تعاليم الإسلام.. هكذا اتبعتها تركيا وخالفتها بلاد الأزهر والحرمين

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في أول خطبة جمعة برمضان تحدث رئيس هيئة الشؤون الدينية التركية على أرباش عن تحريم الإسلام للزنا والشذوذ وغيرهما من المحرمات، ما عرضه لهجوم شديد من العلمانيين هناك.

المتحدث الرسمي باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، رد على المهاجمين قائلا:  "خسر الدنيا والآخرة من يتطاول على أحكام الله تعالى في أرضه وزمانه الذي خلقهما".

العجيب أنه في الوقت الذي تؤكد فيه تركيا وهي دولة علمانية بنص الدستور، على هويتها الإسلامية ونهجها المحافظ، تسعى دول المفترض أنها إسلامية بنص الدستور -مثل السعودية بقيادة محمد بن سلمان ومصر بقيادة رئيس النظام عبدالفتاح السيسي- إلى التغريب، وخلع رداء هويتها الدينية، وطمس معالم حضارتها الإسلامية.

حامية الوطيس

مع أول خطبة جمعة في رمضان 2020، اندلعت معركة حامية الوطيس في الأوساط الإعلامية والسياسية التركية، إثر حديث رئيس الشؤون الدينية التركية الدكتور علي أرباش، عن تحريم الإسلام للزنا والشذوذ.

أرباش قال: "الزنا من الكبائر، والشذوذ من الأمور المحرمة، والحكمة من ذلك أن هذه الأمور تجلب الأمراض، وتقطع أواصر المجتمع، وهي من أكبر أسباب البلاء والفيروسات.. تعالوا نقاتل معا لحماية الناس من هذا الشر".

بعدها شنت نقابتا المحامين في إزمير والعاصمة أنقرة، حملة ضد أرباش، مطالبة إياه بالاستقالة من منصبه وتقديم اعتذار للشعب التركي، معتبرين أن خطابه رجعي وقديم من عصور ماضية ويخالف الدستور، ويسلب المثليين حقوقهم.

حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية، اصطف إلى جانب نقابة المحامين، وأكد المتحدث الرسمي باسم الحزب فايق أوزتورك، دعم حزبه المطلق للنقابة، معتبرا أن خطاب أرباش يحتوي على لغة الكراهية والعداوة.

لم يصمت الرئيس رجب طيب أردوغان، بل صرح قائلا: "الهجوم على رئيس الشؤون الدينية هو هجوم على دولتنا".

فيما دون المتحدث الرسمي باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن في تغريدة، أنه "خسر الدنيا والآخرة من يتطاول على أحكام الله تعالى في أرضه وزمانه الذي خلقهما".

وكذلك نشر رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، فخر الدين ألطون تغريدة، قال فيها إن "ديننا الحنيف هو الذي أعطى لكل الكائنات قيمتها وأضاء لنا الطريق في الماضي والحاضر، وقواعده ليست تلك التي يكيّفها ويفسرها على أهوائهم أولئك الذين يهاجمون الأستاذ علي أرباش".

ياسين أقطاي، مستشار أردوغان، دون على "فيسبوك"، قائلا: "لا شك أن نقابة المحامين بأنقرة في دفاعها عن الشذوذ ضد الدين يعدو كونه مجرد عقدة نفسية.. لم يعد الموضوع مسألة مطالبة بحرية أو حقوق الشواذ، بل تحول إلى الرغبة في فرض سلطة استبدادية تحاول اختراق كل شيء حتى الدين".

مضيفا: "أي نوع من العقد والأحوال النفسية تعتري نقابة المحامين بأنقرة وهي تهاجم رئيس الشؤون الدينية التركي البروفسور د. علي أرباش، لمجرد سرد آيات تحرم الزنا واللواط في خطبة الجمعة وتعتبرهما من الكبائر؟ يجب دراسة هذه العقد التي تجعل الإنسان جاهلًا بمعنى الدين ومحتقنًا منه لهذا الحد".

وتساءل أقطاي: "هل هناك أحد من الحضور يمكنه أن يحوّر خطاب السيد أرباش سواء في خطبة الجمعة أو العيد أو غيرهما، أو يحمّل الخطاب كراهية وتنفيرًا ضد أحد من الناس؟ ليس من الممكن، لأن الجميع يعي بأن علي أرباش لا يتحدث من بنات أفكاره، بل هو يستعرض آي القرآن بشكل مباشر، ويذكر ما حرم الإسلام".

الانتصار للقيم

وفي الوقت الذي تدعم فيه مؤسسة دينية مثل وزارة الأوقاف في مصر توجهات نظام الحكم المقيدة للحريات والداعمة لطمس الهوية وتقليص دور الدين في المجتمع، ويعلن علماء ومشايخ في السعودية تأييدهم لسياسات التغريب التي يتبناها ابن سلمان.

على النقيض تماما تلعب مؤسسة كبرى مثل "الشؤون الدينية" في تركيا دورا هاما في عودة المجتمع لأصوله الإسلامية، وتنتصر لقيم الحق والعدل والحرية.

ظهر ذلك جليا في 15 يوليو/ تموز 2016، عندما شهدت البلاد محاولة انقلاب فاشلة نفذتها عناصر من الجيش، حاولوا خلالها السيطرة على مفاصل الدولة ومؤسساتها، وإسقاط نظام الحكم الذي يقوده حزب العدالة والتنمية، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

في تلك الليلة الملحمية الخالدة، التي تصدى فيها الشعب التركي للانقلابيين، كان للمساجد دور بارز في التاريخ التركي الحديث، إذ صدحت المآذن، بالآذان، وقراءة آيات من القرآن الكريم، ورددوا الصلوات على النبي، طيلة ليلة الانقلاب، تشجيعاً للمواطنين ليخرجوا للشوارع والميادين لمواجهة العسكر، ومنعهم من تنفيذ مخططهم.

انقلاب السيسي

هذا الدور الذي لعبته المؤسسة الدينية الرسمية في تركيا، كان على النقيض تماما من موقف مؤسسة الأزهر بقيادة الدكتور أحمد الطيب الذي أيد الانقلاب العسكري في مصر في 3 يوليو/تموز 2013 قبل أن تتوتر علاقته فيما بعد مع السيسي، وكذلك فعلت أيضا دار الإفتاء المصرية بقيادة الدكتور شوقي علام. 

وزارة الأوقاف أيضا بقيادة الوزير محمد مختار جمعة، ومنذ الانقلاب العسكري وتعيين جمعة خلفا للدكتور طلعت عفيفي الذي رفض الانقلاب، وتغيير نظام الحكم المدني إلى نظام عسكري تحولت الوزارة إلى أداة طيعة لتنفيذ سياسات السيسي وخطته لتقليص وتحجيم دور المسجد، والتضييق على العلماء.

في مارس/ آذار 2019، نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، تقريرا، حول "مسؤولية بعض الحكومات العربية والإسلامية عن تغذية خطاب الإسلاموفوبيا، كجزء من حملاتها ضد المعارضة داخل بلادها وخارجها، خاصة مع إقامة تلك الأنظمة تحالفات غير معلنة مع الجماعات المحافظة واليمينية وشخصيات في الغرب تكرّس نفسها لدفع التعصب المناهض للإسلام"

وأكدت المجلة أن "تلك الأنظمة كلما ازداد الضغط عليها من قبل الغرب، ازدادت انحيازا نحو أقطاب اليمين المتطرف في الغرب، وتوسلا بخطاب التخويف من التطرف والإرهاب، وأنه البديل الوحيد لها حال سقوطها".

مملكة ابن سلمان

في 28 سبتمبر/ أيلول 2017، نشر موقع الحرة الأمريكي، تقرير عن إستراتيجية محمد بن سلمان للتحديث في المملكة، ورد فيه "لقد اتخذت السعودية خطوات تجاه العلمانية ولكن الأمر يحتاج وقتا لقياس ردود الفعل". 

ومنذ صعود ابن سلمان إلى ولاية العهد في يونيو/ حزيران 2016، بدأت السعودية رويدا رويدا الانقلاب على هويتها الدينية وقيمها المحافظة، والاتجاه نحو العلمنة والانفتاح الغير منضبط. 

وفي 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2017، على هامش الجلسة النقاشية لـ "مبادرة مستقبل الاستثمار" التي انطلقت فاعليتها في الرياض، قال ابن سلمان: "مشروع الصحوة انتشر في المنطقة بعد عام 1979 لأسباب كثيرة، فلم نكن بهذا الشكل في السابق، نحن فقط نعود إلى ما كنا عليه، إلى الإسلام المنفتح على جميع الأديان والتقاليد والشعوب".

وأكد ابن سلمان: "70% من الشعب السعودي تحت سن الـ30، وصراحة لن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار متطرفة، سوف ندمرهم اليوم، لأننا نريد أن نعيش حياة طبيعية تترجم مبادئ ديننا السمح وعاداتنا وتقاليدنا الطيبة، ونتعايش مع العالم ونساهم في تنمية وطننا والعالم".

الانفتاح الذي يقصده ابن سلمان تمثل في التنكيل بكبار الدعاة والعلماء، خاصة من يطلق عليهم تيار الصحوة الذين حملوا لواء الدعوة لعقود، ومن بينهم الدكتور سلمان العودة، والشيخ سفر الحوالي، وكلاهما يقبعان في سجون الأمير.