هشام الهاشمي.. خبير أمني عراقي دفع حياته ثمنا لانتقاده مليشيات إيران

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أربعة رصاصات استقرت في جسده ورأسه، كانت كفيلة بإنهاء حياة الخبير الأمني والإستراتيجي العراقي هشام الهاشمي، بعدما هاجمه مسلحون قرب منزله ببغداد في 6 يوليو/ تموز 2020، الأمر الذي تسبب بموجة غضب وتنديد رسمية وشعبية في داخل العراق وخارجه.

أصابع الاتهام أشارت إلى تورط مليشيات موالية لإيران بالجريمة، وتحديدا "كتائب حزب الله"، والتي أخبر الهاشمي عددا من مقربيه قبل اغتياله بتلقيه تهديدات بالقتل من مسؤولها الأمني المعروف بـ"أبو علي العسكري" وأنه ينوي مغادرة بغداد حفاظا على حياته.

محلل ضليع

هشام الهاشمي، ولد في 9 مايو/أيار عام 1973، وهو مؤرخ وباحث في الشؤون الأمنية والإستراتيجية والجماعات المتطرفة، ومختص بملف تنظيمي الدولة والقاعدة وفروعهما، لكنه ركز اهتمامه مؤخرا بشؤون المليشيات الشيعية في العراق.

وأطلقت عليه هذه الجماعات أحكاما عدة، منها الردة والعمالة بسبب مواقفه المناهضة لهما، إذ يعد الهاشمي أول من أماط اللثام عن قيادات تنظيم الدولة في كل من العراق وسوريا، حيث أفصح عن أسماء ومعلومات تخص قيادات التنظيم وآلية عملهم.

كما يعتبر الهاشمي من ألمع المحللين الضالعين في شؤون المليشيات الشيعية المسلحة في العراق، فهو خبير بتفاصيلها الدقيقة وهيكلياتها وتعداد أفرادها وقياداتها الظاهرة والخفية والولاءات العقائدية والسياسية التي تتبعها.

عمل أيضا في تحقيق المخطوطات التراثية الفقهية والحديثية، مع أن تحصيله الأكاديمي بكالوريوس إدارة واقتصاد من قسم الإحصاء، ولديه، فضلا عن حصوله على الإجازة العلمية في الحديث النبوي الشريف.

وفي عهد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، اعتقل الهاشمي وحكم عليه بالسجن -لأسباب متضاربة لم يجر التأكد منها- منذ عام 1997، ثم أفرج عنه عام 2002.

وبعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، انصرف إلى العمل في الصحافة، وبدأ يشارك في كتابة التقارير والوثائقيات مع الصحف والقنوات الأجنبية، وبدأ يكتب مدونة عن خريطة الجماعات المسلحة في العراق.

وكان للهاشمي أكثر من 500 مقال وبحث كتبه لمواقع محلية ودولية، كما أنه أدار برنامج الأمن الوطني ومكافحة الإرهاب بمركز "أكد" العراقي، وأحد أعضاء فريق مستشاري لجنة تنفيذ ومتابعة المصالحة الوطنية التابعة لرئاسة الوزراء.

حملة تحريض

سبق اغتيال الهاشمي، حملة شعواء أطلقتها ضده شخصيات وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي قريبة من إيران، تتهمه بأنه أحد "صبيان السفارة الأميركية" في العراق، ويتلقى الأوامر منها، ويقدم معلومات ضد فصائل من تسمي نفسها بـ"المقاومة".

ونشر حساب "صبيان السفارة" التابع لـ"كتائب حزب الله" على "فيسبوك" مقطعا تحريضيا ضد الهاشمي في فبراير/ شباط 2020، وقال: إنه "كان شيعيا وتسنن، في عهد نظام صدام حسين، ثم عمل بعد الاحتلال الأميركي مع جماعات مسلحة وتحديدا فصيل جيش المجاهدين".

وزعم المقطع أن "الهاشمي اعتقلته القوات الأميركية وسجنته في معتقل بوكا بالعراق عام 2004، وتعرف هناك على زعامات تنظيم القاعدة، ثم خرج بصفقة مشبوهة مع الأميركيين، وغادر عام 2007 إلى سوريا، وبعدها استطاع التنسيق مع الأجهزة الأمنية العراقية والعودة إلى البلاد عام 2009".

وادعى أن "الهاشمي استطاع أن يخترق الأجهزة الأمنية العراقية، ويصبح عميلا مزدوجا، وتربطه علاقات وثيقة بسفارة الولايات المتحدة الأميركية في بغداد، كما أنه يعمل على جمع مشاهير مواقع التواصل العراقيين وتدريبهم لصالح العمل مع واشنطن".

ولم تهدأ الحملة ضد الهاشمي، إذ نشرت قناة "العهد" الفضائية التابعة لمليشيا "عصائب أهل الحق" الموالية لإيران، في 26 مارس/ آذار 2020 خبرا عن اغتياله، لكنها سارعت إلى شطبه من على صفحاتها في مواقع التواصل، الأمر الذي اعتبره مراقبون بأنه كان بمثابة رسالة تهديد.

 تهديد بالقتل

شخصيات سياسية عدة، كشفت عن تلقي الهاشمي رسائل تهديد بالقتل قبل اغتياله، إذ قال المحلل السياسي أمير الساعدي إنه التقى الأخير عصر يوم السبت 5 يوليو/ تموز 2020، وأخبره جهاز أمني بأن "أستبدل سيارتي الشخصية، لأن هناك من يترصدني ويراقبني ويمكن أن أتعرض إلى محاولة اغتيال".

وأضاف الساعدي: "أبلغت الهاشمي في وقتها أن لدي معلومات بأن الأجهزة الأمنية قد تتابعك وتحفظك لما تحمله من خبرات علمية تعود بالنفع عليها من خلال تقديم الاستشارة، لكن الهاشمي تبسم وقال: كل الأمر يجري كما يريد الله".

وأوضح أن "الهاشمي كان قامة علمية تعتمد عليها الكثير من الأجهزة الأمنية، فهو عمل مستشارا في مستشارية الأمن الوطني لرئيس الوزراء، وجهاز الأمن الوطني، وكان يقدم معلومات غنية، بل إن الأمر يصل إلى حد الدخول بملفات تحقيق داخل جهاز خلية الصقور الاستخباراتية".

وأكد أن الهاشمي عمل مع الاستخبارات العسكرية وفي دائرة جهاز المخابرات الوطني في كثير من الملفات، وكانت تستعين به قيادات القوات الأمنية وترسل إليه بالاسم لبحث خطر تنظيم الدولة معه.

لكن الكاتب والسياسي العراقي، غيث التميمي، قال في أكثر من مقابلة تلفزيونية: إن هشام الهاشمي تواصل معي قبل نحو شهر، وأبلغني بأنه تعرض إلى التهديد من "كتائب حزب الله" وطلب استشارتي في كيفية التعامل مع الأمر، و"أنا نصحته بمغادرة بغداد، لأنهم سيقتلونه".

ونشر التميمي على حسابه في "تويتر" المراسلات التي جرت بينه وبين الهاشمي، والتي ذكر فيها الأخير بأنه تلقى تهديدات من "كتائب حزب الله" وما الذي يمكن أن يفعله وكيف يتعامل مع هؤلاء.

البحث الأخير

وعن توقيت اغتيال الهاشمي، تحدث ناشطون ووسائل إعلام محلية أنه كان ينوي عرض تقرير مفصل عنوانه "الخلاف الداخلي في هيئة الحشد الشعبي" والذي نشره له مركز "صنع السياسات" على موقعه الإلكتروني في 1 يوليو/ تموز 2020.

ويتحدث التقرير عن أعداد الفصائل "الولائية" (تدين بالولاء للمرشد الإيراني علي خامنئي) وأخرى تابعة للمرجعية الدينية في النجف، والتي يتزعمها المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، وأسباب الخلاف بين هذين الطرفين.

ويشرح الهاشمي في بحثه الأخير، تفاصيل توزيع المناصب داخل هيئة الحشد الشعبي الشيعية بين الفصائل، وكيف أن "الولائية" تسيطر على المفاصل العليا، وأنها تحصل على أعلى نسبة من التمويل الحكومي الذي يخصص لـ"الهيئة" داخل الموازنة العامة للعراق.

وتطرق الخبير الأمني الراحل خلال البحث إلى العقبات التي تحول دون إصلاح "هيئة الحشد الشعبي" إضافة إلى الخلافات بين التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، مع الفصائل "الولائية".

وقدم الهاشمي مقترحاته لمعالجة وضع "الحشد الشعبي" وذلك من خلال "وضـع معايـير محـددة وواضحة لمناصب هيئتها واللجوء إلى اسـتخدام القانون العسـكري ضد المتمرد، وتنشيط دور أمن وقانونية ومفتشية الحشد لغلق المكاتب الاقتصادية".

ودعا في مقترحاته، أيضا إلى "معاقبة المخالفين ومنع العمل السياسي والحزبي، حتى تسـتطيع هذه الهيئة لعـب دورها داخـل جسد الدولة العراقية وبشكل منسجم مع قانون ودستور العراق".

وحث الهاشمي على ضرورة "إخضاع أعمال هيئة الحشد للرقابـة المالية والإدارية مـن خلال تفعيل دور الرقابة الحكومية والبرلمانية في هـذا الاتجاه للحيلولـة دون إصدار قرارات غـير شرعية تخالف أحكام القانون العراقي".

إدانات رسمية

قوبل نبأ اغتيال هشام الهاشمي بتنديد رسمي واسع في داخل وخارج العراق، إذ وصف الرئيس العراقي برهم صالح، العملية بأنها "جريمة خسيسة" تستهدف الإنسان العراقي وحقه في الحياة الحرة الكريمة، وتستهدف القيم التي ارتضيناها للوطن فيما بعد حقبة الاستبداد.

وطالب صالح في تغريدة على "تويتر" الجهات الأمنية بالقبض على الجناة، بالقول: "أقل الواجب الكشف عن المجرمين وإحالتهم إلى العدالة، لضمان الأمن والسلام لبلدنا".

وعلى الطريقة ذاتها، قال رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي في بيان رسمي: إن "الهاشمي اغتيل على يد مجموعة مسلحة خارجة عن القانون. وكان من صناع الرأي على الساحة الوطنية، وصوتا مساندا لقواتنا البطلة في حربها على عصابات داعش (تنظيم الدولة)، وساهم كثيرا في إغناء الحوارات السياسية والأمنية المهمة".

وتوعد الكاظمي "بملاحقة القتلة لينالوا جزاءهم العادل، ولن نسمح بأن تعود عمليات الاغتيالات ثانية إلى المشهد العراقي، لتعكير صفو الأمن والاستقرار، وسوف لن تدخر الأجهزة الأمنية جهدا في ملاحقة المجرمين، كما سنعمل بكل جهودنا في حصر السلاح بيد الدولة، وأن لا قوة تعلو فوق سلطة القانون".

وقالت الممثلة الأممية الخاصة في العراق جينين هينيس بلاسخارت في تغريدة لها: "صُدمنا باغتيال الدكتور هشام الهاشمي. نُدين بشدة هذا الفعل الخسيس والجبان"، داعية الحكومة إلى "تحديد الجناة بسرعة وتقديمهم للعدالة".

وكتب السفير البريطاني ستيفن هوك على "تويتر" قائلا: "لقد أوجعني وآلمني سماع خبر مقتل هشام الهاشمي. لقد فقد العراق أحد أفضل رجاله المفكرين الشجعان. لا يمكن لهذه الهجمات أن تستمر، إذ يجب على الحكومة العراقية وبدعم من المجتمع الدولي محاسبة الجناة".

جوانب إنسانية

جانب إنساني كشفه ناشطون للهاشمي بعد وفاته، إذ كتب ناشطون عراقيون عن حرص الأخير على الاهتمام بالمحتاجين، وتكفله برعاية الأيتام.

وكتب عبدالله حمودات (صديق مقرب) أن الهاشمي كان يتكفل برعاية من 5 أيتام فقدوا والدهم، وهو يرعاهم حتى يكملوا تعليمهم.

ونشر حساب "الخطوة النظيفة" على "تويتر" نص محادثة أجراها أحدهم مع الهاشمي، تظهر أن الأخير تكفل بنفقة نقل حالة مرضية إلى الخارج، وقال إنها صدقة لوالدته.

كما نشر ناشطون آخرون محادثات خاصة مع الهاشمي، يحذرهم الأخير فيها من التصريح بانتقاد قادة المليشيات، ويطالبهم بشطب تغريداتهم لأنها خطر عليهم، وأنه يحرص على حياتهم من غدر العصابات المنفلتة.

ولم تمل مواقع التواصل الاجتماعي في العراق، من الحديث عن أخلاق وتواضع الهاشمي، والإمكانيات العلمية التي كان يتمتع بها، وعلاقاته الواسعة التي سخرها في خدمة بلده، ومثابرته وحرصه على إيصال المعلومة الدقيقة.