"صواريخ إيرانية".. ماذا ينتظر طهران بعد تقرير جوتيريش عن قصف أرامكو؟

يوسف العلي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

فتح تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، بخصوص "الصواريخ الإيرانية" التي قصفت منشآت نفطية ومطار أبها السعودي في 2019، باب التكهنات واسعا حول تداعيات ذلك على إيران، ولا سيما أنها تعاني منذ عامين من عقوبات أميركية شديدة.

في تقرير مرفوع إلى مجلس الأمن الدولي، كتب جوتيريش، قائلا: "الأمانة العامة للأمم المتحدة، تقدر أن صواريخ كروز و/ أو أجزاء منها استُخدمت في أربع هجمات أصلها إيراني. الطائرات المسيرة التي استخدمت في هجمات أرامكو أصلها إيراني".

ومضى يقول: "الأمم المتحدة لاحظت أن بعض القطع في الأسلحة التي ضبطتها الولايات المتحدة في مناسبتين كانت متطابقة أو مشابهة لتلك التي عُثر عليها في حطام صواريخ كروز وطائرات مسيرة استُخدمت في هجمات 2019 على السعودية".

الهجمات التي تحدث عنها تقرير جوتيريش، كانت جماعة الحوثي اليمنية قد تبنتها وأعلنت المسؤولية عنها.

ضغوطات سياسية

تباينت آراء المختصين بشأن التداعيات المحتملة للتقرير الأممي الذي من المقرر أن يبحثه مجلس الأمن في يونيو/ حزيران 2020، إذ ذهب البعض إلى أنها تندرج في إطار الضغوط السياسية على طهران، فيما أشارت أخرى إلى أن عواقبها قد تكون وخيمة.

وفي حديث لـ"الاستقلال" استبعد الدكتور محمود رفعت القاضي السابق بالمحكمة الجنائية الدولية، ورئيس "المعهد الأوروبي" للقانون الدولي والعلاقات الدولية، أن تطال إيران عقوبات شديدة مثل الفصل السابع، لأن الموضوع يحتاج إلى توافق في مجلس الأمن الدولي، وروسيا والصين لن توافقا على ذلك".

ورأى رفعت أن "الموضوع يأتي في سياق الضغوطات السياسية التي تمارسها واشنطن منذ عامين لإرغام إيران على الجلوس إلى طاولة مفاوضات جديدة، ولن تستطيع الولايات المتحدة الذهاب إلى أبعد من ذلك".

وأوضح أن "حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة لن يحتملوا مزيدا من ردات الفعل الإيرانية، إذا فرض على طهران أي عقوبات دولية يعني ذلك أنها سترد على ذلك، ولقد رأينا ذلك في أحداث عدة بمضيق هرمز وحتى القصف الدقيق لأرامكو".

وحسب قول الخبير في القانون الدولي: فإن "الولايات المتحدة لا تريد مزيدا من الحروب في الخارج، لأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب كان قد وعد جمهوره بتصفير الحروب الخارجية، والعمل على مزيد من النهوض الاقتصادي الداخلي".

يذكر أن الولايات المتحدة انسحبت بشكل أحادي من الاتفاق النووي مع إيران في مايو/ أيار 2018. وفرضت مجموعة من العقوبات الشاملة على البلاد كجزء من إستراتيجيتها المسماة بـ"الضغط الأقصى" وفقا لتعبير الرئيس دونالد ترامب الذي يسعى لإجبار إيران على إبرام اتفاق جديد وشامل يشمل سياسة إيران الإقليمية وبرنامجها الصاروخي.

"الفصل السابع"

وفي مقابل ما طرحه القاضي محمود رفعت، فإن هناك من يرى أن تقرير الأمم المتحدة ربما يكون بداية لعزل إيران أكثر، وفرض عقوبات دولية، كون ما حصل من قصف لأرامكو واستهداف لبواخر في مضيق هرمز يندرج ضمن تهديد الأمن والسلم الدوليين.

وفي هذه النقطة، يقول الخبير في القانون الدولي علي التميمي لـ"الاستقلال": "ميثاق الأمم المتحدة في المواد (1، 2، 3) أوجبت على الدول أن تحترم سيادة الدول الأخرى سياسيا وأمنيا واقتصاديا، وأن تمتنع عن انتهاك هذه السيادة بأي شكل من الأشكال".

وأضاف: "أبعد من ذلك، فإن المواد من (39 إلى 52) من الميثاق، قد تضمنت عقوبات صارمة وهو ما يسمى بالفصل السابع، إذ إنه يطال الدول التي تهدد السلم والأمن الدوليين بعد تقارير موثقة من الجهات المسؤولية واللجان  التحقيقية التي تشكلها الأمم المتحدة أو مجلس الأمن".

واستنتج التميمي أن خروقات بهذا الحجم التي تصدر من إيران أو أي دولة أخرى فإنها تسير بها نحو الفصل السابع، وأتوقع أن توضع إيران تحت طائلة هذا البند كونها تهدد السلم والأمن الدوليين، لأنها متهمة باستهداف بواخر في مضيق هرمز، إضافة إلى تورطها عبر أذرعها بالحروب في اليمن وسوريا والعراق، ولذلك فإن المجتمع الدولي سيتخذ قرارات صارمة ضد إيران.

وتابع: "اليوم نستطيع أن نعتبر أن طهران تحت الفصل السادس التي هي تشمل العقوبات الاقتصادية، وأعتقد الأمور بإيران تسير نحو الفصل السابع  الذي هو أشد قسوة حين توضع الدول تحت طائلته، والدليل ما حصل مع العراق".

ونوه التميمي إلى أن الفصل السابع من الميثاق يعتبر الدولة ناقصة الأهلية ولا يحق لها البيع والشراء إلا من خلال وسطاء، وأن مركزها في القانون الدولي يكون ضعيفا، إضافة لهذه العقوبات التي تجعل من الدولة "قاصرة"، فإنها تكون ملزمة بدفع تعويضات كبيرة للجهة المتضررة.

حظر الأسلحة

وفي سيناريو آخر محتمل، رأى محللون أن التقرير يأتي لتمهيد الأجواء نحو تمديد الحظر الدولي لمبيعات الأسلحة لإيران، والذي ينتهي في أكتوبر/ تشرين الأول 2020 وفقا للقرار الدولي 2231.

ونقلت وكالة "رويترز" عن السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة كيلي كرافت، قولها إنها ستوزع مشروع قرار لتمديد حظر الأسلحة على إيران قريبا.

وإذا لم تفلح الولايات المتحدة في مسعاها هذا، فقد هددت بأنها ستفعل العودة لجميع عقوبات الأمم المتحدة على إيران بموجب الاتفاق النووي رغم انسحابها منه في 2018. وقال دبلوماسيون: إن واشنطن "ستواجه على الأرجح معركة صعبة وفوضوية"، بحسب الوكالة.

وخلال تصريحات صحفية في 15 يونيو/ حزيران 2020، قال المحلل السياسي المختص بالشأن الإيراني محمد حسن البحراني: "الاتهامات التي وجهتها الأمم المتحدة لإيران قبل أيام عدة والمتعلقة بهوية الصواريخ التي ضربت شركة أرامكو في السعودية مجرد اتهامات، تفتقد للحيادية أولا، ولا تستند لأي أدلة مادية".

ورأى البحراني أن "الأمم المتحدة أصبح حالها حال العديد من المنظمات الدولية الخاضعة لإرادة وأجندة الإدارة الأميركية، لذا قد تكون واشنطن هي التي دفعت الأمم المتحدة نحو تبني مثل هذا الموقف لتمهيد الأجواء نحو تمديد الحظر الدولي لمبيعات الأسلحة لإيران، والذي ينتهي في أكتوبر/تشرين الأول 2020، وفقا للقرار الدولي 2231".

وأردف: "مع ذلك أستبعد أن إدارة ترامب تنجح في تحقيق هذا الهدف خاصة مع توقع إيران بأن أي قرار من هذا القبيل لتمديد الحظر سيواجه بفيتو روسي وصيني".

وأضاف: "في حال نجحت أميركا في تمرير هذا القرار الدولي فمن المؤكد أن يواجه برد إيراني إستراتيجي كبير، قد تلجأ معها طهران إلى إعلان انسحابها النهائي من الاتفاق النووي، أو معاهدة الحد من الانتشار النووي".

الرد الإيراني

التشكيك في مصداقية التقرير الأممي الذي أورده البحراني في تحليله، كان قريبا من الرد الإيراني الرسمي على ما جاء في وثيقة جوتيريش، إذ اعتبرت وزارة الخارجية الإيرانية أن الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية تستخدمان المنظمات الدولية أدوات لخدمة مصالحهما.

ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية "فارس"، في 17 يونيو/ حزيران 2020، عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية عباس موسوي، قوله: "أميركا والسعودية تستغلان الأمم المتحدة وتستخدمان المنظمات الدولية بالمال والغطرسة كأدوات".

وأضاف: "الأمانة العامة للأمم المتحدة، بعد أيام قليلة فقط من توجيه تهم لا أساس لها من الصحة، ضد إيران، تجاهلت جرائم التحالف السعودي في اليمن رغم مقتل مئات الأطفال اليمنيين. السعودية وأميركا تستغلان المنظمات الدولية بالمال والغطرسة".

وقبل ذلك، وصفت وزارة الخارجية الإيرانية تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بأنه "سيناريو مخطط سلفا" للولايات المتحدة لمنع رفع حظر الأسلحة المفروض على إيران، كما نفى ممثل إيران لدى الأمم المتحدة تقرير الأمين العام للمنظمة ووصفه بأنه "مُغالطة". 

وقال مجيد تخت روانشي على موقع "تويتر": "الأمانة العامة للأمم المتحدة تفتقر إلى القدرات والخبرة والمعرفة لإجراء التحقیق".

وفي تحليل لرويترز عن تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، أشارت إلى أن جوتيريش قال: إن مبعوث إيران لدى الأمم المتحدة ذكر أنه "ليس من سياسة إيران تصدير الأسلحة، في انتهاك لقرارات حظر الأسلحة ذات الصلة الصادرة من مجلس الأمن" وأنها "ستواصل التعاون بنشاط مع الأمم المتحدة في هذا الصدد".

تضامن الحلفاء

وعلى صعيد الردود الدولية، فإن روسيا والصين الحليفين الأبرز لإيران، رفضتا ما جاء في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا عبر تصريحات صحفية في 17 يونيو/ حزيران 2020: إن تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بشأن تورط إيران في هجمات على البنية التحتية للنفط في السعودية "ليس موضوعيا ولا تدعمه الحقائق".

وقالت زاخاروفا: "سيقدم الجانب الروسي تحليلا مفصلا لتقرير الأمين العام وفقا للإجراءات المتبعة، في مجلس الأمن في 30 حزيران/يونيو 2020. ما لن نجادل به هو أنه بالكاد يمكن وصف التقرير بأنه متوازن ويمكن التحقق منه، بالإضافة لنقص كامل في الأدلة ضد إيران".

وفي وقت سابق، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: إن بلاده "ستقاوم أي محاولات لتقويض خطة العمل الشاملة المشتركة ودفع الأجندة المعادية لإيران في مجلس الأمن".

وأضاف لافروف: أن بلاده "لا تعتبر تمديد حظر السلاح على إيران شرعيا" وستبذل قصارى الجهود لتحييده، موضحا أن "تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول إيران تسرب للإعلام وهذا الأمر تكرر أكثر من مرة وهو غير مقبول". واعتبر لافروف أن الولايات المتحدة فقدت كل الحقوق في إطار خطة العمل الشاملة المشتركة بعد خروجها من الاتفاق النووي.

وفي السياق ذاته، أكد وزير الخارجية الصيني وانغ يي خلال تصريحات في 12 يونيو/ حزيران 2012، أن بلاده تحرس مصداقية قرارات مجلس الأمن الدولي والاتفاق النووي، مشيرا إلى أنها لن توافق على الإجراءات الأميركية في محاولة تمديد حظر التسلح على إيران.

وأعلنت الممثلة الصينية في الأمم المتحدة على "تويتر" أن وزير الخارجية الصيني جدد في رسالة إلى جوتيريش والرئيس الدوري لمجلس الأمن ومندوب فرنسا، نيكولاس دو ريوير، "موقف الصين الداعم للاتفاق النووي الإيراني". وأكد التزام بلاده للحفاظ على قرار مجلس الأمن رقم (2231) والاتفاق النووي بشكل فعال.