"مجرد ضريح".. مطالبات بإعلان وفاة الجامعة العربية لعجزها عن إنهاء حرب غزة

منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

جنازة سياسية اكتفى المشاركون فيها بمراسم دفن جديدة لما تبقى من الكرامة؛ هكذا وصف ناشطون القمة العربية الـ34 التي انعقدت في بغداد، بغياب لافت وحضور باهت، وبيان ختامي بلا أنياب.

وكما هو متعارف عليه، عجزت القمة العربية التي عقدت في 17 مايو/أيار 2025، عن اتخاذ خطوات عملية يوقف نزيف الدم الفلسطيني وينهي حصاره وتجويعه، في تكرار للفشل والخذلان.

وطالبت القمة العربية التي عقدت في بيانها الختامي بوقف العدوان الإسرائيلي المتواصل للشهر الـ19 على غزة، مؤكدة ضرورة فتح كل المعابر المؤدية للقطاع المحاصر وضمان إدخال المساعدات الإنسانية العاجلة.

وحث القادة والمسؤولون المشاركون في القمة على "تقديم الدعم السياسي والمالي والقانوني" لإعادة إعمار غزة، داعين إلى وقف فوري للحرب وضمان إدخال المساعدات الإنسانية العاجلة إلى القطاع.

وناشدوا مجلس الأمن الدولي بـ"اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ حل الدولتين... ووضع سقف زمني لهذه العملية"؛ معلنين رفضهم القاطع تهجير الشعب الفلسطيني من أراضيه.

وحثوا المجتمع الدولي والدول "ذات التأثير" على "تحمل مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية للضغط من أجل وقف إراقة الدماء، وضمان إدخال المساعدات الإنسانية العاجلة دون عوائق إلى جميع المناطق في غزة".

وخلال كلمته في القمة، طالب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، حركة المقاومة الإسلامية حماس بـ"التخلي عن سيطرتها على القطاع وتسليم السلاح" لأجهزته، مشددا على ضرورة "إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية في غزة وفق أسس مهنية وبإشراف عربي ودولي".

وبدورها، رفضت حماس دعوة عباس، مؤكدة تمسكها بخيار المقاومة ما دام الاحتلال الإسرائيلي مستمرا على أرض فلسطين.

وقال القيادي في الحركة محمود مرداوي، إن "هذا السلاح هو حق مشروع لشعب يقاوم الاحتلال ويواجه المجازر اليومية".

ودعا مرداوي الرئيس عباس إلى "الالتفاف حول خيار الشعب والانضمام إلى جبهة المقاومة"، موضحا أن "العودة إلى صفقات جزئية أثبتت فشلها ولم تجلب سوى مزيد من العدوان والمعاناة لشعبنا، لذلك لن نقبل بها مجددا".

وأمام غياب أي خطوات عملية باستثناء المطالبات والدعوات، أعلن ناشطون وفاة جامعة الدول العربية وأطلقوا على الاجتماع الأخير اسم “قمة الوداع”.

ورأوا أن البيان الختامي للقمة العربية بلا قيمة ولم يأت بجديد، واكتفى بالشعارات والوعود دون اتخاذ قرارات ملموسة وتحرك فعلي ينعكس على الفلسطينيين ويردع الاحتلال الإسرائيلي.

وأكدوا عبر تغريداتهم وتدويناتهم على منصتي "إكس"، "فيسبوك"، ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #قمة_بغداد_2025 #غزة_تُباد #غزة_الفاضحة، وغيرها، أن القضية الفلسطينية ضاعت وسط فرقة العرب وتشتتهم، مستنكرين عجز القمة عن كسر حصار وإدخال الماء والدواء.

وصب ناشطون جام غضبهم على رئيس السلطة الفلسطينية، بسبب مطالبته حماس بتسليم سلاحها، وعدوا الدعوة خيانة وعمالة للاحتلال ومطلبا مجحفا وغير واقعي يخدم مصالح الكيان المحتل، خاصة في ظل العجز عن إيقاف العدوان الإسرائيلي المتصاعد.

وخلال انعقاد القمة واصل الاحتلال ارتكاب سلسلة من المجازر الدموية، وقتل أكثر من 200 فلسطيني، وهجر قسرا نحو 300 ألف آخرين من شمال القطاع إلى مدينة غزة، ودمر قرابة ألف وحدة سكنية خلال 48 ساعة، ضمن حرب الإبادة التي يرتكبها ضد المدنيين.

وقال المكتب الإعلامي الحكومي بغزة: "في جريمة جديدة تضاف إلى سجل الاحتلال الإسرائيلي الدموي، ارتقى خلال الـ48 ساعة الماضية أكثر من 200 شهيد بالمحافظة الشمالية وحدها، في سلسلة مجازر متواصلة".

وأضاف أن "الجيش الإسرائيلي دمر أيضا أكثر من 1000 وحدة سكنية كليا أو جزئيا، وتسبب في نزوح أكثر من 300 ألف مواطن قسرا نحو مدينة غزة، التي تفتقر للبنية التحتية اللازمة لإيوائهم".

وأشار إلى أن "نحو 140 شهيدا لا يزالون تحت الأنقاض، بسبب منع متعمد من جيش الاحتلال لطواقم الإسعاف والدفاع المدني من الوصول إلى مواقع القصف، في خرق صارخ للقانون الدولي الإنساني".

قمة الوداع

وإعرابا عن الاستياء من مخرجات القمة، قال الإعلامي حلمي درويش: "توفيت إلى رحمة الله اليوم السبت 17 مايو 2025، "جامعة الدول العربية، وذلك بعد صراع طويل ومرير مع الشلل الإرادي، وفقدان النطق السياسي، وهزال القرار الجماعي".

وأضاف: "قد تم تشييع الجنازة في صمت رسمي مهيب، اقتصر الحضور فيه على بعض وزراء الخارجية، وعدد من المقاعد الفارغة، في حين تغيّب السادة القادة والرؤساء لانشغالهم بمواعيد أكثر أهمية".

وتابع درويش: "الفقيدة لم تترك وراءها إلا بيانات ختامية بلا فعل، ومقرا فخما بلا مضمون، ومواقف رمادية في زمن لا يحتمل الحياد.. هذا، وتناشد الأسرة الكريمة بعدم إرسال أكاليل الزهور، والاكتفاء بقراءة الفاتحة على أطلال الوحدة العربية".

واستطرد: "العزاء موصول لكل من لا يزال يعتقد أن الجامعة كانت على قيد الحياة!".

وأكد الأديب عمار علي حسن، أن القمة العربية ليست على مستوى الحدث، ولا الحضور ولا الخطاب، يستجيبان للتحديات الكبرى التي تواجه العرب، وقضيتهم المركزية، أقروا أم أنكروا، وهي فلسطين.

ورأى أن هذه القمة تضع علامة استفهام عريضة على مدى إمكانية استمرار "جامعة الدول العربية" نفسها وجدواه، اللهم إلا إذا أصبحت مجرد "ضريح" يزوره من يريدون التطهر من الخيانات المتوالية لـ"مصلحة الشعوب العربية".

وأضاف حسن، أن الجامعة العربية مجرد "طلل" يتباكى عنده كل الذين يؤمنون بأن الجغرافيا الممتدة من المحيط إلى الخليج، بوسعها أن توحد مصالح الذين لا يحسنون إدارة الصراع إلا ضد بعضهم البعض، أولئك الرحماء مع أعدائهم والقساة على أنفسهم، وبأسهم بينهم شديد.

وقال رئيس اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى عبدالقادر المرتضى: "بعد كل قمة عربية يتضح جلياً أن مشكلتنا في الأنظمة والحكام الذين أصبحوا جزءًا من أدوات الاحتلال".

واستنكر أن الاحتلال يقتل ويحاصر، بينما الأنظمة تكبل الشعوب وتخدرها وتمنعها من اتخاذ أي موقف عملي ضد هذا الكيان الغاصب، مؤكدا أن الانتصار على الكيان يتطلب التخلص من أدواته أولاً.

ووصف حسن نورالدين، القمة الأخيرة بأنها "قمة الوداع، (يجب) إعلان وفاة جامعة الدول العربية، إعلان انتهاء العمل العربي المشترك، إعلان ضياع فلسطين للأبد".

وأكد سيد الباتولي، أن كلمات الحاضرين في القمة عبارة عن خطب مكتوبة من مستشارين للزعماء تحوي عبارات مكررة ومملة، وجو الاكتئاب وقلة الحيلة يسود القاعة.

بدوره، أكد محمود حميد، أن "تكفين جامعة الدول العربية واجب شرعاً"، مستنكرا الصرف على هذا الشكل الميت من فلوس دافعي الضرائب بينما الأولى أن تُوجه لما يعود بالنفع على جموع المواطنين في صورة مدارس أو مستشفيات أو غير ذلك من خدمات أساسية.

وقال: "هيصة وزمبليطة.. وفى النهاية، بيان طويل عريض في 19 صفحة يبعث على الألم والحسرة والغثيان"، منددا بأن الحال وصل إلى حث المجتمع الدولي بالضغط من أجل وقف إراقة الدماء في غزة.

وتساءل حميد: "هل يعقل أن يصل بنا الحال إلى هذا الانحدار؟!.. كلمات مرصوصة وراء بعضها ولا فرق بينها وبين كلمات يكتبها أي واحد يريد أن ينفس عن نفسه وهو يحتسي فنجانا من القهوة في لحظة عجز".

واستهزأ بتأكيد البيان الطويل العريض على أن "الهدف من القمة العربية توحيد الجهود"! وأعرب عن حسرته على ما آل إليه الحال، متسائلا: "أي جهود غير جهود الشجب والإدانة والكلام المنمق؟".

وتساءل الكاتب تركي الشلهوب: “ماذا حصل في القمة العربية؟ هل قرروا لا سمح الله فك الحصار عن أهل غزة؟ هل هددوا لا سمح الله بتحريك جيوشهم إن لم تنته الحرب؟”

وواصل تساؤلاته قائلا: “هل هددوا لا سمح الله بقطع العلاقات مع الكيان المحتـ ـل وسحب سفرائهم وتوقيف محادثات التطبيع؟” وأجاب: "لم يحدث شيء مما ذُكر، إذًا فهي مهزلة".

غياب لافت

وتسليطا للضوء على الحاضرين والغائبين عن القمة العربية وتحليلا للحضور الباهت، أشار مايكل ألفي إلى غياب ولي عهد السعودية، وأمير الكويت، وملك البحرين، وسلطان عمان، وملك الأردن، ورؤساء الإمارات وسوريا وتونس والجزائر، وملك المغرب، ورئيس المجلس العسكري السوداني.

ولفت إلى حضور رؤساء مصر والعراق وفلسطين وأمير قطر ورئيس وزراء لبنان، ورئيس وزراء إسبانيا ممثلا عن الاتحاد الأوروبي.

وأوضح إبراهيم السيد، أن انخفاض مستوى التمثيل في معظم الدول المشاركة في آخر قمة والتي تصدرت القضية الفلسطينية والحرب في غزة جدول أعمالها، يعكس عدم الاهتمام الجمعي.

وأشار إلى أن مؤسسة القمة العربية تواجه تحديات منها الخلافات بين بعض الدول الأعضاء، ومحدودية التنفيذ الفعلي للقرارات الصادرة، وهو ما يجعلها لقاءات شكلية وغير مؤثرة.

وقال علي بركات: “أظن بعد الشكل المخزي من عدم تواجد معظم القادة العرب في القمة فلا جدوى من وجود جامعة الدول العربية”.

وأردف: "هناك تحالفات أخرى تتم مع كل دولة على حدة بعيدة تماما عما يسمى الوحدة العربية".

ورأى كرم البطاوي، أن التمثيل المتواضع على مستوى القيادة يثير تساؤلات حول مدى قدرة القمة على اتخاذ قرارات مؤثرة وتفعيل عمل عربي مشترك حقيقي في ظل التحديات الراهنة التي تواجه المنطقة. 

وتساءل: "هل يعكس هذا الغياب فتورًا في العلاقات العربية البينية، أم أولويات مختلفة للدول الأعضاء؟"، قائلا: "يبقى السؤال مفتوحًا حول مستقبل العمل الجماعي العربي وفاعليته في مواجهة الأزمات الإقليمية".

خيانات عباس

واستنكارا لتصريحات رئيس السلطة الفلسطينية، أشار الأكاديمي العماني حمود النوفلي، إلى دعوة محمود عباس إلى تخلي حركة حماس عن سيطرتها وتسليمها وجميع الفصائل السلاح، قائلا: "هذا الحال إذا عملوا قمة!! قوتهم تكون على من يقاوم الكيان الصهيوني".

وقال: "ظلوا سنوات في كل قمة يطالبوا بالقضاء على حزب الله حتى حقق لهم الصهيوني جزءا من مرادهم، والآن يطالبوا بالقضاء على ما تبقى للأمة من أبطال، حتى يصول ويجول فيها الصهيوني والأميركي على راحته".

وقال الكاتب رفيق عبدالسلام: "ما لم يستطع الحكام العرب المجاهرة بقوله تجنبا للاتهام بالخيانة والعمالة والسفالة، يكلفون عباس التصريح به نيابة عنهم بلسان فاحش وبذيء، فحولوه تبعا لذلك الى عجوز تخريف وكبش نطيح".

وسخر المغرد تامر قديح، من دعوة حماس والفصائل تسليم سلاحها، قائلا: "على ما يبدو، فإن عباس يخطط لتكبير الفترينة الخاصة به من الأسلحة، التي إن استُخدمت، تُستخدم ضد الفلسطينيين".

وأكد أن سيطرة السلطة على غزة، ونقل فسادها من الضفة إلى القطاع، وقيادة مذلولة بلا كفاءة ولا مهنية، هي كارثة أخرى بعد كارثة الحرب.

وأضاف تامر، أن أهل غزة لهم الحق في حكم أنفسهم بأنفسهم، ومن كفاءاتهم. 

لذلك، "وبعد إعلان حماس تخليها عن الحكم، فأفضل ما يمكن أن يحدث هو أن تُدار غزة عبر لجنة من أبنائها، على أسس مهنية وبالاعتماد على الكفاءات. أولئك الناجون من المذبحة، أَولى وأفضل مليون مرة من قيادة لم تفعل شيئًا أمام الإبادة والتطهير العرقي". 

وقال: "إذا كان عباس يتحدث عن دولة فلسطين، فالأَولى به أن يحرر الضفة من المستوطنات أولًا، قبل أن يتحدث عن غزة. وهذا أبسط المطالب".