل فروعها داخل الدولة العبرية أو إدارتها عبر "أدمن" إسرائيلي".
بدأت المنصة في روسيا عام 1997 مع تأسيس شركة "ياندكس Yandex" الروسية على يد "أركادي فولوز"، وهو مواطن روسي من أصل كازاخستاني، يحمل هوية مزدوجة إسرائيلية بصفته إسرائيليا يهوديا كان يعيش في تل أبيب وتزوج فيها.
كانت "ياندكس" واحدة من أهم وأكبر الشركات الروسية، وتُعد بمثابة خدمة ترفيه "سوبر آب" تبث فيديوهات أفلام ومسلسلات، وموسيقى، وألعاب، لذا أُطلق عليها "غوغل روسيا".
وتوفر المنصة خدمات لكل الروس تشبه ما تقدمه غوغل من خدمات (محرك بحث وخرائط وتجارة إلكترونية وتوصيل طلبات وخدمات تاكسي وغيرها).
كانت الشركة الأم التي تمتلك كل مشاريع ومنصات "ياندكس"، تُسمى "Yandex N.V"، وهي شركة قابضة مسجلة في هولندا، وقد نجحت هذه الشركة بقوة في روسيا، وبدأت تتوسع للخارج ودخلت أسواق عدة.
ومنذ عام 2022 بدأت الشركة تعاني بسبب الحرب الروسية الأوكرانية وفرض أميركا والدول الغربية عقوبات على الشركات الروسية عموما، ومنها "ياندكس" وشركاتها، ومن ضمنها منصات "يانجو بلاي".
وبسبب العقوبات والخسائر داخل وخارج روسيا، قامت الشركة بإعادة هيكلة وانقسمت لعدة شركات؛ حيث ظلت الشركة الأصلية التي تدير الأصول الروسية "ياندكس" في روسيا، وأسس الباقون في الخارج (الأصول غير الروسية) شركتين.
الأولى: هي مجموعة نيبيوس (Nebius Group)، ومقرها الرئيس في أمستردام ولها مقر في إسرائيل، ورئيسها هو "أركادي فولوز" الإسرائيلي الكازاخي، ومجال عملها هو تقنيات الذكاء الاصطناعي، والخدمات السحابية، والبنية التحتية للذكاء الاصطناعي.
الثانية: هي شركة Yango Group وهي شركة استحوذت على العلامة التجارية Yango وخدماتها الدولية، بما في ذلك منصة Yango Play، ويديرها "دانييل شوليكو" زميل الإسرائيلي "فولوز" السابق في يانغو الروسية.
وبعدما اضطر لبيع ممتلكاته في محرك البحث "ياندكس" وخدمة سيارات الأجرة والتوصيل في روسيا إلى شركاء الكرملين، أسس الإسرائيلي "فولوز"، بالاشتراك مع الرئيسة التنفيذية السابقة لشركة ياندكس إيلينا بونينا.
هاجرت الشركة إلى إسرائيل، شركة نيبيوس، كشركة هولندية-إسرائيلية، مقرها هولندا، وهي الآن شركة تقوم ببناء مراكز البيانات وتأجير المساحات في مراكز البيانات القائمة وتأجيرها لشركات التكنولوجيا، وتُدار جزئيا من تل أبيب.
حققت الشركة نسبة نمو عالية للغاية؛ إذ ارتفع سهم "نيبوس" بنسبة 25.5 بالمئة في أغسطس/آب 2025، وفقًا لبيانات "ستاندرد آند بورز جلوبال ماركت إنتليجنس".
وأعلنت نيبيوس عن إيرادات إجمالية بلغت 117.5 مليون دولار فقط في عام 2024، وتعد الإدارة المستثمرين بتوقع تحقيق إيرادات سنوية تتراوح بين 750 مليون دولار ومليار دولار بحلول نهاية عام 2025، وفق موقع the globe and mail"، 3 سبتمبر/أيلول 2025.

ما علاقتها بإسرائيل؟
وفي 27 أبريل/نيسان 2023، نشرت مجلة "غلوبس" الاقتصادية الإسرائيلية تقريرا تحت عنوان "ماذا يفعل مؤسس "جوجل الروسي" في إسرائيل"؟ قالت فيه: إن "أركادي فولوز"، مؤسس شركة ياندكس، أركادي فولوز، من أشهر العاملين في مجال الشركات الناشئة في إسرائيل، وكان يسكن في حي "نفيه تسيدك" القديم في تل أبيب، وتزوج هناك عام 2017.
وأكدت المجلة أنه "ملياردير روسي من أصل كازاخستاني يعيش في وسط إسرائيل، متخفيا، وتُقدر ثروته بـ 1.1 مليار دولار"، وتعد شركته (قيمتها 8 مليارات دولار)، رابع أكبر محرك بحث في العالم، ومُنافسة لجوجل، ولذلك اكتسبت لقب "جوجل الروسية".
وأكدت "غلوبس" أنه عقب فرض الاتحاد الأوروبي في يونيو/حزيران 2023، عقوبات على الملياردير الروسي، متهمًا إياه بدعم روسيا "ماديًا أو ماليًا"، استقال من منصبه كرئيس تنفيذي لشركة ياندكس ومديرها، ونقل أعماله لإسرائيل وأماكن أخرى.
وأضافت أنه "بعد الغزو الروسي، انتقل جزء كبير من إدارة ياندكس إلى إسرائيل، بالإضافة إلى مجموعة من المطورين والخبراء التقنيين، وصرح فولوز آنذاك بأن هذا يُمثل فرصة لإسرائيل.
ولمزيد من كشف علاقتها بإسرائيل، نشرت مجلة "غلوبس" تقريرا آخر يوم 14 مايو/أيار 2025، يؤكد أن شركة "نيبيوس" تسهم في بناء "الحاسوب العملاق الوطني الإسرائيلي".
ويبلغ إجمالي ميزانية المشروع 500 مليون شيكل (قرابة 150 مليون دولار)، منها منحة من الحكومة الإسرائيلية قدرها 160 مليون شيكل من "هيئة الابتكار الإسرائيلية".
وقالت: "اختارت هيئة الابتكار الإسرائيلية مجموعة "نيبيوس"، لأنها شركة أمن سحابي مملوكة لكبار المديرين التنفيذيين السابقين في ياندكس، ومن بينهم المؤسس أركادي فولوز، لبناء الحاسوب العملاق الإسرائيلي".
وأكدت أن الشركة تُدار جزئيًا من إسرائيل، ويُديرها فريق إسرائيلي من المديرين التنفيذيين السابقين في ياندكس.
فرع إماراتي أم إسرائيلي؟

كانت الشركة الثانية التي انبثقت عن انقسام شركة "ياندكس" الروسية، هي "يانجو جروب Yangon Group"، التي احتفظت بعلامة "يانجو" التجارية وخدماتها الدولية، بما فيها خدمات التاكسي والتوصيل، وقد أسست فرع كامل للخدمات الإعلامية، تحت اسم "يانجو بلاي Yango Play"".
وتعد Yango Play جزءا من مجموعة Yango Group، التي انبثقت عن التكتل الروسي Yandex ولاحقًا أصبحت شركة مستقلة لها مقر رئيس في دبي بالإمارات.
وفي فبراير/شباط 2024، دشنت هذه المجموعة منصة عربية من مدينة دبي، هي يانغو بلاي Yango play التي تُعرف نفسها بأنه "تطبيق ترفيهي شامل" ينتج محتوى أصليا وأفلاما ومسلسلات جديدة، وتستهدف تقديم محتوى مثل منصة "شاهد" السعودية"، و"Watch it" المصرية، ولكن من الإمارات.
وتقول الشركة: إنها كيان مستقل، ومقرها الرئيس في دبي في الإمارات، لكن رئيسها التنفيذي اسمه "دانييل شوليكو Daniil Shuleyko"، وكان يتولى منصب المدير التنفيذي لقطاع الخدمات اللوجستية والتجارة الإلكترونية في شركة "ياندكس" قبل تقسيمها، وزميل الإسرائيلي "فولوز".
وهناك تقارير مالية تؤكد أن "يانجو جروب" لديها نشاط تجاري في إسرائيل، وتدير خدمات تجارية داخل الأراضي المحتلة، منها خدمات التاكسي Yango Taxi، وخدمات السوبر ماركت Yango Deli، وغيرها.
كما أن لديها شركات وكيانات إسرائيلية مسجلة في الأراضي المحتلة بشكل مباشر مثل "Yango Enterprise Israel Ltd".
وكانت منصة "كايرو تايم" بحثت بدورها عن صفحة Yango Play على فيسبوك، واكتشفت أن من يديرونها حوالي 50 شخصا، منهم 12 موجودون في إسرائيل، وأن يانجو بلاي غيرت المشرفين الأدمن بعد كشف ذلك.
ووفقًا لمنصة "كايرو تايم"، فإن هذه البيانات والمعلومات التي يتم طلبها من المستخدم لا توحي بأنها مجرد منصة ترفيهية، بل إنها منصة لديها أغراض خاصة والهدف منها بناء قاعدة بيانات شاملة للأفراد في الوطن العربي، وأنها تستهدف توجيه الأفكار وتشكيل الرأي العام، وأيضًا الترويج لأجندة سياسية أو ثقافية بعيدة عن الصورة السطحية للمنصة كمصدر ترفيه.
وحذرت "كايرو تايم"، أن المنصة التي تقدم نفسها على أنها "إماراتية" أو "عربية" لكسب ثقة الناس، "ورائها توجه خارجي يخدم أجندة سياسية أو ثقافية، من خلال المحتوى لتغيير هويتنا وتلميع صورة العـدو أو تمرر رسائل تخدمه.
وأشارت إلى أن هدفها إعادة تشكيل الوعي تدريجيًا باللعب على قيم زي "الدين، الأسرة، والانتماء"، كما أن الأرباح التي تدخل للمنصة قد تذهب بشكل مباشر لدعم اقتصاد العـدو.
وبحسب "بوست" استقصائي للباحث محمود علام على فيس بوك، أكد أن من يدير "يانغو بلاي"، هي شركة وهمية موجودة في "دليل المستخدم" الخاص بالمنصة، وتظهر على البلاي ستور عند تحميل البرنامج، واسمها Funtech Loyalty Card Services L.L.C.
وقال: "هذه الشركة وهمية ولا تتوافر عنها أي معلومات ولا معروف من أسسها ولا جنسيتها أيه ولا من يديرها أو يمولها!".
وحذر من أن هذه الشركة الإسرائيلية الوهمية هي التي تدير المنصة الإماراتية بالفعل، ولها الحق، بموجب علاقتها بـ "يانجو بلاي" في الدخول على تليفونك وبياناتك رسميًا، بمجرد تحميل تطبيق هذه المنصة على تليفونك!.
وأوضح أن هذه المنصة تأخذ من المستخدمين لها، حق الدخول على الـ Search History، وحق الوصول لملفاتك الشخصية والمستندات الموجودة على جهازك، وحق الوصول للصور والفيديوهات على جهازك، وبياناتك الشخصية.
ويقول الباحث "محمود علام": إن معنى ذلك أن الخط التحريري لمنصة "يانجو بلاي"، ومن يحدد اتجاه التسويق، هو كيانات وأطراف إسرائيلية تجمع بيانات عن المستخدمين من المنصة، كي تستخدمها لتوجيه الأفكار والتأثير على المجتمعات العربية.
وأنه عبر هذه المعلومات والبيانات الشخصية لمستخدمي منصة "يانجو بلاي" يمكنهم بناء شبكة بيانات أو Data Base كاملة للمستخدمين وبروفايلاتهم وأرقامهم وعناوينهم وآراءهم على السوشيال ميديا، مثل الـ Data Base التي نفذتها إسرائيل للفلسطينيين بالتعاون مع شركات أمريكية بهدف قصفهم في غزة وغيرها.
وسبق أن تعاقدت إسرائيل مع شركات التكنولوجيا الأميركية العملاقة مثل جوجل وأمازون وميكروسوفت من أجل تخزين بيانات الفلسطينيين عبر هواتفهم ومواقع التواصل، بحيث يستغلها جيش الاحتلال للوصول لمن يشاء من الفلسطينيين وقتله بحجة علاقته بحماس، وهو ما أشار له تقرير سابق لـ "الاستقلال".
وحذّر علام من أن منصة "يانجو بلاي" تبدو بريئة وإدارتها عربية، لكن هناك شكوكا أنها تعمل كأكبر عملية غسيل عقول وسرقة معلومات في المنطقة تحت ستار الفن والمزيكا.
المنصة تنفي
بعدما بدأ حذف البعض للمنصة وعدم متابعتها خشية التجسس على بياناتهم ونقلها لإسرائيل، أصدرت منصة يانجو بلاي بيانًا رسميًا يوم 5 سبتمبر 2025، نفت فيه بشكل قاطع "الادعاءات المتداولة على الإنترنت حول إدارتها من إسرائيل"، وعدتها "كاذبة ومضللة تمامًا ولا أساس لها من الصحة".
وأوضح المتحدث الرسمي باسم يانجو بلاي، أن المنصة تأسست في دولة الإمارات العربية المتحدة، وتُدار بالكامل من مقرها الرئيس في دبي، ضمن مجموعة يانجو العالمية للتكنولوجيا.
وأضاف البيان أن جميع القرارات الإستراتيجية والتشغيلية والتحريرية تصدر من داخل الإمارات، لا إسرائيل.
وحول ظهور اسم إسرائيل أخيرا في أداة شفافية الصفحات التابعة لـ META، حول يانجو بلاي، أوضحت الإدارة أن ذلك "كان نتيجة لقيام بعض الشركاء الخارجيين باستخدام شبكات خاصة افتراضية (VPN) أدت إلى ظهور مواقع جغرافية غير دقيقة"!
وأكدت أن مجموعتها الأم (يانجو جروب) قد انسحبت سابقًا من السوق الإسرائيلية ولم تعد تعمل هناك، وأن أي أنشطة تحمل اسم "يانغو" داخل إسرائيل لا علاقة لها بالمجموعة أو المنصة، وليس لها لا علاقة بأركادي فولوز أو نيبيوس.
لكن الحقيقة أن الشركة الأم "ياندكس" Yandex تقدم مجموعة من خدماتها في إسرائيل تحت العلامة التجارية Yango، وتشمل Yango Taxi: خدمة مشابهه لأوبر وكريم وYango Deliveryخدمة توصيل طعام وبضائع، وYango Music خدمة بث موسيقي مختلفة عن Yango Play.
وقد لاحظ ناشطون أن أغلب أدمن "يانجو بلاي" من إسرائيل لذا سخروا من بيان نفي علاقتها بإسرائيل.
وكان موقع "القاهرة 24" القريب من الجهات الأمنية المصرية نشر تقريرا يوم 5 سبتمبر يؤكد فيه علاقة المنصة بإسرائيل ثم حذفه لاحقا، بعد ضغوط إماراتية محتملة، لكن تطبيق "نبض" نشر التقرير.