انقلاب مزدوج بسقطرى.. كيف نقضت السعودية "اتفاق الرياض" في اليمن؟
.jpg)
في عملية تعد فصلا من فصول الانقلاب، أحكم المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا سيطرته الكاملة على جزيرة سقطرى (جنوبي اليمن)، والمؤسسات الرسمية التابعة للحكومة الشرعية في مدينة حديبو عاصمة المحافظة.
انقلاب 21 يونيو/حزيران 2020، كان شبيها بانقلاب أغسطس/آب 2019، وحتى إعلان الإدارة الذاتية على المدن الجنوبية نهاية أبريل/نيسان 2020.
غير أن الجديد في هذه العملية أن موقف السعودية في جنوب اليمن، بات واضحا للغاية، وكاشفا عن حجم دعم المملكة للمجلس الانتقالي في عمليته الانقلابية، وكاشفا في ذات الوقت، عن التحايل السعودي في موقفه المعلن بدعم الشرعية ودعم وحدة التراب اليمني.
علاوة على ذلك، فقد كشف الموقف السعودي بأن اتفاقية الرياض التي رعتها بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي لم تكن إلا وثيقة لتمكين الأخير ومنحة خطوة متقدمة باتجاه السيطرة على المدن الجنوبية وتحييد الشرعية.
سحب القوات
الأمر الذي يلقي باللائمة على السعودية ويحملها مسؤولية الانقلاب، إن اتفاقا بين السعودية والحكومة الشرعية جرى في مايو/أيار 2018، قضى بأن تنسحب الإمارات من جزيرة سقطرى، وتحل محلها قوات سعودية لتأمين الجزيرة، ثم تم تعزيز الاتفاق باتفاقية الرياض في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وقضت في أحد بنودها بأن تشرف القوات السعودية على تأمين الجزيرة من أي تصرف خارج نطاق الاتفاقية.
غير أن السعودية، وهي المسؤول الأول عن تأمين الجزيرة، سحبت قواتها الذي يبلغ قوامها ألف جندي، ومنحت الانتقالي فرصة السيطرة على الجزيرة والمؤسسات الرسمية التابعة لها، في خطوة تكشف حجم التخادم بين أبوظبي والرياض وتطابق توجههما في تمكين المجلس الانتقالي من القيام بانقلاب على الحكومة الشرعية في هذه الجزيرة الحيوية.
محافظ سقطرى رمزي محروس قال: إن "القوات السعودية انسحبت من أمام إدارة الأمن في سقطرى، وسمحت بعبور ترسانة من الأسلحة للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا".
وأضاف محروس: أن "قوات الشرعية تلقت ضمانات من القوات السعودية بوقف التصعيد، لكن تلك القوات تراجعت عن ضماناتها وتركت الانتقالي يسيطر على الجزيرة".
السيناريو السعودي الذي تم تنفيذه أثناء الانقلاب على الشرعية في سقطرى، جرت له بروفة في أغسطس/آب 2019 بمدينة عدن، عندما انسحبت القوات السعودية المكلفة بتأمين المدينة، مانحة قوات الانتقالي المجال للسيطرة على القصر الرئاسي وإعلان الانقلاب، لتنكشف بذلك الإستراتيجية الميدانية للقوات السعودية في تمكين الانقلابيين.
وإلى جانب انسحاب القوات السعودية من الجزيرة ومنح الانقلابيين فرصة السيطرة على أرخبيل سقطرى، فإن قادة المجلس الانتقالي يقيمون في الرياض، وينسقون مع القوات الإماراتية والمليشيات التابعة لهم من قلب الرياض.
رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي، زار الرياض في 20 مايو/أيار 2020، ومنذ ذلك الحين وهو يقيم في الرياض ويجري مقابلات مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ومع سفراء عدد من الدول الغربية من أجل الحصول على ترحيب بموقف الانتقالي الذي يسعى لإعلان الانفصال في وقت لاحق.
حتى أن صحيفة "إسرائيل تودي"، كشفت عن ترحيب تل أبيب بالدولة الجديدة الناشئة في الشرق الأوسط، وأضافت أن الانتقالي يرحب بتطبيع العلاقة مع إسرائيل.
الأجندة الحقيقية
الكاتب والمحلل السياسي اليمني ياسين التميمي قال لـ"الاستقلال": "لم يسبق أن ظهر التحالف السعودي الإماراتي بهذا القدر من الوضوح فيما يتعلق بالأجندة الحقيقية لتدخله العسكري في اليمن".
ويضيف: "انحرفت المهمة العسكرية للتحالف السعودي والإماراتي، وباتت حربه عدوانية وغير عادلة، وبرزت أهداف خاصة لهذا التحالف، اعتمدت في تنفيذها على مليشيا تقاتل بالوكالة وتوجه أسلحتها باتجاه السلطة الشرعية".
يتابع التميمي: "الانقلاب على سلطة الشرعية في محافظة أرخبيل سقطرى في عمق المحيط الهندي والتي تبعد بأكثر من 1000 ميل عن أقرب نقطة اشتباك بين قوات الشرعية والمجلس الانتقالي، أثبتت أن السعودية لا ترغب بأي نفوذ للسلطة الشرعية حتى ولو كانت هذه السلطة بهذا المستوى من الضعف".
ويختم التميمي بالقول: "منذ تدخل القوات السعودية في جزيرة سقطرى منذ ربيع 2018، سلكت قوة الواجب السعودية نهجا مشابها لما كانت الإمارات قد قامت به أثناء سيطرتها على الجزيرة، فقامت بإنشاء شبكة اتصال خاصة بها، واحتكرت السيطرة العسكرية على الأرخبيل، وبدأت بتفكيك القوة العسكرية الضاربة للسلطة في الجزيرة ممثلة باللواء الأول مشاة بحري في الأرخبيل، وهو الأمر الذي مكن الانتقالي من السيطرة على الجزيرة لاحقا".
بوادر الخيانة
كانت أولى خطوات الانقلاب قد بدأت بعد رفض الحكومة الشرعية الطلب السعودي ببدء تنفيذ الشق السياسي من اتفاقية الرياض، وتأجيل الشق العسكري، وهي الرغبة التي تريدها الإمارات ويطالب بها المجلس الانتقالي.
اتفاقية الرياض تحمل شقين، أحدهما سياسي والآخر العسكري، ويقضي الشق السياسي بتشكيل حكومة مناصفة بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي المنقلب على الشرعية، في حين يحمل الشق العسكري إعادة انتشار القوات التابعة للمجلس الانتقالي إلى خارج المدن الجنوبية
وتقضي الاتفاقية ببدء تنفيذ الشق العسكري وانسحاب قوات الانتقالي المدعومة إماراتيا إلى خارج المدن، ثم تنفيذ الشق السياسي وتشكيل حكومة وحدة وطنية.
إلا أن مطالب السعودية بتغيير أولويات تنفيذ البنود قد كشف عن تطابق وجهات النظر السعودية الإماراتية التي تسعى للتحايل على الحكومة الشرعية من خلال هذه الاتفاقية.
كتلة الإمارات
برغم كون الانقلاب على السلطة الشرعية في سقطرى تطور خطير في الأزمة اليمنية، إلا أن مجلس النواب (البرلمان) التابع للشرعية وقف عاجزا عن إصدار بيان يدين الانقلاب، أو حتى يكشف عن موقف الشرعية تجاه الأحداث.
عضو مجلس النواب مفضل الأبارة، قال للموقع الإلكتروني اليمني المصدر أونلاين: "إنه ومنذ 3 أيام ونحن نحاول في مجلس النواب إصدار بيان بشأن ما جرى في سقطرى، لكن للأسف لم نتمكن من ذلك. اكتشفنا أن الإمارات لديها كتلة في البرلمان".
وأوضح البرلماني اليمني أن "المطالبين بإصدار البيان من كل الكتل الحزبية والمستقلين، والرافضين للأسف من معظم الكتل".
وعوضا عن إصدار بيان، أصدر رئيس مجلس النواب سلطان البركاني قرارا بتشكيل لجان تقصي الحقائق للوقوف على الأحداث التي شهدتها محافظة سقطرى.
ذلك التخاذل في اتخاذ موقف يمني حاسم، تجاه ما يحدث أثار موجة واسعة من الغضب لدى اليمنيين، وعبروا عن استيائهم من تخاذل الشرعية، ومجلس النواب، والتماهي مع الأجندة السعودية.
فأس التقسيم
وزير الثقافة الأسبق خالد الرويشان كتب منشورا على فيسبوك علق فيه على اتفاقية الرياض وعلى الانقلاب الذي تم في سقطرى قائلا: "كان الهدف، ببساطة، هو إضفاء الشرعية الدولية والعربية للمجلس الانتقالي الانفصالي، لتقسيم اليمن وفي حضور الأمم المتحدة والجامعة العربية ودول مجلس الأمن الخمس الدائمة".
وأضاف: لم يتحقق بند واحد من بنود الاتفاقية حتى الآن، الذي تحقق اليوم بنجاح هو طوابير سفراء العالم لمقابلة قائد المجلس الانتقالي الانفصالي المقيم في قلب الرياض، تم توقيع الاتفاقية في القاعة الضخمة الفخمة الزرقاء الموشاة بالذهب أمام العالم كله".
الوزير الأسبق قال: "السياسي اليمني (الأغبر) يثيره الأزرق الموشى بالذهب، يبهره ويلجم لسانه، تماما مثل إثارة الأحمر القاني لثيران حلبات المصارعة!".
وتابع الرويشان: "طابور السفراء أمام قصر الزبيدي الفخم في الرياض، بينما هادي محاصر بنفسه واكتئابه في زاوية ما.. في قصر ما.. لم يعد يتذكر عنوانه أحد، هذا هو هدف اتفاقية الرياض بالضبط، إضفاء الشرعية الدولية لفأس تقسيم اليمن".
منظمة سام (مقرها جنيف) قد دعت في بيان لها التحالف السعودي الإماراتي إلى وقف دعمه للقتال بين الأطراف اليمنية، وقالت: إن حرب التحالف في اليمن فقدت عدالتها وأخلاقيتها بانحرافها عن مسارها القانوني، وخروجها عن أهدافها المعلنة، وتعطيل دور الحكومة.
وأكدت المنظمة أن التحالف يقوم بتقسيم النفوذ والمصالح، وإنشاء مليشيات مسلحة، وبذلك فإنه يفقد مشروعية وجوده وتدخله في اليمن.